|
مع مصر الشعب ..ضد الثنائية
مهند عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 3749 - 2012 / 6 / 5 - 12:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عانت "مصر الشعب" طويلاً من ثنائية "البيروقراطية الأمنية من جهة، والأصولية الدينية في الجهة الأخرى". وكانت حدة الاستقطاب لا تسمح بوجود جهة ثالثة تشكل خياراً ثالثاً. وكانت الحرب الداخلية المستعرة حيناً والصفقات المبرمة خلف الأبواب بين القطبين وامتداداتهما الإقليمية، تقوّض كل الهوامش الناشئة والمستجدة لقطب ثالث. وفي لحظة تاريخية فارقة كسرت الانتفاضة الشعبية الكبرى احتكار قطبي الصراع اللذين ينتميان للرأسمالية التابعة. خرج المارد الشعبي من القمقم فاتحاً الأبواب على مصاريعها للتغيير ولبناء نظام ديمقراطي مستقل ومنتج، يضع مصر على سكة التطور الاقتصادي والاجتماعي، ويمكنها من استعادة عافيتها الداخلية والخارجية في مدى زمني متوسط. كانت فرحة الشعب المصري لا توصف، وكذلك الشعوب العربية وكل أصدقاء ومحبي مصر الحضارة. مقابل ذلك ارتعدت فرائص كل القوى التي أوقعت مصر في علاقات التبعية والتخلف والظلام. اكتفى المنتفضون بإسقاط العائلة الحاكمة والحلقة الضيقة المحيطة بها، وتناسوا حقيقة أن الطبقة الحاكمة ومؤسستها العسكرية ومافيا الاقتصاد وكبار الرأسماليين ومؤسساتهم لن يرفعوا راية الاستسلام رغم انحنائهم أمام العاصفة، كذلك الحال فإن حلفاءهم في الخارج لن يسلموا بالأمر الواقع. اكتفى المنتفضون بتضامن الشعوب العربية الوجداني، ووقعت بعض النخب من داخل الانتفاضة فريسة لتدخلات خارجية وإقليمية تحت بند دعم الانتفاضة والمنتفضين. وشيئاً فشيئاً اختل ميزان القوى داخل مصر. وكان العنصر الحاسم في الاختلال هو التحالف بين قطبي الثنائية (البيروقراطية – والأصولية الدينية). فالإخوان المسلمون الذين التحقوا بالانتفاضة متأخرين ومترددين، سرعان ما وضعوا قدماً على أرض الانتفاضة ووضعوا القدم الأخرى على أرض النظام. ولم يمض وقت طويل قبل أن ينتقلوا بالكامل إلى أرض النظام. وخاض القطبان الحليفان (المجلس العسكري والإخوان) المعركة المشتركة "التعديلات الدستورية"، ورفضوا وقاوموا مطالب المنتفضين الثورية في إسقاط "وصاية العسكر" لمصلحة حكومة انتقالية تعبر عن الانتفاضة وتهيئ الظروف للانتقال إلى المرحلة الجديدة، إلى الجمهورية الثانية الديمقراطية. بل لقد شكل الإخوان المسلمين رأس الحربة ضد الوضع الثوري الجديد. ودفعوا الأمور نحو الانتخابات البرلمانية المتسرعة التي كانت بحاجة إلى المزيد من التحضير الكافي لوضع حدود فاصلة بين الوضع القديم والوضع الجديد، الانتفاضة والنظام، الديمقراطية والإقصاء، مافيا الاقتصاد ورجال الأعمال والفقراء والمعدمين، الحرية وأعداء الحرية. وكل ذلك من أجل الانتقال السلمي للسلطة وإعادة بناء النظام الجديد. حصدت الأصولية الدينية أكثرية الأصوات في البرلمان، تبعه تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور من لون واحد تقريباً، ثم جرى الانتقال للانتخابات الرئاسية، وهنا وقع الخلاف بين الحليفين. خلاف على الحجوم التمثيلية والاستئثار بالحكم. غير أن نتيجة الانتخابات الرئاسية وفوز رمزي الثنائية شفيق ومرسي (بيروقراطية وأصولية) أعاد الشعب المصري إلى المربع الأول، إلى ثنائية ما قبل الانتفاضة، إلى الأزمة الشائكة، لأن القطبين جزء من المشكلة وليس الحل. عاد الشعب المصري إلى المفاضلة السلبية بين سيئ وأسوأ، بين خطر وأكثر خطورة. في الوقت الذي طرحت فيه الانتفاضة حلولاً إيجابيةً بعيداً عن الثنائية وفي مواجهتها. ثم جاءت محاكمة مبارك والعدلي بالسجن المؤبد وتبرئة نظام كامل من مسؤوليته عن إيصال مصر إلى الحضيض. ليطبق الخناق على الشعب المصري. المحاكمة لَخَّصَت الوضع برمته، وكشفت عن ميزان القوى الداخلي الحقيقي. لقد قدم النظام كبش فداء بطريقة مفرطة اللين وأغلق الستارة على مرحلة تاريخية كاملة، وعن أبطالها الفعليين. أغلق ملف فقر الشعب المصري وتدهور مكانة مصر الاقتصادية وتبعيتها السياسية والاقتصادية، وعن دور النظام في اعتماد الحلول الإسرائيلية الأميركية للقضية الفلسطينية، عن النهب والناهبين والفساد والفاسدين، عن تدهور التعليم والثقافة، وعن امتهان الحرية والكرامة. جرى وضع كل هذه القضايا جانباً، ولم يجد النائب العام والقضاء المصري في ملف القضية غير مسؤولية مبارك والعدلي - فقط لا غير - عن موت مئات المنتفضين. كان المطلوب محاكمة نظام وإدارة، وفتح ملفات الاقتصاد، وملفات الفساد والحريات، والدور السياسي والتبعية. لم تكن المشكلة أبداً في حكم أقسى أو أقل قسوة. ما حدث لم يكن مفاجئاً، لأن الخصم والحكم واحد. كان من المفترض أن تتولى لجنة تحقيق مهنية مستقلة تختارها قوى الانتفاضة بالاستناد لمعايير مهنية ووطنية صارمة، لمحاكمة نظام ومرحلة تاريخية. كان ينبغي لحكومة وطنية مدنية أن تقود المرحلة الانتقالية، تكون مهمتها الإعداد للمرحلة الجديدة بما في ذلك تشكيل لجنة تضم أهم الكفاءات لوضع مسودة دستور. كل ذلك لم يحدث وجرت محاربة الداعين إليه من قبل تحالف العسكر والإخوان. الآن كل ما يهم الإخوان المسلمين هو تجيير المحاكمة الهزلية لإضافة أصوات جديدة ولإبرام صفقات هدفها فوز مرسي مرشح الإخوان للرئاسة. ليس أدل على ذلك من الكرنفال الذي أقامه الإخوان في ميدان التحرير لاستقبال مرسي في سياق الاحتجاج على المحاكمة. وعندئذ وفي حالة فوزه، سيتم تجديد الصفقة مع المجلس العسكري المترافقة مع صفقة مع الأميركيين يحتل الالتزام باتفاق (كامب ديفيد) مركزها. كل ما يهم الإخوان هو حسم السيطرة على السلطة والمجتمع مقابل صفقات بأبخس الأثمان، ولا يهم مصلحة وحرية مصر والمصريين. كل وعود وتعهدات وخطابات قيادة الإخوان السابقة ذهبت هباء منثوراً. خياران كلاهما مر، أظن أن أي تصويت لمرسي أو لشفيق، يعني المساهمة في عودة مصر إلى المربع الأول، وإعادة تجديد النظام القديم بمستوى عال من التشوهات، والأخطر من ذلك هو إحباط الجماهير المنتفضة. أما مقاطعة الانتخابات فهي تصب لمصلحة الثنائية السلبية أيضاً. غير أن التصويت بورقة بيضاء والسعي ليكون أصحابها الكتلة الأكبر، هو الموقف الأقرب للصحة. التصويت بورقة بيضاء يعني رفض الثنائية واستمرار الانتفاضة واستمرار السعي لتحقيق أهدافها، بعد سقوط كل الأقنعة.
#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم قتلت الطفولة في -الحولة-
-
من يحمي الشعب السوري ؟
-
قمة بغداد والتحدي المستحيل
-
الأدب هو الاشجع في كشف المستور وطرح الاسئلة
-
خديعة صناديق الاقتراع
-
سقط الطاغية ونظامه الجملكي وبدأت مرحلة البناء
-
الشعب يريد : محاكمة من قتل جوليانو ؟
-
الحراك الاسرائيلي .....الى اين؟
-
ارفعوا ايديكم عن حماة!
-
من هم اصدقاء النظام السوري؟
-
إنطفاء .....اليسار !
-
نداء آية براذعية * ما زال يطن في الأذن!!
-
اللا معقول في تصفيق الكونغرس ....ومبايعة نصر الله
-
فعاليات إحياء الذكرى63 للنكبة تحيي أملا جديدا
-
هل تجاوزت حماس وفتح اختلالاتهما؟
-
هل يملك النظام السوري حلا للأزمة؟
-
جول خميس وفوتوريو اريغوني ....شجاعة ونبل
-
اغتيال جوليانو خميس ...اغتيال لثقافة الحرية
-
القذافي هو المسؤول عن استدعاء التدخل الخارجي
-
ثقافة ثورية إنسانية ...وثقافة فاسدة
المزيد.....
-
مهرجان للأضواء في كوبنهاغن.. المدينة تشعّ نورا يكسر رتابة ا
...
-
حادث عرضي وليس تخريبًا: السويد تكشف أسباب قطع كابل بحري في م
...
-
عشية زيارته لتركيا: الشرع يتحدث عن الانتخابات وسلاح -قسد-
-
بروكسل ترد على مطامع ترامب حيال غرينلاند
-
العراق.. تريث إزاء المشهد السوري
-
تقري أممي يشير إلى فشل في تطبيق قرار تجميد الأصول الليبية
-
الشرع إلى تركيا بدعوة من أردوغان
-
الأنصاري: نأمل أن يطلب ترامب من نتنياهو الوفاء بتعهداته وإرس
...
-
نتنياهو في واشنطن.. هل يستجيب ترامب لمطالبه؟
-
مفاوضات وقف إطلاق النار.. -حماس- تتهم إسرائيل بـ-المماطلة-
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|