|
يوم قتلت الطفولة في -الحولة-
مهند عبد الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 3742 - 2012 / 5 / 29 - 14:13
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
كان يصعب تخيل كارثة 49 طفلاً وطفلة بأسوأ ما حدث لهم من موت شنيع، كان يصعب تخيل عمل وحشي بأبشع الكوابيس المنفلتة من أي رقابة. قتل الفاشيون الأطفال الجميلين في الحولة السورية بدم بارد وبغدر وهمجية وبربرية، ارتكبوا جريمة يندى لها جبين البشرية، مجزرة بشعة تضاف الى الغارنيكا، دير ياسين، صبرا وشاتيلا، قانا، العامرية، وماي لاي. قتلة متوحشون حاقدون مع سبق الإصرار، أجرموا بحق أطفال "الحولة" ووجهوا طعنة غادرة لكل أطفال سورية والعالم العربي والعالم برمته. جريمة بحق الأطفال وبحق الإنسانية، ما كان لها لتحدث لولا التواطؤ والصمت والتبرير. ثلاثة عشر شهراً والنظام السوري يمتلك غطاء للقتل، يجب أن نعترف، مرة عبر جامعة الدول العربية، ومرة أخرى عبر مجلس الأمن ومبادرة أنان. لم ينجح أصدقاء النظام - روسيا والصين- في ثنيه عن القتل والتدمير والتشريد والاعتقال، كي يقنعوا الشعب السوري بمصداقية مواقفهم، ويكسبوا تعاطفه. ولم يرغب المتآمرون من إمبرياليين وتابعيهم العرب في اقتناص أية ذريعة من بين آلاف الذرائع التي يقدمها النظام كل يوم لتنفيذ مؤامرتهم بالتدخل العسكري وإسقاط النظام. وبفعل ذلك تحولت المؤامرة من استهداف النظام "الممانع" الداعم للمقاومة الى مؤامرة ضد الشعب السوري وحقه في أن يكون حراً. هذا هو واقع الحال. سقط الأصدقاء في الاختبار عندما قدموا وما زالوا يقدمون كل الفرص للنظام كي ينجح في سحق الانتفاضة عسكرياً. وصدق الامبرياليون في الانحياز لمصالحهم المتأتية من بقاء النظام. وبقي الشعب السوري وحيداً إلا من بعض أشكال الدعم التي تحاول استخدامه لتحسين شروط أصحابها ودورها الإقليمي، وأصبح العرض الإعلامي اليومي باعثاً للغثيان. تسلم النظام السوري الرسالة العربية والدولية ورسائل الأصدقاء ووجد فيها ضالته لمتابعة معركة الحسم الأمني الدموي. وهو يتابع الحسم بوحشية متصاعدة. وإذا كان النظام الدولي يعمل وفقاً لمنظومة المصالح، فيستخدم الذرائع، ويبتدعها في حالة عدم توفرها كما حدث في حروب الخليج – كافتعال وجود أسلحة الدمار الشامل – وافتعال إزالة انبوبة الاكسجين من حاضنات الأطفال الكويتيين من قبل السلطات العراقية ليسوغ تدخله العسكري من أجل النهب والهيمنة. في الجهة الأخرى لم تكن قوى الثورة الحقيقية تؤيد التدخل العسكري الخارجي، ولا تحويل الانتفاضة السلمية إلى حرب أهلية. كان المطلب الجوهري المطروح والمشروع من النظام الدولي ومؤسساته ذات الاختصاص ومن أصدقاء النظام – روسيا والصين - هو عدم السماح للنظام باستخدام القوة لسحق المنتفضين، عدم السماح له بارتكاب المجازر وترويع الأبرياء، والدفاع عن حق الشعب السوري في الحرية وفي اختيار نظام الحكم سلمياً. القانون الدولي يسمح بذلك وشعوب العالم تؤيد تلك المطالب المشروعة والعادلة. للأسف الشديد أخفق النظام الدولي والأصدقاء في وقف الحل الأمني الدموي الذي اتبعه النظام كأسلوب وحيد لحل الأزمة وتعاملوا مع النظام السوري كنظام فوق القانون تماماً كما تم التعامل مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كدولة فوق القانون. وكان من نتيجة ذلك إقدام النظام على مجازر في درعا والصنمين وجسر الشغور وباباعمرو والخالدية وحماة والحولة، ومداهمات قمعية وعقوبات جماعية. وقد أسفر الحل الأمني الدموي عن 13 ألف قتيل وأضعاف هذا العدد من الجرحى وعدد كبير من المفقودين وعشرات الآلاف من اللاجئين وتدمير الأبنية والمحلات التجارية وأماكن العبادة. النظام السوري يتحمل مسؤولية ما حدث ويحدث والنظام الدولي والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان مسؤولة عن عدم تأمين الحماية للشعب السوري، والحماية المطلوبة لا تعني تدخلاً كولونيالياً عبر "الناتو". بل تعني قوات حفظ السلام، ولجان تحقيق وتحويل المتهمين إلى محكمة الجنايات الدولية. وطالما تقاعس النظام عن تأمين الحماية للشعب السوري وللأطفال والأبرياء، فإنه يضع نفسه في عداد المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوري وبحق الإنسانية. استباحة عقل البشر التي يمارسها النظام السوري وهو يقدم رواياته الكاذبة التي تنتمي الى ثمانينيات القرن العشرين لا تقل بشاعتها عن استباحة حياة السوريين والأطفال والنساء. قوات النظام التي تترك ألف دليل ودليل في مسرح جرائمها تتهم دائماً المجموعات المسلحة بارتكاب الجريمة. يكفي المقارنة بين تقرير المراقبين وبيان مجلس الأمن الذي أدان النظام وحمله مسؤولية مجزرة الحولة، وبين بيان الحكومة السورية لمعرفة كم تستخف رواية النظام بعقول البشر. مجزرة الحولة البشعة التي نفذت في أعقاب قصف المدينة بالأسلحة الثقيلة - مدفعية وراجمات- على يد الشبيحة الملحقة بالأجهزة الأمنية الرسمية، تكشف حقيقة هذه القوة الفاشية الحاقدة، بما هي احتياطي النظام المناط بها تنفيذ المهمات القذرة وإعفاء النظام ومؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية من تبعات الجرائم. ان تقسيم العمل بين المؤسسة الرسمية والاحتياطي الفاشي هو الذي يسمح للنظام بإحالة الجرائم ذات الإشكالية إلى مجموعات مسلحة مجهولة، ولا يتورع النظام عن نسبة مجموعات الشبيحة للمعارضة. النظام بهذا المعنى يستغفل العقول وهو يتعامل بشريعة الغاب. ومن المفارقات التي لا يتوقف عندها أصدقاء النظام هي عدم الاعتراف بوقوع تجاوزات وأخطاء بأي مستوى من المستويات، وعدم مساءلة أي ضابط او جندي او رجل أمن وقع في أخطاء، والأخطاء في الحروب واردة ومحتملة ويوجد دائماً نسبة خسائر جراء النيران الصديقة مثلاً. خلافاً لذلك، النظام بكل قواته وأجهزته وشبيحته معصوم عن الخطأ بنسبة 100%. النظام لا يحقق في الانتهاكات المزعومة ولا يسمح للجان الاختصاص الدولية بالتحقيق في الانتهاكات. طهرية النظام تتجلى بعد إصلاحاته المفرطة التي ألهبت حماس الأصدقاء الروس والسيد حسن نصرالله وكل مريدي النظام والمعجبين "بممانعته" الجبانة أمام دولة الاحتلال والشرسة مع أطفال سورية. كم هي طاقة الشعب السوري الثورية ملهمة، وكم هي إرادة شباب وشابات سورية غير قابلة للكسر. ولكن مقابل ذلك تتخلف المعارضة والقيادة الأولى فيها عن حاجات المنتفضين، وهي لا تزال تقدم خطاباً منفصماً عن الواقع والاستقطاب الدولي. ما زالت تتحدث عن تدخل دولي استناداً للفصل السابع وتتحدث عن حسم عسكري. وبدلاً من اضطلاعها بتأمين الحماية السياسية للمنتفضين، تقدم الغطاء للنظام الدموي من حيث لا تدري. ان هذا يطرح أهمية إعادة البناء والاستقطاب ووضع استراتيجية وسياسات نابعة من حاجة الشعب السوري للتحرر من الديكتاتورية. وتعزيز مقومات الوحدة الوطنية على أسس ديمقراطية في مواجهة المحاولات المحمومة لإضفاء الطابع الطائفي والمذهبي على الصراع. إن إضراب أسواق دمشق وحلب وسائر المدن السورية احتجاجاً على مذبحة الحولة كان الرد السياسي البليغ على محاولات الانجرار نحو رد طائفي رجعي مدمر. الشعب الذي تحدى أعتى الأنظمة القمعية هو بكل تأكيد قادر على تصويب المسار الثوري.
#مهند_عبد_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يحمي الشعب السوري ؟
-
قمة بغداد والتحدي المستحيل
-
الأدب هو الاشجع في كشف المستور وطرح الاسئلة
-
خديعة صناديق الاقتراع
-
سقط الطاغية ونظامه الجملكي وبدأت مرحلة البناء
-
الشعب يريد : محاكمة من قتل جوليانو ؟
-
الحراك الاسرائيلي .....الى اين؟
-
ارفعوا ايديكم عن حماة!
-
من هم اصدقاء النظام السوري؟
-
إنطفاء .....اليسار !
-
نداء آية براذعية * ما زال يطن في الأذن!!
-
اللا معقول في تصفيق الكونغرس ....ومبايعة نصر الله
-
فعاليات إحياء الذكرى63 للنكبة تحيي أملا جديدا
-
هل تجاوزت حماس وفتح اختلالاتهما؟
-
هل يملك النظام السوري حلا للأزمة؟
-
جول خميس وفوتوريو اريغوني ....شجاعة ونبل
-
اغتيال جوليانو خميس ...اغتيال لثقافة الحرية
-
القذافي هو المسؤول عن استدعاء التدخل الخارجي
-
ثقافة ثورية إنسانية ...وثقافة فاسدة
-
اربعة مشاهد دراماتيكية مخزية
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|