أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لنا عبد الرحمن - أعتراف















المزيد.....

أعتراف


لنا عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 1097 - 2005 / 2 / 2 - 10:22
المحور: الادب والفن
    


حسنا يا "لنا" ها أنا أفاجئك من جديد بما كنت تخشينه، أبين في عالمك مرة أخري لأكشف الحقائق وأعلن أمام الجميع أنني مازلت حية، متمردة علي علب الصفيح الأسود التي عبأتني فيها لتلقين بي إلي البحر عبر حبل كلماتك الذي ربطتني فيه حتي حين• أنا هتا الآن لأصرح أمام جميع من قرأ قصتك وأقول:"أنك كاذبة" وإنني لم أمت ،وإنك لفقت حكاية موتي في بدعة درامية لنهاية قصة قصيرة لم تعطها كل الأبعاد، ولم تكشفي فيها كل الحقائق• كنت جاسوسة متنكرة لكنني لم أشك أنك ستسرقين عوالمنا لتخبئيها في جيوبك السرية، فيما ظل عالمك قصياً عنا، توهميننا أنه دان لكنك أبداً، ما كنت بتلك السذاجة وما ظننت أننا بذاك الوضوح الذي يدفعك لكتابة قصصنا ، بحيل متنوعة وبخفة عاشق لهف، كنت تعرين ذاكرتي، لتكتشفي ألوانا مجهولة وثيابا من أقمشة غير مكشفة بعد، تغطي أكثر أحزاني حميمية ولصوقا بماضي• ظهرت في حياتي فجأة ثم اختفيت ثم عدت قائلة أنك ستسافرين•• وحين أبديت دهشتي قلت إنك ستتزوجين وتغادرين إلي مصر حدقت في وجهك لثوان ما كنت لأصدق كلماتك ،ظننتك تمزحين لكن وجهك بدا هادئا وخاليا من قلق المسافرين •لا أعرف كيف صدقتك حين قلت لي مرة أنك لا تفكرين بالزواج وأنك لا تستطيعين مغادرة بيروت ،لأنك وبيروت مثل السمك والبحر المتوسط•• حتي في هذه العبارة كنت تكذبين علي لإيهامي أنك باقية هنا، وأن بوحي لك لن ينتهي ورغم ما كان في ذاك البوح من سلوي بالنسبة لي ومن مراوغه ممتعه في زيادة ونقصان الحكايا إلا أني لم أخمن ابدا وجود نفسي ميتة بين دفتي كتابك في قصة سميتها "مرايا مكسورة" وصديقنا المشترك "وائل" الذي كان سبب تعارفنا كيف وثق بك ليحكي لك حكاية حبه الضائع لتضعيها في حكاية تسميها "ضريح لرماد الذاكرة"• لم يسلم من خيانتك أحد منا ،نحن الذين إئتمناك علي أوجاعنا ومسراتنا بلاوجل من أنك ستتخذين منا لعبة تشبه معجون الأطفال تشكلينه علي هواك ،حتي تلك الطفلة المسكينة "موحا" التي حكيت لك قصتها وجدتها تركض علي أوراقك تتعثر بدمها النازف علي الأسفلت، عبثا رحت أبحث عن ملامحك في كتابك ، لكنني آسفة أعترف الآن أنني لم أعرفك جيدا، كما لم تعرفينني لذا لم أتمكن من إيجادك كما لم تتمكني أنت من اختيار نهاية حقيقية لحياتي تقنع قارئك• هل حدث أن واجهك أحد قبلي بكل هذه الحقائق؟ وهل حدث أن تمرد علي سطوة اختياراتك غيري أنا الفتاة العنيدة التي سرقت من حياتها شطرا بنيت عليه أوهامك ،ربما لو قرأ وائل ما كتبته عنه لصرخ في وجهك أيضا "أنك كاذبة "وأن الحكاية لم تحدث أبدا كما كتبتها ،وكان قال إنك مخلوقة ضبابية عدمية ، مشكلة من وهم، لك جسد حي يحاول حصر روحك الشاردة دائما في أفق آخرتعرفينه وحدك ،لكن وائل ليس هنا لقد غادر إلي السويد تسللا بعد يأسه من الحصول علي إقامة شرعية في لبنان، وحتمية استحالة عودته إلي العراق •أين هو الآن؟ وهل من المعقول أنه رجع بعد دخول أمريكا للعراق؟ هل تذكرين وائل وكيف بكي يوم قتل الأطفال في ملجأ العامرية؟ لماذا تنكرت لدموعه التي سالت أمامك يوما ،واكتفيت بفضح مالا يصدق عنه، يومها قال لك إنها حكايةقديمة حدثت له بعد رجوعه من حرب إيران ، لكن ربما غاب عنه مطالبتك بصك أمان أبدي لسكته قلمية• لماذا بدأت حكايتي بجملة تصفهم؟ لم لم تبدئي من حكايتنا معا؟ لم لم تبدئي من امسي اولا ؟ كان بإمكانك ايضا البدء بهذه الحبكة المأخوذة من واقعنا معا فتقولي "في شهر مارس الذي تعتبره شهرنا المشترك لأننا ولدنا في ثالث أيامه ،كنت أسير معها علي شاطئ المنارة ، في يدها كتاب شعر لمحمود درويش تقرأ لي مقاطع منه حينما نجلس علي المقعد الحجري لنشرب الكابتشينو الساخن في أكواب بلاستيكية ،نغم صوتها يتكسر مع الأمواج في لثغها لحرف الراء قائلة: "لماذا نحاول هذا السفر وقد جردتني من البحر عيناك واشتعل الرمل فينا
والكلمات التي لم تقلها تشردنا لماذا نحاول هذا السفر وكل البلاد مرايا وكل المرايا حجر" بعدها كانت تشرد عيناها بالبحر الأزرق•• الأزرق وتبدأ في سرد حكايتها منذ غيابه •• لماذا لم تختاري هذه البداية وتحكي عن مشوارنا الأسيوعي علي الشاطئ حين اتفقنا علي لقاء الأحد لأنه يوم عطلتنا الذي بإمكاننا استيطان ساعات الصباح الأولي للاستمتاع برحيق المتوسط ،ومراقبة محبيه من شبان وعجائز، ألا تذكرين كم من المصادفات والذكريات الحلوة حدثت معنا ؟لكنك لم تذكري إلا البحر الذي رأيت فيه مكانا مناسبا لدفني • لكن دعك من هذه البداية الرومانسية إذ ربما كان بإمكانك تقمصي للقول عبري بواقعية" منذ رحيله صار أقاربنا يعتبروننا كائنات فطرية يحسنون إليهم ببعض المال في الأعياد والمناسبات السعيدة حتما لم يكن ذلك ليكفي ثلاثة أفواه وأم كفاحها الوحيد استكمال تعليمنا في ظن قطعي أن الشهادة الجامعية سلاح أكيد ضد الجوع والفقر بدون أن تدرك أن الشهادات الجامعية لا تؤمن لحامليها ثمن الخبز ، لذا ظلت تعيش في زمن السبعينات وظللنا أنا وهي نصنع الحلوي ونبيعها لأصحاب المعامل وكلما رفضوا شراءها أذهب إليهم لإقناعهم بجودتها فيشترون حلواي• لم يكن بإمكاني تركهم جوعي ،ولا ترك اصغرنا تهدده التلسيميا كل اسبوع ،وامه تدوخ علي ابواب وزارة الصحة والجمعيات الخيرية تطلب معونة ،لم يكن بامكاني كسر حلمها وحلمه قبل موته بأن يراني طبيبة• لا بأس لو أنك أدخلت مسحة سريالية لتضفي علي النص أبعاداً متخيلة فتقولي عبري أيضا "رأيت أمامي وحوشا آدمية فقدت مسحتها البشرية وتحولت إلي مسوخ شيطانية لزجة دبقة لا يمكن مسح ما يعلق منها بسهولة من هنا بالضبط كانت بداية كل ما فعلت، حيث علقت المسوخ بي ،وبدوري صرت أتحول وأتحول•• لا أعرف يا "لنا" لم لم تجملي النص أبدا وأخذت من الحكاية ربعها الأخير ،ولم تحكي عن العرافة التي التقينا بها علي الشاطئ وتنبأت لي أنني سأصبح ثرية ،وقالت لك إنك ستسافرين كثيرا وإنك ستكذبين بالحكايا، لكنك ستظلين منزهه عن أي غرض إلا أوهامك، فعلا وقع هذا ،وها أنا الآن ثرية أستمتع بكل ما لدي من مال، هل تعرفين أنه بإمكاني شراء كل كتبك والاحتفاظ بها أو حرقها فقط لأؤكد لك أنني لم أمت وأنني أكتب إليك من عالم الأحياء• لكن كيف وصفتك العرافة بأنك منزهة عن أي غرض ؟يا لقدرتها علي قراءة باطنك، أما أنت فقد سخرت منها بأنها تقول هذا الكلام لكل الناس، لكن وحدي أيقنت أنك منزهة حتي عن غرض الاستماع للحكايا، تنصتين باصغاء لكنك تدعين اللا مبالاة وتبدعين حكاياك تاركه الآخر يبحر في محيطه الخاص ليعود لك باللآلئ فيما أنت تحلمين ببراءة تحت مظلة شاطئك• لكن لماذا لم تتحدثي عنه؟ لماذا لم تكشفي مذكراته التي أعطيتها لك ،هو أبي ورفاقه المناضلون لماذا حكيت حكايتي أنا ولم تقولي أنه كان يحلم بالعدالة ،وبتشكيل وطن عربي جديد لا يحمل تأشيرات حزن تفرض فراق أبنائه أو قتلهم بمقصلة الغربة، كان يتواري من شبح الفقر في معمله الصغير يصنع قوالبه صباحا يبيعها يقبض ثمنها ليفر مساء إلي جلساته السرية •السياسية بالنسبة له كانت متعة خفية، عشيقة سرية لا يستطيع الاستغناء عنها أبداً إلي أن قتل بهواها • آمنت بعد غيابه بسنوات أن مجتمعنا ينظر للمرأة الوحيدة علي أنها مكسوره الجناح، وللفتاة علي أنها صيد سهل• قال لي ابن أخيه الذي أحبني ونحن أطفالا إنه لن يستطيع الزواج مني لأنني مسئولة عن أمي وأخوتي، وإنه يريد زوجة تتفرغ له وحده أما زميلي في كلية الطب صاحب الوجه الذي يشبه الفقمه فقد بكي بعد زيارتنا هو ووالدته وقال لي إن أهله سيفرقون بيننا لأنهم عرفوا "أنني مش من عيله" أي لست ثرية• طبعا هو لم يقلها لي كذلك ،لكني أحكي لك خلاصه ما غاب عنك، ذاك الغبي كان يظنني ثرية لأنني كنت أستأجر ملابس من جارتنا التي تعمل في محل للألبسه وأعيدها بلا معرفة صاحب المحل، كنت أرتدي أفخر ماركات الألبسة مانغو، زارا ،كوتشي، لكنني كنت أقع في مشكلة الأحذية والحقائب لذا أتحايل في تبديلها باستمرار• أكتب لك كل هذه التفاصيل الآن لأوكد لك أنك كاتبة عادية ،وأن مخيلتك لن تأتي علي كل حكايتي فمازال لدي الكثير مما لن تعرفيه أبداً، لاني لم أقدم لك إلا طعما دسما مفتاحا لوجبة شهية مدركه تماما رغبتك في كشف عالمي الغريب عنك، منذ اللحظة الأولي التي التقينا بها في بهو الجامعة الأمريكية وعرفني بك وائل علي أنك صحفية وكاتبة وقدمني لك علي أنني أدرس الطب في سنتي الأخيرة، وهاوية للشعر وأسكن في ضاحية بيروت الجنوبية تخيلت أنه لمع في عينيك تساؤل عني وكأنك تكشفين تناقضي • لكن بعدها صرنا أصدقاء وجئت لزيارتي في بيتنا القديم ،حكيت لك الكثير عني، وعن "فادية" رفيقتي التي لا استغرب وجود حكايتها في مجموعة قصص أخري تقومين بكتابتها ،وعن مدير المستشفي العجوز المتصابي المغرم بالشابات، ألقيت حكايا في جعبتك بلا ظن أنها ستصل بأصحابها خطر الموت أو الجنون أو الهوس حبا ولم أعرف أنك تكتبين لتنسي وتتواري خلف ذاكرة مستعارة• لكنك لن تطمئني ابدا ،ستحيين في قلق بلا نهاية ،أنا حية لمواجهتك ،لكشفك أمام الناس أنا هنا لأقول لك إنني الآن طبيبة مشهورة، وفتاة ثرية، عيادتي قريبة من الشاطئ الذي كنا نسير عليه يوما ،عمي قال لي منذ الأيام إنه اختار لي عريسا قادما من أمريكا، طبيباً مثلي يريد زوجة من وطنه ،فتاة محافظة يكون معها عائلة، وأنا لم أقل شيئا لأنني مازلت أحس بالطبقات اللزجة التي تعلو داخلي، أحتاج للاغتسال بماء البحر لذا سأبقي هنا أنتظر موتي علي الحافة خشية أن تبتلعني الأمواج لو حاولت الاغتسال فأترك لك أملا تصدق فيه نبوءاتك•



#لنا_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احلام تغسل الماء
- افتح قلبك لتكسب مليون مشاهد.....ماذا وراء الكواليس؟
- لنغرق بحر بيروت
- عنب أحمر للمساء-قصة قصيرة
- ياسمين هندي
- قصة قصيرة-عشق آباد
- قصة قصيرة-موت الحواس


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لنا عبد الرحمن - أعتراف