هشام صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3748 - 2012 / 6 / 4 - 22:01
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
من خلال هذه السلسلة ( موضوعات حول الدوغمائية ) ناقشت عدة جوانب فكرية للدوغمائية في الماركسية , و أغلب هذه الجوانب الفكرية هي الستالينية ,و في مقال ( في نقد التصنيفات الدوغمائية ) تم نقد التصنيفات التي يطلقها بعض ماركسيونا على الآخرين بشكل دوغمائي و جاف . و في الجزء الأخير من هذه السلسلة الصغيرة , لا بد منا أن نعود إلى الأساس الفكري الذي رسم الماركسية في هيئة دوغمائية , و هذا الأساس يفرض علينا أن ننتقده لكي نفهم ما الخلل الذي حدث. فستالين لم يستيقظ في صباح يوم من الأيام و قال أنني سأقتل شعبي , أو قال أنني سأقمع شعبي بأسلوبي الستاليني الخاص , فلا بد أن نعترف – و بشكل مؤلم – أن من خلق الطابع الستاليني في الاتحاد السوفييتي و في الفلسفة الماركسية أساساً هو لينين أو كما يحب البعض " اللينينية " . فالممارسة اللينينية كانت بلا شك لها نزعات دوغمائية , سواء كانت في الفكر , أو في التطبيق . كان لينين معروفاً بعناده الشديد و مدى حزمه و صرامته في المسألة الفكرية , هذا جميل من المنطق الوجداني أو العاطفي , و لكنه غير عقلاني و غير صحيح حين نناقش الأمور فكرياً , فلينين لا شك بأنه من كبار المفكرين الماركسيين في القرن العشرين و قد ترك بصمة في التاريخ لا يمكن أن يزيحها أحد , و لكن ممارسته سواء قبل الثورة أو بعدها كان لها طابعاً دوغمائياً ساعد في ظهور الستالينية أو شخصية ستالين الدوغمائية.
للينين كتابات ترفض التطرف و الدوغمائية, و لكن في أحيان أخرى , بوعي أو دونه , يعزز الطابع الدوغمائي في الماركسية . كتابات لينين تختلف قليلاً عن التطبيق , فهو – من الناحية التطبيقية – رفض وجود الأحزاب المعارضة و جعل الحزب البولشفي الحزب الرسمي الوحيد , فهو بهذه الحالة حول مفهوم دكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية الحزب الواحد , فالقوة للحزب فقط لا للشعب .و ربما يستطيع المرء أن يتفهم لماذا فعل لينين ذلك ( بسبب الحرب الأهلية ) و لكن لا أحد يغفر لهذه الخطيئة , خطيئة لينين , الذي جعل الحزب البولشفي الحزب الحاكم الوحيد , و بهذا تم هناك فصل كبير ما بين الشعب و الحزب.
و هذه الخطيئة لاحقاً أدت إلى صعود ستالين إلى كرسي الحاكم , الذي استشهد بمقولات لينين ليلاً و نهاراً , و جعل من لينين رمزاً إلهياً للناس . فالسيطرة الحزبية , بالضرورة تسعف في ظهور عبادة الفرد , و بالرغم أن لم يعبد أحداً لينين أثناء فترة حكمة , إلا أنه تم تقديسه بصورة إلهيه بعد موته , فمقولاته و أفعاله و كتابته أصبحت مقدسه في أدبيات الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي . فخطيئة لينين أساساً هو السماح بالهيمنة الحزبية في أرجاء الأتحاد السوفييتي , و بهذا قمع الأفكار و الأحزاب الأخرى , و هذا ما جعل أو أدى إلى تكوين حزب أكثر بيروقراطي و أكثر دوغمائي .
تتنبأ روزا لوكسمبورغ : (( من دون إنتخابات عامة , من دون حرية الصحافة و التجمع الغير مقيدة , من دون الصراع و الخلاف الفكري الحر A Free Struggle of Opinion , تموت الحياة في كل المؤسسات العامة , تصبح شيئاً شبيهاً بالحياة , حيث ستصبح البيروقراطية العنصر الوحيد الفاعل . ( ...) هذه ليست دكتاتورية البروليتاريا , بل أنها دكتاتورية حفنة من السياسيين, هذه الدكتاتورية بالمعنى البرجوازي .. )) ( الثورة الروسية , مشكلة الدكتاتورية ) (Marxists Internet Archive )
فهنا بكل ذكاء و بداهة تتنبأ روزا لوكسمبورغ – التي أبديت إعجابي بفكرها في المقالات السابقة – أن موت الحياة في المؤسسات العامة يسببها قمع الأفكار الأخرى , أيّ , بكلمات أخرى الدكتاتورية , و تتنبأ أن مع موت الحياة في المؤسسات العامة ستأخذ البيروقراطية مجراها و ستصبح العنصر الوحيد الفاعل , و تتفوه بعبارات ثورية و صريحة بأن هذا النظام الذي وضعه لينين نظام دكتاتوري بالمعنى البرجوازي و ليس البروليتاري .
و لنلاحظ أن روزا لوكسمبورغ كتبت هذا عام 1918 , أيّ , فترة حكم لينين , أو بدايات حكمه. فلينين – مع الأسف الشديد – وضع التربة الأساسية لبيروقراطية الحزب و بهذا الممارسة الدوغمائية في الفكر , فحين يصبح الحزب بيروقراطياً يريد توسيع نفوذه عملياً و فكرياً , ففي الناحية العملية , نجد قمع الحريات و قمع الأراء , و يتم تبرير هذه الفعلات من الناحية الفكرية , بأن لينين قال " هكذا " و " كذا " و لا بد منا أن نسمع كلامه , و هذا بالضبط ما فعله ستالين , في أغلب مقالاته و خطبه يستشهد بمقولات لينين , فهو بهذا يريد أن يؤسس قاعدة فكرية قوية و صلبة , تنسب إلى شخص واحد إلى القائد , فستالين من جانب لا يريد لينين أن يتفوق عليه في ناحية عبادة الفرد , و من جانب آخر لا يريد ستالين أن يفصل نفسه عن لينين , فهو يستشهد بأفعال لينين و مقولاته و يحث على تطبيقها , فهنا لينين لا علاقة له بأي شيء , فهو تحول إلى أداة أستخدمها ستالين بذكاء ليضمن كرسيه , ففي الأفلام السوفييتية كان ستالين دائماً يظهر بأنه " يد " لينين الأيمن , و لا يستطيع لينين أن يتخلى عنه , و أنه هو المحرك الأساسي و النشط للثورة , بينما في الحقيقة تروتسكي هو القائد الميداني للثورة الروسية , أما ستالين كانت له مهمات أخرى أقل أهمية من أدوار و مهمات تروتسكي . و لينين فوق ذلك , لم يكن له علاقة وثيقة جداً مع ستالين , و لا يمكننا أن ننكر أن كان للينين و ستالين علاقة رفاقية نوعاً ما أو شبه قوية , و لكنها لم تكن قوية جداً , و لكي نثبت هذه الحقيقة , بالرغم أن لا علاقه له بالموضوع الأصلي , أقتبس من رسالة أرسلها لينين إلى ستالين عام 1923 :
(( إلى الرفيق ستالين , أنت كنت وقحاً جداً في تعاملك مع زوجتي بإستخدامك كلمات بذيئة أثناء محادثتك معها. بالرغم أنها أخبرتك أنها مستعدة نسيان ذلك , الحقيقة على أية حال أصبحت معروفة خلالها إلى كامنييف و زينوفييف . أنا لا أملك أي نية في نسيان بكل سهولة ما حصل ضدي , حيث كل ما يحدث ضد زوجتي أعتبره شيء ضدي كذلك . و لهذا أطلب منك أن تفكر ملياً أن كنت مستعداً أن تسحب ما قلته و تعتذر , أو تعتبر أن العلاقة التي تجمعنا يجب عليها أن تنقطع )) (Marxists Internet Archive )
فهنا نجد أن العلاقة ما بين لينين و ستالين متوترة , و كما يعرف الجميع أن لينين أوصى بإقالة ستالين من منصبه لوقاحته , فهنا نجد أن العلاقة ما بين لينين و ستالين في أيام لينين الأخيرة لم تكن تلك العلاقة القوية – كما يزعم البعض - بل كانت مهزوزة و هشة , فستالين بكل وضوح أستخدم لينين كأداة لتعزيز قوته في الحزب . فلولا " خطايا " لينين السياسية لما تمكن ستالين من أن يمارس قوته بهذا الشكل الدكتاتوري , فلينين , بوعي أو دونه , ساهم بشكل ما في تعزيز الدكتاتورية الستالينية و تعزيز الدوغمائية .
فالجذور الفكرية للدوغمائية في الماركسية , لابد أن تنسب إلى أسلوب لينين في تطبيق أفكاره , فهو فوق كل المديح كان يملك نزعات دكتاتورية , سلطوية BOSSY نوعاً ما , فأنشأ دكتاتورية حزب الواحد و عزز قوته , فهذه خطايا لا يمكن أن يغفر لها أحد , و لكن فوق ذلك كله توقع لينين أن ستالين لا يصلح لمنصب " الأمين العام " , و لكن , بعد فات الآوان. و في ذاك الوقت قد عزز ستالين قوته في الحزب , فاللينينية بالضرورة أدت إلى تكوين الستالينية و بهذا الطابع الدوغمائي في الناحية الفكرية , فالبارغم من أن لينين لم يدعو إليها , و لكن أفعاله ساهمت في ذلك و قد أستفاد ستالين منها بطريقة شيطانية عبقرية .
(( الحقيقة معي, و لكن حقيقتي فظيعة ! ))– نيتشة ( هكذا تحدث زرادشت ) .
#هشام_صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟