أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فجر الديمقراطية الشعبية فى مصر















المزيد.....



مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فجر الديمقراطية الشعبية فى مصر


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3744 - 2012 / 5 / 31 - 14:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين
فجر الديمقراطية الشعبية فى مصر

1: الخيار بين كابوسيْن: تمخض الجبل فولد فأرا، وانقلب عُرْس الديمقراطية المزعوم إلى مأتم حقيقى للديمقراطية! فقد جاءت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بخيارين أحلاهما مرٌّ، ولا خيار فى الشر! لقد صار الخيار المطروح أمام الشعب بين كابوسيْن: إما شفيق وإما مرسى؛ أىْ إما خيار الدولة العسكرية أو خيار الدولة الدينية (جمهورية مصر الإسلامية). ولا شك فى أن الدولة العسكرية، أو الإسلامية، أو العسكرية الإسلامية، أو الإسلامية العسكرية القادمة ستكون فى كل الأحوال دولة الثورة من حيث الأقوال ودولة الثورة المضادة أىْ دولة تصفية الثورة من حيث الأفعال. ونخطئ إذا نظرنا إلى نظام الثورة المضادة القادم على أنه إعادة إنتاج لنظام مبارك فالحقيقة أنه أسوأ بما لا يقاس لأنه يمثل نظام مبارك ممتشقا السلاح بحكم مهمته المتمثلة فى تصفية الثورة وهى مهمة تظهر بحكم طبيعتها فى مجرى الثورات وليس قبلها بطبيعة الحال. ومن حيث الجوهر لا تختلف دولة الثورة المضادة فى شكلها العسكرى عن دولة الثورة المضادة فى شكلها الدينى أو فى شكلها العسكرى الدينى أو فى شكلها الدينى العسكرى. ولهذا فإن خيار مرسى أو شفيق ليس خيارا بين سيئ وأسوأ بل هو خيار بين الأسوأ والأسوأ!
2: ترزية الانتخابات النزيهة المزعومة: وقد شهدت هذه الانتخابات الحرة النزيهة المزعومة كل أشكال وأنواع ووسائل وأدوات تزييف إرادة الشعب، حيث أشرفت عليها اللجنة العليا التى تضم رجالا أشرفوا من قبل (قبل ثورة 25 يناير بأسابيع) على انتخابات أحمد عز الشهيرة التى كانت انتخابات الإقصاء المطلق للإخوان المسلمين وشبه المطلق لغيرهم، وأشرفوا بعد ذلك على الانتخابات الپرلمانية التى جاءت بما يسمَّى بپرلمان الثورة بمجلسيه (الشعب والشورى) وهو فى الحقيقة پرلمان الإخوان والسلفيِّين والوهابيِّين فى سياق تحالفهم الذيلى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية على رأس الثورة المضادة التى تعمل على تصفية الثورة الشعبية. وهؤلاء الرجال الذين قاموا مرة بإقصاء الإخوان عن الپرلمان ومرة أخرى بمنح الإخوان والسلفيِّين أغلب مقاعد الپرلمان (وفقا لتعليمات وأوامر حاكم الأمر الواقع ومقتضيات المرحلة) هم أنفسهم الذين قاموا أخيرا بدفع مرشح الإخوان المسلمين ومرشح المجلس العسكرى إلى الصدارة؛ فهل جاءوا بهما حقا للتنافس الحقيقى بينهما أم "يبدو" الأمر كذلك فى الظاهر وحسب؟ أىْ: هل يقبلون برئيس إخوانى أو رئيس من رجال النظام الأساسيِّين، على قدم المساواة؟ والحقيقة أن خيارهم الأفضل والوحيد على الأرجح فى السياق الحالى هو الفريق أحمد شفيق الرجل البارز فى نظام مبارك؛ فلماذا لم يقوموا بإنجاحه من الجولة الأولى؟ ويمكن القول إن دواعى ومقتضيات "مظهر" الانتخابات الحرة النزيهة هى التى تقودهم إلى مسرحية هزلية بعد تحديد نتائجها المبتغاة سلفًا وإحاطة الوصول إليها بضمانات أكيدة.
3: أرقام الأصوات المعلنة: وينهمك خبراء لا حصر لهم فى مختلف الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى فى إجراء حسابات لا نهاية لها لاحتمالات مدى حاجة كلٍّ من المرشحيْن الذاهبيْن إلى الإعادة فى جولة ثانية إلى تحالفات وصفقات تضمن الفوز فى الجولة الثانية الوشيكة. وهى حسابات خاطئة للأسباب والنتائج. وبادئ ذى بدء، شارك فى هذه الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية 23672236 ناخب من أصل 50096746 ناخب، فكانت نسبة المشاركة أو الإقبال أكثر قليلا من 46.4% وهى نسبة يمكن وصفها بأنها متدنية بوجه عام وخاصةً بالمقارنة بنسبة انتخابات مجلس الشعب منذ قرابة نصف عام. وكان عدد الأصوات الصحيحة 23265516 صوت، وعدد الأصوات الباطلة 406620 صوت. وكانت نتائج الخمسة الأوائل كالتالى: 1: محمد مرسى: 5764952 صوت، أىْ أقل قليلا من 5.8 مليون صوت، بنسبة أقل قليلا من 24.8 فى المائة، 2: أحمد شفيق: 5505327 صوت، أىْ أكثر قليلا من 5.5 مليون صوت، بنسبة أقل من 23.7 فى المائة، 3: حمدين صباحى: 4820273 صوت، أىْ أكثر قليلا من 4.8 مليون صوت، بنسبة أكثر قليلا من 20.7 فى المائة، 4: عبد المنعم أبو الفتوح: 4065239 صوت، أىْ أقل من 4.1 مليون صوت، بنسبة أقل قليلا من 17.5 فى المائة، 5: عمرو موسى: 2588850 صوت، أىْ أقل من 2.6 مليون صوت، بنسبة أكثر قليلا من 11.1 فى المائة. وكانت أصوات محمد سليم العوا 235374 أىْ أكثر قليلا من 0.2 مليون صوت، بنسبة أكثر قليلا من 1.0 فى المائة، وأصوات خالد على و أبو العز الحريرى و هشام البسطويسى، مجتمعين (بترتيب عدد أصوات كلٍّ منهم) 203335 صوت، أىْ أكثر من 0.2 مليون صوت، بنسبة أقل قليلا من 0.9 فى المائة، وأصوات محمود حسام، و محمد فوزى عيسى، و حسام خير الله، و عبد الله الأشعل، مجتمعين (بترتيب عدد أصوات كلٍّ منهم) 82166 صوت، أىْ أقل من 0.1 مليون صوت، بنسبة أقل من 0.4 فى المائة (بوابة الأهرام، 28 مايو 2012). ومهما تكن حقيقة نزاهة هذه الأرقام فى ضوء كل ما تواتر عن المال السياسى بوجه عام، والمال السياسى النقدى والعينى الخاص بشراء الأصوات، والكشوف الانتخابية التى تشمل أعدادا كبيرة ممن لا يحق لهم التصويت كالموتى والمجندين، والامتناع عن تسليم كشوف الناخبين للمرشحين، والتزوير المباشر بالتسويد ومختلف الضغوط، وإلقاء بطاقات فى مزارع القصب، أو فى أماكن أخرى، وإضافة أصوات مجندين إلى مرشح بعينه، وكذلك حرمان الملايين من الناخبين المقيمين فى مناطق غير مناطقهم الانتخابية داخل مصر، وقبل كل شيء قبول ترشيح أحمد شفيق فى تجاهل صريح لقانون العزل (تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية)، وغير ذلك، فلا مناص من استنتاج مؤشرات رئيسية من هذه الأرقام المعيبة إلى حد البطلان نتيجة للإجراءات والممارسات المشار إليها.
4: حسابات واستنتاجات خاطئة من أرقام الأصوات المعلنة: ويسود الحديث عن حصول مرشحى الثورة على أكثر من 9.3 أو ربما 9.4 مليون صوت وهذا الرقم هو حاصل أصوات حمدين صباحى و عبد المنعم أبو الفتوح والمرشحين الثمانية (غير الخمسة الأوائل). ومن الجلى أن هذا حساب خاطئ تماما فكيف يمكن على سبيل المثال اعتبار ملايين السلفيِّين والوهابيِّين الذين يشكلون أغلب أصوات المرشح عبد المنعم أبو الفتوح من معسكر الثورة؟ وكيف يمكن اعتبار هذا المرشح ذاته بالتالى من معسكر الثورة؟ وكيف يمكن اعتبار محمد سليم العوا وعدد من المرشحين الأقل شأنا من حيث الأصوات من أمثال المرشح حسام خير الله من معسكر الثورة؟ كما يفعل مصطفى اللباد فى مقال له (السفير البيروتية، 28 مايو 2012). ورغم الاستنتاج الصحيح الذى ينتهى إليه هذا الباحث بشأن أهمية أن يتقدم التيار الثالث (قوى الثورة) ليحتل مكانه بعيدا عن "الفلول" (والأفضل أن يقال: نظام المجلس العسكرى) والإخوان، فإن تياره الثالث يشمل إذن السلفيَّين والوهابيِّين (دون أنْ ينتبه بالطبع)! ويعلق اللباد وفقا لحساباته غير المدققة أهمية كبرى على معاداة أغلب الناخبين (64 فى المائة) للفلول مقابل أصوات أحمد شفيق و عمرو موسى (36 فى المائة)، وعلى معاداة أغلب الناخبين (74 فى المائة) للإخوان (26 فى المائة)؟! فما معنى أن نعتدّ كثيرا بمعاداة الإخوان والسلفيين والوهابيين للفلول وفى الوقت نفسه بمعاداة الفلول ضمن آخرين للإخوان؟! وتحسب أهداف سويف (بوابة الشروق، 30 مايو 2012) ملايين الأصوات التى ذهبت إلى عبد المنعم أبو الفتوح ضمن معسكر "التغيير الجذرى فى الاقتصاد والإدارة والحريات"؛ وكأن هذه الأصوات ليست بجانبها الأكبر أصوات السلفيِّين والوهابيِّين وبعض الإخوان المسلمين! ويروِّج حمدين صباحى نفسه نفس هذه الحسابات الخاطئة التى لا يبررها سوى نظرته المحبذة (دون مبرر) إلى عبد المنعم أبو الفتوح وإلى قطاع ينتمى حقا إلى قوى الثورة وهو الأصغر بين قطاعات أنصاره، وكذلك إلى غير "الفلول" والإخوان دون تمييز، حيث يوضع سليم العوا جنبا إلى جنب مع خالد على، على سبيل المثال! إننا هنا إزاء مزاد لتوزيع الألقاب الثورية من أجل وَهْمٍ خالص هو توسيع قوى الثورة من خلال توسيع مفهوم قوى الثورة ليشمل كل اتجاه سوى الفلول والإخوان، إنْ لم يتسع عند كثيرين (غير هؤلاء بالطبع) للإخوان المسلمين أنفسهم. ويمكن أن نلاحظ أن أصوات الأقباط التى ذهبت إلى أحمد شفيق و عمرو موسى و حمدين صباحى و عبد المنعم أبو الفتوح ليست بأغلبها "فلولية" مع شفيق و موسى وليست بأغلبها "ثورية" مع صباحى و أبو الفتوح؛ فقد كانت بأغلبها ثمرة تصويت قبطى طائفى فى مواجهة التصويت الطائفى الإخوانى السلفى الوهابى مع مرسى و أبو الفتوح، فى محاولة واضحة لتفادى الدولة الدينية الإخوانية السلفية الوهابية. وبالمقابل "يحسب" و"يستنتج" زياد بهاء الدين (بوابة الشروق، 29 مايو 2012) بصورة أدق، حيث يلاحظ تراجُع نصيب أصوات الإسلام السياسى من حوالى 75 فى المائة فى الانتخابات الپرلمانية إلى حوالى 35 فى المائة فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية (رغم المبالغة المتمثلة فى اعتبار "كل" أصوات عبد المنعم أبو الفتوح منتمية إلى الإسلام السياسى)، ويُرْجِع ذلك إلى التصويت الاحتجاجى أو السلبى (أو العقابى، كما يُسَمَّى أيضا) ضد الإسلام السياسى (بسبب السلوك السياسى والپرلمانى للإخوان خلال ما يسمى بالفترة الانتقالية)، وحيث يلاحظ أن الحزب الوطنى سقط فى الانتخابات التشريعية بينما حصلت الثورة المضادة (التى يشكل الحزب الوطنى جزءًا أساسيا منها) على حوالى رُبْع الأصوات فى الانتخابات الرئاسية. فنحن إذن أمام تراجُع إسلامى نسبى وتقدُّم نسبى لنظام "المجلس العسكرى" بمختلف أدواته ومنها ما يسمى بفلول الحزب الوطنى. وترتسم فى الأفق حقيقة من حقائق هذه الانتخابات لا سبيل إلى الالتفاف حولها وهى أن الأصوات التى ذهبت إلى مرشحين يمثلون تعابير سياسية متعددة عن قطاعات مختلفة من الطبقة الرأسمالية الكبيرة التابعة وبالتالى عن الثورة المضادة تصل إلى أكثر من 18 مليون صوت هى أصوات أحمد شفيق و عمرو موسى و محمد مرسى و عبد المنعم أبو الفتوح و محمد سليم العوا وعدد من المرشحين الثانويِّين من حيث عدد الأصوات؛ على حين ذهبت إلى حمدين صباحى وبقية مرشحى اليسار أصوات أكثر قليلا من 5 مليون ناخب. وإذا كانت نسبة محدودة على كل حال من أصوات الناخبين اليساريِّين قد ذهبت إلى عبد المنعم أبو الفتوح فإن تحليل الطبيعة اليسارية الحقيقية للأصوات التى ذهبت إلى حمدين صباحى وبقية مرشحى اليسار يحتاج إلى وضع مزيد من النقاط على مزيد من الحروف للتوصل إلى استنتاجات قد تكون مثمرة فيما يتعلق بمستقبل القوى الديمقراطية والتقدمية والمدنية والاشتراكية واليسارية والليبرالية اليسارية.
5: مفاجآت مذهلة: ولا مناص، قبل أن ننتقل إلى ظاهرة حمدين صباحى، من أن نتوقف عند المفاجآت المذهلة، التى حدثت خلال الأسبوعين الأخيرين أو الثلاثة أسابيع الأخيرة قبل الانتخابات، فى المراكز النسبية للمرشحين الخمسة الأوائل: مرسى و شفيق و حمدين و أبو الفتوح و موسى (وفقا لترتيب أرقام نتائجهم). ويبدو أن مناظرة 10 مايو 2012 بين عمرو موسى و عبد المنعم أبو الفتوح لعبت دورا ما (بين أشياء أخرى) فى تراجُعهما بعد أن احتلَّا مركزىْ الصدارة طوال فترة ما قبل هذه المفاجآت. وكان التراجُع المفاجئ لهذين المرشحيْن والصعود الصاروخى ل حمدين صباحى مع تواصُل صعود أحمد شفيق على حساب عمرو موسى والصعود البالغ السرعة ل محمد مرسى على حساب عبد المنعم أبو الفتوح عناصر مترابطة للمفاجأة المذهلة التى قلبت أوضاع المراكز النسبية للمرشحين دون أن تقلب أوضاع المعادلة الأساسية أو المعادلات الأساسية التى حكمت العلاقات بين القوى السياسية الأساسية. ولا شك فى أن "حدود" المعادلة تتمثل فى ثلاثى نظام مبارك، والإسلام السياسى، وقوى الثورة. وقد حصل الإسلام السياسى فى شخص مرسى و أبو الفتوح و العوا على حوالى 9 مليون صوت باستبعاد حوالى مليون صوت من إجمالى أصوات أبو الفتوح، وحصل نظام مبارك فى شخص شفيق و موسى وآخرين أقل شأنا على حوالى 9 مليون صوت، بإضافة جزء من أصوات أبو الفتوح إليه، فيما حصلت "قوى الثورة" التى ذهبت أصواتها إلى حمدين ومرشحى اليسار الثلاثة الآخرين على حوالى 5.5 مليون صوت. ورغم عدم دقة هذه الأرقام وطابعها التقريبى فضلا عن الشكوك التى تحيط بها وبمغزاها فإنها تكشف من جانب عن بقاء القوى الثلاث فى مواجهةٍ تتجه إلى مزيد من الاستقطاب، وتكشف من جانب آخر عن تقارب أصوات كلٍّ من نظام المجلس العسكرى والإسلام السياسى بما يجعل مظهر التزوير "الناعم" قابلا للتكرار لصالح مرشح المجلس العسكرى. ولن أخوض هنا فى الاختلاف بين مرسى و أبو الفتوح كجناحين إخوانييْن مختلفين، ولا فى الاختلاف بين شفيق الممثل الأكثر نموذجية لفساد واستبداد نظام مبارك و عمرو موسى الذى يحظى، بحكم اختلافه بوصفه مجرد ممثل "دپلوماسى" فى المحل الأول للطبقة الرأسمالية التابعة، بتأييد القطاعات الليبرالية من هذه الطبقة، تلك القطاعات التى ضاقت طويلا بحكم الشخص وتتطلع إلى نظام تسود فيه مؤسسات الدولة وتتعدد فيه الأحزاب السياسية (المستقلة نسبيا عن الدولة والنظام والرئيس) للرأسمالية الكبيرة. فكيف يمكن تفسير هذه المفاجآت بالجملة؟
6: محاولة موجزة لتفسير المفاجآت: وربما كان تراجُع أبو الفتوح لحساب مرسى أسهل تفسيرا: هناك على وجه الخصوص واقع أن الماكينة الانتخابية الإخوانية التى بدأت متأخرة تاركة فى البداية مجالا أوسع ل أبو الفتوح، وكان لا مناص من أن تلحق به وأن تتجاوزه وتسبقه ب خيرت الشاطر أو بالبديل محمد مرسى. وهناك تَذَبْذُب خطاب أبو الفتوح وبالتالى خسارته لقطاع من مؤيديه ليكسب قطاعا جديدا أو ليحتفظ بقطاع سبق كَسْبُه. وكان لا مناص من أن تكون فاعلية الخطاب الإخوانى الهجومى العدوانى أقوى فى نهاية المطاف من فاعلية الخطاب الذى يطمح إلى إرضاء جميع الأطراف وربما كان هذا سببا فى خسارة جانب من أصوات السلفيِّين والوهابيِّين. وربما جاءت المناظرة المشئومة فى هذا السياق لتقلِّل من حظوظ هذا الإخوانى المتمرد على قيادة الجماعة فى مواجهة انتقام الجماعة التى لم يتمرد عليها كجماعة بل تمرد على قيادتها بفضل رؤية أوضح لمصالحها السياسية من هذه القيادة. وبطبيعة الحال فإن القوى السياسية الإسلامية الإخوانية السلفية تعبير سياسى عن قطاعات رئيسية من قطاعات الطبقة الرأسمالية الكبيرة التابعة للإمپريالية، تماما كما تعبِّر عنها وتمثلها مؤسسات وأجهزة نظام مبارك وكذلك قطاعات أخرى ترى مصلحتها فى الليبرالية. ويكمن الصراع المحتدم بين القوى الإسلامية والقوى المباركية الممثِّلة لقطاعات مختلفة من نفس الطبقة التابعة للإمپريالية فى الاختلاف الأيديولوچى الذى يباعد بين الطرفين بالإضافة إلى تاريخ طويل من الصراع السياسى والأمنى بينهما. ويبدو أن التنافس بين شفيق و موسى ظل مرتبطا بالتنافس والصراع بين نظام مبارك الذى سقطت قيادة العصابة التى ظلت تديره على مدى ثلاثة عقود دون أن يسقط النظام بمؤسساته وأجهزته الظاهرة والخفية، ودون أن تسقط العصابة بكاملها، وبين القطاعات ذات الميول الليبرالية فى نفس الطبقة. ورغم أن موسى لم يكن أقل عدوانية من شفيق فى خطابه ضد الإسلام السياسى إلا أن تراجُع الأول لصالح الأخير قد يعود إلى القوة النسبية للقطاعات المباركية التى تقودها الأذرع الأخطبوطية التى لم تسقط من العصابة الحاكمة بالمقارنة بالقطاعات التى تتطلع إلى أشكال ليبرالية تخدم مصالح الطبقة بكفاءة أكبر فى تقديرها. وعلى حين يتحدث موسى دوما عن القانون يهدد شفيق ويتوعد بالقوة، قوة الجيش والشرطة العسكرية مذكِّرًا بنموذج فضّ الجيش بالقوة لمظاهرات واعتصامات العباسية ومحيط وزارة الدفاع. وفيما يتعلق بتوجهات الناخبين فإن هذا الخطاب يلتقى بالتشويه الممنهج لصورة الثورة واعتبارها مصدر المعاناة الراهنة وبالخوف من استمرار وتفاقم الأوضاع الأمنية والاقتصادية الاجتماعية وكأن شفيق يحمل مفتاح الاستقرار المنشود. ومن المحتمل أن يكون المجلس العسكرى الذى يلعب بالبيضة والحجر قد راهن على حصانين أو أكثر وأخذ يراقب مختلف التفاعلات ودرجات اللياقة المتنوعة للخيول المنطلقة ليتدخل لتغليب مرشح له على مرشح آخر له أيضا عندما تقتضى الضرورة، لأن التزييف "الناعم" لإرادة الشعب يقتضى إفساح مجال واسع لأخذ القدرة التنافسية للمرشحين فى الاعتبار من واقع التنافس الانتخابى الفعلى بعيدا عن الإنجاح الفظ لمرشح المجلس العسكرى مهما كانت جدارته غير كافية.
7: ظاهرة حمدين صباحى وناصرية الشارع: لا شك فى أن حزب الكرامة الذى يمثل حمدين صباحى أحد أبرز قياداته حزب ناصرى، ولا شك أيضا فى أن ناصرية هذا الحزب تختلف عن ناصرية زمن مضى جرت بعده تحت الجسر مياه كثيرة، ولا شك كذلك فى أنها تختلف عن ناصرية أخرى معاصرة قادها عدد من رجال عهد عبد الناصر منذ عهد السادات. وفى مقال لى (باسم قلم فى السبعينات) بعنوان "خطأ فظيع يرتكبه الناصريون" ميَّزتُ بين الناصرية الحاكمة التى كانت تمثل طبقة استغلالية هى طبقة رأسمالية الدولة التى تشكلت فى عهد عبد الناصر وناصرية الشارع، وأكدتُ فى ذلك المقال القديم ضرورة ومبدئية التحالف مع ناصرية الشارع بشرط تحرُّرها من خصائص الناصرية الحاكمة باعتبارها خصائص استغلال واستبداد وفساد طبقة رأسمالية بيروقراطية حاكمة (صارت النواة الصلبة للطبقة الرأسمالية الكبيرة الريعية التابعة للإمپريالية فى عهدىْ السادات و مبارك). ويبدو أن ذلك المقال أغضب بعض الناصريِّين (فيما سمعتُ) وربما كان لهم عذرهم لأن الناصرية كانت تتعرض فى ذلك الزمن، حتى بمنجزاتها الأكيدة مثل السد العالى، لحملات التشويه والافتراء والهجوم بالحق وبالباطل من جانب نظام السادات الذى كنتُ وما زلتُ من خصومه الألدَّاء. وكان المحتوى الجوهرى لذلك المقال هو التحالف مع ناصرية الشارع كقوة وطنية ديمقراطية لا سبيل إلى تجاهل دورها الإيجابى. ويبدو أن هذه الرسالة الإيجابية التى تضمنها المقال لم تصل إلى أشخاص من المحتمل أنه أغضبهم. وبالطبع فإن موقف تأييد التحالف فى مجرى النضال الاستقلالى والوطنى والتقدمى والديمقراطى مع ناصرية الشارع آنذاك ينطبق من باب أولى على الناصرية التى صارت الآن أكثر تحرُّرا من الخصائص الأساسية للناصرية الأصلية الحاكمة. وبطبيعة الحال فإن الشروط العامة للتحالف بين قوى الثورة لا تقتصر على الناصرية وحدها أو الناصريِّين وحدهم بل تشمل بالضرورة كل قوى اليسار والتقدم والوطنية والديمقراطية والثورة؛ وهى شروط تلتزم بها كل قوة منها وتشترطها على كل قوة أخرى بصورة متبادلة. وتنصبّ هذه الشروط فى الوقت الحالى، فى زمن الثورة الذى نعيشه، على النضال فى سبيل استمرار الثورة إلى أن تحقق أهدافها وغاياتها ومحتواها الجوهرى، الأمر الذى يقتضى اتخاذ موقف حاسم لا يتزعزع ضد الطبقة الرأسمالية التابعة للإمپريالية بكل قطاعاتها وبكل الاتجاهات والقوى الأيديولوچية والسياسية المعبِّرة عنها ومنها كل مؤسسات دولة مبارك بكل قياداتها وقِمَمِها بلا استثناء بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والرأسماليين الكبار ورجال الأعمال بكل أنواعهم، وكل رجال مبارك، وكل قيادات الحزب الوطنى المنحل، ومختلف قوى الليبرالية اليمينية وقوى الإسلام السياسى المعبِّرة عن المصالح الرأسمالية التابعة لقطاعات مختلفة من نفس الطبقة المعنية. ويغدو المحتوى الجوهرى لأىّ تحالف بين قوى الثورة هو النضال ضد إعادة بناء مؤسسات الدولة باعتبارها مؤسسات دولة الثورة المضادة وتصفية الثورة بالتركيز على الفعل الثورى بجناحيه المتمثلين فى بناء مؤسسات الثورة بأحزابها ونقاباتها واتحاداتها وجمعياتها وروابطها المستقلة والنضال الثورى الجماهيرى من خلال كل الوسائل الثورية المشروعة والسلمية بكل أشكال الاحتجاج والتظاهر والاعتصام والإضراب لتحقيق مختلف أهداف وأدوات الديمقراطية الشعبية من أسفل بما فى ذلك الحد الأدنى للأجر والحد الأقصى للدخل، واستقلال القضاء، والتأمين الصحى الشامل والفعال، والتعليم المتطور والمجانى، وكل الحقوق والحريات العامة.
8: ظاهرة حمدين صباحى وصعوده المفاجئ: تمثلت المفاجأة الكبرى فى تطور مراكز المرشحين الرئاسيِّين فى الصعود الصاروخى المفاجئ ل حمدين صباحى خلال قرابة ثلاثة أسابيع قبل بدء الانتخابات داخل مصر. ومن المنطقى للغاية والمفهوم للغاية أن ترتفع أسهم هذا المرشح بالذات فى اتجاه صعودى متواصل بفضل خطابه القريب إلى عقول وقلوب المواطنات والمواطنين بحكم قيام هذا الخطاب على الانحياز للطبقات الشعبية من العمال والفلاحين وفقراء المدينة والريف، وعلى الإصرار على العدالة الاجتماعية بمختلف عناصرها المحددة وحقوق وحريات الشعب، وعلى الموقف الحاسم إلى جانب تحقيق أهداف الثورة وأسلحة نضالاتها، وإلى جانب الدولة المدنية وضد الدولة العسكرية والدولة الدينية مع طمأنة الرأسماليِّين بشرط الالتزام بحقوق الشعب، وإلى جانب العدالة الاجتماعية بعيدا عن نهج الرأسمالية الليبرالية المتوحشة. وقد أسهم الإعلام الجماهيرى وخاصة الفضائيات المصرية المستقلة نسبيا فى نجاح هذا الخطاب فى الوصول إلى قلوب بنات وأبناء الشعب بمواقفه المنحازة إلى حقوق الأقباط والمرأة والشباب والأقليات وضحايا التهميش الأزلى فى مناطق الحدود والصعيد وغيرها. غير أن من الصعب تفسير هذا الصعود المفاجئ بعنصر واحد يتمثل فى هذا الخطاب بمحتواه المرتبط بمواجهة معاناة الشعب وبأهداف الثورة والمرتبط بالاستفادة بتكنولوچيات المعرفة والإعلام الجماهيرى الواسع النطاق وبوجه خاص بالفضائيات التى عوَّضت عن الفقر المالى الملحوظ فى حملته الانتخابية. على أن واقع أننا فى زمن الثورة بجماهيرها المستعدة للتجاوب مع مرشح ملتزم بمصالحها يضيف إلى محتوى خطاب حمدين وإلى فعالية الفضائيات فى الاتصال الجماهيرى عنصرا يضيف الكثير إلى تفسير صعوده المفاجئ. والحقيقة أن خطاب حمدين صباحى كان مختلفا ومتميزا بشدة عن خطابات المرشحين وأكثر وهجا حتى بالمقارنة مع خطابات باقى مرشحى اليسار. وبطبيعة الحال فإن هذا الصعود المفاجئ يجد عنصرا تفسيريا إضافيا قويا يتمثل فى واقع القصر الشديد للفترة المتاحة للدعاية الانتخابية واحتدامها بسرعة والتراكم السريع لتأثير هذه الدعاية لتتضافر هذه الأشياء لتصنع المفاجأة.
9: صعوبة تفسير هذا الصعود المفاجئ: وتدفع صعوبات التفسير مع كل هذا إلى افتراضات واتهامات متناقضة يحيط بها الإبهام الشديد. لقد قيل مثلا إن الإخوان المسلمين قاموا بالتصويت بكثافة ل حمدين لإزاحة شفيق من الطريق كما قيل إنهم قاموا على النقيض من ذلك بالتصويت الكثيف ل أحمد شفيق لإزاحة حمدين من الطريق، وقيل إن خيرت الشاطر تبرع بنصف مليون جنيه لحملة حمدين وهو ما نفته الحملة كما نفاه الشاطر نفسه. وهناك فرضية أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة راقب القدرة التنافسية الانتخابية لثلاثة خيول من المرشحين من خارج الإخوان المسلمين والسلفيِّين هم أحمد شفيق و عمرو موسى و حمدين صباحى لاختيار الوقوف فى الوقت المناسب إلى جانب المرشح الأكثر تنافسية بين هؤلاء. وإذا كان شفيق من الحلقة الضيقة لرجال مبارك وملائما للتعامل بسلاسة وبنفس الخلفية العسكرية مع المجلس العسكرى القابع وراء الكواليس فإن احتمال أن يثير ترشيحه أو فوزه برئاسة الجمهورية احتجاجا شعبيا واسع النطاق، خاصةً مع صدور وتجاهُل قانون العزل الذى يستبعده من مباشرة الحقوق السياسية، وبالأخص حقه فى أن يَنْتَخِب ويُنْتَخَب ويُفْقِدُهُ الشرعية بالتالى، لم يكن لصالحه. وكان موسى ملائما أيضا وتنافسيا ومتقدما على قائمة المرشحين جميعا وأقل إثارة نسبيا للاحتجاج الشعبى باعتباره ديپلوماسيا مدنيا وغير عسكرى وليس من أبرز رجال الحلقة الضيقة فى عصابة مبارك، كما كان حاسما فى مواجهة الإسلام السياسى بلا هوادة. ورغم أن حمدين لا يرتبط عضويا بالنظام والدولة والطبقة باعتباره من قيادات ناصرية الشارع السياسى فقد كان يمتلك ميزة لا يملكها الحصانان الآخران، وهى ميزة المصداقية لدى الجماهير وبالتالى قدرته كرئيس للجمهورية على تهدئة الثورة. ولم يكن من الضرورى أن يتم صعود حمدين إلى الرئاسة بموجب صفقة مباشرة مع المجلس العسكرى، ولا بهدف تهدئة الثورة تمهيدا لتصفيتها بحال من الأحوال، رغم اضطراره المحتمل للتعاون مع هذا المجلس بمنطق يحكم كثيرين من أمثال حمدين وهو وَهْم خدمة الشعب والثورة من موقع رئيس الجمهورية وبفضل سلطاته. ولا يمثل هذا الافتراض أىّ "شيطنة" ل حمدين باعتباره مستعدا للتعاون مع المجلس العسكرى الذى يقود الثورة المضادة. بل ينطلق مثل هذا الافتراض من واقع أن حمدين تقدَّم لانتخابات رئاسة الجمهورية رغم إدراكه التام للشروط والأوضاع والظروف التى تحيط بممارسة سلطات هذا المنصب. غير أنه لا مناص من الاعتراف بأننا لا نملك أىّ دليل على أن النظام الحاكم قدَّم أىّ نوع من العون أو الدعم لحملة حمدين. ولأسباب عديدة أبرزها رغبة المجلس العسكرى فى أن تتخذ الانتخابات الرئاسية "مظهر" النزاهة وبالتالى الاضطرار إلى انتهاج نوع من التزييف "الناعم" أو "الشيك" بدلا من التزوير الفظ للانتخابات، كان لا مناص من أن يزداد تعقيد تفضيل المجلس العسكرى لهذا المرشح أو ذاك وأن يزداد بالتالى تعقيد التفسير، خاصةً بافتراض خلافات محتملة بين چنرالات المجلس العسكرى بشأن هذه المفاضلة المعقدة.
10: ظاهرة حمدين صباحى ومغزى تيار ثورى بملايين الأصوات: على أن واقع أن احتمال التزوير لصالح حمدين يكاد يكون معدوما يدفعنا إلى الاهتمام، فيما وراء ظاهرة حمدين الذى برز كقائد جماهيرى بالغ الأهمية لقطاعات مهمة من قوى الثورة، بظاهرة بروز تيار ثورى يشتمل على ملايين الناخبين الذين قد يكون قسم مهم منهم مدفوعا إلى انتخاب حمدين ليس بالثورة وأهدافها بل ببساطة برفض الدولة العسكرية والدولة الدينية على السواء. ورغم الأهمية الحقيقية لهذا التوجه فإن ما يسمى بالتيار الثالث أو التيار الأول كما يفضِّل حمدين أن يسميه قد يكون أقل بكثير من قرابة خمسة ملايين صوت حصل عليها حمدين. غير أن هذا التيار يظل كبيرا حقا وقد يصل إلى مليونين أو ثلاثة ملايين. ولا شك فى أن هذا يمثل تطورا جماهيريا بالغ الأهمية لصالح الثورة، رغم حقيقة أن هذا الجمهور كان يدفع بمرشحه إلى العمل فى ظل شروط تضع حدا لأوهام حمدين وتجعل منه فى الواقع الفعلى أداة لتهدئة الثورة. ومهما يكن من شيء فإن عدم فوز حمدين بمنصب رئيس الجمهورية يمنح نشوء ونمو وتطور هذا التيار دوره فى مستقبل تطور الثورة كل مغزاه.
11: التيار السياسى الجديد: وبدلا من تجاهُل التيار الجديد على أساس ارتباطه بأوهام غزو السلطة من داخلها وفى ظل القيود الحديدية التى تفرضها السيطرة الفعلية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على كل رئيس محتمل للجمهورية، ينبغى الانطلاق من حقيقة أن هذا التيار قد تشكَّل على أساس رفض الدولة العسكرية والدولة الدينية فى وقت واحد معا مع حزمة متحركة من الأهداف الأخرى للثورة قد تختلف باختلاف عناصر ومكونات هذا التيار. وإذا نظرنا إلى التيار الذى نشأ حول حمدين صباحى وجمهور حملات خالد على و أبو العز الحريرى و هشام البسطويسى وكذلك إلى اليسار الذى ذهب إلى عبد المنعم أبو الفتوح والجمهور الذى اتخذ موقف المقاطعة، وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة سياسية جماهيرية تتبلور الآن وتتمحور حول رفض الدولة العسكرية والدولة الدينية كحد أدنى، مع رفض نظام مبارك، ومع استمرار الثورة، وحزمة تكبر أو تصغر من أهدافها ونضالاتها. وينبغى العمل على تطوير هذا التيار الجديد الذى لا يزعم أحد أنها تمثل قوة ثورية متماسكة ومتينة ومحصنة ضد التمزق من خلال نضالات الثورة.
12: التيار السياسى الجديد والأزمة الراهنة: وتبرز الآن أزمة رئاسة الجمهورية بحدة خاصة فى ظل حالة من الاحتقان والتوتر البالغين. وتتمثل هذه الأزمة البالغة التعقيد فى واقع أن الحصان الذى يبدو بقوة أن المجلس العسكرى يراهن عليه وهو أحمد شفيق مطعون فى أهليته القانونية لأن قبول ترشيحه رغم الوجود الفعلى لقانون يقضى بعزله لا يقتضى تطبيقُه انتظار حكم المحكمة الدستورية العليا بل كان من الواجب تطبيقه. كذلك فإن الاحتجاج على رئاسته باعتباره أحد أبرز رجال عصابة حسنى مبارك قابل للتصعيد بما ينطوى عليه ذلك من مواجهات كبيرة جديدة وعنف جديد وربما مجازر جديدة. وهكذا فإن حماقة المجلس العسكرى تُوقِعُهُ فى مأزق بالغ التعقيد والحدة. ويزيد الطين بِلَّة واقع أن المرشح الآخر وهو المرشح الإخوانى محمد مرسى يمثل خيارا يكاد أن يكون من المستحيل أن يهضمه نظام خلفاء مبارك وسلطتهم وطبقتهم. وهو على كل حال خيار يستبعده المجلس العسكرى الذى دخل فى خصومة حادة مع الإسلام السياسى فى الشهور السابقة. وتأتى هذه التطورات فى وقت محتقن بطبيعته بحكم الموعد النهائى المضروب لتسليم السلطة فى وقت تبدو فيه الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية فى مهبّ الريح مع احتمال حكم المحكمة الدستورية العليا بدستورية ما يسمى بقانون العزل وبالتالى إبطال ترشيح وانتخاب أحمد شفيق، وهما باطلان قانونا بصرف النظر عن حكم دستورية أو عدم دستورية القانون المعنىّ وذلك لمخالفتهما للقانون الذى أصدره مجلس الشعب وصادق عليه مجلس الشعب ونُشِر فى الجريدة الرسمية، وفى وقت يبدو فيه حل الپرلمان احتمالا واردا ولا يمكن استبعاده فى حالة صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بحالة من عدم الدستورية تشوب قانون الانتخابات الپرلمانية، وهو احتمال لا يمكن التخلص منه إلا بصفقة سياسية مع الإخوان المسلمين على حساب سمعة المحكمة الدستورية العليا، التى دخلت مع مجلس الشعب فى الفترة الأخيرة فى حالة من الخصومة الحادة وتبادُل الاتهامات البالغة الفظاظة. ويزداد احتمال التصعيد الحاد بين المجلس العسكرى والإسلام السياسى، مع عدم تمكين مرشح الإخوان من الوصول إلى الرئاسة جنبا إلى جنب مع حل الپرلمان، ووضع حد لسيطرة الإسلام السياسى على تشكيل لجنة الدستور وإعداد الدستور بالتالى. فماذا يكون رد فعل الإخوان المسلمين عند حرمانهم من الرئاسة والحكومة ومجلسىْ الپرلمان وإعداد الدستور بعد محاولتهم المحمومة لتحقيق ما يسمى بالتكويش؟ ويأتى موعد النطق بالحكم فى قضية مبارك ونجليْه ورجاله فى 2 يونيو 2012 ليزيد الاحتقان واحتمال الاحتجاج فى حالة تأجيل الحكم أو التبرئة أو الحكم المخفف. وإذا كانت المحكمة الدستورية العليا قد نفت تحديد جلسة 11 يونيو للحكم فى الطعن على العزل السياسى (بوابة الأهرام، 29 مايو) فإن القضاء الإدارى سوف ينظر فى 12 يونيو دعاوى استبعاد شفيق من الترشيح للرئاسة. فكيف يمكن توظيف هذا التيار السياسى الجديد فى التعامل مع أزمة الرئاسة؟ وتُرَكِّز مبادرات متنوعة على أن يتمّ عرْض أصوات هذه الملايين من الناخبين على المرشح محمد مرسى باعتبارهم مفتاح نجاحه فى مواجهة شرسة مع أحمد شفيق فى الجولة الثانية مقابل تعهدات بضمانات مكتوبة ملزمة لرئيس الجمهورية تتعلق بلجنة الدستور والحكومة الائتلافية ومنصب نائب الرئيس مع حزمة من الأهداف الاجتماعية، وعرْض نفس الشيء على المرشح أحمد شفيق، بحيث يتمّ انتزاع ضمانات ضد الاستبداد والفساد ومع الحريات والعدالة الاجتماعية من أحد المرشحيْن الرئاسييْن أو كليهما. وبالطبع فإنه لا أحد منهما سوف يلتزم بالضمانات التى يقدمها مهما كانت مكتوبة، كما أن احتمال فوز محمد مرسى برئاسة الجمهورية ضعيف للغاية، كما أن إضفاء الشرعية على رئاسة شفيق أو مرسى من خلال مثل هذه الصفقات جريمة حقيقية فى حق الشعب لأنه إضفاء للشرعية على الدولة العسكرية فى حالة وعلى الدولة الدينية فى الحالة الأخرى، باستخدام التيار الجديد وقودا لصفقات لن يستفيد منها سوى شفيق فى حالة و مرسى فى الحالة الأخرى.
13: مقاطعة وإلغاء الانتخابات الرئاسية: وتتعدد الاقتراحات: إعادة الفرز، إعادة الانتخابات، الانتخابات بعد العزل لتكون بين حمدين و مرسى، انسحاب مرسى احتجاجا على استمرار ترشيح شفيق. والخيار الأفضل هو العمل على إلغاء الانتخابات الرئاسية عن طريق تصعيد الفعل الثورى الجماهيرى فى سياق مواجهة سياسية جماهيرية حاسمة. ويتمثل المأزق الذى ينطوى عليه هذا الخيار فى مسألة تسليم السلطة، فلمن سيجرى تسليمها؟ والحقيقة أننا لسنا على كل حال إزاء تسليم حقيقى للسلطة وعودة إلى الثكنات، بل ستتواصل السيطرة الفعلية للمجلس العسكرى من وراء الكواليس لأعوام ممتدة. وإذا كان هناك تسليم حقيقى أو نصف حقيقى للسلطة فإنه لن يأتى بفضل الانتخابات الرئاسية بل بما يمكن أن تفرضه حركة جماهيرية شعبية عند مستوى متقدم تصل إليه فى إطارٍ مثل حكم مدنى تعددى حقيقى. ومن هنا ضرورة مقاطعة الانتخابات والعمل الجماهيرى فى سبيل إلغائها، والعمل على تحقيق مختلف أهداف الثورة مع ربط هذا الهدف أو ذاك بالوسيلة النضالية الملائمة، والتصعيد المتواصل للنضال الثورى وتطوير الأشكال السياسية الجبهوية الملائمة لاستيعاب التيار الثورى المتنوع الناشئ الآخذ فى التبلور مع الاستقلال الفكرى والسياسى الحاسم لمختلف الأحزاب والحركات الثورية التى تشكل الجبهة الوليدة: جبهة القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية والاشتراكية واليسارية والليبرالية اليسارية.
31 مايو 2012



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أساطير الجبال والغابات - برنار كلاﭭيل
- هاجس الحرب الأهلية فى مصر
- أساطير البحيرات والأنهار - برنار كلاڤيل
- أضأل امرأة فى العالم - كلاريس ليسپكتور
- أسطورة الفترة الانتقالية وحقائق المسار الفعلى للتطورات فى مص ...
- مقالات مترجمة فى الفن التشكيلى
- أساطير البحر - برنار كلاڤيل
- تسع قصائد للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
- سبع قصائد لناظم حكمت
- غنوة
- مشاكل تخلُّف (قصيدة)
- الإعداد للموت (قصيدة)
- أربع قصائد لبورخيس
- الترجمة فى سياق ما بعد كولونيالىّ
- الأب ضد الأم وقصص أخرى
- طريق الآلام
- وَقْع أقدام
- الازدواج فى اللغة العربية بين -الفصحى- و-العامية-
- شعار -ثورتنا برلمان وميدان- مُخَدِّر جديد لقوى الثورة!
- المهدى الرئاسى المنتظر فى مصر!


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فجر الديمقراطية الشعبية فى مصر