أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يعقوب بن افرات - العالم رهينة لجنون بوش















المزيد.....



العالم رهينة لجنون بوش


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 276 - 2002 / 10 / 14 - 04:06
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


 

في اليوم التالي لاحياء العالم قاطبة ذكرى احداث ايلول الارهابية، القى الرئيس الامريكي، جورج بوش، امام الجمعية العامة للامم المتحدة الخطاب الذي ترقبه العالم في شأن الهجوم على العراق. ووجه بوش تحذيرا للامم المتحدة بان تتخذ خطوات فعلية ضد النظام العراقي، والاّ فستشن الادارة الامريكية هجوما على بغداد لقلب النظام الذي باتت تعتبره خطرا مباشرا على سلامتها. ولاظهار جدية النوايا الامريكية اعلنت وزارة الدفاع (البنتاغون)، انها ستبعث 600 جندي من مركز العمليات العسكرية في مدينة تامبا بولاية فلوريدا الى دولة قطر في تشرين ثان (نوفمبر) المقبل.

رد الامين العام للامم المتحدة، كوفي انان، كان واضحا. وقد اهتم باعلان موقف الامم المتحدة قبل ان يلقي بوش خطابه، فصرّح لصحيفة "نيويورك تايمز" (12 ايلول) بانه "لا بديل عن وحدانية شرعية الامم المتحدة"، وان "الاعتبار الاول لطرح اي موضوع على مجلس الامن يجب ان يكون وجود تهديد خطير على سلامة العالم".

ويحظى هذا الموقف بشبه اجماع دولي، مما يعبر عن تشكيك في مصداقية تصريحات الادارة الامريكية حول التهديد العراقي. كما يشير الى تخوف وقلق من عواقب هجوم عسكري شامل على بغداد قد يؤدي الى تفاقم الوضع غير المستقر اصلا في الشرق الاوسط.

ولا تقتصر هذه الشكوك في مصداقية الادارة الامريكية على دول العالم، بل تشمل ايضا اوساط عسكرية وسياسية في الولايات المتحدة نفسها. فقد صرّحت هذه الاوساط في اكثر من مناسبة انه ليس باستطاعة امريكا ان تحارب في نفس الوقت على جبهتين: افغانستان والعراق. من جهة اخرى، يطالب نواب جمهوريون وديمقراطيون في مجلسي الشيوخ والنواب بادلة تثبت ادعاءات الادارة بان بغداد تمتلك اسلحة الدمار الشامل.

ازاء الشكوك المتزايدة اضطر بوش لتعديل موقفه، وكان ينوي الهجوم على العراق دون التشاور مع الكونغرس والامم المتحدة. ورغم المعارضة العلنية الشديدة من الداخل والخارج لتنفيذ الهجوم، تصر الادارة على مواصلة سعيها المحموم لتحقيق مرادها، مركّزةً هذه المرة جهودها في الحصول على موافقة الكونغرس والامم المتحدة لتنفيذ العدوان الذي تبقى دوافعه الحقيقية خفية.

 

الحرب التي انتهت قبل ان تبدأ

كشف تقرير صحيفة "واشنطن بوست" (1 ايلول) عن قلق ضباط في الجيش الامريكي من ان "يؤدي خوض الادارة الامريكية الحرب في الخليج العربي الى تحويل الاهتمام والامكانيات عن الحملة العسكرية ضد تنظيم القاعدة والارهاب". وحذّر هؤلاء الضباط من ان "حملة عسكرية كبيرة في الشرق الاوسط ستستنزف الطاقات المركزة في امرين اساسيين: جمع المعلومات الاستخباراتية ووحدات القوات الخاصة، اللذين يشكلان عنصرين مركزيين في المجهود العسكري لملاحقة اعضاء القاعدة وطالبان في افغانستان وباكستان". وذكرت الصحيفة انه "في حين لا يزال البحث جاريا وراء قائد تنظيم القاعدة، اسامة بن لادن، ومساعديه على طول الحدود بين افغانستان وباكستان، يبدي عدد من الضباط قلقهم ازاء نية الادارة تحويل الاهتمام الى العراق قبل الاوان".

عدم انصياع ادارة بوش لهذه التحذيرات المعتمدة بلا شك على اعتبارات ثقيلة الوزن، هو دليل على ان هذه الادارة لا ترى في بن لادن عدوا حقيقيا لامريكا، بل حليفا انحرف.

اشارة اخرى لذلك اعطتها الادارة عندما احيت الذكرى الاولى للهجمات على اراضيها. فبدل ان تتوعد بن لادن الذي احتل قبل عام واحد فقط العناوين الرئيسية وتوعده وزير الدفاع الامريكي، دونالد رامسفيلد، بالقبض عليه "حيا او ميتا"، توعدت صدام حسين كما لو كان هو من قام بالعملية وليس المتطرفون الاسلاميون السعوديون. اين اسامة بن لادن؟ هل حي هو ام ميت؟ سؤال لم يطرح اطلاقا في الذكرى الاولى لاكبر كارثة انسانية وقعت على الارض الامريكية.

والحقيقة ان العملية التي ارتكبها اسامة بن لادن لم تكن متوقعة، كما ان الولايات المتحدة لم تحمل تهديداته السابقة محمل الجد. لقد كان بن لادن حليفها في اهم حملة قامت بها في القرن السابق ضد الاتحاد السوفييتي للقضاء على عدوها الحقيقي، وهو الشيوعية وليس الاسلام السياسي. ان المخطط الامريكي الاصلي للادارة التي انتخبت لتمثل المصالح النفطية الكبرى، كان الاطاحة بنظام صدام حسين بمساعدة حلفائها الخليجيين. ولكن هجمات بن لادن عرقلت المخطط، واضطرت امريكا لتوجيه طاقاتها نحو افغانستان رغم ان ذلك منافٍ لمصالحها الاستراتيجية.

الحقيقة المرة التي كان على الامريكان تجرعها، هي ان مصدر الارهاب الاسلامي ليس في بغداد التي تتبنى فكرا قوميا علمانيا ذا خلفية اشتراكية (حزب البعث)، بل في المملكة السعودية. وكانت المصالح الاستراتيجية الامريكية قد التقت مع المصلحة السعودية التي سعت لنشر نفوذها في العالم الاسلامي، من خلال تمويل التيار الجهادي لمنافسة الثورة الايرانية من جهة والثورة القومية العربية في سورية، العراق، ليبيا والجزائر من جهة اخرى.

ورغم هذا التحول الخطير، الا ان امريكا كما يبدو عازمة على الحفاظ على علاقاتها الحميمة مع دول الخليج. ولتغيير الاجواء العدائية التي سيطرت على الولايات المتحدة بعد عمليات 11 ايلول، ولالهاء الجمهور المصدوم عن مسبِّب الصدمة، بن لادن، يأتي دور الاعلام الذي يستطيع تحقيق المعجزات وتشويه الحقيقة.

بعد عام على احداث 11 ايلول لا يزال السؤال مطروحا: هل انتهت الحملة في افغانستان وهل حققت اهدافها؟ الاجابة القاطعة هي كلا، فالمفارقة ان الحملة العسكرية اعادت افغانستان لعهد ما قبل طالبان، عهد الفراغ السياسي والفوضى الذي ادّى عام 1996 الى دعم امريكا لجماعة طالبان حتى تسيطر على البلاد وتضبط الامن فيها. واليوم ينعدم الحكم المركزي، اذ ان حكومة حميد كرزاي لا تسيطر الا في العاصمة الافغانية كابول، في حين تخضع بقية البلاد لحكم رؤساء القبائل المختلفة. في هذا الوضع يصبح الوجود الامريكي ضروري لحماية الحكم في كابول، الامر الذي يحول دون انهاء المهمة العسكرية.

ان قيادة طالبان والقاعدة لا تزال تتحرك في المنطقة، في حين تقصف القوات الامريكية الابرياء دون ان تحقق انجازا ملموسا في نصف السنة الاخيرة. والواقع ان امريكا ماثلة امام خيارين: اما ان تترك البلاد التي لم تعد مهمة بالنسبة لها، مما سيعيد طالبان الى الساحة من جديد؛ واما ان تستقر فيها، مما سيعرّضها الى هجمات من كل الاطراف المتناحرة التي لا تعرف ان تحل مشاكلها الا بالحرب.

 

العراق يغطي على المشكلة الحقيقية

يعمل جورج بوش دون جدوى على اقناع الشعب الامريكي بان العراق يشكل خطرا حقيقيا على امريكا. في استطلاع للرأي العام تبين ان 81% من الامريكان يعتقدون انه من المهم كسب دعم الامم المتحدة قبل اي تحرك عسكري، وان 86% منهم يرون اهمية كسب دعم حلفاء واشنطن. والحقيقة ان الحملة على العراق تأتي في الوقت الذي تشهد فيه مكانة الادارة الامريكية تراجعا ليس على المستوى الخارجي فحسب، بل الداخلي ايضا.

ان الشعب الامريكي غير مهتم بما يحدث في العراق، بقدر ما يهمه ما يحدث داخل امريكا. انهيار اهم الشركات الامريكية بعد ان تبين خداعها للجمهور وتزويرها سجلات حساباتها، سدد ضربة قاصمة لمصداقية الرئيس بوش نفسه الذي يمثل رأس المال الكبير والذي ثبت تورطه شخصيا في فضائح مماثلة. الانهيارات والفضائح الاقتصادية الاخيرة تهدد النظام ككل، اذ ان الجمهور فقد ثقته باركان النظام الذي منح الحرية المفرطة للشركات الضخمة لتحقق ارباحها الخيالية.

صحيفة "نيويورك تايمز" (2 ايلول) فسرت حالة القلق والغضب التي تعيشها الطبقة العاملة الامريكية بانها نابعة من "تجميد المعاشات وارتفاع نسبة البطالة الى 6%". وقال رئيس اتحاد النقابات الامريكية، جورج سويني، في نفس التقرير انه: "منذ سنين وانا اسمع الناس يتحدثون عن عدم ثقتهم بارباب العمل، ولكن شيئا جديدا يحدث الآن. فقد سئمت الناس وبدأت تبدي غضبها على نظام الشركات الامريكية".

واضاف سويني: "ان ادارة بوش هي اسوأ ادارة عرفتها العائلات الكادحة منذ عقود. لقد رفضت ادارة بوش والكونغرس والتأمين الصحي العام (Medicare) زيادة المخصصات لشراء الادوية، في حين منحت اعفاءات ضريبية بقيمة تريليون دولار (الف مليار) لاثرى الاثرياء في امريكا".

من جهة اخرى، ارتفعت الاصوات التي تتهم بوش بالفوز في الانتخابات بطرق غير نزيهة وبمساعدة اخيه جيب بوش، حاكم ولاية فلوريدا. وليس هذا فحسب، بل انه وصل للحكم باموال الشركات الامريكية التي تسيطر بشكل مطلق على السياسة الامريكية من خلال شراء اعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ، وهي نفس الشركات التي اعلنت مؤخرا افلاسها بعد ان اختلست اموال الجمهور الذي استثمر توفيراته في اسهمها. ويخشى بوش مواجهة الشعب الامريكي بهذه الحقائق، فلجأ ككل الانظمة الاستبدادية الى نظرية "الخطر الخارجي"، ليحرف انظار الناس عن المصدر الحقيقي للازمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها امريكا اليوم.

من خلال الحملة على العراق يحاول بوش انقاذ مستقبله السياسي. فهو يعلم تماما انه اذا وصل للانتخابات الرئاسية القادمة دون ان يُخرج الولايات المتحدة من الازمة الاقتصادية، فسيكون مصيره الفشل، كوالده. في طريقه للولاية الثانية سيكون عليه تجاوز المحطة الاهم: انتخابات الكونغرس المتوقع اجراؤها في تشرين ثان (نوفمبر) القادم. في سباقه المحموم مع الزمن، يعمل بوش على تحويل الانظار عن الازمة الاقتصادية المتفاقمة وتوجيهها الى الموضوع العراقي، اي اقناع الامريكان بان الخطر الحقيقي لا يكمن في اراضيهم وفي رئيسهم، بل في صدام حسين البعيد عن السواحل الامريكية آلاف الكيلومترات.

الحزب الديموقراطي المنافس عبر عن قلقه من الدوافع السياسية الانتخابية للحملة ضد العراق، وذلك على لسان رئيس الاغلبية في الكونغرس النائب الديموقراطي، توم دشل (نيويورك تايمز، 5 ايلول). وكان دشل قد صرح بموقفه هذا بعد اجتماع بوش باعضاء الكونغرس لاقناعهم بصدقية موقفه من العراق. وقد طرح الديمقراطيون على بوش اسئلة مثل: "ما الجديد في المعلومات حول العراق، وما هو مدى الخطر؟ ما الذي تغير في الاشهر او السنوات الاخيرة؟ ماذا سيكون رد فعل حلفائنا؟ كم ستكلّفنا الحملة؟ من سيخلف النظام الحالي في العراق؟".

غير ان دشل سارع لتوضيح موقفه (في نيويورك تايمز، 14 ايلول) قائلا: "سيكون من الخطأ الاستنتاج اننا نعارض ما يفعله الرئيس بوش". ويشير هذا الى تراجع الديمقراطيين ازاء حملة بوش الحربية. فقد تعلم الحزب درسا بعد ان صوّت بالاغلبية ضد قرار الحرب على العراق في عهد الرئيس بوش الاب الذي نجح في الحرب واكتسب شعبية. ولهذا السبب يحذّر بعض الديموقراطيين المعتدلين من انه "لا يمكن للديموقراطيين ان يخاطروا بعد احداث 11 ايلول في سبيل إحياء هيئتهم من فترة الستينات كمعارضين للحرب". (نيويورك تايمز، 14 ايلول)

تقدر نفقات الحرب المحتملة على العراق بمليارات الدولارات، وسيكون على اوروبا واليابان تحملها. اما اذا رفض هؤلاء المشاركة في الحرب، فسيقع الحمل على كاهل الطبقة العاملة الامريكية التي ستضطر لقبول التقليصات في برامج الرفاه بذريعة حماية امن البلاد. اما الرابح من الحرب فهي الشركات التي تعاني الركود، والتي فصلت مؤخرا مئات آلاف العمال. وتسعى هذه الشركات لتحويل الميزانيات عن مجال الصحة والتعليم والبنية التحتية والرفاه، الى مجال الحرب والصناعات العسكرية. وصدام حسين هو مبرر ممتاز لتحقيق هذا الهدف.

 

الحرب على العراق باب لاعادة تشكيل العالم

رغم عدم وجود دولة ذات قوة استراتيجية قادرة على تحدي سيطرة امريكا على العالم، الا ان هذه السيطرة تواجه عقبات عديدة وتراجعا مستمرا. فرغم كل جهودها وتصريحات رئيسها، فشلت الادارة الامريكية الحالية في وضع حد للنزاع الدموي بين اسرائيل والفلسطينيين. وفي الواقع نجح العراق في احراز بعض التقدم على المسار السياسي على حساب امريكا، فطبّع علاقاته مع معظم الدول العربية، وتوصل الى نوع من الصلحة مع المملكة السعودية في قمة بيروت الاخيرة.

ولعرقلة التقدم العراقي وحسم النزاع العربي الاسرائيلي في آن، تبلورت في الاوساط اليمينية في البيت الابيض والبنتاغون الفكرة التي تقول ان الطريق الى القدس تمر في بغداد. بمعنى، ان إلحاق هزيمة مجددة بالعراق والاطاحة بنظامه سيقودان الى هزيمة شاملة للعرب، كما حدث في حرب الخليج عام 1990-1991. ومن شأن هذه الهزيمة كسر الجمود ووضع حد للانتفاضة، وارغام العرب على قبول الاملاءات الامريكية والاسرائيلية.

في رأي هذه الاوساط المتشددة سيتيح تغيير النظام في بغداد المجال لتغيير النظام الفلسطيني، وفرض حكومة على غرار حكومة كرزاي في افغانستان، تكون تابعة تماما لامريكا. وقد علقت الاوساط العسكرية والسياسية في اسرائيل آمالا عريضة على هذا التوجه الذي تحول الى مخطط استراتيجي، اساسه الاعتقاد بانه فقط بالحرب على العراق ستستعيد امريكا واسرائيل المبادرة والسيطرة.

ان عدم الاستقرار في الشرق الاوسط، وهشاشة الانظمة العربية الصديقة لامريكا، وتورط السعودية في احداث 11 ايلول، تدفع جميعها الادارة الامريكية للبحث عن "حلول سحرية" لحل كل مشاكل المنطقة. والحل الذي ترتئيه مناسبا هو الحرب.

من جهة اخرى، تدرك الادارة الامريكية، كما يدرك العالم اجمع، ان عدم الاستقرار نابع من وجود انظمة عربية استبدادية وفاسدة، كما انه نابع من التخلف الاجتماعي والاقتصادي. ويؤدي هذا الوضع الى اذكاء نقمة الشعوب على امريكا وحليفتها الاستراتيجية في المنطقة، اسرائيل.

ان نجاح امريكا في مطلع التسعينات في تجنيد معظم الدول العربية لحربها ضد العراق، كان مؤسسا على الوهم بان العهد الجديد بعد الحرب سيشهد تدفق الاستثمارات الى الشرق الاوسط. ولكن حدث العكس تماما. فقد هبطت اسعار النفط، مما اصاب السعودية بالبطالة وبعجز في الميزانية، اما بقية الدول العربية فجرى تهميشها عن الساحة الدولية، وتبين بوضوح ان اسرائيل كانت الدولة الوحيدة في المنطقة التي تقاسمت مع امريكا وبريطانيا غنائم الحرب.

ولم يكن العالم العربي المتضرر الوحيد من هذه الحرب، بل هناك دول اخرى بعضها كان شريكا رئيسيا في التحالف ضد العراق ووقع على عاتقه تمويل الحرب الباهظة النفقات. فاليابان لا تعرف سبيلا للخلاص من الازمة الاقتصادية المستمرة منذ اكثر من عقد، اما المانيا وفرنسا فتتحفظان عن اسلوب امريكا في مواجهة القضايا الدولية، ذلك الاسلوب الذي اثار عليها غضب الجماهير الفقيرة، وخلق مناخا استغله بن لادن لبث رسالته السلفية وتنفيذ هجومه.

عن موقف المانيا الرافض للحرب ضد العراق، عبّر غرهارد شرودر، رئيس الوزراء الالماني، بحزم واصفا سياسة ادارة بوش بانها "خطأ فادح". واكد انه سيعارض الحرب حتى لو صادق عليها مجلس الامن (نيويورك تايمز، 5 ايلول). كما اكد ان "الحرب ضد اسامة بن لادن لم تنته بعد"، مبدياً قلقه من ان الحلفاء "لم يبدأوا بعد باعادة بناء الدولة في افغانستان".

ولكن ليس حزم المانيا ما يقلق بوش. انه في الحقيقة ينظر بقلق الى روسيا التي راحت توطد علاقاتها التجارية مع العراق، ووقعت معه عقودا نفطية بعشرات المليارات من الدولارات. في هذا المجال نشرت واشنطن بوست (2 ايلول) ان روسيا ستوقع قريبا على اتفاق للتعاون الاقتصادي مع العراق في مجال الطاقة والمواصلات بقيمة 40 مليار دولار. كما تعتبر روسيا الشريك التجاري الاكبر للعراق في برنامج "النفط مقابل الغذاء"، فقد اشترت نفطا عراقيا بقيمة 1,8 مليار دولار، وباعت له غذاء وادوية وادوات لصناعة النفط بقيمة 4,18 مليار دولار، وذلك منذ بدأ تطبيق برنامج "النفط مقابل الغذاء" عام 1996.

وافادت صحيفة "الشرق الاوسط" (16 ايلول) نقلا عن "واشنطن بوست" ما قاله جيمس وولزي، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي.آي.ايه)، والذي كان من ضمن الداعين الى ازاحة صدام عن السلطة بالقوة: "المسألة واضحة تماما. فرنسا وروسيا لديهما شركات نفط عاملة في العراق ولهما مصالح في العراق. ويجب ان يقال لهما انهما لو ساعدتا على جلب حكومة صالحة في العراق فاننا سنبذل قصارى جهدنا لاقناع الحكومة الجديدة والشركات الامريكية لتتعاون معهم تعاونا وثيقا. اما اذا انحازتا الى صدام، فانه سيكون في حكم المستحيل اقناع الحكومة الجديدة بالتعاون معهما".

ان هذا التوجه هو بلا شك عبارة عن ابتزاز يكشف مدى العداء الامريكي للروس. فامريكا التي استولت على مصادر النفط في بحر قزوين التي خضعت لنفوذ السوفييت، تقول اليوم لروسيا ان النفط العراقي هو ايضا امريكي، وان عهد النفوذ السوفييتي في الشرق الاوسط والعالم قد انتهى منذ اكثر من عقد.

ولكن خلافا للمرات السابقة، يملك الروس هذه المرة ورقة قوية كان الامريكان قد استخدموها ضدهم للقضاء على الاتحاد السوفييتي: افغانستان. فدون تعاون الروس تعجز امريكا عن الحفاظ على الاستقرار السياسي في كابول. فرغم كون رئيس الحكومة حميد كرزاي من اصل بشتوني ومعين من قبل الامريكان، الا ان الائتلاف الذي يشكّل الحكومة معتمد على قوات "تحالف الشمال" الطاجيكية والمقربة من الروس.

ولايضاح نيته، قام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في نفس يوم ذكرى 11 ايلول، بتوجيه انذار خطير لدولة جورجيا التي تعتبر حليفة للولايات المتحدة في منطقة القوقاز، نظرا لوجود مقاتلين شيشان على اراضيها المتاخمة لروسيا. وقد جاء هذا التصريح بعد ان اتصل بوتين ببوش للتعبير عن تضامن الشعب الروسي مع الامريكان في يوم الذكرى. ولكن هذا الانذار كان مثابة اشارة للادارة الامريكية بانها إن لم تأخذ مصالح روسيا في العراق بعين الاعتبار، فانها تخاطر بالتحالف بين البلدين في مجال محاربة الارهاب في آسيا الوسطى.

 

لغة جديدة في العلاقات الدولية

ان النقاش على منبر الامم المتحدة بين رئيسها كوفي انان وبين الرئيس بوش، هو جوهري وخطير. فكوفي انان يتحدث عن حق الدول في الدفاع عن نفسها من جراء تهديد واضح وملموس، اما بوش فيتحدث عن الحق في شن حرب لمنع خطر محتمل في المستقبل. وقد اكدت الصحف الامريكية، بينها "وول ستريت جورنال" (3 ايلول)، ان "بوش يطرح نهجا جديدا في السياسة الخارجية الامريكية، يتبنى العمل العسكري الوقائي ضد الانظمة التي تشكل تهديدا عليها".

واكدت نيويورك تايمز (5 ايلول) ان "اي قرار للامم المتحدة يصادق على نهج "العمل الوقائي" يمكن ان يتحول الى سابقة قد تستخدم في نزاعات مختلفة وتتبناها دول اخرى مثل الصين في صراعها مع تايوان، او الهند ضد باكستان". وقد اثار هذا الامر جدلا واسعا داخل الادارة الامريكية نفسها بين وزير الخارجية ووزير الدفاع. بوش نفسه ارتأى ان يتبنى نهج المتشددين، رغم اعلانه موافقته التوجه للامم المتحدة للمصادقة على هذا النهج. ولكن تبني الامم المتحدة لهذا النهج سيعني النهاية بالنسبة لها، لانه يخالف مبادئها بشكل فادح.

ولكن الادارة الامريكية تتصرف وكأنها الوحيدة التي تعرف الحقيقة، اما العالم فليس سوى لاعب هامشي في الساحة العالمية التي تتحكم بها. ولكن الحقيقة ان من يهدد سلامة العالم ليس العراق بل الحكومة الامريكية التي تديرها مجموعة غير متوازنة لا ترى سوى المصالح الضيقة لرأس المال الامريكي وشركات النفط العملاقة. ان امريكا تستهلك ربع الطاقة العالمية، ولكن العالم لم يعد ينوء بهذا الحمل وهو ينظر كيف يحقق الامريكان لانفسهم اعلى مستوى معيشة، على حسابه.

لقد أكّد العراق مرارا استعداده للقبول بعودة نظام التفتيش الدولي، ولكن شريطة ان تحدد مهامه والا يتحول الى مبرر لمواصلة فرض العقوبات غير الانسانية والهادفة الى قلب النظام. ورغم ان الدول العربية عبرت بالاجماع عن معارضتها الحملة العسكرية، وفنّدت الادعاء الامريكي بان العراق يشكل خطرا على جيرانه، الا ان هذا لم يمنع بوش من تجاهل هذا الموقف، ووعد في خطابه امام الامم المتحدة بالتدخل للحفاظ على سلامة الشعوب العربية وتحرير الشعب العراقي من "النظام الذي فقد مصداقيته".

ولا بد من الاشارة الى ان المعارضة العربية التي تعبر عن حقيقة الموقف الشعبي، فانها تبقى لفظية على مستوى الانظمة. فالانظمة لا تعارض من منطلق حفاظها على حرية العرب وسيادة العراق، بل من منطلق خوفها على سلامة مصالحها السياسية الضيقة. فشد ما تخشاه هذه الانظمة هو ان يتحول العراق الى افغانستان جديدة، تبث الفوضى في المنطقة ككل.

ويأتي هذا الخوف من عدم الثقة بقدرة الامريكان على حسم المعركة ضد النظام بنجاح. فقد سبق ان فشلوا في قلب النظام في دولة اقل اهمية من العراق وهي لبنان، مما اضطر الاسرائيليين للانسحاب من هناك مهزومين. كما ان الامريكان لم ينجحوا حتى الآن في حسم الجولة السياسية في افغانستان. ولو كان بمقدورهم الحسم لوجدت الانظمة العربية لجانبها، ما في ذلك شك.

المثال القاطع على النفاق العربي هو دولة قطر - التي تبث منها قناة "الجزيرة" الفضائية. فقد وافقت قطر على ان تكون اراضيها قاعدة عسكرية امامية للامريكان في حربهم ضد العراق، هذا بعد ان رفضت السعودية نفسها القيام بهذا الدور.

وقد افادت الواشنطن بوست (12 ايلول) ان الامريكان "يخططون لاقامة مركز للعمليات العسكرية في قاعدة "الحديد" الجوية بالقرب من الدوحة عاصمة قطر" التي اصبحت حسب الصحيفة "حليفا امريكيا استراتيجيا في الخليج". جاء الاعلان عن هذه الخطوة اثناء قيام وزير الخارجية القطري، حمد بن جاسم آل ثاني، بزيارة للولايات المتحدة للقاء اعضاء في الادارة الامريكية والكونغرس. وافادت الصحيفة الامريكية بان حمد بن جاسم "سيدلي بشهادة امام لجنة العلاقات الخارجية التابعة للكونغرس، وسيجتمع بمسؤولين في البنتاغون يوم الجمعة 13 ايلول).

مرة اخرى، يتقدم العالم بخطى ثابتة نحو احتداد التناقضات بين الدول العظمى التي لا تبدي اهتماما خاصا بسلامة البشرية، بل تسعى لضمان مصالحها المتضاربة. هذا التضارب في المصالح يشكل خطرا كبيرا، خاصة اذا اتخذت الولايات المتحدة خطوات احادية الجانب، ونفذت تهديدات بوش، وأثارت رد فعل لا يقل دمارا من دول كبرى اخرى. الامم المتحدة لن تنجح في حفظ التوازنات الدولية والحيلولة دون وقوع حروب عالمية جديدة، اذ انها اصبحت هامشية وغير ذات شأن منذ زمن، وتحولت الى اداة بيد امريكا تستخدمها متى ناسبها الامر، وتتجاهلها متى لم يناسبها كما حدث في الحرب ضد يوغوسلافيا.

ان النظام الرأسمالي العالمي الذي تقوده الادارة الامريكية العمياء، يتخبط اكثر فاكثر في الطريق المسدود الذي دخل اليه. لقد اصبحت القوة الاسلوب الوحيد لفرض الهيمنة على شعوب العالم، وتحول الكذب والخداع الى الوسيلة المثلى لتضليل الشعوب وفي مقدمتها الشعب الامريكي الذي سيكون اول من يدفع فاتورة سياسة ادارته اذا واصل السكوت عليها واللامبالاة ازاءها.

اذا لم ينجح العالم، وعلى رأسه الطبقة العاملة في كل مكان، بايجاد بديل سياسي للمؤسسة الرأسمالية الحاكمة في كل الاقطار من السعودية الى مصر، ومن روسيا الى فرنسا والى الاراضي الامريكية نفسها، فاحد لن يستطيع وقف الاعصار القادم. ان هذا الاعصار يهدد بجرف البشرية جمعاء، فامريكا هذه لا تعرف الا لغة الحرب والفاشية عندما تستنفذ السبل السياسية نفسها في حماية مصالحها.

 

ايلول 2002، الصبار العدد 156

 



#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرأسمالية الامريكية في قفص الاتهام
- الوضع الامني يفاقم الازمة الاقتصادية
- الماركسية في عصر العولمة لم تفقد قيمتها الثورية
- محور عالمي جديد ضد الارهاب العم بوش يحتضن الدب بوتين
- هدف العدوان: استبدال السلطة الفلسطينية بوصاية دولية
- فشل الاسلام السياسي .....هكذا اهدروا دماء الجزائر4
- المعالم الفكرية للاسلام المتطرف
- فضيحة "انرون" اكبر افلاس في تاريخ امريكا
- فشل الاسلام السياسي
- على نفسها جنت براقش ..امريكا تفقد القيادة


المزيد.....




- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...
- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يعقوب بن افرات - العالم رهينة لجنون بوش