|
(7-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3748 - 2012 / 6 / 4 - 12:19
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثاني: المرحلة التموزية / القاسمية: (الجمهورية الأولى 14 تموز 1958- 9شباط 1963) (7 -8) عقيل الناصري عِبَر المرحلة ودروسها:
تضافرت وتفاعلت عديدٌ من العوامل والظروف على خلق مناخ زمني تكاثرت فيه وتكالبت الصراعات السياسية والمحاولات الانقلابية، وأصبح العنف المادي المتبادل سيد الموقف، بعد انحسار النقاش والسجال الفكريين، حتى أمسينا ضحايا بعضنا البعض الآخر، بقدر ما نحن ضحايا أفكارنا وممارساتنا عن الأنا والآخر. ودخلت القوى الاجتماعية الحية (وحتى الواهنة) في خضم الصراع العنفي عبر الأحزاب السياسية، التي سبق ان كانت مؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني، وتلك التي انبثقت للوجود بعد الثورة. لقد أنشطرت عمودياً ساحة الصراع السياسية إلى قطبين متقابلين ومتناقضيين: الأول: تمحورت فيه وتخندقت القوى المتضررة من ثورة 14 تموز أو/ ومسيرتها اللاحقة، وضم مجاميع متباينة من حيث التوجهات الفكرية والتصورات المحتملة للعراق القادم. إذ ضم عديداً من أحزاب التيار القومي على تعددها، ونواته الاستقطابية المركزية كان حزب البعث، كما ضم بعض تيارات القوى الدينية (الشيعية والسنية) وكذلك بقايا الاقطاعية والعهد الملكي والأرستقراطية التقليدية في المدينة والريف والضباط المغامرين وغيرهم. أما الثاني: فقد تمركزت فيه قوى الثورة، المنظمة وغير المنظمة، والتي شملت أغلب القوى التي كانت تنادي بأولوية عراقية العراق، والتي مثلها التيار الوطني المستقل، الأوسع كماً، والديمقراطي (الحزب الوطني الديمقراطي) واليساري الرديكالي الأكثر تنظيماً، وكان مركز هذا القطب يتمحور حول عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي والكثير من قوى الكردية. لقد تميز وآل الوضع آنذاك إلى تحالفات سياسية متحركة غير ثابتة من جهة، كما أن بعضها لم تكن منطقية وبعيدة عن الموضوعية في تصوراتها من جهة ثانية. إذ فقدت بوصلتها الحقيقية المتطابقة مع المرحلة وضروراتها، وتناقضت مضامينها مع الرغائب التي كانت تصبو إليها هذه الاحزاب. وجمعت هذه التحالفات، من جهة ثالثة، بين متناقضات كانت بعضها ذات طبيعة تناحرية، وفلسفاتها كانت مختلفة لا يجمعها جامع بتوجاهتها البعيدة، على الأقل. إذ يصعب تصور: - إلتقاء العلماني (الجمهوري) من التيار القومي مع القوى السلفية؛ - بين الحركة القومية العربية المتحررة في جوهرها مع قوى الماضي القريب مع أنصار الملكية؛ - بين التيار الليبرالي الحديث النشوء وشيوخ العشائر والقوى التقليدية؛ - بين دعاة الاستقلال الوطني والتحرر الاجتماعي والمراكز الرأسمالية الغربية؛ - بين قوى اليسار وعدم تمكنها من بعث روح التحالف الواسع مع التيارين الوطني والقومي (بشقيه العربي والكردي)؛ - بين قيادة الحزب الوطني الديمقراطي وإنعزاليتها عن الحكم الذي يمثله طبقياً؛ - بين قوى اليسار وصراعاته الفعلية مع التيار القومي الكردي ؛ - بين هذا الأخير وتحالفاته مع أعداء تطلعاته القومية التحررية، داخلياً وخارجياً؛ كما لم تستطع البرجوازية الوطنية أن تلعب الدور الوسيط الحيوي للعلاقات المتبادلة بين الطبقات الاجتماعية.في الوقت أن المرحلة وظرفها الموضوعي ألقت على عاتقها مثل هذا الدور.. أنه كان دورها وزمان استنهاض ذاتها وتحقيق التتنمية العامة وفق منظورها. لكنها ضيعت فرصة تاريخية منشودة نتيجةً: لتخلفها الموضوعي في إستيعاب هذه الضرورة وفهم قوانينها ومكونات ممارستها، وذاتياً بسبب قصور الطبقة وتشوه ولادتها وبالنتيجة عدم تبلورها، كذلك الطابع الأنوي/الذاتوي الذي كسى ممارسات قيادتها (وتحديداً الزعيم الوطني كامل الجادرجي) ومكوناتها الفكرية التقليدية إلى حدٍ بعيد. هذا التخلف البنيوي يسري على كافة الطبقات والفئات الاجتماعية وقواها السياسية المناظرة. بمعنى آخر كان هنالك خلل وظيفي كبير لدى الاحزاب السياسية ، سواءً في خطابها السياسي ذي العناوين النضالية الكبيرة، أو في بنيتها العقائدية، أو في هيكليتها التنظيمية الخالية من البعد الديمقراطي، والنافية للتنوع في الآراء والمانعة من الجدل الداخلي حول القضايا المصيرية، مما أفقدها القدرة على التكيف مع الواقع المخالف، أو الاتفاق على قواعد عمل لممارسة اللعبة السياسية ضمن الاقرار بالأخر المعارض، مما أوقعها جميعها في النرجسية التي تمثلت في الطاعة المطلقة للقادة الذين يختصرون قواعد الحزب ومثله خاتمة المطاف، في شخص سكرتيره (كشكل متطور من العلاقة الأبوية البطريكية)، المقترنة باليقينية المركزة لعقيدة الحزب وبالتالي نمذجة مثالية للسلوك الاجتماعي للعضو الحزبي. كما تجلت النرجسية في مفهوم (وحدانية التمثيل) ذات البنية الشمولية [المؤسسة على حقائق متعالية، غير قادرة على استيعاب تنوعات المجتمع، أو احتضان تلوناتها وتبني تطلعاته، فالمجتمع لا يحكمه التجانس ولا توحده عقيدة ولا يجمعه تصور مشترك، وهو بذلك لا تعبر عنه أحزاب ذات هيكلية عقائدية متناسقة أو أحادية التوحيد لفقدان البنية التي تؤهله أن يطل على المجتمع كله. وضعية هذه الاحزاب، ألغت دورها الجوهري كوسيط بين الرأي العام والسلطة، وكحلقة وصل بين ممارسة الحكم وتطلعات المجتمع... غياب هذا الدور أفقد الاحزاب قدرتهاعلى مواكبة الحدث المجتمعي. وأعجزها عن وضع برامج أو مشاريع تعالج قضايا المجتمع الشاملة... ] في ظروف معقدة كما كان في العراق آنذاك. هذه الظروف وما نجم عنها أجبر الزعيم قاسم أن يلعب بشكل متميز دور الوسيط للعلاقات المتبادلة بين الطبقات الاجتماعية وتحجيم صراعات مصالحها. كما حاول في الوقت نفسه إشراك قيادات مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية وقياداتها الحزبية في تحقيق هذه الصيرورة، ورفض ان تترك له وحده. لقد استوعب (هذا العسكري) أهم الحلقات المركزية للمرحلة، في الوقت الذي تخلف فيه القادة السياسيون عن فهم جوهرها ناهيك عن فهم ذاتهم الحزبية وحراكها المستقبلي . تدلل السياسة الاجتصادية التي تبناها الزعيم قاسم، ومكونات خطابه السياسي والمعرفي على ما توصلنا إليه. إذا حسبنا سياسته من منظور الاثار الواقعية المترتبة على خيارات العمل المتاحة في ظرفها الزماني والمكاني، وقيمتها التاريخية. لقد وضعته الاحداث المتناقضة؛ التناحرية واللا تناحرية؛ المستجدة والقديمة؛ التي معه أوعليه؛ في ماهية جوهر الظاهرة العراقية على تعدد أشكال تحققها وتنوعها. وتجلى أحساسه بها في كونه رفض أن يوزع ذاته (كقائد للعملية التغيّرية) بين أطرافها المتعددة والمتصارعة. لأنه هدف إلى المحافظة على توازن القوى بين هذه الاطراف، وخاصة القريبة من الثورة، وليس اللعب على حبل تناقضاتها، كما يذهب العديد من المؤدلجين ضيقو الافق الفكري والمنهجي وغير المستوعبين لواقع العراق الاجتماعي/السياسي وموقعه، ولقانونيات الثورة الوطنية في البلدان النامية. خاصةً في واحدة من أهم مناطق النزاع الدولي وأكثرها حساسية. حاول الزعيم قاسم بكل جهده إقناع القوى السياسية المتصارعة بإعلان الهدنة فيما بينها، وطالبها بالتمييز بين أرأسيات الصراع من ثانوياته؛ والتفكير في متطلبات الواقع والطموح المرغوب؛ والتفريق بين المصلحة الحزبية (بالمفهوم الضيق) والمصلحة الوطنية؛ بين الأهم والمهم؛ ومن أجل العمل سوية لإنهاء متطلبات المرحلة والانطلاق من الوطن كتكوين اجتماعي/سياسي ولتعضيد وحدته وهويته الموحدة. كان الزعيم قاسم يحاول ردم الهوة بينهم بالاقناع بل وحتى بالتوسل إليهم عندما خاطبهم مرة بالقول: [أيها الشيوعيون والقوميون والديمقراطيون والآخرون، أنا أتوسل إليكم لتتذكروا أنكم أبناء وطن واحد ومن واجبكم الدفاع عن الجمهورية. أوقفوا خصامكم العقيم ووجهوا جهودكم إلى جعل العراق دولة حديثة وغنية]... [انني أوصيكم في حياتكم العملية بالتعاون والتسامح فيما بينكم... أرجو منكم بعد هذا اليوم أن لا تطغي فئة على أخرى]... [انكم شركاء في هذا البلد كما نص عليه الدستور]... [أرجو منكم أن تتجردوا من أسباب التفرقة والاحقاد، وليكن شعاركم المودة والاخوة بين الجميع، حتى نستطيع رفع مستوى الشعب... إن أسلافنا عاشوا في هذه البلاد قبل أن تدخلها المسيحية والاسلام... كنا دائماً آنذاك أخوة نعيش معاً في السراء والضراء... لا فرق هناك بين الطوائف والقوميات وسنتعامل بتسامح... الحقوق ستكون متساوية لكل الافراد، كي نحقق أهدافنا وهو رفاه هذا الشعب]. تنسجم هذه المفاهيم وتتماثل مع أسس مقومات المجتمع المدني المنطلقة من فهم القيم الاجتماعية الضرورية لديمومته وتطوره. كم نحن العراقيون، بحاجة إلى مثل هذه الافكار التي تنبذ القيم الدنيوية البالية والمعيقة للتطور الاجتماعي؛ وتقنن صراعاته، خاصةً غير المبررة، وتنبذ استلام السلطة بالطرق الانقلابية ؛ والتي تنطلق من واقع الشعب العراقي بكل طبقاته وأثنياته وعلى تعدد دياناته وطوائفه، ليس سابقاً فحسب بل الآن وفي المستقبل المنظور. لم يخل خطاب واحد للزعيم قاسم، دون التذكير بأهمية التسامح والتعاون، بل ترجمها عملياً في سياسته التي خلت من التمييز والتفرقة ومنح الامتيازات للأفراد والجماعات على حساب المصلحة العامة وكسر حلقات الطائفية السياسية. كان هذا الزخم الأخلاقي: [... دائم التكرار في خطب قاسم، وعلى ضوء ما حدث من قبل ومن بعد، فمن الصعب أن ننكر أن هذه الآراء هي الأصلح للعراق مما كان يريده خصومه في فرض آرائهم على من يخالفونهم فيها. وكانت النتيجة خلافَ ما كان يدعون إليه... وفي دعوته للعراقيين أن ينبذوا خصوماتهم واختلافاتهم من أجل خير الوطن، كانت غريزة قاسم أصح من غريزة خصومه... وبالنسبة إلى الشؤون الداخلية أبدى قاسم نظرة أكثر تقدماً من جميع أسلافه وخلفائه... ولا شك أن نظرته هذه تأثرت بظروفه في مستهل حياته. وكانت أعماله تنسجم مع دعوته المتكررة والملحة إلى ضرورة الوحدة الداخلية في العراق,,, ] . ان مضامين وماهيات هذه الاقوال ترد، بقوة الموضوعية، على ما ذهب إليه الباحث الاكاديمي حنا بطاطو الذي اتهم فيه الزعيم قاسم بأنه لم يكن يريد التوسط بين القوى السياسية المتناحرة آنذاك، عندما أشار إلى أن الزعيم قاسم لم يسمح [... لأي من القوتين بأن تصبح شديدة القوة أوالسماح للقوتين بالاتفاق فيما بينهما... ]. إن هذا الاستنتاج بكليته لم يستطع أن يبرر ذاته العلمية، كما أنه لم يغور في عمق تاريخ وتشابك المناخ السياسي الذي شهده عراق ما بعد تموز 1958، ولا جوهر الصراع وماهياته من جهة، وطبيعة ونفسية عبد الكريم قاسم وإدارته للسلطة من جهة ثانية، ولا لطبيعة الحوارات التي أجراها الزعيم قاسم من جهة ثالثة. لكن كان الاستنتاج صحيحاً إلى درجة عالية فيما يتعلق بالشق الأول. إذ لم يرغب الزعيم قاسم وفي خضم الصراعات الدموية والاحتراب المادي والمعنوي، من بروز قوة تهيمن على الواقع السياسي/الاجتماعي برمته، خوفاً من العواقب التي ستنفجر بين المكونات الاجتماعية الشديدة التناقض والتباين، سواءً الاثنية أو الاجتماعية، الدينية أو الطائفية... الخ لذا ومن واقع مسؤوليته السياسية والاخلاقية إزاء الوطن ومنظومة أفكاره الاصلاحية، لم يسمح لاحدى القوتين أن تكون شديدة البأس وتسيطر على المجتمع برمته، خاصةً بعد كسر شوكة حدة الصراع في هرم السلطة القريب منه ومن القرار السياسي المركزي. ان هذا التخوف من السيطرة الاحادية لم ينطلق من ذاتويته، كما يدعي كثيرون، قدر إحساسه العميق بتاريخ العراق الحديث ومشاكله المتعددة الأبعاد وخطورة سيطرة فئة واحدة تمهد السبيل إلى طريق الاستبداد، كما أن الظروف الموضوعية للبلد وامتداداتها الخارجية لم تكن تسمح بذلك. وهذا ما تنبهت إليه قوى اليسار العراقي ووعته في وقتٍ متأخر، منذ الثمانينيات وخاصةً بعد فشل تجرية التحالف مع حزب البعث العراقي. وأدركت أنه ليس بمكنة أي حزب أو فئة إدارة السلطة انفرادياً، وبالتالي تخلوا عن فكرة ((التحالف بقيادة الطبقة العاملة)) الذي تم رفعه منذ ثورة 14 تموز 1958.
الهوامش والملاحظات: 79- حمّل الاكاديمي (الكردي السوفيتي) آشيريان، الزعيم قاسم وزر عدم إتفاق الطرفين، عندما قال: لقد عمل النظام الدكتاتوري كل ما في وسعه من أجل عرقلة تعاون ولقاء القوتين السياسيتين الكرديتين في البلد وهما الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الكردستاني اللذان كان يشدان وراءهما جماهير غفيرة] الحركة الوطنية الديقراطية في كردستان العراق 1961 - 1968 تعريب لاتو - رابطة كاوا للمثقفين اليساريين الاكراد، بيروت 1978، ص 70. إلا أن المؤلف تناسى طبيعة العلاقات القلقة التي كانت قائمة بين الحزبين فيما يخص طبيعة حكم الزعيم قاسم، حيث أنطلق الأول من موقف (كفاح - تضامن - كفاح) في حين وقف الثاني، بعد عام 1961 موقفاً غير موضوعي بحيث تحالف حتى (مع الشيطان) حسب تعبير البارزاني الأب، مع أعدائه الداخليين والخارجيين، منها ما كان مع انقلابيي شباط، بغية إسقاط الحكم الوطني. وبهذا الصدد يشير البروفسور كمال مجيد إلى أن شاه إيران أدرك: [أن الهجوم على العراق عبر شط العرب، سيؤدي إلى خرق الحدود الدولية المعترف بها من قبل الطرفين، بل إلى حدوث نقمة شعبية بين عمال النفط الايرانيين قرب الحدود. كما كان بإمكان عبد الكريم قصف مصافي عبادان، مثلما فعل صدام فيما بعد. فلهذا قرر الشاه التركيز على أكراد العراق في الشمال واستخدامهم لإسقاط عبد الكريم مع الاستمرار في المطالبة بنصف شط العرب. بدا الاكراد عصيانهم ضد مخفر الشرطة على الحدود لكسب أفرادها إلى جانبهم وللاستيلاء على ما يمكن من الاسلحة. لكن المورد الرئيسي للمال والسلاح كان من قيادة السافاك الايراني التي أشرفت أيضاً على إيواء المشتركين في العصيان وتدريبهم داخل الاراضي الايرانية] النفط والاكراد، مصدر سابق، ص 45. ويشير المؤلف في ص 37 إلى أنه[قد ورد في التقريرالرسمي الذي قدمه السناتور أوتيس بايك، رئيس لجنة الاستخبارات الامريكية في مجلس الشيوخ (تم نشر خلاصة التقرير في جريدة الغارديان البريطانية يوم 20/10/1990) قال بايك: ان الحكومة الامريكية انفقت 16 مليون دولار على تسليح ومكافئة مصطفى البارزاني في حملته التي كلفت الشعب الكردي 35 ألف قتيل]. ص37. وقد نشرت الحكومة الأمريكية نص البرقية التي بعثت بها السفارة الأمريكية في بغداد ، إلى وزارة الخارجية في واشنطن بتاريخ 20 أيلول 1962 التي نصت: " زار السفارة موظف من الحزب الديمقراطي الكردستاني ، معروف أنه مسؤول بغداد في 18 أيلول 1962، وبتوجيه من الملا مصطفى وناشد الولايات المتحدة بقوة أن تساند الحركة الثورية للأكراد. وقال أنها تحتاج إلى المال الآن . وربما ستحتاج إلى السلاح لاحقاً, وادعى أن أغلب الشيوعيين في الحزب الديمقراطي الكردستاني قد صُفّوا، ومن بقى منهم سيزاح قريباً. بالمقابل ن يعد الملا مصطفى ب: 1- تطهير الحركة من كل مشبوه؛ 2- التعاون مع العناصر العربية العراقية المحافظة، والعودة بالعراق إلى حلف بغداد ، إذا ما رغب الأمريكان؛ 3- تزويدنا في الحال بمعلومات كاملة عن التطورات السياسية الداخلية أو العسكرية في كردستان أو المنطقة العربية في العراق. وإن هذا العرض يشمل الأكراد في سوريا وإيران إلى جانب العراق. وإن الأكراد ، كما قال، يقيمون صلات وثيقة وودية مع الإيرانيين في بغداد وطهران . وإن الإيرانيين وافقوا على عدم التدخل بشأن عبور الحدود، أو إيقاف المساعدات المقدمة للثورة من أكراد إيران، وهذا ما سر الملا مصطفى لكنه يرغب في الدعم المادي من إيران أيضاً. ويقول المسؤمل : إن الملا مصطفى يعتقد أن اقتراح منح الأكراد حكم ذاتي في إيران هو اقتراح جذاب بالنسبة للشاه. وإن للأكراد علاقات بالجمهورية العربية المتحدة ( صداقة ولكن بدون مساعدة) وكذلك مع السفارة السوفيتية في بغداد. والأكراد لا يرغبون في ( حرق كل الجسور) مع روسيا، ما لم يحصلوا على وعد من حكومة الولايات المتحدة على دعم حركتهم. وقال أنه شخصياً يستلم ألف دينار شهرياً من السفارة السوفيتية لبعض المؤيدين للششوعيين داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني. ولكن الأموال تذهب إلى مالية الحزب. والملا مصطفى لا يعتبر هذا المبلغ الصغير مساعدة للحركة . وقد طلب الأكراد المساعدة من الكويتيين ، لكن هؤلاء رفضوا ( وقد أكدت السفارة البريطانية هذه المعلومة) وإن الأنجليز ، كما يقول ، نصحوا بعدم إعطاء المال للثوار، وقد أيدت إسرائيل إستعدادها لدعم الأكراد في أوربا. لكن هؤلاء رفضوا، ليس لأن الأكراد ضد إسرائيل ، وإنما هم يخشون أن إسرائيل قد تعمد إلى فضح المعلومات، وسيلحق هذا ضرراً بالحركة في البلاد العربية. ويقول المسؤول عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن الملا مصطفى يعرف أنه بعد سقوط قاسم – والذي يعتقد أنه وشيك- أن السوفيت سيرغبون بتزويدهم بالمال والسلاح، لكن الملا مصطفى يرغب في التعاون مع الغرب، بدلا من التعاون مع الاتحاد السوفيتي( الذين لا يثق بهم) على أية حال، فإن الأكراد ويجب أن ينالوا الحكم الذاتي أو يتهيأوا إلى الإفناء، وقبل أن يسمح الأكراد بهذا، فإنهم سيرحبون بالمساعدة من الاتحاد السوفيتي أو من الشيطان نفسه. ويقول المسؤول الكردي أخيراً إن سياسة الحكومة الأمريكية تجاه الثورة الكردية لم تتغير، وإذا ما تغيرت سيتصل بالملا مصطفى في الحال...". مستل من عزيز سباهي ، عقود من تارخ الحزب الشيوعي العراقي،ج.2،ص.514.منشورات الثقافة الجديدة. دمشق 2003. وعليه تتضح من هذه البرقية تعاون الحركة مع القوى القومية لإسقاط حكم قاسم. في الوقت نفسه حذرت جريدة طريق الشعب السرية في أحد أعدداها في نهاية أيلول 1962 من مغبة الدعوة الصريحة لتدخل أميركا في شؤون العراق الداخلية والمنسوبة إلى الملا مصطفى ، والتي طالبته بتكذيبه كما جاء في مقالات جريدة نيورك تايمس. 80 - ولو نظرنا إلى هذه الحالة من ناحية سيسيولوجية فإننا "... لا نغالي إذا قلنا إن ما حصل بعد ثورة 14 تموز من صراعات دموية بين الشيوعيين والقوميين واحدة من تلك (الحروب) التي كانت تقع بين القبائل العربية ، مثل حرب (داحس وغبراء) بين بني عبس وبني ذبيان وحرب البسوس بين بني تغلب وبني بكر وأسمرت أربعون عاماً، بسبب ناقة. فالمبادئ والآيديولوجيات في وقتنا ، التي استوردها العراقيون من الخارج لأحزابهم حولوها إلى ( عصبية آيديولوجية وحزبية) محل ( العصبية القبلية). فالقشرة الخارجية حضارية (شيوعية-قومية) ولكن يختبئ تحت تلك القشرة الخارجية الخفيفة ذلك الإنسان البدوي بكل قيمه وأعرافه البدوية، متهيأً للقتال والثأر والانتقام وما شاكل باسم الوطنية والقومية وا{يديولوجية . لقد أعتنق هؤلاء الحزبيون هذه الآيديولوجيات الحديثة، إلآ أنهم في قرارة نفوسهم كانوا بدواً ومارسوها كممارستهم للقيم البدوية على طريقة القبيلة الجاهلية الأولى. إن أعمال العنف بعد ثورة تموز كانت أشبه بتلك الحروب التي دارت رحاها بين القبائل البدوية ولكنها تحدث بقوالب الحداثة، فتقع في المدن بدلاً من الصحراء ، وتحت شعارات آيديولوجية حديثة حضارية وأسباب سياسية بدلاً من قتل ناقة! ومقالات تحريضية نارية في الصحف بدلاً من المعلقات، فكما يقول نزار قباني: لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية...". د. عبد الخالق حسين، ثورة 14 تموز، ص. 144، مصدر سابق. وفي الوقت نفسه يشبر الكاتب فاضل العزاوي إلى ذات الظاهرة باليقول : " ... ومن بنية القبيلة أنتقلت روح العصبية إلى الأحزاب السياسيةومن بينها الأحزاب الثورية التي يفترض إنها ضد كل قبيلة، فقد إستبدل الناس قبائلهم القديمة بقبائل الأحزاب السياسية الجديدة التي تملك هي الأخرى شيوخها ومجالسها الخاصة بها تماماً مثل كل القبائل الأخرى. ومثلما لا يجد ابن القبيلة نفسه إلا في قبيلته ، أصبح المرء لا يجد نفسه إلا في الحزب الذي ينتمي إليه. أما بقية الأحزاب فهي بالضرورة قبائل أخرى قد ومطلوبة؟] جريدة القدس العربي الدولي، في 31/07/ 1995 لندن. 83- في اعتقادنا أن هناك خلل وظيفي كبير في العقلية الحزبية عندما تعني برامجها بتغيير حكومات بلدانها بالقوة والانقلاب، طالما ان الاحزاب هي تنظيمات مدنية، لذا يتوجب عليها ان تعمل على تربية أعضائها على النضال السياسي المدني واشاعة الديمقراطية في آلية عملها الداخلي ومن ثم التأثير في الحكم وتغيير طبيعته. 84- الاكاديميان بينروز، مصدر سابق، ص 454. 85- بطاطو، ج. 3، ص 156، 158، مصدر سابق. تدخل في حرب ضدها أو تتحالف معها طبقاً لما يقرره شيخ القبيلة ومجلسه الخاص به..." ، الروح الحية، ص. 38، مصدر سابق. 81- راجع قانصو وجيه، الخلل الوظيفي في الأحزاب العربية المعاصرة، جريدة السفير بتاريخ 01/08 /2000
82- كتب باقر إبراهيم، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي آنذاك، حول ذات فكرتنا، بالقول: [كان من الصحيح ومن المهم، أن يطمح الحزب الشيوعي وكذلك الاحزاب القومية والدينية واللبرالية إلى تطور الوضع وفقاً لبرامجها، وبعد أن يبحثوا بما هو مشترك بينها. ولكن لنا أن نتساءل اليوم، هل أن اللجاجة والسعي الملح، من قبل الجميع لأن يكون ذلك التطوير عن طريق استلام السلطة، بل وحتى الانفراد بالسلطة، هل كانت هي الحل؟ وهل قدم ذلك ((الحل)) خدمة للعراق أم تسبب في تأخيره؟... ان عبد الكريم قاسم بعقليته الوطنية واخلاصه لمثله الوطنية والاجتماعية أسهم في تحقيق تلك المنجزات، كقائد للثورة ولعملية التطور... أليس في نزعة قاسم التي أتينا عليها اعلاه ما يماثلها أمس واليوم، لدى الغالبية الساحقة من القادة الثوريين والقوميين والشيوعيين والاسلاميين؟ ألم تكن العقلانية في المطالب التي تعرض كأهداف للنضال آنذاك لازمة
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(6-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم
...
-
(5-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (الجمه
...
-
(4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (3-8)
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثان
...
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثا
...
-
رحيل آخر عمالقة رواد الفكر الديمقراطي في العراق المعاصر
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(5-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(4-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(3-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)
-
من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (2-2)*
-
من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (1-2)*
-
الحزب الشيوعي العراق من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز1958
-
هو والزعيم (4-4):
-
هو والزعيم ( 3- 4):
-
هو.. والزعيم (2-4)
-
هو.. والزعيم (1-4)
-
الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|