|
أطفال القرنفل في مدينة لا أنف لها ؟؟
أم الزين بنشيخة المسكيني
الحوار المتمدن-العدد: 3740 - 2012 / 5 / 27 - 01:18
المحور:
كتابات ساخرة
أطفال القرنفل في مدينة لا أنف لها ؟؟؟ ها أنت جالس تترشف قهوتك الثورية في قهوة " العالم "..مساءا في سبت يشبه كل الأسبات .و في عاصمة لم يعرف فيها الله بعدُ طريقه الى الراحة .. حلال عليك أن تنظر قبل قدوم فتاوى جديدة تحرم عليك التحديق جيّدا ..ها أنت محاصر .. يحدق بك ابن خلدون شرقا و الكنيسة غربا ..و تتربص بك وزارة الداخلية عرضا ..و يراودك على نفسك نزل افريقيا طولا ..و تناديك الخمّارة يسارا ..وتشمت فيك بنوك الخليج يمينا ..و بينما أنت شارد بين الجهات تقطّعك السبل و تعبث بك أسعار اللحوم التي لن تقدر على شراءها هذا الأحد ، يفاجئك طفل القرنفل يمدّ لك قرنفلة مقابل دينار واحد ..أراك تلّفت عنه وجهك قائلا : "لا ينقصني غير القرنفل ".. و أراها الى جانبك تدخن سيجارة من النوع الفاخر ..تنفث دخانها عاليا و تصعّر خدّها لطفل القرنفل ..هي ليس لها أنف للقرنفل ..لأنّ رئتيها امتلئتا بعدُ بزهور التبغ الأسود ..و هو ليس له عقل للقرنفل و لا قلب لأطفال القرنفل .. و في الطاولة المقابلة يحتدّ النقاش حول الديمقراطية و المديونية ..و يعلو صوت أحدهم يجرّم التطبيع ..و آخر يجرّم الامبريالية .. و آخر يكفّر الحداثيين ..و يجرّم الشيوعيين ..لكن لا أحد فيهم كان يجرّم وقوف" سامي" على الطاولة يستجدي قوت يومه من قرنفلة لم تكن تدري في أيّ أنف ستمسي ..و الى أيّ وجهة سياسية ستبيع عطرها هذه الليلة ..و في طاولة حذونا عائلة فيها طفلان يحتسيان مثلّجا فاخرا ثمنه خمسة دنانير في صحفة فاخرة مزينة بغلال الفصل ..يقف بائع القرنفل حذو المثلّج الفاخر ..ينهرونه في برود كأنّه لا ينتمي الى جلودهم ..وترتسم للتوّ هاوية عميقة بين طفل المثلّج و طفل القرنفل ..ور تعبث الأقدار بالطفلين كأنّ شيطانا ماكرا دخل بينهما لزرع الحقد في طفولة لا تتقن غير اللعب و الحلم ... سامي طفل في العاشرة من عمُره كبُر قبل الأوان ..كان يصغر كل هؤلاء المتملقين الجالسين الى السبت العاطل عن العمل..يصغرهم سنّا و يكبرهم فقرا ..يصغرهم جسدا ..و يكبرهم عقلا ..يصغرهم نفاقا و يكبرهم صدقا ..و في عينيه كل الطفولة براءة و حلما ..و كل الطفولة خوفا من مستقبل لا شيء فيه غير الذرّات و الفراغ . وصل سامي الى طاولتي ..سألته من أين أنت قادم ؟" أجاب : "جئت صباحا من زغوان" سألته : "هل أنت وحدك؟ "أجاب : "أخي معي وهو الآن يبيع القرنفل في شارع آخر" ..يومها اشتريت من سامي قرنفلة بدينار واحد.. على وزن لقطة سينمائية كلكم يذكرها من فيلم الرسالة . سأل قريشي "بكم هذا الالاه؟"أجابه بائع الأصنام : "بدينارين ".. ردّ القريشي ضاحكا : "تجارة الآلهة كاسدة هذه الأيام ..لن أشتريه الاّ بدينار واحد " ..و أظنّ أنّه لم يشتريه ..لكنّني اشتريت القرنفلة بدينار كان بوسعه أن يشتري في زمن آخر الاها برمّته ..بمؤمنيه و بملحديه سامي ينتمي الى طبقة خاصة هي طبقة باعة القرنفل ..وهو أيضا ينتمي الى عائلة أكبر هي عائلة أطفال شرّدهم البؤس الذي استفحل في بلادنا و الذي احتدّت مظاهره و اشتدّت ..فصار لنا أطفال المناديل يبيعون المناديل الورقية لأصحاب السيّا رات الذين يحرصون على نقودهم البائسة و على نفاقهم الاجتماعي و على تنكرهم للطبقات التي لا تتعشى ..و لنا أطفال العلكات و أطفال العلب البلاستيكية يلتقطونها من المزابل ..و لنا أطفال القُمامة يبحثون في مزابل من شبعوا عمّا يسدّون به رمق الجوع .. و لنا أطفال مهدّدون بالتشرّد اذا ما وقع التراجع في قانون التبنّي .. و لنا من الأطفال من هو مرمي كالقمامة أمام الكنيسة رأيته بأمّ عيني هذا السبت في الشارع الرئيسي ملقى أرضا ربّما تحت تأثير المخدّرات . .قلت في نفسي : أين الدولة ؟ أليس لها آذان حتى تسمع و أعين حتى ترى..هذا يقصّون يده حذو القبر بدافع الاسلام و ذاك يهدّدونه بالقتل بدافع الاسلام ..و دماء تُهدر و أرقاب ستقطع.. و لنا حالات احتراق قصدي لشباب يئس من فرط ادمانه على العطالة عن العمل ..و هاهم لا ينفكّون يعيّنون المديرين و يوسّمون الكراسي ..و يحسبون الدولة معتمدين و ولاّة و مديرين جُدد ..أيّ مدير ستعينونه على أطفال القرنفل ؟ من أيّ حزب سيكون الوالي على أطفال المخدّرات ؟؟أيّ وزير ستعينونه على أطفال الشوارع أين الدولة و أين الشعب ؟أم هو لا يظهر الاّ في الانخابات القادمة .. وهي لا تكون سافرة و ماهرة الاّ حين يفزع الناس مطالبين بالحرية و الشغل و الكرامة الوطنية.... لنا الكثير من البؤس ..و تنقصنا أخلاق التقاسم و عقلية الاشتراك ..و لنا الكثير من الغطرسة و داء الاستبداد ...لنا الكثير من حالات الخزي لمن له نفسا ليخجل ..أمّا من ليس له غير شخصه الأناني الهزيل فيُحشر في هذه أعمى و في تلك أعمى ....و لمن تحرقصين يومئذ يا زوجة الأعمى ..أكثري من الزغاريد في غياب الكسكسي ..فالعالم أرحب ..
#أم_الزين_بنشيخة_المسكيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لم يكن السجن يفرّق بينهم
-
تسمع جعجعة و لا ترى الاّ طحينا ...
-
كم من بغداد ستلد نساؤكم ....؟
-
ترسم شمسا
-
الفن والأمل...(سيرة فلسفية مؤقتة)
-
أطفال من الكبريت الأحمر
-
ماسح السيارات في زمن القحط الديمقراطي ..
-
رقص عمومي ..
-
حذو الوطن
-
تراتيل على روح قديم ..
-
غازات الحكومة ..هديّة للشهداء
-
عذرا أيّها النهار ...
-
الفنّ و الحدث :مقاربة تأويلية
-
نجم و أغنية
-
قرابين الجحيم
-
كوميديا أبكت الجميع
-
أخاديد .
-
أيّها الحارق غرقا ..
-
جرحى السماء ..
-
رفقا بالمفاهيم ..
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|