|
القصيدة المغناة وساحات التحرير
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3741 - 2012 / 5 / 28 - 09:18
المحور:
الادب والفن
القصيدة المغناة وساحات التحرير إبراهيم اليوسف إيه طفلي الصغير أيان تكن وأنت تردِّد أرجوزتك الجميلة بلثغتك يتردد صداها في ست جهات العالم يصطاد لقطتك بعدساته وأنت في مرمى منظار القنّاصة في كل مكان..! "مقطع من نص لم يكتمل لشاعرجوال" يؤكد الشعر، يوماً بعد آخر، أن لا مناص من الاستغناء عنه البتَّة، مهما أوغل الزمان، في إبداع فنونه، واختراعاته، واكتشافاته، وفتوحاته العظمى، مادام أنه أبو الفنون، بل وسيِّدها، وهوأول فنِّ ترنم به الإنسان الأول، كاتباً قصيدته الأولى، القصيدة التي لما تزل تواصل كتابتها، على أيدي الشعراء، على اختلاف العصور والأمكنة، واللغات..!. وإذا كان في عالم الإبداع، المدوّن، والمنطوق، نوعان من الكتابة،والفن، فإن أحد هذين الإبداعين، ليتجسد، في النثر، والآخرفي الشعر، فهما وجها إبداع الكلمة، وبينهما الكثير من نقاط الاختلاف، والاتفاق، وإن كانا-معاً-مفتوحين، على الجمال، كل وفق خصائصه، وصفاته، وأدواته، فإن كل نوع من هذين النوعين لابدَّ له من أن تكون له وظيفته الجمالية،والدِّلالية، وهوما يحققه كل منهما، من جهته على حدِّ سواء. بيد أنه، وللحقيقة، لابدَّ من تأكيد مسألة مهمة، وهي أننا لوعدنا إلى الأمثلة الشاخصة، في التاريخ، لوجدنا أن الإنسان، كان، ولايزال، يلجأ في أفراحه وأتراحه، وفي الحروب، والملمَّات، والأحداث العظمى، إلى الشعر، لأنه خيرمن يعبر عن خلجات النفس، ويفتح نوافذ الجمال، على مصاريعها، في الجهات، كافة، ناهيك، عن أنه يمتلك خصاله الكريمة، ليكون بذلك الأكثرحضوراً، بل والأكثر تأثيراً، وسطوةً، وسحراً، من سواه، ولهذا فإن أيَّ سرد، يعول عليه سارده، أن يكون له مثل تلك الصفات، المشارإليها، فإنه كان ليقدم نفسه، في إهاب الشعر، آخذاً عنه بعض خصائصه، ليؤدي مثل ذلك الدور. ونحن لو عدنا إلى سرديات مثل هذه المناسبات جميعها، فإننا لنقع فيها على القاسم المشترك الأعظمي مع الشعر، وفي مقدمة هذا المشترك، الخيال، الإيقاع، اللغة..إلخ، ولعلَّ في بعض خطب القادة العظام التي استظهرناها، مايبين مثل هذا الأمر، لذلك، فإنها، وبالرغم، من طول الشريط الزماني الذي يربطنا بها،لا تزال ممسكة، بسحرها، وتأثيرها، وكأنها قد كتبت اللحظة. والشعرنفسه، قديمُه، وجديدُه، أمام امتحان الغنائية، نوعان، فمنه، من يسلس على الغناء، وتستسيغه الأذواق، والنفوس، وتهفو إليه القلوب، وتطرب له الآذان، وتتقبله الأرواح، لتحلِّق معه، عالياً، بيد أن هناك قصائد أقلَّ غنائية، بل هي معدومة الغنائية، حتى وإن كانت تمتلك شرطها الإبداعي، ولعلَّ هذا النوع من القصائد، هو الأبقى، و الأكثر التصاقاً بأرواح مبدعيه، كما هو الأقرب التصاقاً بأرواح جمهرات متلقيه، على اختلاف عاملي المكان، والزمان. لذلك، فإن نصوصاً كثيرة، لانزال نستظهرها، جميعاً، منذ طفولاتنا الأولى، إلى الآن، وينشدها كل منا، لتظل محافظة على ألقها الإبداعي، وكأنها ابنة اللحظة، ِدلالة، وجمالية، وعذوبة.
أرومة أولى: لابدَّ من معرفة، أمرعلى درجة كبرى من الأهمية، وهوأن الإنسان الأول الذي استمع إلى وقع حديثه، أوصداه، مرنَّماً، في حالات ما، وبات ُيعنى به، ويكرره، راسماُ أحلامه، معرباً عنها، أومتناولاً الموضوعات الكبرى التي تمسّه، تبعاً لحاجاته اليومية، على اختلاف جوانبها، وهي غالباً ذاتية، أوتتعلق بالجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها. وإن هذا الاكتشاف الأول من قبله، للبعد الإيقاعي، في مجرد الأصوات، والترنيمات، الأولى، قاده إلى مسألة وضع اللَّبِنات الإيقاعية، في ذاته، بالتساوق مع العامل النفسي، ضمن مدى اكتشاف أكبر، من قبله، للجمال. و الغنائية، مصطلحاً، صنو الشعر، أو هي الشعرنفسه، بحسب أمَّات النظريات النقدية الأولى، وإن كان هذا المفهوم، سينظرإليه، في مابعد، وعلى ضوء بعض النظريات الشعرية الجديدة، اللاحقة، على أنه بات من مستلزمات النص التقليدي، وإن النص الجديد قد تجاوزه، كي يعاد إليه الاعتبارلاحقاً، في دورة منصفة، حقاً...
الغنائية في خطِّ سيرها البياني: وإذا كانت الغنائية، بين الواقع والتنظير، قد ظلت حالة، ذات حضورخاص، فإنه لمن الضروري الإشارة، إلى أن أول منظِّرللغنائية، هوالشاعرذاته، لاسيَّما عندما يجد أن هذا الشكل الشعري، إنما الأكثرقدرة على التعبير، عن تأجج عاطفته، وهي تصل مرحلة ذروتها، سواء أكانت في حالة الفرح، أوفي حالة الحزن،والألم، إذ تستطيع-هنا-أن تترجم أحاسيس الشاعر، ومشاعره، في مرايا، شديدة الحساسية، والنَّصاعة، إنها صدى غليان روحه، في مرجل النفس، وفق تفاعلها مع اللحظة الزمانية. لذلك، فإن هذه القصيدة، تأتي ذاتية، قصيرة، يهيمن عنصرالموسيقا فيها، على سواه، وهي الموسيقا الصافية التي رآها ليبنتز"1646-1716" أفضل من موسيقا الآلات..!. وبدهيٌٌََ، أن الرومانسية، قد أعادت الاعتبارإلى الغنائية، حيث كانت أحد الشروط التي ينبغي على القصيدة أن تعتمدها، وإن كان بعض النظريات الحديثة، التي ستلي هذه المرحلة، يحاول تقويضها، لئلا يهيمن الجرس الموسيقي على المكونات الأكثرحساسية، وتكويناً للنص الشعري، ولئلا يتم التفاعل مع النص، عبرهيمنة مجرد عنصرواحد، على حساب العناصرالأخرى، إذ رأى بعضهم، أن دورالإيقاع، يجب أن يكون ضمن حدوده العادية.
النص الخالد: في ما لودققنا، في القصيدة الغنائية، عبرالتاريخ الإبداعي، وإلى هذه اللحظة، مقارنة بغيرها، من النصوص الشعرية، على اختلاف تصانيفها، وأشكالها، وأنواعها، لوجدنا، أنها من بين النصوص الأكثرحظوة، في تفاعل الناس معها، جيلاً بعد جيل، حيث أنها شفافة، سلسة، متداولة، تتناقلها الألسن، هاهو حسان بن ثابت، الذي استحثَّه الرسول، ذات يوم، ليذود عن الإسلام: ب"لسانه" كما يذود عنه ب" سنانه"، فراح يترجم مهمَّته، مدفوعاً ب"الروح القدس"، يقول: تغنَّ بالشعر إمَّا كنت قائله إن الغناء لهذا الشعرمضمار وإذا كان النصُّ الغنائيُّ، يختصرطريقه، إلى ألسنة الناس، كي تلهج به، أفئدتهم، وتهفوإليه الأرواح، فإن هذا النص، لايبقى في حدود النشيد، فحسب، بل إنه ليتحوَّل إلى أغنية، يصدح بها الناس،ولعلَّ هذا النمط من النصوص، إنماهو ليس مشروع أغنية، فحسب، يأتي الملحن كي يعيد خلقها، وفق رؤيته الجمالية، بل إنها-غالباً-ما تقترح ألحانها، في انتظارتلك الحنجرة التي تبث فيها الحياة، مرة أخرى، كي يكون النص الشعري، مشروعاً مشتركاً بين الشاعروالمغنِّي، وما أكثرهذه الأغاني التي جمعت بين الشعراء، ونجوم الغناء، كي يتركوا لنا ملاحم غنائية، خالدة، ستظلُّ محافظة، على تأثيرها، وجمالها، وقدرتها، على أسرالنفس، وتطهيرالروح، وهوما يحدث مع الأغنية الخالدة، الأغنية التي لايمكن لدورة الزمان أن تقلل من جدواها الإبداعية.ناهيك عن أنها-وبسبب شفافيتها وسلاستها وبساطتها وقبل ذلك عنصرالموسيقا- الأكثراستظهاراً،وهي الأقرب للمتلقي، وللشاعر، بل أنها الأكثرتجسيراً بينهما، من جهة، وبينهما والحياة من جهة أخرى، وهذا ما جعل نصوص الإنسان المغناة، منذسالف العصور، وإلى الآن، تفرض ظلال ميدعها، وأصداء همسه، وأنينه، وغبطته، في كل مكان، ناهيك عن محافظتها على رذاذ صوته، وكأنه ابن اللحظة المعيشة ..! ترجمات حرفية: سأترك في جيب قميصي رسالة كتبتها البارحة لم تكن هناك وسيلة كي أوصلها إليك سريعاً غيرها رسالة فيها أشياء أقولها للمرة الأولى أشياء عن أمي وشقيقتي عن مكتبتي في منفرداتها الكرتونية أشجارالحديقة وعنوان المكان الذي تركت لك فيه هدية أخرى متواضعة أيضاً أعرف أنّها الهدية ما قبل الأخيرة لأنني غداً على موعد أكيد مع رصاصة ستخترق صدري لأبقى عندك اسماً تتباهين به يدل على رجل مخلص طالما أحبَّك بصدق ولم يجد شيئاً ثميناً يهديه إليك يؤكد خلاله أنك غالية، وعزيزة، وطاهرة وليس عنده غير روحه لتظل تكررذلك لك دائماً....! "نص لشاعر مجهول في إحدى ساحات التحرير" لأوَّل مرَّة أكتب قصيدتي جامعاً كلماتها من أفواه أصدقائي لأكتشف أنها تبني وطناً كاملاً...! وحقيقة، إنَّ ساحات التحرير، في ما عرف ب"الربيع العربي" في المنطقة، أعادت للشعرالغنائي أهميته، من جديد، فها هي القصيدة التي كتبها أبوالقاسم الشابي 1911-1934 والتي يقول في مطلعها: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
حيث أن هذه القصيدة، نفض عنها الغبار، مرة أخرى، ليعاد إليها الاعتبارالحقيقي، بعد حوالي ثمانين عاماً، إذ صار يرددهاأبناء الشعب التونسي، في ساحات التحرير، بل أن صداها تجاوزمرة أخرى، الرقعة الجغرافية التي كتبت فيها، لتردد في ساحات أخرى،مماثلة، من بلدان أخرى، وكأنها تكتب للتو، بل وكأن الشاعرالشابي، مواطن اللحظة، يتفاعل مع الحدث الكبير، الحدث الذي يعد إحدى العلامات الفاصلة،في مطلع الألفية الثالثة، لاسيما وأن كوابيس ثقيلة، كانت بلدان كثيرة ترزح تحت كلكلها، قد انزاحت، وأن هناك كوابيس أخرى، في طريقهاإلى الزوال الأكيد، وأن بوارق الأمل قيد ترجماتها الكبرى. ولم يبق التواصل مع الشعرالغنائي، في حدود الذاكرة الإبداعية، بل إن نصاً غنائياً جديداً، بدأ ينشد، شفاهاً، قبل أن يكتب، حيث تطلقه الحناجر، ليكون لها صداه،وألقه، وفعله، وسطوته،يمارس دوره على أسطع صورة، حيث تشدُّ هيولاه، من أزرالجماهيرالعظيمة التي تردِّده، ناهيك عن أن من شأنه، أن يبثَّ الذُّعر، والخوف، في قلوب الظالمين، والقتلة، أنى كانوا: كلّ الأشياء تبدو على حقيقتها المدن والناس الهتاف الزغاريد والتصفيق والأسماء التي نحب الحزن وحديث الناس والابتسامة مجرَّدة من كل ما كان يشوبها الطيور التي تبدووكأننا نتعرَّف عليها للتو إنَّه غطاءٌ شاحب وكئيب زال عن كلِّ ما حولنا كي تبدو الأشياء كما هي كي تبدو الأشياء على حقيقتها تماماً......!.
ولعلَّ القصيدة التي لم تعد وقفاً، على شاعرذي خصائص، ونعوت محددة، باتت تبعث في الناس كهرباءها الخاصة، تؤجِّج نفوسهم، تسرد لهم أشكال عذاباتهم الطويلة، وآمالهم، وهي تتطلع إلى صناعة الحلم، عبر طريق واضحة المعالم، بل أن هناك قصائد مغنَّاة، يكتبها الطفل، والشاب، والكهل، والشيخ، والرجل، أوالمرأة، بل ربما أن هناك قصيدة مغناة، يكتبها كل هؤلاء، في آن واحد، ولعل هذا-تحديداً-ما يدفع بالشاعرإلى أن يرجىء كتابة نصه، عما يدورحوله، أوألا يرتقي هذا النص، في ما لوكتب إلى مقام النص الذي يفعل فعله، ويردِّده الكباروالصغار،معاً: للمرَّة الأولى أكتشف كيمياء الكلمة وهي تمارس اللعب في مختبر يتناوب عليه جميعهم صانعين قصيدة هي قصيدة الحياة الحياة كما تحلو لهم...!
القصيدة المغناة وساحات التحرير إبراهيم اليوسف إيه طفلي الصغير أيان تكن وأنت تردِّد أرجوزتك الجميلة بلثغتك يتردد صداها في ست جهات العالم يصطاد لقطتك بعدساته وأنت في مرمى منظار القنّاصة في كل مكان..! "مقطع من نص لم يكتمل لشاعرجوال" يؤكد الشعر، يوماً بعد آخر، أن لا مناص من الاستغناء عنه البتَّة، مهما أوغل الزمان، في إبداع فنونه، واختراعاته، واكتشافاته، وفتوحاته العظمى، مادام أنه أبو الفنون، بل وسيِّدها، وهوأول فنِّ ترنم به الإنسان الأول، كاتباً قصيدته الأولى، القصيدة التي لما تزل تواصل كتابتها، على أيدي الشعراء، على اختلاف العصور والأمكنة، واللغات..!. وإذا كان في عالم الإبداع، المدوّن، والمنطوق، نوعان من الكتابة،والفن، فإن أحد هذين الإبداعين، ليتجسد، في النثر، والآخرفي الشعر، فهما وجها إبداع الكلمة، وبينهما الكثير من نقاط الاختلاف، والاتفاق، وإن كانا-معاً-مفتوحين، على الجمال، كل وفق خصائصه، وصفاته، وأدواته، فإن كل نوع من هذين النوعين لابدَّ له من أن تكون له وظيفته الجمالية،والدِّلالية، وهوما يحققه كل منهما، من جهته على حدِّ سواء. بيد أنه، وللحقيقة، لابدَّ من تأكيد مسألة مهمة، وهي أننا لوعدنا إلى الأمثلة الشاخصة، في التاريخ، لوجدنا أن الإنسان، كان، ولايزال، يلجأ في أفراحه وأتراحه، وفي الحروب، والملمَّات، والأحداث العظمى، إلى الشعر، لأنه خيرمن يعبر عن خلجات النفس، ويفتح نوافذ الجمال، على مصاريعها، في الجهات، كافة، ناهيك، عن أنه يمتلك خصاله الكريمة، ليكون بذلك الأكثرحضوراً، بل والأكثر تأثيراً، وسطوةً، وسحراً، من سواه، ولهذا فإن أيَّ سرد، يعول عليه سارده، أن يكون له مثل تلك الصفات، المشارإليها، فإنه كان ليقدم نفسه، في إهاب الشعر، آخذاً عنه بعض خصائصه، ليؤدي مثل ذلك الدور. ونحن لو عدنا إلى سرديات مثل هذه المناسبات جميعها، فإننا لنقع فيها على القاسم المشترك الأعظمي مع الشعر، وفي مقدمة هذا المشترك، الخيال، الإيقاع، اللغة..إلخ، ولعلَّ في بعض خطب القادة العظام التي استظهرناها، مايبين مثل هذا الأمر، لذلك، فإنها، وبالرغم، من طول الشريط الزماني الذي يربطنا بها،لا تزال ممسكة، بسحرها، وتأثيرها، وكأنها قد كتبت اللحظة. والشعرنفسه، قديمُه، وجديدُه، أمام امتحان الغنائية، نوعان، فمنه، من يسلس على الغناء، وتستسيغه الأذواق، والنفوس، وتهفو إليه القلوب، وتطرب له الآذان، وتتقبله الأرواح، لتحلِّق معه، عالياً، بيد أن هناك قصائد أقلَّ غنائية، بل هي معدومة الغنائية، حتى وإن كانت تمتلك شرطها الإبداعي، ولعلَّ هذا النوع من القصائد، هو الأبقى، و الأكثر التصاقاً بأرواح مبدعيه، كما هو الأقرب التصاقاً بأرواح جمهرات متلقيه، على اختلاف عاملي المكان، والزمان. لذلك، فإن نصوصاً كثيرة، لانزال نستظهرها، جميعاً، منذ طفولاتنا الأولى، إلى الآن، وينشدها كل منا، لتظل محافظة على ألقها الإبداعي، وكأنها ابنة اللحظة، ِدلالة، وجمالية، وعذوبة.
أرومة أولى: لابدَّ من معرفة، أمرعلى درجة كبرى من الأهمية، وهوأن الإنسان الأول الذي استمع إلى وقع حديثه، أوصداه، مرنَّماً، في حالات ما، وبات ُيعنى به، ويكرره، راسماُ أحلامه، معرباً عنها، أومتناولاً الموضوعات الكبرى التي تمسّه، تبعاً لحاجاته اليومية، على اختلاف جوانبها، وهي غالباً ذاتية، أوتتعلق بالجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها. وإن هذا الاكتشاف الأول من قبله، للبعد الإيقاعي، في مجرد الأصوات، والترنيمات، الأولى، قاده إلى مسألة وضع اللَّبِنات الإيقاعية، في ذاته، بالتساوق مع العامل النفسي، ضمن مدى اكتشاف أكبر، من قبله، للجمال. و الغنائية، مصطلحاً، صنو الشعر، أو هي الشعرنفسه، بحسب أمَّات النظريات النقدية الأولى، وإن كان هذا المفهوم، سينظرإليه، في مابعد، وعلى ضوء بعض النظريات الشعرية الجديدة، اللاحقة، على أنه بات من مستلزمات النص التقليدي، وإن النص الجديد قد تجاوزه، كي يعاد إليه الاعتبارلاحقاً، في دورة منصفة، حقاً...
الغنائية في خطِّ سيرها البياني: وإذا كانت الغنائية، بين الواقع والتنظير، قد ظلت حالة، ذات حضورخاص، فإنه لمن الضروري الإشارة، إلى أن أول منظِّرللغنائية، هوالشاعرذاته، لاسيَّما عندما يجد أن هذا الشكل الشعري، إنما الأكثرقدرة على التعبير، عن تأجج عاطفته، وهي تصل مرحلة ذروتها، سواء أكانت في حالة الفرح، أوفي حالة الحزن،والألم، إذ تستطيع-هنا-أن تترجم أحاسيس الشاعر، ومشاعره، في مرايا، شديدة الحساسية، والنَّصاعة، إنها صدى غليان روحه، في مرجل النفس، وفق تفاعلها مع اللحظة الزمانية. لذلك، فإن هذه القصيدة، تأتي ذاتية، قصيرة، يهيمن عنصرالموسيقا فيها، على سواه، وهي الموسيقا الصافية التي رآها ليبنتز"1646-1716" أفضل من موسيقا الآلات..!. وبدهيٌٌََ، أن الرومانسية، قد أعادت الاعتبارإلى الغنائية، حيث كانت أحد الشروط التي ينبغي على القصيدة أن تعتمدها، وإن كان بعض النظريات الحديثة، التي ستلي هذه المرحلة، يحاول تقويضها، لئلا يهيمن الجرس الموسيقي على المكونات الأكثرحساسية، وتكويناً للنص الشعري، ولئلا يتم التفاعل مع النص، عبرهيمنة مجرد عنصرواحد، على حساب العناصرالأخرى، إذ رأى بعضهم، أن دورالإيقاع، يجب أن يكون ضمن حدوده العادية.
النص الخالد: في ما لودققنا، في القصيدة الغنائية، عبرالتاريخ الإبداعي، وإلى هذه اللحظة، مقارنة بغيرها، من النصوص الشعرية، على اختلاف تصانيفها، وأشكالها، وأنواعها، لوجدنا، أنها من بين النصوص الأكثرحظوة، في تفاعل الناس معها، جيلاً بعد جيل، حيث أنها شفافة، سلسة، متداولة، تتناقلها الألسن، هاهو حسان بن ثابت، الذي استحثَّه الرسول، ذات يوم، ليذود عن الإسلام: ب"لسانه" كما يذود عنه ب" سنانه"، فراح يترجم مهمَّته، مدفوعاً ب"الروح القدس"، يقول: تغنَّ بالشعر إمَّا كنت قائله إن الغناء لهذا الشعرمضمار وإذا كان النصُّ الغنائيُّ، يختصرطريقه، إلى ألسنة الناس، كي تلهج به، أفئدتهم، وتهفوإليه الأرواح، فإن هذا النص، لايبقى في حدود النشيد، فحسب، بل إنه ليتحوَّل إلى أغنية، يصدح بها الناس،ولعلَّ هذا النمط من النصوص، إنماهو ليس مشروع أغنية، فحسب، يأتي الملحن كي يعيد خلقها، وفق رؤيته الجمالية، بل إنها-غالباً-ما تقترح ألحانها، في انتظارتلك الحنجرة التي تبث فيها الحياة، مرة أخرى، كي يكون النص الشعري، مشروعاً مشتركاً بين الشاعروالمغنِّي، وما أكثرهذه الأغاني التي جمعت بين الشعراء، ونجوم الغناء، كي يتركوا لنا ملاحم غنائية، خالدة، ستظلُّ محافظة، على تأثيرها، وجمالها، وقدرتها، على أسرالنفس، وتطهيرالروح، وهوما يحدث مع الأغنية الخالدة، الأغنية التي لايمكن لدورة الزمان أن تقلل من جدواها الإبداعية.ناهيك عن أنها-وبسبب شفافيتها وسلاستها وبساطتها وقبل ذلك عنصرالموسيقا- الأكثراستظهاراً،وهي الأقرب للمتلقي، وللشاعر، بل أنها الأكثرتجسيراً بينهما، من جهة، وبينهما والحياة من جهة أخرى، وهذا ما جعل نصوص الإنسان المغناة، منذسالف العصور، وإلى الآن، تفرض ظلال ميدعها، وأصداء همسه، وأنينه، وغبطته، في كل مكان، ناهيك عن محافظتها على رذاذ صوته، وكأنه ابن اللحظة المعيشة ..! ترجمات حرفية: سأترك في جيب قميصي رسالة كتبتها البارحة لم تكن هناك وسيلة كي أوصلها إليك سريعاً غيرها رسالة فيها أشياء أقولها للمرة الأولى أشياء عن أمي وشقيقتي عن مكتبتي في منفرداتها الكرتونية أشجارالحديقة وعنوان المكان الذي تركت لك فيه هدية أخرى متواضعة أيضاً أعرف أنّها الهدية ما قبل الأخيرة لأنني غداً على موعد أكيد مع رصاصة ستخترق صدري لأبقى عندك اسماً تتباهين به يدل على رجل مخلص طالما أحبَّك بصدق ولم يجد شيئاً ثميناً يهديه إليك يؤكد خلاله أنك غالية، وعزيزة، وطاهرة وليس عنده غير روحه لتظل تكررذلك لك دائماً....! "نص لشاعر مجهول في إحدى ساحات التحرير" لأوَّل مرَّة أكتب قصيدتي جامعاً كلماتها من أفواه أصدقائي لأكتشف أنها تبني وطناً كاملاً...! وحقيقة، إنَّ ساحات التحرير، في ما عرف ب"الربيع العربي" في المنطقة، أعادت للشعرالغنائي أهميته، من جديد، فها هي القصيدة التي كتبها أبوالقاسم الشابي 1911-1934 والتي يقول في مطلعها: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
حيث أن هذه القصيدة، نفض عنها الغبار، مرة أخرى، ليعاد إليها الاعتبارالحقيقي، بعد حوالي ثمانين عاماً، إذ صار يرددهاأبناء الشعب التونسي، في ساحات التحرير، بل أن صداها تجاوزمرة أخرى، الرقعة الجغرافية التي كتبت فيها، لتردد في ساحات أخرى،مماثلة، من بلدان أخرى، وكأنها تكتب للتو، بل وكأن الشاعرالشابي، مواطن اللحظة، يتفاعل مع الحدث الكبير، الحدث الذي يعد إحدى العلامات الفاصلة،في مطلع الألفية الثالثة، لاسيما وأن كوابيس ثقيلة، كانت بلدان كثيرة ترزح تحت كلكلها، قد انزاحت، وأن هناك كوابيس أخرى، في طريقهاإلى الزوال الأكيد، وأن بوارق الأمل قيد ترجماتها الكبرى. ولم يبق التواصل مع الشعرالغنائي، في حدود الذاكرة الإبداعية، بل إن نصاً غنائياً جديداً، بدأ ينشد، شفاهاً، قبل أن يكتب، حيث تطلقه الحناجر، ليكون لها صداه،وألقه، وفعله، وسطوته،يمارس دوره على أسطع صورة، حيث تشدُّ هيولاه، من أزرالجماهيرالعظيمة التي تردِّده، ناهيك عن أن من شأنه، أن يبثَّ الذُّعر، والخوف، في قلوب الظالمين، والقتلة، أنى كانوا: كلّ الأشياء تبدو على حقيقتها المدن والناس الهتاف الزغاريد والتصفيق والأسماء التي نحب الحزن وحديث الناس والابتسامة مجرَّدة من كل ما كان يشوبها الطيور التي تبدووكأننا نتعرَّف عليها للتو إنَّه غطاءٌ شاحب وكئيب زال عن كلِّ ما حولنا كي تبدو الأشياء كما هي كي تبدو الأشياء على حقيقتها تماماً......!.
ولعلَّ القصيدة التي لم تعد وقفاً، على شاعرذي خصائص، ونعوت محددة، باتت تبعث في الناس كهرباءها الخاصة، تؤجِّج نفوسهم، تسرد لهم أشكال عذاباتهم الطويلة، وآمالهم، وهي تتطلع إلى صناعة الحلم، عبر طريق واضحة المعالم، بل أن هناك قصائد مغنَّاة، يكتبها الطفل، والشاب، والكهل، والشيخ، والرجل، أوالمرأة، بل ربما أن هناك قصيدة مغناة، يكتبها كل هؤلاء، في آن واحد، ولعل هذا-تحديداً-ما يدفع بالشاعرإلى أن يرجىء كتابة نصه، عما يدورحوله، أوألا يرتقي هذا النص، في ما لوكتب إلى مقام النص الذي يفعل فعله، ويردِّده الكباروالصغار،معاً: للمرَّة الأولى أكتشف كيمياء الكلمة وهي تمارس اللعب في مختبر يتناوب عليه جميعهم صانعين قصيدة هي قصيدة الحياة الحياة كما تحلو لهم...!
القصيدة المغناة وساحات التحرير إبراهيم اليوسف إيه طفلي الصغير أيان تكن وأنت تردِّد أرجوزتك الجميلة بلثغتك يتردد صداها في ست جهات العالم يصطاد لقطتك بعدساته وأنت في مرمى منظار القنّاصة في كل مكان..! "مقطع من نص لم يكتمل لشاعرجوال" يؤكد الشعر، يوماً بعد آخر، أن لا مناص من الاستغناء عنه البتَّة، مهما أوغل الزمان، في إبداع فنونه، واختراعاته، واكتشافاته، وفتوحاته العظمى، مادام أنه أبو الفنون، بل وسيِّدها، وهوأول فنِّ ترنم به الإنسان الأول، كاتباً قصيدته الأولى، القصيدة التي لما تزل تواصل كتابتها، على أيدي الشعراء، على اختلاف العصور والأمكنة، واللغات..!. وإذا كان في عالم الإبداع، المدوّن، والمنطوق، نوعان من الكتابة،والفن، فإن أحد هذين الإبداعين، ليتجسد، في النثر، والآخرفي الشعر، فهما وجها إبداع الكلمة، وبينهما الكثير من نقاط الاختلاف، والاتفاق، وإن كانا-معاً-مفتوحين، على الجمال، كل وفق خصائصه، وصفاته، وأدواته، فإن كل نوع من هذين النوعين لابدَّ له من أن تكون له وظيفته الجمالية،والدِّلالية، وهوما يحققه كل منهما، من جهته على حدِّ سواء. بيد أنه، وللحقيقة، لابدَّ من تأكيد مسألة مهمة، وهي أننا لوعدنا إلى الأمثلة الشاخصة، في التاريخ، لوجدنا أن الإنسان، كان، ولايزال، يلجأ في أفراحه وأتراحه، وفي الحروب، والملمَّات، والأحداث العظمى، إلى الشعر، لأنه خيرمن يعبر عن خلجات النفس، ويفتح نوافذ الجمال، على مصاريعها، في الجهات، كافة، ناهيك، عن أنه يمتلك خصاله الكريمة، ليكون بذلك الأكثرحضوراً، بل والأكثر تأثيراً، وسطوةً، وسحراً، من سواه، ولهذا فإن أيَّ سرد، يعول عليه سارده، أن يكون له مثل تلك الصفات، المشارإليها، فإنه كان ليقدم نفسه، في إهاب الشعر، آخذاً عنه بعض خصائصه، ليؤدي مثل ذلك الدور. ونحن لو عدنا إلى سرديات مثل هذه المناسبات جميعها، فإننا لنقع فيها على القاسم المشترك الأعظمي مع الشعر، وفي مقدمة هذا المشترك، الخيال، الإيقاع، اللغة..إلخ، ولعلَّ في بعض خطب القادة العظام التي استظهرناها، مايبين مثل هذا الأمر، لذلك، فإنها، وبالرغم، من طول الشريط الزماني الذي يربطنا بها،لا تزال ممسكة، بسحرها، وتأثيرها، وكأنها قد كتبت اللحظة. والشعرنفسه، قديمُه، وجديدُه، أمام امتحان الغنائية، نوعان، فمنه، من يسلس على الغناء، وتستسيغه الأذواق، والنفوس، وتهفو إليه القلوب، وتطرب له الآذان، وتتقبله الأرواح، لتحلِّق معه، عالياً، بيد أن هناك قصائد أقلَّ غنائية، بل هي معدومة الغنائية، حتى وإن كانت تمتلك شرطها الإبداعي، ولعلَّ هذا النوع من القصائد، هو الأبقى، و الأكثر التصاقاً بأرواح مبدعيه، كما هو الأقرب التصاقاً بأرواح جمهرات متلقيه، على اختلاف عاملي المكان، والزمان. لذلك، فإن نصوصاً كثيرة، لانزال نستظهرها، جميعاً، منذ طفولاتنا الأولى، إلى الآن، وينشدها كل منا، لتظل محافظة على ألقها الإبداعي، وكأنها ابنة اللحظة، ِدلالة، وجمالية، وعذوبة.
أرومة أولى: لابدَّ من معرفة، أمرعلى درجة كبرى من الأهمية، وهوأن الإنسان الأول الذي استمع إلى وقع حديثه، أوصداه، مرنَّماً، في حالات ما، وبات ُيعنى به، ويكرره، راسماُ أحلامه، معرباً عنها، أومتناولاً الموضوعات الكبرى التي تمسّه، تبعاً لحاجاته اليومية، على اختلاف جوانبها، وهي غالباً ذاتية، أوتتعلق بالجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها. وإن هذا الاكتشاف الأول من قبله، للبعد الإيقاعي، في مجرد الأصوات، والترنيمات، الأولى، قاده إلى مسألة وضع اللَّبِنات الإيقاعية، في ذاته، بالتساوق مع العامل النفسي، ضمن مدى اكتشاف أكبر، من قبله، للجمال. و الغنائية، مصطلحاً، صنو الشعر، أو هي الشعرنفسه، بحسب أمَّات النظريات النقدية الأولى، وإن كان هذا المفهوم، سينظرإليه، في مابعد، وعلى ضوء بعض النظريات الشعرية الجديدة، اللاحقة، على أنه بات من مستلزمات النص التقليدي، وإن النص الجديد قد تجاوزه، كي يعاد إليه الاعتبارلاحقاً، في دورة منصفة، حقاً...
الغنائية في خطِّ سيرها البياني: وإذا كانت الغنائية، بين الواقع والتنظير، قد ظلت حالة، ذات حضورخاص، فإنه لمن الضروري الإشارة، إلى أن أول منظِّرللغنائية، هوالشاعرذاته، لاسيَّما عندما يجد أن هذا الشكل الشعري، إنما الأكثرقدرة على التعبير، عن تأجج عاطفته، وهي تصل مرحلة ذروتها، سواء أكانت في حالة الفرح، أوفي حالة الحزن،والألم، إذ تستطيع-هنا-أن تترجم أحاسيس الشاعر، ومشاعره، في مرايا، شديدة الحساسية، والنَّصاعة، إنها صدى غليان روحه، في مرجل النفس، وفق تفاعلها مع اللحظة الزمانية. لذلك، فإن هذه القصيدة، تأتي ذاتية، قصيرة، يهيمن عنصرالموسيقا فيها، على سواه، وهي الموسيقا الصافية التي رآها ليبنتز"1646-1716" أفضل من موسيقا الآلات..!. وبدهيٌٌََ، أن الرومانسية، قد أعادت الاعتبارإلى الغنائية، حيث كانت أحد الشروط التي ينبغي على القصيدة أن تعتمدها، وإن كان بعض النظريات الحديثة، التي ستلي هذه المرحلة، يحاول تقويضها، لئلا يهيمن الجرس الموسيقي على المكونات الأكثرحساسية، وتكويناً للنص الشعري، ولئلا يتم التفاعل مع النص، عبرهيمنة مجرد عنصرواحد، على حساب العناصرالأخرى، إذ رأى بعضهم، أن دورالإيقاع، يجب أن يكون ضمن حدوده العادية.
النص الخالد: في ما لودققنا، في القصيدة الغنائية، عبرالتاريخ الإبداعي، وإلى هذه اللحظة، مقارنة بغيرها، من النصوص الشعرية، على اختلاف تصانيفها، وأشكالها، وأنواعها، لوجدنا، أنها من بين النصوص الأكثرحظوة، في تفاعل الناس معها، جيلاً بعد جيل، حيث أنها شفافة، سلسة، متداولة، تتناقلها الألسن، هاهو حسان بن ثابت، الذي استحثَّه الرسول، ذات يوم، ليذود عن الإسلام: ب"لسانه" كما يذود عنه ب" سنانه"، فراح يترجم مهمَّته، مدفوعاً ب"الروح القدس"، يقول: تغنَّ بالشعر إمَّا كنت قائله إن الغناء لهذا الشعرمضمار وإذا كان النصُّ الغنائيُّ، يختصرطريقه، إلى ألسنة الناس، كي تلهج به، أفئدتهم، وتهفوإليه الأرواح، فإن هذا النص، لايبقى في حدود النشيد، فحسب، بل إنه ليتحوَّل إلى أغنية، يصدح بها الناس،ولعلَّ هذا النمط من النصوص، إنماهو ليس مشروع أغنية، فحسب، يأتي الملحن كي يعيد خلقها، وفق رؤيته الجمالية، بل إنها-غالباً-ما تقترح ألحانها، في انتظارتلك الحنجرة التي تبث فيها الحياة، مرة أخرى، كي يكون النص الشعري، مشروعاً مشتركاً بين الشاعروالمغنِّي، وما أكثرهذه الأغاني التي جمعت بين الشعراء، ونجوم الغناء، كي يتركوا لنا ملاحم غنائية، خالدة، ستظلُّ محافظة، على تأثيرها، وجمالها، وقدرتها، على أسرالنفس، وتطهيرالروح، وهوما يحدث مع الأغنية الخالدة، الأغنية التي لايمكن لدورة الزمان أن تقلل من جدواها الإبداعية.ناهيك عن أنها-وبسبب شفافيتها وسلاستها وبساطتها وقبل ذلك عنصرالموسيقا- الأكثراستظهاراً،وهي الأقرب للمتلقي، وللشاعر، بل أنها الأكثرتجسيراً بينهما، من جهة، وبينهما والحياة من جهة أخرى، وهذا ما جعل نصوص الإنسان المغناة، منذسالف العصور، وإلى الآن، تفرض ظلال ميدعها، وأصداء همسه، وأنينه، وغبطته، في كل مكان، ناهيك عن محافظتها على رذاذ صوته، وكأنه ابن اللحظة المعيشة ..! ترجمات حرفية: سأترك في جيب قميصي رسالة كتبتها البارحة لم تكن هناك وسيلة كي أوصلها إليك سريعاً غيرها رسالة فيها أشياء أقولها للمرة الأولى أشياء عن أمي وشقيقتي عن مكتبتي في منفرداتها الكرتونية أشجارالحديقة وعنوان المكان الذي تركت لك فيه هدية أخرى متواضعة أيضاً أعرف أنّها الهدية ما قبل الأخيرة لأنني غداً على موعد أكيد مع رصاصة ستخترق صدري لأبقى عندك اسماً تتباهين به يدل على رجل مخلص طالما أحبَّك بصدق ولم يجد شيئاً ثميناً يهديه إليك يؤكد خلاله أنك غالية، وعزيزة، وطاهرة وليس عنده غير روحه لتظل تكررذلك لك دائماً....! "نص لشاعر مجهول في إحدى ساحات التحرير" لأوَّل مرَّة أكتب قصيدتي جامعاً كلماتها من أفواه أصدقائي لأكتشف أنها تبني وطناً كاملاً...! وحقيقة، إنَّ ساحات التحرير، في ما عرف ب"الربيع العربي" في المنطقة، أعادت للشعرالغنائي أهميته، من جديد، فها هي القصيدة التي كتبها أبوالقاسم الشابي 1911-1934 والتي يقول في مطلعها: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر
حيث أن هذه القصيدة، نفض عنها الغبار، مرة أخرى، ليعاد إليها الاعتبارالحقيقي، بعد حوالي ثمانين عاماً، إذ صار يرددهاأبناء الشعب التونسي، في ساحات التحرير، بل أن صداها تجاوزمرة أخرى، الرقعة الجغرافية التي كتبت فيها، لتردد في ساحات أخرى،مماثلة، من بلدان أخرى، وكأنها تكتب للتو، بل وكأن الشاعرالشابي، مواطن اللحظة، يتفاعل مع الحدث الكبير، الحدث الذي يعد إحدى العلامات الفاصلة،في مطلع الألفية الثالثة، لاسيما وأن كوابيس ثقيلة، كانت بلدان كثيرة ترزح تحت كلكلها، قد انزاحت، وأن هناك كوابيس أخرى، في طريقهاإلى الزوال الأكيد، وأن بوارق الأمل قيد ترجماتها الكبرى. ولم يبق التواصل مع الشعرالغنائي، في حدود الذاكرة الإبداعية، بل إن نصاً غنائياً جديداً، بدأ ينشد، شفاهاً، قبل أن يكتب، حيث تطلقه الحناجر، ليكون لها صداه،وألقه، وفعله، وسطوته،يمارس دوره على أسطع صورة، حيث تشدُّ هيولاه، من أزرالجماهيرالعظيمة التي تردِّده، ناهيك عن أن من شأنه، أن يبثَّ الذُّعر، والخوف، في قلوب الظالمين، والقتلة، أنى كانوا: كلّ الأشياء تبدو على حقيقتها المدن والناس الهتاف الزغاريد والتصفيق والأسماء التي نحب الحزن وحديث الناس والابتسامة مجرَّدة من كل ما كان يشوبها الطيور التي تبدووكأننا نتعرَّف عليها للتو إنَّه غطاءٌ شاحب وكئيب زال عن كلِّ ما حولنا كي تبدو الأشياء كما هي كي تبدو الأشياء على حقيقتها تماماً......!.
ولعلَّ القصيدة التي لم تعد وقفاً، على شاعرذي خصائص، ونعوت محددة، باتت تبعث في الناس كهرباءها الخاصة، تؤجِّج نفوسهم، تسرد لهم أشكال عذاباتهم الطويلة، وآمالهم، وهي تتطلع إلى صناعة الحلم، عبر طريق واضحة المعالم، بل أن هناك قصائد مغنَّاة، يكتبها الطفل، والشاب، والكهل، والشيخ، والرجل، أوالمرأة، بل ربما أن هناك قصيدة مغناة، يكتبها كل هؤلاء، في آن واحد، ولعل هذا-تحديداً-ما يدفع بالشاعرإلى أن يرجىء كتابة نصه، عما يدورحوله، أوألا يرتقي هذا النص، في ما لوكتب إلى مقام النص الذي يفعل فعله، ويردِّده الكباروالصغار،معاً: للمرَّة الأولى أكتشف كيمياء الكلمة وهي تمارس اللعب في مختبر يتناوب عليه جميعهم صانعين قصيدة هي قصيدة الحياة الحياة كما تحلو لهم...!
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشيجُ الحولة نشيد التحول
-
دعوة من القلب لوحدة رسل الكلمة الكردية..!
-
عبدالرحمن آلوجي: لاترحل الآن ..!
-
السِّيرة الذَّاتيَّة: مفتاح لابدَّ منه لولوج عالم المبدع
-
أسس الحوارالثقافي
-
المقدِّمة الخاطئة:
-
تلفزيون2
-
رابطة الكتاب والصحفيين الكرد ومنظمة صحفيون بلا صحف الفرنسية
...
-
نصف الحقيقة2
-
طهرانية الكلمة
-
حوارية الكتابة والصورة
-
قواسم الكردي العظمى:قراءة عاجلة في مدوَّنة باب -جامع قاسمو-
-
أدباؤنا الراحلون: كيف نخلد ذكراهم؟؟
-
سقوط المثقف
-
النص الكامل لمحاكمة الشاعرة والشاعر:دفوعات الصوروإدانات الخي
...
-
بعد أربعة عشرعاماً على رحيله:نزارقباني الشاعرالأكثرحضوراً..!
-
الطفل والسياسة
-
ثقافة الطفل وتحديات التكنولوجيا
-
أكرم كنعو في عليائه هناك..!
-
سورياإلى أين؟ -2
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|