أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم زهوري - خطاب الايديولوجيا بين التاريخ وغيابه - العرب والدولة العثمانية - نموذجا















المزيد.....



خطاب الايديولوجيا بين التاريخ وغيابه - العرب والدولة العثمانية - نموذجا


ابراهيم زهوري

الحوار المتمدن-العدد: 3741 - 2012 / 5 / 28 - 20:00
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


خطاب الايديولوجيا بين التاريخ وغيابه " العرب والدولة العثمانية " نموذجا
ابراهيم زهوري

1-على سبيل التمهيد : نحو رؤية جديدة للتاريخ

نشأت الدولة العثمانية في منطقة الأناضول على تخوم الامبراطورية البيزنطية في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي , وكانت بدايتها امارة لبني عثمان لا تختلف كثيرا عن العشرات من امارات الغزاة على هذه الجبهة من حدود دار الاسلام . في تلك الفترة كانت دولة المماليك الفتية تحقق انتصارات مهمة في حماية العالم الاسلامي من غزوتين تعرض لهما من الشرق والغرب . وكان المغول قد اجتاحوا العالم العربي وقضوا على الحكم العباسي في بغداد سنة 1258م , ثم زحفوا على بلاد الشام ومصر . لكن المماليك بقيادة بيبرس أنقذوا هذه المناطق من القتل والدمار اللذين تركتهما جيوش هولاكو في طريق زحفها . فقد نجح المماليك في التصدي للمغول وحققوا انتصارا ساحقا عليهم في معركة عين جالوت سنة 1260م . استمر الحكم المملوكي على مصر وفلسطين أكثر من قرنين ونصف قرن . لكن هذه الدولة التي شهدت توسعا وانتصارات عسكرية بارزة حل بها الضعف والانشقاق في القرون التالية . اما امارة بني عثمان فكانت النجم الصاعد منذ القرن الرابع عشر , اذ توسعت , بالتدريج على حساب الدولة البيزنطية من جهة , وبعض امارات الغزاة المجاورة من جهة أخرى . وقد استمر هذا التوسع في القرن الخامس عشر بعد مرحلة قصيرة من الضعف والانشقاق عقب حملة تيمورلنك على المنطقة . وتوج العثمانيون فتوحاتهم باحتلال القسطنطينية سنة 1453م , واستبدلوا اسمها باسلامبول أو استنبول لتصبح عاصمة الامبراطورية العثمانية . ففي حين كان العرب والمسلمون يخسرون الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر , كانت الدولة العثمانية تعزز مكانتها كوارثة للدولة البيزنطية في منطقتي الأناضول والبلقان . أما دولة المماليك فكانت تعاني مراحل متقدمة من الضعف العسكري والسياسي والاقتصادي . لذا , عندما اكتملت أسباب الصراع بين الدولتين , لم يجد السلطان سليم الأول صعوبات كبيرة في القضاء على الحكم المملوكي وضم المشرق العربي الى امبراطوريته . فخلال ستة أشهر ربح هذا السلطان معركتين حاسمتين ضد الجيوش المملوكية . ففي 24آب 1516م جرت المعركة الحاسمة الأولى في "مرج دابق " بالقرب من حلب حيث قتل السلطان قانصوه الغوري , وتم بذلك ضم البلاد السورية . وبعد توقف وتحضيرات في دمشق لعدة أشهر , زحف الجيش العثماني على مصر عن طريق فلسطين وسيناء من دون أن يواجه مقاومة تذكر , والتقى المماليك في معركة " الريدانية " في 23كانون الثاني 1517م . وبعد هذا الانتصار الساحق للمرة الثانية على جيوش المماليك , لاحق العثمانيون فلولهم في الأقاليم , حتى ألقي القبض على طومان باي آخر سلاطينهم وتم شنقه على باب زويلة في القاهرة , فكان ذلك رمزا لنهاية دولة المماليك وبداية الحكم العثماني في مصر وبلاد الشام .


ان الدراسات التاريخية التي تناولت العهد العثماني توزعت بين نمط من الكتابة يتحدث في اقتضاب عن " الحكم التركي ومظالمه " ومثل هذه الكتابات ملآن بالتعميمات النمطية التي تدمغ العهد العثماني كله بالاستبداد والقمع والتأخر . كما يوصف الحكم العثماني وادارته عادة بالفساد وانتشار الرشوة والمحسوبية وارهاب السكان المحليين وجباية الضرائب الباهظة . هذا النمط من الكتابة نشأ في اوائل القرن العشرين على ارضية نمو الحركة القومية العربية في بلاد الشام والتي واجه قياداتها قمع وملاحقة رجال السلطان عبد الحميد الثاني حتى سنة 1908م , ثم سياسة التتريك والمركزية الادارية التي اتبعها الشبان الاتراك عشية الحرب العالمية الاولى وخلالها . ووصلت ملاحقة رجال الحركات القومية العربية الى أوجها بعد نشوب ثورة الشريف حسين وأولاده سنة 1916م فنصبت المشانق في دمشق وبيروت وزج بالمئات في السجون لأتفه الشبهات . أما عامة الشعب فقاست خلال سنوات الحرب العالمية الأولى جراء التجنيد القسري للحروب بعيدا عن حدود الوطن ( السفر برلك ) , وجراء أعمال السخرة , كما عانى الناس انتشار المجاعة والأوبئة والجراد وغيرها من المصائب التي حلت بسكان المنطقة نتيجةالحرب . هذه التجارب القاسية الصعبة التي مر بها الاهالي في العقود الاخيرة من الحكم العثماني تركت بصماتها القومية على الذاكرة الجماعية لشعوب الدول العربية . هذه المعاناة وتلك التجارب هي التي غذت الكتابات القومية المعادية للاتراك وهي التي فسرت أوضاع المجتمعات العربية في القرون الطويلة التي ساد فيها الحكم العثماني . هذا النمط من كتابة التاريخ من منطلق قومي معاد للاتراك وحكمهم ظل يطغى على معظم الكتابات العربية في القرن العشرين .

في المقابل ظهر اتجاه معاكس عقب الحرب العالمية الأولى يسود كتاباته التباكي على زوال الخلافة الاسلامية وابراز محاسن الحكم العثماني الزائل قياسا بحكم الاستعمارين الفرنسي والبريطاني اللذين سادا المناطق العربية حتى منتصف القرن العشرين . هذا الاتجاه الذي ضعف وخفت صوته بعد استقلال الدول العربية عقب الحرب العالمية الثانية عاد وانتعش وبرز مع امتداد حركات الاسلام السياسي منذ الثمانينات . هذه الكتابات شبه التاريخية من هذا الاتجاه , على الرغم من ادعا ءاتها أنها جاءت لتنصف العهد العثماني وتكتب تاريخا متزنا وموضوعيا , فأنها وقعت أيضا في خطأ التعميمات النمطية من دون الاعتماد على دراسة وتحقيق جادين للمراجع والمصادر التاريخية . فأتباع هذه المدرسة يبرزون محاسن الحكم العثماني وايجابياته , ويضخمونها ثم يسكتون تماما عن المساوئ ونقاط الضعف . كما ان كتاباتهم تتسم بالتعميم من دون محاولة التمييز بين فترة تاريخية وأخرى , أو الانتباه الى الفارق الكبير بين حكم الولايات وأوضاع السلطنة في العاصمة العثمانية . أما الانتقائية ووضع تصريحات السلاطين والأسس النظرية للحكم في مستوى واحد مع السياسة العملية فحدث ولا حرج . وهكذا تظهر جلية بصمات الأيديولوجيا والموقف السياسي في هذه الكتابات الاسلامية بشكل لا يقل عن الكتابات القومية التي أشرنا اليها سابقا . وهكذا تغيّب الكتابات الأيديولوجية , قومية كانت أو اسلامية , حقبة طويلة من تاريخ المنطقة العربية خلال ما يزيد على أربعة قرون وتختزلها الى تعميمات نمطية . بهذا تصبح هذه الكتابات مكملة لكتابات استشراقية فجة تدمغ التاريخ العربي والاسلامي بالتأخر والتدهورمنذ أواخر العهد العباسي حتى قدوم الاستعمار الأوروبي الذي أدى الى عصر النهضة والتحديث .

2- المقدمة
تحاول هذه القراءة تبيان وتفكيك الآليات الداخلية للخطاب الديني الرسمي "المعتدل " حين يتناول التاريخ موضوعا للدراسة دون تأسيسه لحس نقدي تاريخي يتسم بالموضوعية وذلك بقراءة مبتسرة تبسيطية وان كانت تدّعي الرصانة العلمية الا انها أي القراءة نفسها تغرق في التباس واشكاليات متناقضة لم تحسمها بعد قضايا الفكر العربي منذ اطلالة ملامح عصر النهضة الى وقتنا الراهن .
فمعظم مساهماته أي الخطاب رغم فقرها التوليدي لروح العصر المراد تفكيكه أو الاحاطة بكل مكنوناته اي العوامل المختلفة والتركيبية التي تنتج وعيا معرفيا منتجا بدوره للتاريخ وتزّكي محاولة الخروج من مسألة التقليد في الكتابة التاريخية كاستنساخ يدور في حلقة مفرغة يشكل ويتشكل في التدهور الثقافي المهيمن الذي يرفض النقد ويغتال العقل ويؤسس لانفصام بين التاريخ والخطاب التاريخي .

إن الناقد يحتاج الى تحليل السياق التاريخي الاجتماعي الفكري الذي يحمل الحضانة الاساسية لمجمل الأفكار والأطروحات التي كانت سائدة في الفترة التاريخية المراد تحليلها حتى يلامس التحليل الموضوعية ما أمكن ويلتقط في ثناياه اللحظة التاريخية براهنيتها للزمان والمكان اللتان انتجتاه لتمثله وتجاوزه معا , ولا يمكن برأيي انجاز المقاربة التاريخية المتوخاة بشكل موضوعي دون الانخراط معرفيا في تحليل مفهوم " الخلافة الاسلامية " أو منطوقها التاريخي " الخلافة العثمانية " ذاته من جانبين : الممارسة التاريخية الاجتماعية للظاهرة والصياغة أو الصياغات الفكرية للمفهوم في تاريخ الثقافة الاسلامية والعربية حيث يأتي هذا الكتاب " العرب والدولة العثمانية " لمؤلفه الدكتور علي حسون الصادر عن دار الرؤية للطباعة والنشر في دمشق عام 2006 ضمن السياق الطبيعي للسياق الآنف الذكر . ومحاولتنا هنا تقتصر على تحليل الفصل الخامس من هذا الكتاب الذي يتناول كما يحب ان يعنونه صاحبه ببداية الضعف العثماني وبوادر التمردات المحلية في الصفحة 95 من الكتاب .


3- إطناب اللغة بين تحايل التأريخ وغياب المنهج

يفتتح المؤلف فصله الخامس بمقدمة فيها اقرار واضح ومكثف عن مكنونات الخطاب التبشيري بمنطوقه التوكيدي الوعظي و فيها أيضا أي المقدمة من الاسقاط الايديولوجي المسبق الصنع بحيث يحيل القارئ الى نوع من الكتابة التمجيدية التي تستخدم لغة السلطة صاحبة الحق الحصري الوحيدة لرواية الحكاية , بحيث تكشف دون مواربة ارباك المقنع من القول في طلاوة لغوية توحي بالقليل من التأريخ والكثير من لي عنق الوقائع والتصورات لتكون وحدها مشروعا للدلالة على ما يحاول ان يكشفه ويعممه خطوة خطوة و بين الدفاع الصريح عن رؤية ذات بعد واحد لم تستطع الا ان تعيد انتاج مقولات سكولاتية غائية محددة ومحددة , لا تفيد النقد ولا تستفيد منه وبين ضرورات المسموح من القول في الاطار الرسمي في ظل غياب أو تغييب الملائم من الموضوعية في الكتابة التاريخية وهي الفرصة الذهبية لاعادة تشييد الخطاب الاصولي واعادة تماسكه بفضل الجهل المؤسس والمؤسس حسب محمد أركون , يبدأ الكاتب بالبلاد العربية التي نعمت بحالة من الهدوء والعرب بدورهم باركوا الفتح ولم يقاوموه أو يقفوا حجر عثرة أمامه بل استمروا في الانضواء تحت هلاله الخفّاق – هكذا - , بل وأزيد من ذلك أنهم نظروا الى العثمانيين كأشقاء مما يحيلنا الى قول الكاتب نفسه حين يتحدث عن نظام الحكم في الدولة في بداية الفصل الثالث في الصفحة-67- إلى أن رعايا الدولة هم "خليط من قوميات مختلفة حيث يظهر فيه التباين الواضح في العقائد والأجناس واللغات وأساليب الحياة " مما يشكل من وجهة نظري مفارقة تدلل على التناقض الفظ الذي بدوره يكشف الأرباك في السياق العام للدراسة حيث تفشل في اعتماد سياق متجانس يأخذ بالأسباب الموضوعية رغم تنوعها تقوي المنهج وتعيد بناء تماسك الطرح النظري مما يحيلنا الى الطبيعة التقليدية للخطاب التاريخي فعلى الرغم من النمو الهائل للانتاج التاريخي العربي فان هذا النمو لم يترجم على مستوى النظرية , فظل تنظير التاريخ العربي متخلفا عن مستوى انتاجه , أي أنتجوا على العكس من ذلك حديثا سطحيا عن التاريخ فأخبروا عن " ظاهره " , وسيظل الحديث عن حقيقة التاريخ غائبا عن التأليف التاريخي برمته , مالم يرد كل حديث عن التاريخ الى التاريخ نفسه أو الى شيء يشمل قوانين التاريخ وقوانين المجتمع معا, وهو مايطلق عليه ابن خلدون اسم طبائع العمران وفق دراسة علي أومليل لمنهجية ابن خلدون .

هذا من جهة العرب الذين هم بقدرة اللغة رعايا لدولة متعددة القوميات وأشقائها في نفس الوقت , أما العثمانيين - وهذا هو مايهم الكاتب أن يثبته دون عناء البحث والتقصي والتحقيق - فهم لم يهدفوا الى تذويب حضارة العرب هكذا – وكأن الحضارة منجز تاريخي ثقافي مكتمل – أواخضاعهم بل كان العكس تماما حيث ازدادت مراكز العلم توهجا من خلال قوة عملية ادخال مبتكرات العثمانيين الى البلاد العربية لاحظ دلالات كلمات مثل توهج ,مبتكرات و مراكز العلم حيث تطمئن سلبية القارئ وتضغط باتجاه عواطفه الدينية فعلى العرب أن يشكروا الفاتحين على النعم والهدوء بل يجب عليهم أن يباركوا - وهذا هو المهم - الفتح الذي كف عنهم شر أطماع البرتغاليين والاسبان وانتقامهم وكأن الدولة كانت تقدم خدماتها الجليلة لهم أي للعرب فقط لكونهم عربا او مسلمين , واذا رجعنا لكتابات ساطع الحصري في عرضه لمسيرة التسلط التركي على البلاد العربية في مطلع القرن السادس عشر والنصف الأول منه , نجد أنه بالرغم من ان جبروت الدولة العثمانية الذي تعزز بتوسعاتها في بلاد البلقان , كان قد بلغ مجده آنذاك وكان يستند الى اول جيش دائم عرفه التاريخ , فانه لم يكن العامل الاساسي في خضوع العرب للنير التركي . فهو يرى ان الاداة الرئيسية في استرقاق الشعوب العربية كان التكتيك الدقيق الذي اتبعه سلاطين آل عثمان , اذ كانوا يصورون توسعاتهم ضربا من الجهاد تحت راية الاسلام . وكان من شأن ذلك ان يرفع مكانتهم في انظار العرب من المسلمين , وان يخلق لدى العرب اوهام القرابة المعنوية والروحية بينهم وبين الأتراك مما ساعد مساعدة كبيرة , اولا على استيلاء العثمانيين على البلاد العربية وثانيا على دوام حكمهم لهذة البلاد مدة طويلة دون تعب . ومن جديد يلجأ الكاتب الى تحايل لغوي فيقول " أما ما يدعيه البعض من حدوث انهيار عربي فهو قول يجافي الحقيقة " واذا اعترف الكاتب بحدوث نوع من التخلف لاحظ معي دلالة أداة الشرط "اذا" وعبارة "نوع" في هذه العبارة الافتتاحية للمتن رقم (1) من الفصل المذكور آنفا وتحت عنوان "بوادر الضعف والتخلف العثماني" فهو أي التخلف " ليس الا استمرارا للأوضاع السابقة من جهة –التي نحن بحاجة لمعرفتها بكثير من التفصيل – ولظروف دولية طارئة " عانى منها العرب كما عانى من جرائها أشقاؤهم الأتراك – هكذا – أما بعض التصرفات التي فيها مساس بالعرب وان حدثت فهي أيضا من قلة وبعض افراد معينون افضل مايمكن وصفهم هو الخيانة العظمى وتبرئة السلاطين الأوائل كحد ادنى , وبعد ذلك ينتقل الكاتب الى ذكر صراع العثمانيين مع الأوروبيون بكونهم أي الأوروبيين أعداء للدولة بشكل مسبق وهو تلمحيح فظ للعداوة الدينية دون الاشارة الى ماهيات الصراع الدولي حينئذ " وقد بدأ أعداء الدولة الأوروبيين يواجهونها بشراسة " أما حين يأتي على ذكر الصراع مع الصفويين فهو اشتباك سياسي وعسكري فقط دون أن يحّمل هذا الصراع الدلالات الدينية المحرجة المتاحة في الصراع مع الأوروبيين , ومن ثم نجده أي الكاتب يذكر بعض التفاصيل الحربية ويطوّع اللغة مجددا لتكون حليفه المطواع بقوله أن النمساويين عندما صدوا هجوم العثمانيين" أحتلوا" أراضي عثمانية لاحظ مرة أخرى دلالة كلمة احتلال وان كانت ضمن سياق الحديث عن حروب وأيضا دلالة " أراضي عثمانية" في المجر واليونان وعلى سواحل البحر الأسود التي خسروها وزادت خسائرهم بوجب معاهدة " بساروفتش " , ومن ثم ظهور الأعداء الجدد – هكذا – من جهتي الشمال والشرق الممثلون بالروس , فالخطر المهدد للدولة حسب الكاتب وان كان محقا لم يقتصر على جهة الغرب فقط أي ان الدولة كما يريد أن يصورها هي بمثابة الضحية التي تبدو أنها تواجه أعداء من كل حدب وصوب ومن ثم ينتقل الى الحديث عن عجز العثمانيين أمام الدولة الصفوية حيث لم يتمكنوا رغم " استيلائهم " – هكذا –على قسم كبير من أراضي الدولة الصفوية من احتلال بغداد . بوادر الضعف العثماني والتي دون شك من قبله أي الكاتب هي أساسا عسكرية وخارجية وهي وحدها دون غيرها أدت الى نشوب بعض التمردات المحلية والحركات الانفصالية "لاحظ هنا دلالة كلمات التمردات والحركات الانفصالية ", مع ان التاريخ ان حكى يقول ان الامبراطورية العثمانية كانت تتفسخ وتتحلل تحت ضغط عوامل كثيرة خارجية وداخلية وأهم هذه العوامل هو الصراع الاستعماري الدولي حيث الترابط بين النزعات القومية في اوروبا وبين اقامة سلطة البرجوازية التي كانت في نهاية المطاف وراء انتهاج الدول الغربية لسياستها الامبريالية , وان التمديد الاصطناعي لحياة الامبراطورية العثمانية انما جاء في المقام الاول نتيجة مساعي الدول الامبريالية التي كانت معنية آنذاك بالابقاء على الاوضاع الراهنة , وقد اتاح لها ذلك تعميق تغلغلها في العالم العربي وترسيخ مواقع الهيمنة قبيل التقسيم القادم , حيث الامبراطورية المعنية كانت هي الاكثر تخلفا في هذا الصراع , بينما كانت الدول الاوروبية تزداد قوة بتطور التكنولوجيا فيها , وبزيادة قوتها العسكرية والاقتصادية حيث ساعدت الحروب العالمية بعض الشعوب على النضال في سبيل الاستقلال , كما سحقت شعوبا اخرى , وحاولت السلطة العثمانية ان تواجه الوضع الجديد , المتمثل بالتهديد الخارجي والصراعات الداخلية , فلجأت الى مجموعة من الاصلاحات سنة 1839 و 1856 لتنظيم شؤون الادارة والقضاء والعلاقات الاجتماعية , وتحديد الحقوق السياسية للمواطنين . وكان ان ظهر مصلحون احرار امثال مدحت باشا وخير الدين التونسي وغيرهم , ودارت رحى الصراع بين السلاطين والمصلحين , فقامت الانقلابات , وكان ينتصر السلاطين حينا والمصلحون حينا , لكن حركة التقدم كانت مستمرة .

أما عن أسباب الضعف الداخلية فيكتفي بتعداد خمسة أسباب الأول منها تغير نظام التوريث من الأبن اي ابن السلطان الى أخوته ولاندري كيف يكون تغيير شكل التوريث سببا دون النظام نفسه أو الفرق بين الابن والأخ وهنا يتجنب الكاتب بمهارة المتحاذق المس بشرعية السلطنة على اعتبار ان شأنها " شأن الدولة العباسية باعتمادها على نظام الحكم الوراثي والعسكري من حيث التنظيم والطبيعة والهدف الرئيسي من وراء هذا النظام كان المحافظة على تماسك الدولة واستمرارية قوتها متجسدة بالسلطان الخليفة " – هكذا يبحث ويبرر ويثبت الكاتب ويضفي الشرعية التاريخية والدينية لنظام هدفه فقط الأهداف النبيلة الآنفة الذكر دون غيرها وذلك عندما تحدث عن نظام الحكم في الدولة في الفصل الثالث من الكتاب , وضعف الدولة هي من ضعف السلطان وقوة الدولة هي ايضا من قوة السلطان ونحن أيضا بدورنا لا نعرف كيف يكون السلطان ضعيفا وكيف يكون قويا . واذا عدنا الى توقف ساطع الحصري في مؤلفه " البلاد العربية والدولة العثمانية " – لاحظ الشبه بين عنوان الحصري لكتابه وعنوان كتاب مؤلفنا العتيد -- عند مسألة انتقال الخلافة الاسلامية الى آل عثمان . وهو ينوه بخطأ الرأي الشائع حول ذلك في الأدبيات التاريخية " ان جميع كتب التاريخ المتداولة بين الأيدي تقول ان آخر الخلفاء العباسيين في مصر , المتوكل على الله تنازل عن الخلافة الى السلطان سليم العثماني وبهذه الصورة انتقلت الخلافة الاسلامية من العباسيين الى العثمانيين ويؤكد الحصري ان الابحاث التاريخية لاتؤيد هذه الرواية انما هذه اسطورة تكونت بعد فتح مصر وبعد وفاة السلطان سليم بمدة غير يسيرة , ومما يدل على تهافت تلك الاقوال اننا لانجد ذكرا لامر الخلافة لدى المؤرخ ابن اياس , مؤلف " بدائع الزهور " والذي كان معاصرا لاستيلاء العثمانيين على مصر , رغم ان كتابه حافل بالوقائع والامور والتفاصيل الوافية , وان أقرب التواريخ العثمانية الى عهد السلطان سليم , الا وهو " تاج التواريخ " يحتوي بحثا طويلا عن السلطان سليم ومع هذا لا يذكر شيئا عن الخلافة وانتقالها , وكان اعتقاد المسلمين بالخلافة العثمانية قوى نفوذ الدولة العثمانية وسهل حكمها تسهيلا كبيرا .... فنستطيع ان نؤكد ان فكرة " الخلافة العثمانية " ساعدت كثيرا على استسلام العرب للحكم العثماني واخرت كثيرا نشوء فكرة القومية العربية . ومن الاسباب الاخرى التي يوردها الكاتب علي حسون في متن الفصل الخامس هو فساد نظام الجيش وتفسخ الانكشارية واهمال السباهية الفرسان لعدم أخذهم بأساليب القتال الحديثة وبروز جنود مرتزقة وكأن المسألة هي فقط مجرد مسألة ادارية تخطيطية , هذا بالنسبة للجيش عماد الامبراطورية المترنحة حيث يحاول الكاتب ان يوسع من دلالة تأثير هذه العوامل الاجرائية وتضخيم تأثيرها الجوهري لتغطي برأيي المتواضع عن كونها نتائج ومحصلا ت طبيعية عن انحطاط وعقم أوهام الفكرة العثمانية وتهافتها , مما يجعل المؤلف يلجأ الى وضع سرديات متتالية من مراجع كتبها غيره على ما أظن وهي روايات السلطنة كاجراء منتظم لغياب تمثل الحالة التاريخية المعنية وقلة الاحاطة الشاملة التي تعين على انتاج وعي تاريخي جديد , ويتحدث أيضا عن واردات الدولة التي بدأت بالتناقص وتأثيرها على اقتصاد البلاد وذلك يكون السبب الخامس من أسباب الضعف . ليس ثمة شك في أن غلبة القول هذا واستيلاء صاحبه على اللغة وتزكيته لها من فاعليات الاستبداد وتنسج هذه الفاعلية الاستبداد في حقل الثقافة بتغييبها الواقع أي التاريخ , وذلك باقامتها تواريخ وهمية مبنية على استمرار تاريخي مخترع تطلق عليه عبارة " الأصالة " مما يؤسس لنص تلفيقي يستبيح البداهة البلهاء الزائفة ويقوي شوكتها كحقل من حقول المعرفة , وأن الزمان ما هو الا عنصر خارجي يشهد ويسجل لحظات لا كيفية فيها وفي تتابعها لكينونة هذا الجوهر- اي استمرارالماضي في الحاضر - هو استمرار الجوهر في تجلياته اي انه دهر , التاريخ بهذا المعنى مرور الزمان على ذات مستمرة صاحبة هوية تستنسخ نفسها دهرا بعد دهر وهو فهم عضواني للتاريخ حسب قول المفكر عزيز العظمة وذلك بأيلاء نرجسية التميز والذات , لدينا اذن تصور منوي لاستمرار ذات وهو يختلف عن التصور الهيغلي الذي يرى في الاستمرار عملية تحقق ذات لاتكتمل الا في النهاية وبعد انقطاعات عدة , وذلك سيرا على نسق النظريات الارتقائية التطورية التي لا نصيب فيها لفلسفة التاريخ المحافظة حيث الارتداد الى الاستمرارية المزعومة مع ماض يستغرق الحاضر في عضوانيته .
4- " بوادر التمردات المحلية " وأهمية التاريخ ومنهجيته

في أواخر القرن السادس عشر وصلت الامبراطورية العثمانية الى أوج توسعها , وبدأت مرحلة جديدة من توازن القوى ثم التقهقر في علاقاتها بجاراتها . في تلك الفترة كانت اوروبا تشهد بداية نهضة علمية واكتشافات وفتوحات مكنتها من تراكم رأس المال التجاري والتفوق , بالتدريج , على آخر الامبراطوريات الاسلامية . هذا التحول في ميزان القوى بين الشرق الاسلامي وأوروبا المسيحية انعكس , مع الوقت , على المنطقة العربية بأشكال متعددة منها التغلغل التجاري . كما أن اندماج البلاد العثمانية , بالتدريج , في الاقتصاد العالمي الرأسمالي ترك آثاره في نوعية العلاقات ما بين النظام المركزي في العاصمة استنبول والأقاليم التابعة لها . وقد رافق التحول الاقتصادي واختلال ميزان القوى العسكري لمصلحة أوروبا تحول معظم الجيش العثماني الى قوات من المشاة , فضلا عن تغييرات مهمة في نظام جباية الضرائب , هذه التحولات العامة على مستوى الدولة العثمانية انعكست على الادارة في الأقاليم ودور الزعامات المحلية في حكمها .

طبعا يخفق المؤلف في وضع القارئ في عوالم اللحظة التاريخية رغم غناها بالتحولات والمتغيرات الأجتماعية والسياسية والأقتصادية ولا اللغة عادت سلسة أو تتزيد الحلاوة من الجمل القطعية الحاسمة بكل أجناسها الأخلاقية منها أو فصول الأحكام المعممة التي تتوقع مطمئنة تقّبل ذهنية معينة لقارئ معين يتوجه اليه الخطاب ومن ورائه الكاتب فتغدو الكتابة عبارة عن مقاطع تختلف افتتاحياتها اللغوية باختلاف المصادر التي استقت منه واقتطعت وهي اخباريات عن حوادث منفصلة في اطراف الدولة حدث بعضها على أيدي الجنود المعوزين في اليمن جراء الأزمة الاقتصادية وبعضها الآخر جرى من قبل الامراء والانكشارية أو القراصنة في الشمال الأفريقي حيث رجحت كفة الانكشارية في مطلع القرن السابع عشر وأصبحوا هم وحدهم القوة المقررة الحاكمة وانشائهم لمنصب جديد في تونس هو " الباي " في ظل ضعف الباشوات وتخاذلهم .

وفي مصر قام الجنود بسلسلة من الحركات التمردية من قتل ونهب وسلب بالقوة طبعا مما يفضح حالة الفوضى والعنف الدموي التي كانت سائدة بين الجنود وأعيانهم التي نجح بعضها وفشل بعضها الآخر بالتراضي مع ممثل السلطنة ثم يتحدث الكاتب بتنقله المفاجئ من واقعة الى أخرى ومن بلد الى آخر دون تمهيد يذكر أو تمحيص مما يؤكد استناده الى مصادر يحجم عن ذكرها يقتطع منها بشكل تعسفي محنك , عن طائفة المماليك واسباب انجرارها السهل الى رفع راية التمرد ومحاولاتهم الحثيثة لاسترداد ما خسروة من نعم وثروات السلطة والحكم , وفجأة وفي السطر الذي يلي ذلك نجد أنفسنا مع البدو- هكذا – الذين استغلوا حسب قول الكاتب أو حسب قول المصدرالمسكوت عنه تغير نظام الحكم بعد الفتح ليعلنوا التمرد ويدعموا الثائرين على الدولة العثمانية . فالكاتب يلجأ هنا كما ذكرنا سابقا الى مقتطعات لا علاقة لها بنسيج السرد أو حتى غريبة على وحدة الموضوع , فيها حشو مفتعل واقحام ملفق قد يغني القول كما يظن كاتبه في ظل غياب الاطناب اللغوي وهي اي المقتطفات القصيرة تتحدث عن العنصرية بين أولاد العرب هكذا وبين الأغيار من الطوائف الأخرى .


وأما في العراق فان شدة عنف التمردات التي شهدتها بغداد يعود سببه فقط لضخامة العسكر العثماني هناك وقوته – هكذا – وطبعا لا علاقة لأية أسباب أخرى وهي محاولة ذكية من الكاتب نفسه للتملص من عناء البحث والتدقيق أو محاولة مألوفة لاخفاء الأسباب الحقيقية الأخرى باسكات النص وعدم محاولة استنطاقه , حيث يدخل فجأة الى ساحة عمليات التمرد والعصيان عناصر جديدة من زعماء البدو( وهم دون شك عربا ) والاكراد تضفي على المشهد العراقي تنوعه الملفت للانتباه الى جانب كتيبة الفرسان التي استولى عليها "محمد بن أحمد الطويل" الذي لم يلبث ان قتل ليخلفه أخوه " مصطفى بك" والذي نجح باستحصال تعيينا باشويا على لواء الحلة من الوالي الجديد من بعد حصار وصلح لينتهي حكم آل الطويل الذي دام خمس سنوات بهروب مصطفى باشا نفسه الى بلاد فارس . ومما يسترعي النظر في هذا المقطع القصير هو استخدام الكاتب لكلمة " هذا " ومحاولة حرف دلالتها من اخفاء للدلالة الى معنى تحقيري تصغيري انظر " ولم يلبث هذا المتمرد أن قتل " وبعد سطرين لا أكثر تعاد الكرة ولكن هذه المرة مع أخو المتمرد عند قيام السلطان بتعيينه " وعين مصطفى هذا الذي أصبح مصطفى باشا " , ومن جديد ندخل بثورة قام بها العساكر بقيادة " بكر الصوباشي " وهذه المرة أيضا يدخل عنصر جديد ليستغل الموقف ويسيطر الصفويون على بغداد وعلى مناطق أخرى , ويرجع الكاتب الى كتاب " خلاصة الأثر " للمحبي فقط ليشنع بهذا المتمرد ذا الاصل الرومي - لاحظ معي هنا كلمة " هذا " و"أصل "- الذي عمق نفوذه عن طريق الاستغلال لمنصبه ويرسل حملة تأديبية للقبائل( هنا القبائل وليس البدو ) التي هددت الأمن وينصب ابنه على بغداد أثناء سيره وغيابه , وعلى غير العادة يعود ليحاصر بغداد التي خرج منها فقط لاشتداد نفوذ خصومه حيث لم تغفر لهم قوتهم من هزيمة واليهم واستلام " بكر" لحكم بغداد ومن ثم هزيمته لجيش الدولة المركزية التي لم تعترف به , والتي اعادت الاعتبار لذاتها بعد تسلم قيادتها سلطان قوي – هكذا – هو " مراد الرابع " الذي بدوره كلف واليا رهيبا اين منه امير الشوف "فخر الدين المعني " الثاني الذي اضطره الوالي الجديد أو الرهيب " أحمد باشا الحافظ " الى الفرار أو " الهرب " حسب الكاتب من لبنان الى ايطاليا . والجيش الذي يهزم جيش" بكر" لم يعد جيش الدولة المركزية القوية بل " جيش أحمد باشا الحافظ " والذي دفع بكر الى الاستعانة بالشاه " عباس " الصفوي الذي انجده بقوة "ثلاثون ألفا " - لاحظ معي هنا التشديد على العدد وذكره – من بعد تأكده أن النقود في بغداد ضربت باسمه , وعندما تعفوا الدولة العلية عن عدوها " بكرا" فانها تلجأ الى الحيلة وتوليه بغداد والرقة وتعيّن ابنه على لواء الحلة مما أغضب الصفويين حلفاء الامس الذين جهزوا قواتا اضافية وحاصروا بغداد على حين غرة كما يزعم الكاتب حيث لم يكمل الجيش العثماني استعداده – هكذا – مما افسح المجال لدخول قوات الشاه بغداد و " خروج بغداد من أيدي العثمانيين " – هكذا – في الوقت الذي انشغلت فيه – واي انشغال – العاصمة العثمانية بمراسم تولي السلطان القوي الحكم الذي لا ينفك من بعد منوال عن تحريرها والغريب المستهجن هنا ان كل هذه الاحداث المأساوية والحروب المدمرة وكل الخراب والصراعات المحلية والاقليمية بما تحمله من دوافع ومصالح فئات مختلفة تبحث عن موطئ قدم أو دور ما في عالم يغلي ويفور يختم الكاتب ويصر بأنها " محاولات تمرد فشلت ".

لا يخرج الكاتب حين يتحدث عن بلاد الشام عن أسلوبه المعتاد فيشير الى أن شعور السلطان بالخطر – هكذا- سببه ازدياد امتهان بعض الانكشارية " من أصل محلي " لبعض الحرف لغرض العيش ( يهمل الكاتب هنا عن قصد السبب الحقيقي لهذا الازدياد وان لمح لحصولهم لامتيازات مشكوك بها ) ورغم الفرمان السلطاني لمنع ذلك الا أن شدة الفوضى وانتشارها زاد أضعافا مضاعفة وتحديدا في دمشق حيث كبر نفوذهم أي الانكشارية المتمردين حتى وصل الى حلب في أواخر القرن السادس عشر , مما جعلهم أكثر ظلما وابتزازا للاموال مما اضطر الولاة – هكذا – لقتالهم وذلك كان ايذانا بالعداء " لعلي باشا جنبلاط " الذي ساعد الدولة العلية بطردهم من حلب .

وإذا كان هناك من أسباب أخرى لفداحة تمرد الانكشارية فهي لن تكون بالطبع غير اختلال أنظمة الانضباط والتدريب والأهم من ذلك هو انفتاحهم على غير الأروام ( جمع روم و المقصود بهم هنا الأتراك ) من الجنود سكان البلد الأصلي , لاحظ معي التلميحات المبينة لعنصرية الطورانية التركية ومحاولة تقسيم شعوب الامبراطورية على اساس اثني واضح وتحميلهم وزر خطايا المرحلة بكل ما فيها من توحش وانحطاط وتبرئة الدولة التي لم تنفع جهودها ( المشكورة ) في"استيراد" القمح من مصر وقبرص !!! من تحسين الوضع الاقتصادي المضطرب من انهيار قيمة العملة وازدياد القحط والغلاء والوباء ... لاحظ دلالة وايحاء كلمتي " استيراد " و " جهود ", وان كان لابد من ختام لحديث الاقتصاد الجاف الممل بسبب أخير فيكون هذه المرة أخلاقيا ألا وهو الجشع الذي حقيقة لا نعرف بالضبط جشع من .

ولا يفوت الكاتب من تذكيرنا هنا " أن من أهم أدوات التمرد والتدمير في هذا القرن – السادس عشر- هو خروج الانكشارية حد الاعتدال ( هكذا ) وكثرة اعتداءاتهم على الرعية فيتصدى لهم الولاة فتزداد الشرور وتسفك الدماء " , من الواضح أن التذكير هنا له مهمة اضافية مع انه أنسب قليلا لو كان موضعه في بداية الحديث عن بلاد الشام , لكن بعد دخول جنود من السكان المحليين أو الغرباء الى الانكشارية يصبح اتهامهم بالجرائم والتشنيع صريحا بيّنا وتصويرهم على أنهم أهم أدوات القتل والتدمير حيث الولاة يدفعون عن ظلم الرعية المساكين ويتصدون للانكشارية – هكذا – ويتناسى الكاتب ان الرعية هم أيضا من السكان المحليين , والاتهام لايقتصر على الهمج من انكشارية أهل البلد بل ينسحب الى أمراء البلد أنفسهم ويعدد اغلبهم بالاسم والمنطقة لدواعي تأكيد الاتهام بأنهم حكام ظلمة , ومن خلال هذا المشهد الذي لا يوفر أحدا من أصبع الاتهام الا ويشير اليه ... يتبين أن بلاد الشام جميعها سكانا وجنودا وأمراء ظلمة وقطاع طرق أغراب لا يعرفون ولا يعترفون برحمة الملّة وحلمها حيث هاتين لم تنطبقا على والي حلب الذي بفخر المنتصر قطع رؤوس سبعة عشر انكشاريا من بعد طبعا تسلطهم .

4- الخاتمة
نرى مما سبق أن مجمل الكتاب ومعه فصله الخامس ما هو الا محاولة غير موفقة لاستمرار فشل القراءة التقليدية في تجاوز أدواتها , وسطحية الطريقة الوصفية التي تعتمدها في عرضها للتاريخ حيث يكون بسط التاريخ على هواها ان كان من جهة المنهج الذي تعتمده أو من جهة الخطاب السكوني الذي تريد تعميمه , فلم يقدم الكاتب نقدا جذريا وشاملا ولم يؤسس أيضا لمنطق التغير والنسبية بحيث لم ير الا الثبات والاستمرار ولم يكتشف الجدلية كمنطق للتاريخ , فأصبح لزاما علينا القول أنه يكرس بكل وضوح مزايا التقليد على مستوى النظرية من جهة والجمود على مستوى الفكر من جهة أخرى ... وهو بهذه الحال يخرج علم التاريخ من ميدانه الحقيقي الى ميادين أخرى أقلها ميدان خطاب الاسلام السياسي .
- اعتمدت هذه القراءة على الكتب التالية :
1- ساطع الحصري : رائد المنحى العلماني في الفكر القومي العربي . تأليف : تيخونوفا . دار التقدم . موسكو 1987.
2- سورية وفلسطين تحت الحكم العثماني . تأليف : قسطنطين بازيلي . دار التقدم . موسكو 1989. ترجمة طارق معصراني .
3- الخطاب التاريخي : دراسة لمنهجية ابن خلدون . تأليف : علي أومليل . المركز الثقافي العربي . الطبعة الرابعة 2005 .
4- تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700- 1918 ( قراءة جديدة ) . تأليف : عادل مناع . مؤسسة الدراسات الفلسطينية . الطبعة الأولى – بيروت – حزيران 1999.
5- اديب اسحق : الكتابات السياسية والأجتماعية . جمعها وقدم لها : ناجي علّوش . دار الطليعة . بيروت . الطبعة الأولى آذار 1978.
6- التراث بين السلطان والتاريخ . تأليف : عزيز العظمة . الناشر : عيون المقالات . ص,ب 6713, سيدي عثمان , الطبعة الأولى – الدار البيضاء 1987 . المطبعة : دار قرطبة للطباعة والنشر ,10 زنقة بيروت – الدار البيضاء .



#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وبرُ خطايا عفة ضلال , شتول صهيل الغجري و سيوف زبانية الليل .
- هزيع أحلام وتخمين حصيرة زاحفة
- -الغيتو- يشيد الجدران وحارة -اليهود- عندما تصبح دولة
- صورة أسد يلبد , سيف ذو شعبتين و ابن عم النبي
- عن تاريخ وطني منجز
- محراث طيش المرايا , المدى شيخوخة .. تخوم كآبة وهمسات تيه الن ...
- في مطلب يهودية الدولة
- حداء المصحف ملكوت آية وصهيل الغواية عبور نهرين في كأس ماء
- الغريب والقريب..عدوان!
- في صدد الرواية والواقعية الأدبية
- هذا ما قاله محمود خليل في لحظة غفلة
- السؤال عن واقع الحال قبل ربيع الثورات
- فراشة الكائنات سحر واختصار الأرض همس أرنبة, رفات قوس الماضي ...
- جرار نبيذ , لحم القطط وفتوى آخر الزمان
- أرواح تتراقص , مثوى قرى الجليل وحارس يقطع الماء
- في العلاقة بين الدولة والطائفة
- خيمة تضاريس,أشعار مبعثرة وحمّام نبع المنحدر
- بصدد المشروع الوطني الفلسطيني
- في الطائفية السياسية
- سراب فراش أبيض , سلك معدني وحشرات تراب ندي


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم زهوري - خطاب الايديولوجيا بين التاريخ وغيابه - العرب والدولة العثمانية - نموذجا