|
المفهوم المادي لسرعة الزمن..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 17:22
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
وديع العبيدي المفهوم المادي لسرعة الزمن.. "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك"، "لا تؤجل عمل اليوم إلى غد"، "من سهر الليالي نال المعالي"،.. هذه الأقوال المأثورة ومثلها غير قليل، كانت بمثابة الوقود الحضاري الذي استحث همم أجيال عديدة من القرن الماضي نحو مزيد من المثابرة والجهد المميز. وفي الجهة المقابلة منها كانت عناوين ومانشيتات براقة وجذابة تسوقها ثقافة الاستيراد في حياتنا المحلية، سواء في الآلات والأجهزة الحديثة أو العناوين الأدبية والصحفية السريعة، بدء من الأزمنة والعصور الحديثة والأدب الجديد والثقافة المعاصرة إلى المذاهب الفلسفية والعلوم النفسية. ولم يكن ذلك غير جزء يسير من برامج التنوير أو الاستشراق أو الاستعمار الثقافي باختلاف اتجاهات التعريف، التي خرجت من غرب أوربا إلى كل سكان القارات الأخرى منذ القرن الثامن عشر. ظهور البرق اللاسلكي والمدفعية والبندقية والمحركات البخارية والسيارة والراديو والسينما والطائرة، زاد من وتيرة حركة الحياة في مجتمعات ألفت السكونية والحياة الهادئة واجترار التكرار. كان ظهور السيارة في القرية والمدينة الصغيرة نوعا من المعجزة الحية. وشكل دخول التلفون في بيوت الشيوخ أو المسؤولين مدعاة للفرجة والتندر والخيال الشعبي عن القوى الخارقة. وحتى ما قبل ربع القرن الأخير، كانت الارشادات الصحية والتثقيفية لتوجيه الناس نحو الطب الحديث والمستشفيات في حالات المرض أو الولادة تشكل همزة رئيسة لتطوير المجتمع ومكافحة التخلف الاجتماعي. التخلف والتطور، الفساد والاصلاح، الجمود والتقدم، السكونية والسرعة،.. عناوين تميز بين زمنين ونوعين من الحياة والبشر والعقليات. ولا زال أثر كثير منها حاضرا في لاوعي المقارنة بين حالين على درجة من النقيض. وقد مثل القرن العشرون – ذروة- برامج الاصلاح والتحديث التكنولوجي والحضاري للمجتمعات التي عرفت الاستفادة منها، وشكلت الذروة فيها، إشارة النهاية المفاجئة لعصر، انسحب سريعا، إزاء دخول عصر جديد أكثر سرعة وحداثة، ربما كان أفضل تعبير عنه هو – ما بعد الحداثة-. ما بعد الحداثة- لا يعني مرحلة حضارية، بقدر ما هو تصنيف حضاري لمرحلة من الزمن، لها سياساتها وبرامجها وأدواتها الخطابية التي تجاوزت برنامج التحديث والاصلاح باتجاه تأسيس أو إنشاء زمن جديد، حضارة جديدة ونوعية مختلفة عن نمطية التفكير. ويلحظ أن مجتمعاتنا، ما زالت تعيش في عقلية وخطاب مرحلة – ما قبل الحداثة-. إذ يستمر تداول عناوين الشرق والغرب والمنافسة التقليدية، فيما فشل المشرق العربي عن استيعاب فكرة التحديث الحضاري، مما دفعه لمزيد من الارتداد نحو الخلف، لتبرير هزيمته العقلية، بذرائع التراث والهوية، والتي لا قيمة عملية لها بدون العصرنة والمعاصرة. * إذا كان العصر الحديث [الألفية الثالثة] هو عصر الاتصال الالكتروني – الالكترون هو أحد مكونات الذرة الداخلية-، فأن العصر المنصرم (القرن العشرين) هو عصر الاتصال التكنولوجي (ميكانيك القوى الخارجية للذرة ). وبنفس الغرار، فأن الصراع اليوم ليس صراع أطر وثقافات، وانما صراع المكوّنات الثقافية والداخلية للعقليات السائدة في العالم. الصراع اليوم ليس بين الراسمالية والشيوعية، أو المسيحية والاسلام، أو الأبيض والأسود، وانما بين عناصر القوة والجدارة لكلّ من هذه. وغرض ساموئيل هنتنغتون في هذا الصدد لا ينفصل عن تحديد فرانسيس فوكوياما لنهاية التاريخ. لقد تم بناء النماذج الأوربية من خلاصة المنجز الحضاري والامبراطوري العالمي على مدى التاريخ، بحيث جعله مؤهلا وجديرا لسيادة العالم وقيادته خلال ثلاثة قرون. وكانت خلاصتها في ظهور النموذج الأميركي من عينات حضارة الغرب العلمية والعسكرية. ويمكن القول ان المرحلة الجديدة ما زالت في بدايتها. ولكن صدمة المفاجأة والذهول لا زالت تمنع البعض من استشراف ملامح الآتي. * برامج التحديث - الأوربية- السابقة، نجحت في احراز قطيعة العقل الثقافي مع مستويات معينة من الفكر الماضوي. وهو الذي يشكل جذور الفكر الديني أو الما-قبل- ديني. والمعروف أن الغرب، كما المشرق (العربي)، يتخذ من ديانة العبرانيين، تاريخا للفكر الديني في العموم. قد يبدو ذلك مقبولا/ معقولا للوهلة الأولى، باعتبار أن [ديانة العبرانيين] شكلت خلاصة حضارية –ثقافية دينية- لما سبقها في الشرق القديم، بنفس القدر أو الغرار الذي شكلت فيه [المسيحية] خلاصة حضارية لكلّ ما سبقها عالميا. بيد أن تزايد عجز الفكر الديني عن مضاهاة حاجات الانسان المعاصر، يدفع بشكل متزايد لتفكيك المنظومات الدينية والعقائدية (religious mentality) للنظر في النصوص المؤسسة أو استكشاف الأصول المختزلة/ المحذوفة/ المدفونة، -ما تحت السطور- لتجاوز الأزمة المعاصرة. فتدمير الأصول القديمة واخفاؤها، يشكل اليوم مع انفتاح العقل والتراكم المعارفي، نقطة مقتل الديانات المعاصرة، بنفس المستوى الذي كان لها عنصر قوة وديمومة في السابق. فالعقل الغيبي كان يسلّم بالأصل الميتافيزيقي للديانات مما يمنعه عن البحث عن جذور أرضية بشرية لها. أما العقل المعاصر، فيعتبر الدين جزء من الثقافة الموروثة بكل تشبثاتها القومية والحضارية الزمنية. وأن قراءة ناجزة - للدين- لا بدّ أن تأخذ بالأصول الزمنية لكي تنجح في المعاصرة. اعتقد العبرانيون باحتمال ظهور (نبي) قائد كلّ خمسمائة سنة، واعتقد العرب باحتمال ذلك كلّ مائة سنة. وأساس هاته الفكرة مرده ما عرف – بالدورات الزمنية- كما يتكشف عنه كتاب [زرادشت] العظيم. وإليه يعود القول بأن (الزمن) يتألف من أثني عشرة [12- دورة زمنية]، وأن مدة الدورة [ألف سنة]*. ولهذا التقسيم الزمني جذور في الفكر الصيني القديم [التاوية]. وقد ترتب على هذا القول بحصول حدث غير عادي في آخر كل ألف عام. ويلحظ أن ظهور شخصية ابراهيم الخليل تنسب – توراتيا- إلى حدود الألف الثانية قبل الميلاد، وظهور مملكة اسرائيل في حدود الألف الأول ق.م. ويظهر رديف ذلك في زيارة (المجوس) بعد ميلاد الطفل يسوع كما في الأنجيل*. لقد صادف ظهور موسى في القرن الخامس عشر ق. م. وظهر كلّ من بوذا وزرادشت وكونفشيوس وعزرا في القرن الخامس ق. م. وظهر محمد بن عبدالله في القرن السادس الميلادي، ومارتن لوثر وكالفن في القرن الخامس عشر الميلادي. وعلى نفس الغرار انتهى العالم القديم في القرن العشرين الميلادي ليبدأ العالم الجديد (العصر الالكتروني)- زمن ما بعد الحداثة. فإذا كان القرن العشرون ق. م. شهد ظهور بابل الأولى، ومفتتح تاريخ نبوات العهد القديم على يد ابراهيم (أبي الأمم)، فكيف يمكن توصيف ملامح العهد الجديد- بابل الجديدة وأنبياء العولمة!. عالم انشتاين وهاوكينغ، بيل غيتس ومايكل جاكسن، بيلي غراهام وأسامة بن لادن وبني هن.!. * شهد أجدادنا القريبون عصر الانتقال من الحكم العثماني القديم إلى مرحلة الدولة الحديثة، وشهد أباؤنا العهدين الملكي والجمهوري، ونحن عشنا الانتقال من عالم ازدواج القطبية إلى أحادية القطبية، ومن العصر التكنولوجي إلى العصر الالكتروني. وقد تعارفت اللغة العربية على اطلاق صفة "مخضرَم" لمن يعيش عهدين متمايزين أو يعمّر في السنين. ولكن المعيار الحقيقي لتلك "الخضرمة" هي طبيعة التغير التي تكتنف الاحساس النفسي بحركة الزمن. فالنبض المتسارع لحركة الأشياء، والذي يوصف غالبا بـ(اللهاث) وراء عربة الزمن، انما هو فائض التعب النفسي المترتب على معايشة/ ملاحقة نمط حياة جديد وغير مألوف. فمستوى قابلية المرء على التكيف واستيعاب التغيرات الزمنية يكون في تراجع، مع تقدمه في العمر. وأول عقدين من العمر أو الثلاثة الأولى هي أفضل قدراته، مما يتعارف بمرحلة الشباب، لكن الاستعداد النفسي يأخذ بالتراجع أو الجمود عقب ذلك. ان كثيرين ممن هم فوق الأربعين أو الخمسين يواجهون صعوبة في التعامل مع الكمبيوتر أو الأنترنت، وتزداد الصعوبة مع التقدم في السنين. بينما يلحظ مدى مرونة الأطفال – قبل سن دخول المدرسة- في تداول الأجهزة الالكترونية. ان عدد المنتجات الاستهلاكية لا يحصى اليوم قياسا بأي مرحلة من الماضي. كما أن مفهوم التعلم والمعرفة صار أكثر اتساعا مما يتمكن منه الفرد الواحد أو تتيحه سنوات حياته. والحاجة متزايدة في العصر الالكتروني لأشخاص ذوي جاهزية مفتوحة ومرونة حياتية وذهنية عالية، غير نمطية (mobile man). انسان العولمة ليس هو المهني أو الاداري الذي انتهى من دراسته وحصل على شهادة أكادمية تدعم فرصته في العمل. انما هو الشخص الذي يستمر في الدراسة وعمل الكورسات التحديثية إلى جانب استمراره في العمل، ليتواصل مع التغيرات المستمرة في مجال الحياة الحديثة والسوق الحرة الجديدة. ويمكن تلخيص مفهوم سرعة الزمن بحسب المعطيات المادية بالقول.. - ازدياد عدد المفردات السلعية التي تتكون منها الحياة الحديثة، والقابلة للتزايد مع حركة الزمن. - النمط المتسارع لحركة الأشياء/ السلع/ الأخبار/ الميديا/ الاتصالات والعلاقات/ الفردية والعامة ما يجعل المرء في حالة لهاث الملاحقة كما في البورصة أو السياسة او الفيس بوك والتويتر. وفي عالم اللهاث والملاحقة، يصاب أي متخلف عن اللحاق أو اللهاث بالتخلف أو التأخر، ويصيب الاعياء أو الاحباط نسبة كبيرة من المتلاهثين، بينما تترتب معايير جديدة للنجاح والتفوق والجدارة، قد لا تتفق جيدا مع معايير اخلاقية سبق أن درجنا عليها!. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ • "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعد ما عبر."/ (مزمور 90: 4"لموسى النبي"). كما ورد في رسالة بطرس الثانية (ع ج) ما يلي: "ان يوما واحداً عند الربّ كألف سنة."/ (2 بط 3: 8) مما يحيل على النص الزرادشتي الأقدم. وفي رسالة منسوبة لبرنابا من كتب الأبوكريفا يرد: "في ستة أيام أكمل الله العمل، هذا يدل على أن الربّ سيكمل كلّ شيء في ستة آلاف سنة، لأن اليوم عنده ألف سنة". وينقل القرآن (22: 47) هاته الاشارة "وأنّ يوما عند ربك كألف سنة مما تعدّون"/ سورة الحج، كذلك: سورة السجدة (32: 5). وفي سورة المعراج (70: 4): تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وهنا يختلف تعداد اليوم عن سابقيه!. • "ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيّام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود، فأننا رأينا نجمه في المشرق.. حينئذ دعا هيرودس المجوس سرا وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر.. فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدّمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا."/ متى (2: 1-2، 7، 9-10).
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين.. وعبادة الموتى
-
مصطفى سعيد الآن!..
-
الدين.. وتغليف فكرة اللا جدوى بالشوكولاته
-
هل الدولة شرّ؟!!
-
عمال بلا عيد
-
الدين.. والحرية
-
الدين والسياسة
-
الناس بين الإله وموظفيه!
-
علم الأديان المقارَن.. والدرس الديني
-
الدين والعقل
-
قطار البصرة
-
هل الدين علم؟!..
-
رسالة من شهيد
-
فردتا حذاء
-
من عذابات حرف السين
-
الأديب الكردي حافظ القاضي.. وشيء من كتاباته
-
موسوعة الوطن الأثيريّ..
-
اليسار والتعددية.. والابداع واللامركزية
-
مع الفنان منير الله ويردي في فيننا..
-
نظرة في الحاضر..
المزيد.....
-
عاجل: سفينة محملة بشحنات من الأسلحة نحو الكيان الصهيوني تحاو
...
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد FMCLGR تدعو للاحت
...
-
إعلام غربي: العلاقات بين بريطانيا وأوكرانيا تدهورت في ظل حزب
...
-
الحرية لشريف الروبي
-
مصر.. وفاة قيادي بارز في التيار اليساري وحركة -9 مارس-
-
الخطوة الأولى هي فضح الطابع البرجوازي للنظام وانتخاباته في
...
-
إخفاقات الديمقراطيين تُمكّن ترامب اليميني المتطرف من الفوز ب
...
-
«الديمقراطية»: تعزيز صمود شعبنا ومقاومته، لكسر شوكة العدو، ي
...
-
العدد 578 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: أكتوبر ثورة العدل والحرية
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|