أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 2















المزيد.....


لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 2


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 3746 - 2012 / 6 / 2 - 17:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا يتحوّل الدين إلى عنف 2
(الإرهاب الديني من منظور التحليل النفسي)
جيمس جونز
ترجمة إبراهيم جركس


(((((منذ مدة قريبة جداً ومن خلال مسلسل أعمال العنف القربانية التي ملأت بلدي الحبيب والغالي سوريا شاهدت مقطعاً تلوى له القلوب لجماعة من الملثمين وخلفهم الأعلام السوداء كتبت عليها عبارة "الشهادة" الإسلامية وأمامهم مجموعة من القتلى وبقي هناك شاب واحد لم يكونوا قد قتلوه بعد، قرأ الملثّم "أشهد أن لا إله إلا الله، محمداً رسول الله، الله أكبر ولله الحمد... اللهم إنّا نتقرّب إليك بهذا القربان..." ثم يقومون بذبحه... المسلسل لم ينتهي هنا، بل قاموا بحزّ رأسه ورفعه استعراضاً أمام الكاميرا والجميع يصيحون "الله أكبر... الله أكبر"))))))

نستنتج ممّا سبق في الحلقة الماضية أنّ هجمات الحادي عشر من أيلول لم تكن عملاً سياسياً، بل كانت عملاً دينياً بالمرتبة الأولى. لذلك، العمليات النفسية المشاركة هنا هي عمليات دينية. مع أنّ الإذلال والحرمان النسبي من الواضح أنّهما يلعبان دوراً كبيراً في أغلب العمليات الإرهابية في الشرق الأوسط، فالمتغيّرات السوسيولوجية المعتادة __الفقر، الأمية وانخفاض مستوى التعليم، وما إلى هنالك من أسباب أخرى_ لا تلعب إلا دوراً بسيطاً ولا تقدّم لنا إلا قيمة تنبؤية ضيئلة. إحدى أفضل التنبؤات هي التديّن. تقرير لبرلمان السنغافوري حول أعضاء الخلية الإرهابية التي تمّ إلقاء القبض عليهم في جنوب شرق آسيا يؤكّد هذه الصلة: ((هؤلاء الرجال لم يكونوا جهلة، معدمين، أو محرومون من حقوقهم الشرعية. فهؤلاء البالغ عدد 31 شخصاً تلقّوا تعليماً مدنياً علمانياً... وكانت لديهم أعمالاً ووظائف محترمة... كمجموعة، أغلب المحتجزين كانوا يعتبرون الدين بصفته قيمتهم الشخصية الأكثر أهمية))[1]
أحد أكثر الأمثلة تطرّفاً عن العلاقة بين الموت والتطهير يتمثّل في مذهب أساهارا في قتل الشخص وذلك بغية إنقاذه (ويسمى هذا المبدأ بـ "بوا poa")، والذي أخذت أهميته بالتزايد مع شعور طائعة أوم المتزايد بالخطر الذي يتهدّدها من جهة المجتمع الذي يحيط بها. هذا المذهب، قائمّ على قراءة أساهارا للفكر الباطني البوذي التيبتي، من الواضح أنّه يقدّم نوع من التقديس للقتل موجود في جميع حالات الإرهاب الديني. بالإضافة إلى أنّ هذا المذهب يدعم خاصيّة عدم قابلية الشخص في التعاطف مع الضحايا، وبذلك يتمّ الترويج وبسهولة لما يطلق عليه العالم النفس الاجتماعي والتر (2002) اسم ((الموت الاجتماعي Social Death)). أغلب أعضاء طائفة أوم الباقين يظهرون افتقاراً مريعاً لمشاعر الشفقة تجاه ضحايا أعمال مجموعتهم. والأكثر تطرّفاً من ذلك هو ذلك الشخص من أحد أعضاء طائفة أوم الذي بعث ردّه لمجلّة القارئ (2000) يذكر هجمات أنفاق المترو ويعلّق عليها بعبارة: ((رائعة، أليس كذلك؟)) _وذلك بسبب الأنظار التي تمّ لفتها وتوجيهها للطائفة [2].
ألقى كل من شيمازونو (2001)، إلى حدٍ ما، و واتانابي (1998، 2005)، بشكل كبير، اللوم على مذهب البوا عند أساهارا الذي كان السبب وراء جرائم أوم. وهذا سيكون مثالاً آخر عن أفكار التضحية (أمّا الشخص بنفسه أو بالآخرين) ممّا يؤدي إلى تقديس الشخص الأمر المركزي في الإرهاب الديني أو المدفوع دينياً. لكن في حالة طائفة أوم، علينا أن نتساءل سيكولوجياً، كيف يمكن لمذهب متطرّف وأصولي كمذهب البوا أن يجد طريقاً له إلى عقول البشر ويترسّخ داخلها؟ هل ذلك _كما يشير كل من شيمازونو وليفتون بكل بساطة_ بسبب إخلاصهم التام والمطلق لمعلّمهم أساهارا؟ أم هل هناك سبب سيكولوجي أعمق يدفع الناس لقبول فكرة التضحية بالنفس (والآخرين أيضاً، في حالة البوا) عبر الموت؟
مرةً أخرى نعود إلى الصلة السيكوديناميكية بين القداسة والتطهير وبين الموت التي يمكن ملاحظتها أيضاً في العديد من الأمثلة عن الإرهاب المدفوع دينياً. إنّ سمة التطهير كانت تعتبر محورية في رسالة أساهارا منذ البداية تقريباً، هذه التقنيات يفترض أن تجعل الأفراد قادرين على تخليص أنفسهم من "الكارما السيئة" وغيرها من الشوائب الأخرى. إنّ سمات النقاوة والتطهير سمات محورية في الديانة الشنتوية باليابان، ولذلك من المؤكّد أنّه كانت واضحة في وعي أساهارا ووعي أتباعه. لكن هذه السمات موجودة بشكل معيّن في كل دين تقريباً. وهي ليست مقتصرة على الشنتوية، أوم أو الجماعات التي تمارس العنف الديني. مرةً أخرى، من الناحية السيكولوجية نحن لسنا هنا بصدد سمات التقديس والتطهير. بل تهمّنا هنا صلتها مع العنف والموت الأمر الذي يعتبر محورياً في سيكولوجية الإرهاب المدفوع دينياً. إنّ سمة التضحية بالنفس وبالآخر هذه في سبيل التقديس أو التطهير تصبحان كلتاهما بارزتان بوضوح في خطب أساهارا الدينية مع ميلان طائفة أوم شيرنيكيو أكثر نحو العنف وسعي أساهارا لتبرير أفعال مجموعته الإجرامية [3].
بما أنّ منفّذي التفجيرات من البشر وأعضاء طائفة أوم شيرنيكيو يقومون بفعل تضحية دينية، يجادل سترينسكي (2003)، فإنّ أفعالهم موجّهة بشكل أساسي من خلال ((حساب براغماتي نفعي)) [4]. إحدى النتائج الهامّة وربّما غير السارّة لهذا الموقف هي أنّه يخطئ في السعي لفهم الإرهابيين المدفوعين دينياً باستخدام لعبة نماذج الخيار النظري أو العقلاني الشائعة في مجال العلوم الاجتماعية في يومنا هذا [5]. استندت سياسات مكافحة الإرهاب إمّا على مداعبة رغبات الإرهابيين الدينيين الشخصية أو على إخافتهم حتى يسلّموا أنفسهم بعد استعراض مرعب للقوة لن يأتي بأي نتيجة على الأرجح. الدافع الديني إلى التضحية وقدسنة حياة شخص أو هدفه وغايته من شأنّه أن يصعّد ويُضَمَّنَ أيّة دوافع شخصية أو براغماتية بحتة. فمجرّد إدراكهم لحقيقة أنّهم يخوضون حرباً مقدّسة ويقومون بأعمال مقدسة في التضحية، وفهمهم لواقع توجّه الغرب بعيداً عن الروحانية واتجاهه نحو النفعية والبراغماتية هي أحد الأسباب لإصرار المليشيات الإسلامية مراراً وتكراراً على أنّ الغرب لن يفهمهم أبداً [*].
واقعياً، يؤكّد كل تقرير وارد عن المليشيات الإسلامية على جائزة دخول الجنة كدافع ومحفّز رئيسي للقيام بأفعالهم [6]. في الدوائر الغربية، غالباً ما يكون ذلك مصحوباً بوصف الأعداد الكبيرة من الحور العين والعذارى الجميلات اللواتي ينتظرن الشهداء الأغرار للترحيب بهم، ومع أنّ أغلب علماء المسلمين يصرّون أنّ متع ومباهج الجنّة لا تحمل الطابع الجنسي. لكن من الواضح أنّ الرغبة للقاء الله هي ذاتها بمثابة دافع ومحفّز قوي هنا.
يجيب مقاتل فلسطيني عندما سئل عن دافعه: ((قوّة الروح وعزّتها هما اللتان تدفعاننا)) [7] قال عطا لرفاقه الخاطفين: ((عليكم أن تشعروا بهدوء كامل، لأنّ الزمن بينكم وبين زوجاتكم [في الجنة] قصير جداً. بعد ذلك تبدأ الحياة الرغيدة، حيث يرضى الله عنكم ويهبكم الحياة الأبدية)) [8]. قال مجنّد فلسطيني عن طرقه وأساليبه في التجنيد: ((نحن نركّز انتباهه على الجنة، وعلى وجوده في حضرة الله عزّ وجل، ومقابلة رسوله الله صلى الله عليه وسلم، ومقابلته أحبّائه وشفاعته لهم ليدخلوا جميعهم الجنة وينجّهم عذاب النار)) [9]. مقاتل فلسطيني آخر، تمّ إلقاء القبض عليه من قبل السلطات الفلسطينية قبل أن يتمكّن من الشروع في مهمّته، يقول عن الجنّة: ((إنّها قريبة، قريبة جداً، إنّها على مرأى ناظري. مكانها تحت الإبهام. في الجانب الآخر من الصاعق)) [10].
من الواضح تماماً أنّ هذا غير مقتصر على المتدينين المتشدّدين. على العكس تماماً. الرغبة بتجربة التوحّد مع عالم متعال أو قدسي تبدو جوهرية ومتأصّلة في جميع الأديان عملياً، سواء أكان مصدراً أولياً كونياً لا اسم له للأوبانيشاد، تصوفاً مسيحياً من مذهب الأفلاطونية المحدثة، بوذية الماهايانا، أو المعبود الشخصي الآخر في الهندوسية التعبدية، المسيحية التقوية، أو معلم يوغا تيبتي، أو الخالق عزّ وجلّ في الديانتين التقليديتين اليهودية والإسلام. هذه الرغبة في الاتحاد الروحي ربما قد تكون بمثابة القلب النابض في كل دين حي.
الأمر المحصور والمقتصر على الديانات المنغلقة والمتشدّدة هو العلاقة بين الرغبة في الاتحاد الروحي وبين العنف، وخصوصاً العنف الذي يميّز أفعال القتل القربانية أو أعمال التطهير الأخروية. قد تكون هذه العلاقة القوية جداً بين الرغبة الروحية العالمية والروحية مع سمات التضحية الدموية والتطهير عن طريق العنف هي التي تحوّل التوق الروحي إلى أعمال إرهابية.
من ناحية سيكولوجية، لماذا يكون سفك الدم ضرورياً من أجل الخلاص؟
يبدو أنّ الأمر متعلّق هنا بصورة الله _صورة الإله المنتقم، المعاقب، والذي يمثل صورة السلطة الأبوية القاسية والمستبدّة. يجب على المؤمن أن يجد طريقة للارتباط بكائن قدير يظهر رغبة بتدمير المؤمن. لذا يجب على المؤمن أن يذلّ ويهين نفسه، شاعراً بنفسه بأنّه لا قيمة له وأنه غارق في مشاعر الذنب وتأنيب الضمير. علاوةً على ذلك، على البشر استرضاء هذا الكائن القدير والجبّار، واسترضاؤه. لذا يجب تقديم قربان دموي. لذلك فإننا نعود مرة أخرى إلى تركيبة صورة الإله المنتقم الجبّار والقاسي، الإصرار على التطهير والخلاص بأي شكل، وخاصية القربان الدموي[**].
الإله الذي يطلب قرابين أو أضاحي كوسيلة للتطهير هو عبارة عن إله غاضب ومنتقم. هنا يمكن لعالم النفس الديني أن يساهم في المناقشة من خلال الإشارة إلى بعض الارتباطات في هذه الصورة لله. هنالك بحث يقترح أنّ _على الأقل بالنسبة للسكان الملتزمين دينياً_ الصورة الغاضبة والناقمة لله مرتبطة بموقع خارجي للسيطرة، القلق والكآبة، وعلاقات أخرى أقل صلة بالموضوع [11]. وقد وجد أنّ العكس يصحّ أيضاً، فكلّما كان التمثيل الداخلي الخيّر لله أكثر ارتباطاً مع التطوّر النفسي الناضج والقدرة على إقامة علاقات أكثر نضوجاً. إنّ استيعاب أي مؤمن أو مؤمنة لعلاقات الموضوع يوجّه تعبيراته أو تعبيراتها الدينية [12]. وهذا يضعنا أمام سياق نظري وتجريبي في آنٍ معاً حيث أنّ أي شخص يتصوّر الله ككائن منتقم أو جباّر سيميل أيضاً نحو انشقاق أكثر تطرّفاً ويكون أقل قدرةً على التعاطف _نفس الآثار التي تميّز العديد من أنماط الإرهاب الديني.
لذلك فالتضحية والخلاص، هما عبارة عن تحوّل دموي وروحي أصبحا مرتبطين عندما كان استرضاء الإله بالتضحية عملية مذلّة وتأديبية. لكن لم يكن هناك إله متعالي في طائفة أوم. وكما يشير واتانابي بذكاء ودهاء، عندما كانت لدى أساهارا رؤيته التي أضفت عليه مسحة مسيحية، لم تكن النتيجة ديناً يتضمّن إيماناً لذلك الإله __ بل بدلاً من ذلك طائفة تقوم على الإخلاص لأساهارا نفسه. لا هل كان أساهارا نفسه يخدم كائناً مقدّسا وجباراً آخر ينبغي استرضاؤه عن طريق الخضوع له والتضحية بالنفس وبالآخرين في سبيله؟ بإمكاننا أن نظنّ ذلك، لكننا لا نعرف حقاً. يمكننا أن نقترح أنّه مهما كانت الصلة السيكولوجية بين التطهير وسفك الدم، الذي يبدو فعالاً جداً في الكثير من أعمال العنف المدفوعة دينياً، ومن المحتمل أنه كان موجوداً عند بعض أعضاء طائفة أوم على الأقل.
من وجهة نظر سريرية، الأمر الأبرز والأكثر وضوحاً في التوجّه نحو العنف من ناحية الدين تتمثّل في مشاعر الخزي والعار، الانفصال الأبوكاليبتي للعالم إلى معسكر للخير من جهة ومعسكر الشر من جهة أخرى، الصورة الغاضبة للإله المنتقم والجبار، الدافع للتطهير، والاهتمام الاستبدادي بالاستسلام والإجحاف ضدّ الدخلاء [13]. تقترح الأبحاث أنّ مشاعر الذل والمهانة قد تكون عناصر حيوية وحاسمة في أغلب أعمال العنف الديني. بإمكان الدين أن يصبح مساهماً كبيراً في أعمال العنف الناتجة عن مشاعر الإذلال والعار بإحدى الطرق التالية أو بالأخرى أو بكلتيهما معاً. أولاً: قد يشعر الناس بالعار والإذلال بالظروف التي يمرّون بها خلال حياتهم (الظروف التي يعانيها الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي، الشيشان تحت الاحتلال الروسي، والعراقيين تحت الاحتلال الأمريكي)، وقد يلعب دينهم على تلك المشاعر بالذل والعار والمهانة، ممّا يعمل على تنشيطها وتحويلها لأغراضه [الدين] الخاصة. علينا ملاحظة أنّ الدين قد يُسْكِت ويحوّل ذلك الشعور بالذل بدلاً من تعزيزه أو تنشيطه، كمحاولة الدالاي لاما مع أبناء التيبت الذين يرزحون تحت الاحتلال الصيني، وكما فعل مارتن لوثر كينغ تجاه عمليات إذلال الأمريكيين الأفارقة من قبل العنصريين الأمريكان.
ثانياً، قد تحثّ الأديان بشكل مباشر وتفاقم مشاعر الذل والعار. فصور الإله المنتقم والغاضب، سيد أو زعيم ينتقد أو يذلّ أتباعه وعبيده، أو نص مقدّس يقرأ بطريقة تعزّز مشاعر الذل والمهانة، جميعها طرق يمكن للدين أن يعزّز من خلالها تلك المشاعر ويقوّيها. هنا أصبح بمقدورنا رؤية بعض العلاقات والارتباطات بين هذه الخصائص التي تُرى مع بعضها في حالات الإرهاب الديني، وهي الصورة الانتقامية للإله الجبّار والمتسلّط أو بعض الموضوعات الدينية الأخرى وسلوكها نحو العنف تحرّكها مشاعر الذل والعار. واقتراحي هو كالتالي أنّه عندما يتم تناول فكرة الإلهي والمقدّس، أو المنحرف، أو النص المقدّس كمصدر للإذلال والشعور بالعار، يتزايد احتمال العنف. لقد جادلت سابقاً [14] أنّ التأليه كان أمراً محورياً ومركزياً للدين وللعنف الديني (وأيضاً لعملية التحوّل الديني، طالما أنّ العنوان الفرعي لكتابي هذا هو "غموض الدين"). هنا أنا أراجع تلك الأطروحة التي تقول أّنّه ليس فقط التأليه هو الأمر المحوري في علم نفس الإرهاب الديني بل أيضاً المواضيع المقدّسة أو المؤلّهة التي هي بذاتها أيضاً تعتبر مصدراً للعار والإذلال. العلاقة السيكوديناميكية مع أي شيء مقدّس والتي تنتج عبر العنف الديني ليست مجرّد رابط لموضوع مؤلّه بل، بالإضافة إلى ذلك، لإذلال مؤلّه لموضوع قاهر ومطلق القوة. ربما لهذا السبب نرى الديانتين الهندوسية والبوذية، اللتان يتمتّع أتباعهما أيضاً بصلات مع مواضيع مؤلّهة _هياكل الكائنات الإلهية المقدّسة أو السادة المستنيرين_ نادراً ما تنتج أفعالاً عنفية. هذه المواضيع، في حين أنّها مؤلّهة، نادراً ما نكون مذلّةً و مستبدّة. وعندما تتحوّل إلى مستبدة ومذلّة (كما في حالة أوم شيرنيكيو وأتباع كالي)، عندئذٍ تتحوّل هذه المجموعات إلى جماعات عنيفة [***]. بالإضافة إلى أنّ الدراسات المطبّقة على المؤمنين الدينيين في شمال أمريكا تشير إلى أنّ الصور المعاقبة لله تميل إلى أن تكون مرتبطة بمكان خارج عن السيطرة، الافتقار إلى التعاطف والشفقة تجاه الآخرين، النزوع تجاه الانفصال السيكولوجي احترام أقل للذات. مرةً أخرى، قد تكون هناك علاقات وارتباطات بين التجربة التأديبية للمقدس، الميزات الشخصية الاستبدادية، ونداء الاستقطاب الأبوكاليبتي للعالم. إضافةً إلى ذلك، التفخيم الذاتي الذي يجادل يورغنزماير[15] بأنه يأتي من كونه جزءاً من جيش الصالحين قد يكون له نداء خاص إلى أولئك الذين يحتاجون لتعزيز مشاعر احترام الذات وتقديرها.
************************
الهوامش
[1] Atran, 2003, p. 1537
[2] Reader (2000) p. 222; see Maekawa, 2000 وذلك للاطلاع على العديد من الأمثلة الأخرى عن هذا الافتقار الشديد لحسّ التعاطف والشفقة تجاه الضحايا.
[3] Shimazono, 2001; Watanabe, 1998, 2005
[4] Strenski 2003 p. 26
[5] لاستعراض آراء ذات صلة، أنظر أيضاً: Victoroff, 2005, as well as Moghaddam & Marsella, 2004
[*] هناك أمثلة كثيرة عن هذا التأكيد يمكن إيجادها عبر أعمال كل من ديفز (2003) وحسّان (2001) وفي أماكن أخرى. (2003) حيث تقول النتيجة أنّه، وعلى العكس من الغرب، في المجتمعات الإسلامية بالشرق الأوسط "الليبرالية والحرية الدينية هي القيم التي تحدّد النجاح، وليس النجاح الأكاديمي أو الاقتصادي بالضرورة" [صـ 175]
[6] Davis, 2003; Post et al., 2003; Hassan, 2001
[7] Hassan, 2001, p. 37
[8] Atta, n.d., Last Letter
[9] Hassan, 2001, p. 40
[10] Hassan, 2001, p. 40
[**] روث شتاين (Stein, n.d.-b, p. 6) تقترح نموذجاً مساعداً للغاية للتعاقب الخطي للمراحل السيكولوجية في عملية تحويل التضحية إلى إرهاب انتحاري:
 المرحلة الأولى تتضمّن التفريق والتمييز بين النقي أو الصافي وبين الدنس والرغبة في حماية كل ما هو مقدّس ونقي.
 المرحلة الثانية هي الاستخراج من نشاك أكثر نشاطاً، على سبيل المثال، التزاماً أكثر صرامةً وشدةّ بالطقوس، إذا نمت الحاجة لفصل المقدّس عن المدنّس وأصبحت أكثر إلحاحاً. وهذا من شأنه أن يتعاظم من محاولات لتجاوز عملية فصل المدنّس وغير المقدّس ليتحوّل إلى عملية لإزالتهما، بشكل عنيف إذا لزم الأمر. وهنا تبدأ الرغبة في إرضاء الله والرغبة بالقتل بالظهور.
 المرحلة الثالثة تمثّل انتقال هذا الموقف إلى موقف الشهادة، حيث لا يضحّي الشخص بأعداء الله بل يسعى أيضاً لتنقية ذاته من خلال عملية التطهير الذاتي.
[11] Brokaw & Edwards, 1994; Spear, 1994
[12] Jones, 1991
[13] Altemeyer & Hunsberger, 1992
[14] Jones, 2002
[***] في سلسلة من الأوراق العلمية، اقترحت روث شتاين أنّ الرابط مع الموضوع المؤلّه أو المطلق أو المستبد ينتج في حالة سيكولوجية تصفها بأنهّا "العلاقات الشهوانية والفاسدة بين نوع معين من المؤمن وإلهه، حيث أنّ الشهواني والعنف يجتمعان معاً" [Stein, n.d.-b, p. 6]. تسمّي شتاين هذه العلاقة بـ"الرغبة الأفقية vertical desire"، وهي التوق الباطني للاندماج مع الآخر المؤلّه المستبد والمُذِلّ. حول هذه النقطة بالضبط الشروط والاستقطابات المتعارضة على نحو كبير مع التفكير الأصولي... فالأصولية ليست مجرّد نمط روحي للفصل أو للافتراق، بل إنّها نمط روحي للتباين والتفاوت... فالأصولية تدور حول التباين والأفضلية... [ومن ضمنها] تفضيل الله للمؤمنين" [p. 10]
تقترح روث شتاين أنّ الإرهاب الديني مدفوع عن طريق الحب، ليس كره-حب والرغبة المصاحبة للاتحاد مع أب مذلّ بدائي، تحت غطاء إله. لذلك إذا كان الإرهاب الديني عبارة عن حالة نكوص، فإنّه نكوص إلى الأب البدائي، وليس إلى الأم البدائية. كما أنّها تجادل أنّ العنف المتديّن يظهر عملية "تتضمّن تحوّلات للكراهية (والكراهية الذاتية) حب مؤلّه، حيث أنّ الموضوع الداخلي الاستبدادي يتحوّل إلى موضوع متسامي". لذلك "تستند الأصولية القسرية على علاقة أب-ابن عنيفة، شاذّة جنسياً)) [صـ 10] هناك نوع من التعبير العلني عن الكره الذاتي خلال مقابلات مسجّلة مع إرهابيين دينيين. بأي حال، على اعتبار النزعة الحكموية المتطرّفة والمبادئ الأخلاقية المتشدّدة المسيرة عبر منطقة الأنا العليا في النفس البشرية عند العديد من الإرهابيين، فمن المعقول الاعتقاد أنّ النزعة المازوخية ومشاعر الكره الذاتي قد تكون كامنة تحت السطح. تجادل شتاين أنّ الدين الأصولي يحوّل هذه المشاعر بالكره الذاتي المازوخية إلى مشاعر حب تجاه الله الأب الذي يطلب من أتباعه أن يكرهوا أنفسهم ويزدرونها.
بناءً على أبحاثه في الآليات السيكولوجية للحركة النازية في ألمانيا، يجادل ريتشارد كونيغسبرغ Richard Koenigsberg (1975) أنّ الإرهاب والمجازر الجماعية كلاهما ينبثق من إخلاص وإيمان بموضوع مؤلّه، مطلق، قدير ومنيع سيكولوجياً، وليكن الدولة، الله، الحزب، وهلمّ جرا. (نسخ من أوراق كونيغسبرغ ذات الصلة بالموضوع متوفّرة في موقع Psy.BC على شبكة الإنترنت)
في مكان آخر [Jones, 2002]، كنت قد جادلت أنّ نفس الآليات يمكن إيجادها في نصّ أوتو الكلاسيكي (1958) "فكرة المقدس The Idea of the Holy". إنّ وصف أوتو للمقدّس كـ " mysterium tremendum" يحمل نفس هذا السياق بالحضور الغامر والمطلق والذي لا يمكننا الخضوع لأي شيء آخر سواه. بطرق مختلفة، يوافق كل من شتاين وكونيغسبرغ وأنا أنّ ((الآخر المؤلّه، المطلق، المستبدّ أو المذلّ هو المتورّط الوحيد في ارتكاب مختلف أعمال الإرهاب الديني والإبادة الجماعية)).
[15] Juergensmeyer (2000)



#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 12 ترجمة: إبراهيم جركس
- المأزق الأخلاقي للحروب
- القرآن المنحول [1]
- التاريخ النصي للقرآن (أرثر جيفري)
- الله: فيروس عقلي مميت [2]
- الله: فيروس عقلي مميت [1]
- قفشات -أمّ المؤمنين-: هنيئاً لكم
- الفكر الحر في العالم الإسلامي ونظرية صراع الحضارات
- قصة جين الحرية: أميل إيماني
- الدين السياسي: بديل عن الدين، أم أنه دين جديد؟
- من هم مؤلفو القرآن (4)
- من هم مؤلفو القرآن (3)
- من هم مؤلفو القرآن (2)
- من هم مؤلّفو القرآن (1)
- فيروس العقل: الفيروسات العقلية الدينية
- تصوّروا عالماً بلا أديان... ريتشارد دوكينز
- ما الله؟... Ali Sina
- الأسباب الجيدة والسيئة للإيمان... ريتشارد دوكينز
- ما الفائدة من الدين؟... ريتشارد دوكينز
- أكذوبة الإصلاح الإسلامي... Ali Sina


المزيد.....




- حيفا.. مدينة المساجد والكنائس
- تقرير فلسطيني: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
- الخارجية الإيرانية تدين بشدة القرار الكندي بشأن حرس الثورة ا ...
- وسيم السيسي: دليل من التوراة يبطل حجة اليهود بأحقيتهم في أرض ...
- فورين بوليسي: حملة الصين على الإسلام تزحف نحو الأطفال
- وسط صيحات الله أكبر بموسكو.. مقاتل روسي أمريكي سابقا يعتنق ...
- علماء دين مسيحيون يتهمون الفاتيكان بإخفاء معلومات عن أجسام ط ...
- بوتين يزور الكنيسة الأرثوذكسية الوحيدة في كوريا الشمالية
- الانتخابات التشريعية الفرنسية 2024: ما هي اقتراحات الأحزاب ب ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - لماذا يتحوّل الدين إلى عنف؟ 2