|
(5-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (الجمهورية الأولى 14 تموز 1958- 9شباط 1963)
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 3746 - 2012 / 6 / 2 - 13:25
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثاني: المرحلة التموزية / القاسمية: (الجمهورية الأولى 14 تموز 1958- 9شباط 1963) (5 -8) عقيل الناصري
12 - رفعت العديد من القوى الانقلابية، وحتى غيرها القريبة من سلطة الزعيم قاسم، مطاليب تعجيزية لا تستوعبها قانونيات وسنن تطور الثورات الوطنية، كما لا يمكن تحقيقها ضمن الظروف الموضوعية والذاتية السائدة آنذاك، وبالفترة الزمنية المراد تلبيتها، رغم كون بعضها مُعبرعنه اجتماعياً. هذه الحالة عبرت، في الوقت ذاته، عن عجز فهم هذه القوى لكينونتها وماهيتها، ناهيك عن [... معرفة الثورة باعتبارها عملية اجتماعية معقدة يستلزم تحقيقها معرفة آليتها المتميزة. هذه المعرفة ضرورة عملية لنجاح الحركة الثورية. فكم من ثورة في التاريخ فشلت لأن القائمين بها جهلوا تميز منطقها... ان الممارسة السياسية الثورية و (المعرفة العلمية بقوانين التطور التاريخي للبنية الاجتماعية) إذن هي التي تفرض علينا ضرورة التميز داخل حركة التاريخ الاجتماعي ... ]، بغية تكوين رؤية طامحة لواقع اجتماعي أفضل وإلى مشروع سياسي لشكل حكم مناسب للواقع الحي وليس للنظرية الرمادية. ومن هذا المنطلق ، ومن وحي حثيثات الصراع الاجتماسياسي التي شهدتها المرحلة ، فإن كل القوى السياسية لم تكن تعرف " تلك الحقيقة التي مازالت مجهولة ومهملة من قبل محترفي السياسة العرب وهي أن تغيير أي بنية قديمة وتجديدها (الثورة) كما في الأدب والفكر أيضاً ، تتطلب معرفة عميقة بتلك البنية ذاتها وعلاقاتها مع البنيات الأخرى ومدى إتفاقها مع شروط وروح زمنها، وهي ما اتفقنا على تسميته في الحقل الفكري بالإبداع، لكن ضرورته في حقل السياسة أكثر خطورة وأهمية... إن القيمة الحقيقية تكمن في الإمساك بهذه الروح النقدية قبل كل شيء : أن تهدم وتبني في آن، أن تحفر ممراتها بين دهاليز الواقع المعتمة ومنارات الحلم البعيد الذي يرتبط باليوتوبيا، أن تكشف العلاقة بين الخاص والعام ، بين المحلي والعربي والعالمي، بين الحاضر والمستقبل . لكن هذه الروح النقدية لم تكن غائبة في عمل السياسيين وحدهم وإنما في أعمال المبدعين أيضاً... ". هذا الجهل بقانونيات وسنن التطور والابداع أفقد صواب القوى الانقلابية بحيث لم تدرك الواقع ولا موقعها فيه. فأخذت تطرح دعوات وشعارات سياسية غير ناضجة، تعبر في الأساس عن حالة الارتباك هذه. وكان الأكثر حضوراً، شعارالوحدة الفورية، والاصلاحات الجذرية، والبرلمانية الفورية وغيرها من الدعوات التي لم تستوعب الهوية الوطنية وشموليتها ولا تعددية التكوين الاجتماعي والأثني والديني، لهذا الطرف أو ذاك، ضمن المؤسسة العسكرية أو التيار القومي (العربي والكردي على السواء) وقد حظيت بمواقع مهمة ورئيسية في عملية الصراع ضد الزعيم قاسم ورغبات مكونات المجتمع العراقي ككل. لكن، وكمثال، ما أن استلم الحكم، رافِعُو شعار (الوحدة الفورية) من انقلابي (أحزاب التيار القومي)، حتى تنكروا له عملياً. بل بات لي القول: أن أكثر من قتل المشروع الوحدوي هم (الوحدويون) أنفسهم، وكانوا المثل الأسوأ لممارسات الفكرة القومية وتطبيقاتها، والأكثر سوءاً في وأد صيرورة الوحدة العربية، بأي صيغةٍ كانت. وأصبحوا ليس قطريين فحسب، إنما من أكثر الدعاة العمليين للولاءات الدنيا من قبيل: رابطة الدم (الاسرة، العشيرة، القبيلة) والجغرافية الضيقة والنزعات الطائفية. إذ [... أن ذلك الصراع لم يكن في جوهره، في الواقع، مجرد صراع حول الوحدة أو الاتحاد، وإنما كان صراعاً سياسياً من أجل السلطة والحكم بالدرجة الأولى... ] كما شخصها بحق أحد ضباط التيار القومي. وقد توصلت إلى النتيجة ذاتها، وإن يكن بصورة متأخرة، القيادة المصرية آنذاك، حيث اقتنعت بأن [... العراقيين لم يكونوا دعاة وحدة حقيقيين... ] . وحتى حزب البعث [... حدد في مؤتمره القومي الخامس (آيار 1962) موقفه من هذا الشعار بوضوح تام لا لبس فيه، وطرح بالحرف الواحد (محاربة شعار الوحدة الفورية) ووصف الاتجاه المعبر عن هذا الشعار بـ ( الاتجاه العاطفي السطحي اللاواعي) الذي يدعو للوحدة لمجرد أنها وحدة... ] . لكنهم من جانب أخر يؤكدون على الوحدة الفورية في صراعهم ضد الزعيم قاسم والقوى المناصرة للمشروع الفيدرالي. إنها الشوزفرينية السياسية. في الوقت نفسه لم يكن الزعيم قاسم وحده الذي نادى بالتدرج في تطبيق الوحدة، بل شاركته الأغلبية المطلقة من القوى الاجتماعية في العراق: من الوطنيين الديمقراطيين والشيوعيين، ومن ذوي النزعة العراقوية المستقلون، كذلك من الاكراد والتركمان وبقية الاثنيات القومية، من الطائفة الشيعية والحزب الاسلامي، حتى من بعض رموز التيار القومي ذاته مثل محمد نجيب الربيعي وصديق شنشل ومحمد مهدي كبة وعبد الرحمن البزاز. وقد اقتنع حتى الرئيس عبد الناصر بهذه الفكرة، حسب ما ذكر محمد حسنين هيكل. وهكذا [... غدا الصراع في العراق بين الوحدة الاندماجية الفورية والاتحاد الفيدرالي صراعاً على السلطة، من الذي يحكم العراق ويدوس على عنق خصمه... ] بواسطة مؤسسات العنف المنظم، إذ أنهم اتخذوا من (الوحدة الفورية) ذريعة لتلافي الهزيمة ، ومن الذريعة اسلوباً ماكراً للسياسة ومن السياسة أداة لإستلام السلطة، ومن السلطة غاية للهيمنة .. بحيث أدت إلى تضارب في النتائج والتوقعات ، عادة بالبلاء ليس عليهم ومشروعهم فحسب، بل والفكر الذي كانوا بعيدين عن تطبيقه بما فيه الهدف (الوحدة) الذي انطلقوا فيه في محاربة التجربة التاريخية لعراق ما بعد 14 تموز. 13 - مثّل القتال في كردستان واستمراريته وتحالف قيادة الحركة الكردية (مع الشيطان)، حسب تعبير مصطفى البارزاني، أحد أهم المفاصل الأرأسية التي أضعفت سلطة تموز/ قاسم، بل والحركة الكردية ذاتها، وساعدت في الوقت ذاته القوى الانقلابية على تحقيق غايتها. ويجدر القول هنا أن بدايات انطلاق الحركة كانت بعيدة جداً عن المضمون التحرري للشعب الكردي وتطلعاته القومية. لقد عقدت قيادة الحركة منذ بداياتها تحالفات، خارجية وداخلية، مناهضة لجوهرها الإنساني الحقيقي، أن مرحلة تموز/ قاسم كانت أفضل المراحل الزمنية والعملية، في القرن العشرين، قرباً لتحقيق المضامين القومية الشرعية لمطامح الشعب الكردي . أبرمت قيادة الحركة، في تشرين الثاني من عام 1962، حلفاً مع قادة انقلاب شباط بغية إضعاف السلطة آنذاك . كما نسقت مختلف المنظمات المهنية والاجتماعية التابعة للحركة الكردية، أعمالها مع مثيلاتها من أحزاب التيار القومي العربي التي كانت تعد لانقلابها الأخير، لأجل الاطاحة بالحكم، على أمل تحقيق المطامح القومية الكردية. لكن حالما نجح الانقلابيون في استلام السلطة، تنكروا لتحالفهم مع الحركة وحاربوها بأبشع وسائل الإبادة . في حين ويقول حنا بطاطو ، بهذا الصدد : " ... قبل ذلك بحوالي الشهر ( من إضراب الطلبة القوميين في 24 كانون أول 1962-ع.ن) كان الأكراد الديمقراطيون قد تقدموا إلى الشيوعيين بإقتراح للعمل سويةً ضد قاسم. وقالوا : ( إذا وحدنا قوانا فإننا نستطيع الإستيلاء على السلطة) ، لكن الشيوعيين لم يكونوا يعتقدون إن إتلافاً مهذا يمكنه أن يميل كفة الميزا لصالحهم ورفضوا الاقتراح. عندها أدار الأكراد الديمقراطيون وجههم إلى الناحية الأخرى وأمروا الطلبة اتباعهم بالوقوف إلى جانب البعثيين... ". إن السياسات التحالفية القصيرة النظر (وخاصةً مع شاه إيران والكويت والغرب ) قد أثرت قبل غيرها على الحركة الكردية وتطور مضمونها. وهذا ما دللت عليه وقائع تاريخ الحركة منذ بدايات القرن الماضي (حركة محمود الحفيد عام 1919)، حيث طبق الحلفاء الوقتيون (داخلياً وخارجياً) للحركة الكردية سياسة إجهاض ماهياتها التحررية وتمزيقها. إن الترابط العضوي والتلاحم الواقعي بين أوضاع الاكراد في مناطق تواجدهم التاريخي والاوضاع العامة للمنطقة يتطلب تعزيز العلاقات مع القوى الاجتماعية التقدمية المحلية باعتبارها الحليف الاستراتيجي لحركة الشعب الكردي، الطامح لتكوين دولته القومية المشروعة في عموم كردستان ولا تقتصر على جزء دون آخر، ويشكل على الأقل خطوة نحو الشمول الكلي لوحدة الشعب الكردي. إن الإقتتال السائد ( في منتصف التسعينيات) بين فصائل الحركة الكردية في أغلب أجزاء كردستان، يُفسر في بعض أوجهه، كنتاج لتلك السياسات التحالفية (مع الشيطان) الخاطئة التي أبرمتها قيادات الحركة منذ البدء، وخاصةً في مرحلة تموز/ قاسم، سواءً مع إيران أو تركيا، مع الغرب أو مع القوى الانقلابية العربية أو مع الاقطاعيين والأرستقراطية التقليدية. 14 - خطت قيادة عبد الكريم قاسم السياسية لنفسها، نهجاً متميزاً إزاء المشاركين في هذه الانقلابات، ينفي مضمونه ما هو سائداً من القيم الاجتماعية البالية من ثأرية وعنفية. إذ انطلق في تعامله من مبادئ إنسانية رفيعة، يصب مجراها العام في صلب حالة التحضر للمجتمع المدني الذي صَبَت الثورة لبلوغه، وقد جسدتها مقولتيه الشهيرتين: (عفا الله عما سلف) و (الرحمة فوق القانون) . وتأسيساً على ذلك رُصد أن الكم الاغلب من المشاركين في هذه المحاولات، غالباً ما كان يعفى عنهم، أو على الاقل تخفض محكومياتهم إلى حدودها الدنيا، حتى بلغ بالبعض منهم العودة إلى احتلال ذات مناصبهم الحساسة في مؤسسات الدولة كالمؤسسة العسكرية، رغم ضلوعهم في العمليات الانقلابية. مثلت هذه الحالة سابقة لم يصادفها المجتمع العراقي لا في الزمن السابق للثورة ولا بعدها. وهذا يلاحظه المرء، عند تصفح أسماء قيادات الانقلاب التاسع والثلاثون (8 شباط 1963)، أن أغلبهم سبق وأن ساهموا في محاولات انقلابية سابقة وكانوا محكومين أومعتقلين وتم الاعفاء عنهم تمشياً مع المقولتين أعلاه، أوفي أحسن الاحوال أُحيلوا على التقاعد أو حُكم عليهم بعقوبات مخففة جداً لا تتناسب والجرم المقترف. كما أن سلطة تموز/ قاسم لم تستوزر وازرة بأخرى، بالنسبة للمتهم أو المجرم، كما لا تعقبها إجراءات احترازية تطال عائلة المتهم أو أقربائه كما كان سائداً في النظام السابق. فبعد انقلاب الشواف، على سبيل المثال ومقتله بقى أخويه في مناصبهم الحساسة. إذ كان أحدهم وزيراً للصحة، وترأس اللجنة الطبية التي عالجت الزعيم قاسم بعد محاولة الاغتيال التي تعرض إليها في تشرين أول 1959 في رأس القرية، والآخر في المؤسسة العسكرية، كما تسنم ابن عمه عبد اللطيف الشواف منصباً وزارياً وساهم في القرارات والاستشارات الجدية للحكم لغاية الاطاحة به في 8 شباط. كما بقى في الخدمة الضابطان فائق ومدحت الحاج سري بعد إعدام أخيهما رفعت بعد إدانته بالمشاركة في انقلاب الشواف، ولم يلاحقا قضائياً بجريرته. ومع أن مدحت نشط في العمل الانقلابي، إذ [... بعد محاولة الإغتيال في رأس القرية وورود إسمه في التحقيقات، وبعد سنتين من هروبه كلف الزعيم عبد الكريم قاسم أخيه اللواء فائق الحاج سري بالسفر إلى دمشق وإعادة مدحت. فسافر وعاد برفقته إلى بغداد... ] . لكن تم أُعدامه من قبل رفاقه في حزب البعث العراقي عام 1970، بعد إتهامه بالتآمر والتجسس. كذلك الأمر ينطبق على الزعيم عبد الرحمن عارف شقيق عبد السلام عارف الذي استمر في الخدمة العسكرية لغاية آب 1962. إن هذه السُنة التي سار عليها الحكم كانت تمثل النقيض لأسوأ ما في قيم البداوة والمجتمعات الفلاحية والحواظر الصغيرة المتريّفة. وهي حالة حضارية متقدمة على ما كان سائدأ بعد الرحيل القسري لثورة 14 تموز، عندما يعاقب المشارك بتهم ضد الدولة لتشمل العقوبة حتى أقربائه من الدرجة الرابعة. كان الزعيم قاسم يؤكد على هذه القيم النبيلة التي تتجاوز الموروث السائد ويعمم فكرة التسامح. يقول في إحدى خطبه: [ سامحوا حتى أولئك الذين أساءوا إليكم، إننا لا نحمل الإبن وزر الأب، ذلك لأن أبناء الحاضر سيخلفون جيلاً طيباً للمستقبل...]. ويؤكد في موضع آخر على: [... سنبقى متسامحين حتى بالنسبة للأشرار من رجال العهد المباد...]. لكن هيهات للقوى الانقلابية أن تعي هذه المواقف الحضارية، إذ قرأوها، خلافاً لمنطقها، كأنها ضعف في الحكم ، مما دفعهم إلى تكثيف المحاولات الانقلابية والممارسات العنفية.. لنا من اعترافات طالب شبيب ما يؤيد ما استنتجناه، عندما يعلل عفو الزعيم قاسم عن الذين حاولوا اغتياله بالضعف، بالقول: [... لكن عبد الكريم قاسم قدم إلينا بتراجعه عن تنفيذ أحكام الاعدام بالفريق الذي حاول اغتياله فرصة ذهبية جديدة. فقد فهم مؤيدو حزبنا تراجعه ذلك ضعفاً له وقوة لنا. وبدورنا استثمرنا تلك الفرصة إلى أبعد حدود ... } ولكن طالب شبيب ورفاقه لم يدركوا أنه: [... مهما كانت الحسابات المنطقية وراء قرار قاسم، ففي أعمق غور من الدواعي والأسباب، يجب على المرء أن لا يغفل السمتين الغالبتين على طبع عبد الكريم قاسم... وهما انعدام الروح الانتقامية عنده والوزن الكبير الذي يعطيه للحياة البشرية... ] . كما لم تكن شخصيته [... تتأثر بردود الفعل الانتقامية إزاء منتقدي سياسته ومعارضيه الشخصيين. ففي الوقت الذي كان فيه الشاعر عدنان الراوي يقدم برنامجه اليومي من إذاعة صوت العرب في القاهرة والموجه ضد عبد الكريم قاسم كانت عائلته تتمتع بكامل حقوقها المدنية والإنسانية، وفي الوقت الذي كان فيه الشاعر محمد مهدي الجواهري، يتعرض بقصائده في الخارج بشخصية عبد الكريم قاسم، فيقول عن نفسه.. إذ رأى العيش مداراة زنيم لا يدارى، كان الجواهري موضوعاً يدرس في كتاب الادب العربي لطلبة الصف الثالث المتوسط وكانت الصحف تنشر قصائده الجديدة... كما لم يحدث خلال فترة حكمه لأحد معارضيه أن تعرض لعملية إغتيال أو إختطاف سواء داخل العراق أم خارجه، بل كان عبد الكريم قاسم نفسه عرضة لمحاولة إغتيال قام بها معارضوه... ] . 15 - ساهمت الأغلبية العظمى ، إن لم تكن جميعها، من دول الجوار والمنطقة، العربية وغير العربية، في العمليات الانقلابية. وإن اختلفت طبيعة مساهماتها ودرجة تدخلها، بهذه الدرجة أو تلك، والتي تراوحت بين مد يد العون المادي أو المعنوي إلى التدخل المباشر أو غير المباشر، أو/و ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية، عبر الطرق الدبلوماسية أو التلويح بالتهديدات العسكرية وغير العسكرية، كقطع المياه عن روافد نهر ديالى وتخفيض المنسوب المتدفق عبر نهري دجلة والفرات وإثارة أزمة شط العرب والأهم التقليل المتعمد لإنتاج النفط وتخفيض أسعاره، بغية خلق إختناقات اقتصادية تعرقل الاستقرار السياسي الذي لا يمكن تحققه إلا على أساس التطور الاقتصادي، مما يخلق مناخاً مواتياً للتوتر والانقلابات. وقامت الكويت بتوزيع الأموال على شيوخ العشائر وإقطاعي الأمس لأجل توتير العلاقات الداخلية وخاصةً بعد مطالبة قاسم بانضمام الكويت للعراق عبر الكونفدرالية. يقول إبراهيم الزبيدي كيف أنه والمغني الريفي الشهير داخل حسن، قابلا في الكويت عراقي مقيم فيها وصاحب مقهى ، قص لهما أن: " الكويت أثناء الأزمة في عام 1962 كلفته بتوزيع بعض الأموال على بعض شيوخ القبائل في جنوب العراق ..." وبعد مدة قامت المخابرات العراقية بإستجواب إبراهيم الزبيدي وداخل حسن عن الواقعه.. وكيف أنكرا التعرف على هذا الذي أفضى لهما بسر خطير. وفي الوقت نفسه يشير الدكتور طارق مجيد تقي العقيلي ، في اطروحته الاكاديمية إلى أن: " ... موقف الحكومة الكويتية أختلف عن مواقف الحكومات الأخرى ، فقد أيدت الكويت النظام الجديد في العراق لأنها كانت تنتظر أي نظام بديل لحكم عبد الكريم قاسم. وما يلفت الإنتياه هنا أن الكويت كانت من أكثر الدول التي عملت على إسقاط حكم عبد الكريم قاسم ولأسباب معروفة لا حاجة لنا في تكرارها. لكن المهم ان نشير إلى الدعم الذي قدمته الكويت إلى الحركات الكردية في شمال العراق في حزيران 1961 ضد عبد الكريم قاسم، ( حسب رسالة السفارة البريطانية في الكويت إلى وزارة الخارجية البريطانية- ع.ن) ومن ثم قدمت دعما لحزب البعث في آب 1962 على خلفية اتفاقات سرية جرت بالكويت وقادة من حزب البعث تم بموجبها تقديم المساعدة المالية لدعم نشاط الحزب داخل العراق ... ". الهوامش والملاحظات: 46 - مهدي عامل، مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني، ط.5. ص.37 الفارابي بيروت 1986. 47- فاضل العزاوين الروح الحيةن ص. 71، مصدر سابق. 48- راجع رسالة ناجي طالب المنشورة لدى خليل إبراهيم حسين الزوبعي، الموسوعة، الجزء الثاني، ص 308، مصدر سابق. 49- راجع مذكرات عبد اللطيف البغدادي، الجزء الثاني، ص 79، القاهرة 50 - راجع نضال البعث، الجزء السادس ص 85. مستل من، محمد جمال باروت، حركة القوميين العرب ص 79 مصدر سابق.
51 - زكي خيري، صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي ، مصدر سابق، ص 190.
52 - يذكر د. كمال مجيد أنه: [... حلول أيلول 1961 كان جلال الطالباني وشرطة سعيد قزاز وعملاء السافاك الايراني الآخرون، قد نجحوا في تحشيد عدد كبير من الإقطاعيين الأكراد مثل عباس مامند آغا البشدري وحاجي ابراهيم أسماعيل عزيزي ومحمود فقي ومحمد الهاموندي، الذي كان نائباً في البرلمان الملكي... وتأكدت بأن المناوشات المسلحة قد بدأت فعلاً من قبل الأكراد من عشيرة بشدر عن طريق السطو على مخافر الشرطة العراقية... لأن قانون الاصلاح الزراعي لهؤلاء الأغوات كان قد منعهم من جمع مئات الألوف من الدنانير سنوياً نتيجة لبيع المخدرات إلى الأسواق السرية العراقية بل وإلى المهربين الابرانيين من أفراد نفس العشيرة عبر الحدود... ]. الأكراد والنفط، مصدر سابق، ص 44. ويبدو أن هذا الحلف بين الحركة الكردية والقوى القومية العربية ، كان بتأثيرات واضحة من إبراهيم أحمد، سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني ، إذ "... كان إبراهيم يرى مستقبل حكم العراق وبالتالي مصلحة الكورد مع القوميين الرعب والناصريين والبعثيين فيتقرب منهم ، فنال الحزب قليلا من الترحاب تارةً والكثير من الخصام من غيرها...". راجع عثمان الراوندوزي المحامي، إستجواب صدام حسين ، رجل التناقضات، ص. 188، الدار الاندلسية، لندن 1999.علماً بأن غبراهيم أحمد قيلت بحقه الكثير من الاشاعات التي تناولت ارتباطاته مع القوى الخارجية والمراكز العالمية، لمساعدة الحركة الكردية. 53 - حول هذا الموضوع راجع أوريل دان، مصدر سابق، كذلك جرجيس فتح الله، مصدر سابق، وطالب شبيب، مصدر سابق: كذلك اسماعيل العارف، مصدر سابق. ود. عزيز الحاج، القضية الكردية في العراق _ التاريخ والآفاق، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1994، البرفسور كمال مجيد، النفط والأكراد، المصدر السابق.
54 - ربطت أحزاب التيار القومي، البعث على سبيل المثال، المسألة الكردية آنذاك، بالتحالف الصهيوني الرجعي باعتبارها [مصدر التآمر المتربص بالوحدة العامل على تفكيكها، وتفجيرها من داخلها. فقد شهد عام 1961 تآمرا مزدوجاً على القضية القومية، كلاهما ذو مظهر انفصالي: الأول ساحته العراق، والأخر كانت ساحته الجمهورية العربية المتحدة. والغريب أن شهر أيلول كان توقيتاً زمنياً مشتركاً لهما كشف بجلاء ووضوح مخطط أعداء الوحدة لعربية. فمنذ الحادي عشر من شهر أيلول 1961، بدأت المعارك المسلحة بين قوات الجيش العراقي ورجال العشائر الكردية الذين أعلنوا العصيان المسلح ورفعوا شعار تجزئة العراق. فقد كان المخطط الاستعماري يستخدم الدكتاتورية العسكرية آنذاك لتثبيت التفرقة العنصرية وتشويه حركة الثورة العربية وطابعها الإنساني الحضاري التقدمي] د. الياس فرح، تطور الايديواوجية العربية الثورية الفكر القومي، ص 175، مستل من عزيز الحاج، مع الاعوام، ط. الأولى، ص 86، بيروت 1981، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
55 - حنا بطاطو، الجزء الثالث، ص. 286،. لكن الحقائق التاريخية التي تم الكشف عنها بعد سقوط النظام السابق، تشير إلى أن بعض قادة الحركة الكردية قد إلتقوا من مطلع عام 1962 مع جماعة الانقلابيين. راجع على سبيل المثال، مذكرات فؤاد عارف، مصدر سابق. 56 - راجع د. حامد محمود عيسى، المشكلة الكردية في الشرق الأوسط، مكتبة مدبولي، القاهرة 1991، والكتاب هو أطروحة لنيل الدكتوراة من جامعة عين شمس؛ كذلك د. خليل الجندي، حركة التحرر الوطني الكردستاني في كردستان الجنوبية، دار APEC ستوكهولم 199، هي الأخرى أطروحة دكتوراة من معهد الاستشراق الجيكوسلفاكي. لقد كانت القضية الكردية، ولا تزال، وبسبب موقعها الجغرافي، قد وقعت في حالة المراوحة عند اختيار البدائل، بين الدعم الإقليمي أو حل الموضوع مع المركز في بغداد. ونتيجة قصر النظر تحالفت قيادة الحركة آنذاك مع (العدو) الاستراتيجي لهما عوضاً عن حل المشكلة مع المركز.
57 - أُشيع آنذاك أن رجال القضاء في العراق قد احتجوا على تسامح عبد الكريم قاسم، وكانوا يتذمرون من أنهم يصدرون الاحكام اليوم ليلغيها الزعيم غداً. وقد انبرى في الآونة الأخيرة الصديق الصحفي والكاتب طلال شاكر لدحض أهمية هاتين المقولتين بالقول: [... كان بالأساس يهدف نشر جملة من القيم الانشائية منها العدل والتسامح، لكن طريقة فهمه والغرض من التطبيق اقترنت بالمزاجية واللامسؤولية في بلد لم يستقر فيه القانون وبالتالي فقدَ هذا المبدأ معناه ...]. طلال شاكر، التعصب السياسي: تأييداً ورفضاً جريدة الزمان في 26/10/2001. يحاول طلال شاكر هنا تأنيب الزعيم قاسم في عدم فعالية هاتين المقولتين وليس النظر إليهما باعتبارهما قيم إنسانية رفعية المستوى. كما لا يحمل اولائك المتآمرين على الحكم مسؤولية تجنيهم المتكرر. هذا المنطلق ينبع سيكولوجيا، بصورة خفية، من الايمان بمبدأ القوة في الحياة العملية، ويؤكد ذلك بصورة لا شعورية عندما يقرن الأمر بعدم استقرار القانون. بمعنى يجب استخدام العنف. 58 - د. علي كريم سعيد، مراجعات، مصدر سابق، ص 28.
59- لم تسجب قوى التآمر والانقلاب لدعوات قاسم المتعلقة بتكوين حكومة وحدة وطنية تأخذ على عاتقها سن الدستور الدائم والإشراف على الانتخابات المزمع القيام بها في تموز عام 1963. لذا بقى كل الذين عفى عنهم قاسم مستمرون بالتآمر ضد نظام الحكم.. من أمثال : عبد السلام عارف؛ أحمد حسن البكر التكريتي؛ عبد الكريم فرحان الزبيدي؛ وعارف عبد الرزاق؛ وصالح مهدي عماش؛ ورشيد مصلح التكريتي؛ وطاهر يحيى التكريتي؛ وحردان التكريتي؛ وعبد الغني الراوي؛ خالد الهاشمي؛ انور عبد القادر الحديثي؛ عبد الكريم مصطفى نصرت؛ عرفان عبد القادر؛ وذياب العلكاوي؛ وصبحي عبد الحميد؛ وهادي خماس؛ ورجب عبد المجيد وغيرهم من الضباط " ... الذين يعفو عنهم قاسم بعد اشتراكهم في مؤامرة ضده ، يخرجون من السجن ليحيكوا مؤامرة جديدة، ما هي نفسيتهم؟؟ وهذا البعثي الذي يحاول قتل قاسم ويصيبه بجراح، ويعود بعد عام ونصف العام إلى أهله معافياً ويشترك في محاولة إغتيال جديدة ، ما هي نفسيته ؟؟؟ ..." د. علاء الدين الظاهر تفكيك التجني، دراسة نشرت بحلقات في جريدة الزمان اللندنية العدد 572. 60 - المصدر سابق، ص 33.
61-أوريل دان، مصدر سابق، ص 325. 62- حسن العلوي، رؤوية بعد العشرين، ص 85، مصدر سابق. ويورد في نفس الكتاب العديد من الامثلة يقول في أحدها أنه: [... خصص لكل موقوف من الدرجة الأولى 400 فلس يومياً و300 فلس للدرجة الثانية. وكلف متعهد بالحضور مساء كل يوم لتسجيل طلباتنا... وكانت المواد التموينية تصلنا صباحاً، وتسدد أثمانها من مخصصاتنا اليومية. أما رواتبنا في الدوائر أو الشركات، فتصرف أنصافها على أن تجمع الأنصاف الأخرى، بعد الخروج من المعتقل، وهي فرصة ثمينة لمن يريد التوفير. فقد رفضت استلام أنصاف الرواتب إلى حين إطلاق سراحي، وكنت قد أستلمت كتاباً من المديرية بترفيعي إلى راتب 36 ديناراً اسمياً وأنا في المعتقل... ] ص 9. 63 -دولة الإذاعة – سيرة ومشاهدات عراقية 1956-1974، دار الحكمة، لندن 2003 64- للمزيد راجع د. طارق مجيد العقيلي، ص. 111وما بعدها، مصدر سابق.
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(4-8)من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر (3-8)
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثان
...
-
من تاريخية الانقلابية العسكرية في العراق المعاصر القسم الثا
...
-
رحيل آخر عمالقة رواد الفكر الديمقراطي في العراق المعاصر
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(5-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(4-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر(3-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (2-5)
-
من تاريخية الحركات الانقلابية في العراق المعاصر (1-5)
-
من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (2-2)*
-
من أجل تاريخ موضوعي لتموز وعبد الكريم قاسم (1-2)*
-
الحزب الشيوعي العراق من إعدام فهد حتى ثورة 14 تموز1958
-
هو والزعيم (4-4):
-
هو والزعيم ( 3- 4):
-
هو.. والزعيم (2-4)
-
هو.. والزعيم (1-4)
-
الناصري: يكشف اسرارا جديدة عن ثورة 14 تموز
-
الجواهري وتموز
-
ثورة 14 تموز ومسألة العنف
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|