أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجلة الحرية - قول في الثقافة والأدب الالتزام في قفص الأِتهام!!















المزيد.....


قول في الثقافة والأدب الالتزام في قفص الأِتهام!!


مجلة الحرية

الحوار المتمدن-العدد: 3739 - 2012 / 5 / 26 - 10:04
المحور: الادب والفن
    



حميد الحريزي – العراق
مر الأدب بمختلف أجناسه وفي المقدمة منه الشعر ، باعتباره من أقدم الفنون الأدبية التي عرفها الإنسان حين بدأت حياته تأخذ إيقاعا منتظما ، واخذ يتفاعل بشكل ايجابي واعي مع الظواهر البيئية والطبيعية المحيطة به ، وحين اخذ يكتسب المهارة والفطنة والذكاء ،و يميز بين الكائن الحي والجماد والنبات وأصبح قادرا على إنتاج قوته وأدوات عمله، بعد حصول تطور مشهود في قشرته المخية تبعا لتطور العمل المنتج ، مما طور لديه إمكانية التجريد وتطور لغته وامتلاكه بكم متزايد من المفردات اللغوية، إمكانية التشبيه والمقارنة بين الأشكال ، والظواهر ، طبعا كانت نصوصه الأولى تحمل طابعا غنائيا مكرر المقاطع ، كما هو تغريد الطيور،حافل بالصور الغرائبية واللامعقولة حسب فهمنا الحاضر ، في حين هو كان يراها طبيعية وحقيقية وواقعية ....
كانت النصوص البدائية الأولى تتغنى بالطبيعة وتتوسل آلهة متخيلة للريح والمطر والزوابع والأنهار والأشجار...الخ، ولكن المتتبع لتاريخ التطور الشعري يستطيع ان يلمس تحول في أغراض نصوصه ومنها تقديس أسياده ، كرؤساء القبائل ، والكهنة وأصحاب السطوة والقوة ووضعهم في مصاف الآلهة أو وكلائها ، حدث هذا في المراحل الأولى للانقسام الطبقي ما بعد المشاعي للمجتمعات البشرية وظهور الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ومنها الأرض ، ظهر اسلوب المديح والوصف والغزل لتمثل حيزا مهما في عالم الشعر تبعا للتطور الاقتصادي والتبدلات الحاصلة في علاقات الإنتاج.... الشاعر الذي يمتلك حيزا من الحرية يتغزل بالحبيبة وبالطبيعة ويبثها همومه وآماله وآلامه.... وحسب موقعه الطبقي((كيفما يعيش الناس يفكرون))...
خلال التطور البشري اللاحق أي بعد القرون الوسطى ودخول الإنسان الغربي في عصر التنوير ، استطعنا ان نقرأ ونسمع شعر الإنسان المقهور والمنتصر لحريته ورفاهه، وتمكن ان يخصص حيزا من شعره لهمومه الشخصية ،خصوصا في الفترة الرومانسية في الأدب ، بمختلف أجناسه.....
بما ان الصراع الطبقي وانقسام المجتمعات البشرية إلى مالك صاحب رأسمال والى عامل منتج مستلب ، إلى إقطاعي وفلاح ....الخ انقسم الأدباء والمبدعون، منهم من اصطف إلى جانب المقهورين والمستغلين والفقراء، إي في صف التنوير ومن ثم في صف الثورة والتغيير، والفريق الأخر وقف إلى جانب ذوي الثروة والجاه إي إلى صف الملوك والسلاطين وحواشيهم من المستغلين.....
وهنا لابد من الإشارة إلى وجود قيم عامة في المجتمع البشري ترافقه في جميع مراحل تطوره المختلفة وتترسخ وتكون بمثابة أعراف عامة في المجتمع اللا طبقي الموعود ... هذه القيم مثل الكرم ، الشجاعة ، الوفاء ، الإباء ، الصدق ...الخ ، إي إنها لا تتغير بتغير البنية الفوقية تبعا لتغير بنيته التحتية كما مبينة في الفكر الماركسي، ان هذه القيم نظرا لسموها ونبلها باعتبارها العلامة الفارقة للإنسان واهم الميزات التي تميزه عن عالم الحيوان وتنتصر لإنسانيته فهي بالضرورة منحازة لكرامة الإنسان وحريته وفرحه وسلامه، وهي على طول الخط ضد القبح والجوع والحرمان والخسة وامتهان كرامته وإذلاله ...
وهنا يتضح لنا مدى التداخل والتماهي والتشابك في القيم الطبقية بين فئة الأدباء بمختلف أصنافهم في قضية الانحياز لحرية الإنسان ، أي إنها غير مشروطة بانتماء الأديب إلى طبقة محددة بل منتميا لإنسانيته وقيمه التي تميزه كانسان فليس بالضرورة ان يكون المنتصر لقضية العامل والفلاح فلاحا أو عاملا أو من عموم طبقة المقهورين وليس بالضرورة ان يكون العامل والفلاح مصطفا مع طبقته ومدافعا عن حقوقها وقيمها، ان رحم الطبقات الفقيرة والمستغلة هو الأقدر والاحوج لنمو وتكامل القيم الإنسانية التي تدعو للعدل والمساواة بين بني البشر ولكن هذا لا يعني ان هذا الرحم لا يتعرض للإصابة بمرض خطير طارد لهذه القيم ، فعفنه ومرضه يكون تربة ووسط ملائم لبقاء وديمومة قيم الرذيلة والاستغلال إلى حد يصيره جلادا يعذب ويلاحق ويقتل من يعمل لتحريره ...
في العصر الحديث خلال الثورة الصناعية وطموح البرجوازية لانتزاع السلطة من قوى الإقطاع والاستيلاء على السلطة السياسية اكتسب هذا الاصطفاف صفة سياسية وأصبح يحمل ايدولوجيا محددة وفقا لموقعه من عملية الإنتاج مالك أم أجير ؟؟إي بين البرجوازية وأنصارها وبين قوى الإقطاع والملكية المطلقة وأنصارهم ؟؟ الذي حسم بهيمنة البرجوازية على السلطة فانتقل الصراع ليكون بين البرجوازية وبين نقيضها الجديد الطبقة العاملة وأنصارها ... فالمنهج الاشتراكي والشيوعي بمختلف مسمياته بادعائه تمثيل الطبقة العاملة وحلفائها في جانب وفي الجانب الآخر أنصار الطبقة الرأسمالية ومؤيديها .... بين أنصار العدل والمساواة وبين أنصار تأبيد الانقسام والتمايز الطبقي... ولذلك اصطبغ البعض باللون الأحمر وان لم ينتمي إذا كان يتغنى ببطولات الأحرار وينتصر لقضايا الطبقات الفقيرة والكادحة ... وفي الجانب الآخر تقنع أنصار الرأسمال بقناع المدافعين عن حق الإنسان في الملكية بدون حدود، الإنسان الفرد المتعالي على المجتمع وواقعه ومتطلبات رفاهه وأمانه .....
ولا شك ان الفريقين افرزا عددا غير قليل من المتطرفين والمتعجرفين اللذين هيمنت انحيازا تهم الايدولوجية على جمالية وفنية النصوص الأدبية فأخذت الكثير من جمالية وفنية النص الأدبي... خصوصا أثناء الحرب الساخنة والباردة بين الفريقين , بحيث اخذ مفهوم الالتزام يعني التزام الأديب بخط فكري وسياسي محدد ولا مكان للوسطية أو الإنسانية وخياراته الجمالية والفنية ولا مكان للفرد المبدع خارج الايدولوجيا والحزب الذي ينتمي إليه فتم تقسيم الأدب إلى ((أدب برجوازي وأدب اشتراكي))......
هذا الحال أدى إلى استفحال ظاهرة العقائدية الفجة في النصوص الأدبية على حساب جماليتها وفنيتها ، مما أثار تحفظ العديد من الأدباء، وظهور العديد من المدارس الأدبية والفنية ، التي اتصف قسما منها بالعبثية والعدمية واللا التزام والفن للفن ... الخ ،كل هذه المدارس والنزعات تبين غياب إنسانية الإنسان وانحيازه لأخيه الإنسان والدفاع عن كرامته وأمنه .... ان اغلب هذه المدارس إنما أتت كرد فعل غير واعي على عسف الانظمة الحاكمة سواء كانت تحكم باسم الرأسمال أو باسم العمال... وكما أشار إلى ذلك الروائي السوري حنا مينه قائلا:-
((اجتزأت مقولة الالتزام كما اجتزء بعضهم الآية (( لا تقربوا الصلاة ...)) توقفت عند جزء ، وفسرته، فضولا ومغالاة ، بما يتفق وهواها ، لتقيم من ثم المناحة على حرية الأديب وفرديته وخياله وذاتيته ، مستعيرة طناجر الطباخين ، العجزة، الذين يركبون الوجبات الأدبية بالنسب الرياضية للفكر والرغبات والأهواء، وشؤون القلب والنفس ، قائلة لنا:-
إليكم البينات على ان الالتزام يقتل الأديب وينزل به إلى حضيض الشعارات ))*
هذه المدارس وهذه التنظيرات الرافضة لكل التزام بدعوى الحفاظ عل جمالية الفن وعدم تاطيره بهموم الإنسان ،بل تدعو إلى تبني شطحاته وتهويماته وعدم تعلقه أو إيمانه بأية قيمة ، ليسبح في فضاء((الحرية)) و ((الحب)) و ((الفردية )) المتحللة من كل التزام إي ،كان الأديب مخلوق بدون قضية منقطع لا ينتمي إلى جنس البشر ولا يحس بإحساسهم!!!!!!!
ولاشك ان احد أسباب هذه الدعوات إنما هو تحويل معنى الالتزام من قبل بعض الأنظمة والمنظرين العقائديين إلى لافتات وشعارات تهتف بحياة الحزب والطبقة والقائد بشكل فج وساذج وغاية في المباشرة بدعوى تواصله مع الجماهير ... وهذا إنما هو فعل قتل وتسطيح للفكر الواقعي ((الاشتراكي)) باعتباره في أول الأمر وأخره حيز للحرية والتحرر من قيود الضرورة التي تكبل الإنسان ومن ضمنهم الفنان بقيودها.... وقد ا ستشهد الروائي والأديب الكبير حنا مينه بقول لينين وهو يشير إلى تعصب بعض الجهلة من أدعياء الفكر وتأطيرهم للفن والأدب
(( في هذا المجال – مجال الأدب- تامين أرحب مجال للمبادرة الشخصية ، للميول الفردية ، للخيال ، للشكل والمحتوى ، إننا لا نفكر في تبني نظام جامد ن أو في حل لهذه المشكلة بإصدار بعض الأنظمة ، لا، ففي هذا المجال، لا يمكن ان تكون القضية قضية تعميم))**
وفي الوقت الذي كانت هذه التهويمات بمختلف مدارسها تصرخ بوجه الرأسمالية كنظام ، كانت الرأسمالية فرحة بسرها بهذا ((العدو)) الفقاعة الذي لا يشكل خطرا يذكر على مصالحها وديمومتها وإنما يعتبر متنفسا آمنا لغضب الجماهير عليها ، فما دامت لا تعتمد في معارضتها الطبقات والفئات الاجتماعية المهشمة والمستلبة من قبل رأس المال وإنما تعتمد التمرد والفورة الفردية المنعزلة والمعزولة ، فهي مرحب بها ويمكن اعتبارها معينا لديمومة قوى الاستغلال ودوام الأغلال في أيدي ورقاب المستغليين ....... وهنا يمكن وصفها قيحا في جسم النظام الرأسمالي وليست مصابيحا هادية ومعبئة للجماهير المضطهدة والمظلومة التي لا خلاص لها إلا بالقضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالية ،وتحرير العمل من عبودية رأس المال.....
هذا النهج والسلوك بفلسفة اللا التزام رغم إنها تدعي موت الفلسفة....كان في اشد ((خصوبته)) وتوالد مسوخه أثناء الحرب الساخنة والباردة بين المعسكرين ن وهذه ((المعسكرين)) بحد ذاتها، هي النفي الوجودي للفن وحريته وازدهاره فلا يمكن ان يستأنس البلبل قفصه حتى وان كان مصنوعا من الذهب ومزينا بأغلى الجواهر ، فمهما بدا صوته عذبا مغردا ،تغريده لا يعدو ان يكون أنينا وبكاء لافتقاده للحرية مهما كانت ((جنة)) القفص دانية القطوف... فالمعسكر مهما كان هو خنق للحرية وتكبيل لإرادة الفرد وخياراته سواء أكان معسكرا اشتراكيا أو رأسماليا.........
كل ما قلناه في أعلاه لا ياتي بجديد ولا يطرق الحديد فهو أمر كتب في وصفه ومظهرته الكثير من الكتاب قبل انهيار المعسكر ((الاشتراكي)) وخفوت نيران الحرب الساخنة.... ولكن الجديد الآن هو شدة التعبئة المهولة متعددة الإطراف ضد كل جنس أدبي وفني يحاول ان يكون متوازنا وينتصر لقضايا الإنسان المقهور في عالم القطب الواحد ، عالم القهر الرأسمالي في مرحلة عولمته المسلحة......
توجه سهام النقد ذات الرؤوس المتعددة الأشكال والألوان ضد هذا الفن((الملتزم)) الذي ينتصر لإنسانيته وإنسانية أبناء جنسه ، فهو المؤدلج ، وهو المتخلف عن ركب الحداثة وما بعدها ، وهو الذي لا يراعي مفهوم الفن للفن وهو الذي لازال يغرد خارج السرب مع علمهم ان هذا السرب مكون من حشد من الغربان والبوم وخفافيش الليل الذي تهيم في كهوف ومتاهات الرأسمال العالمي في عصر رأسمالية إرهابية متقهقرة إلى زمن الاستعمار ألاحتلالي المسلح ، كشفت عن وجهها القبيح بعد ان مزقت قذائفها الموجه ضد قناعها الديمقراطي المزيف ...
المؤلم حقا وهو بيت قصيد مقالتنا هذه ان يهرول العديد من حملة الفكر اليساري المعارض للرأسمالية وربما من أكثرهم تطرفا وصخبا بوجهها أثناء الحربين ليلتحق في ركب جوقة المنظرين لموت الأديب والفنان الملتزم ، ففي الوقت الذي كانوا فيه ضحايا الالتزام العقائدي المتزمت وخدم الأنظمة الشمولية الديكتاتورية وقعوا الآن في فخ اللا التزام لمنظري الرأسمال المأزوم الداعي إلى تسطيح وتسليع الإنسان وضياعه في أزماته المتلاحقة دون هدف ودون رفيق ... متمرد اجوف .. مستلب محبط يائس ، خائف من يومه وغده ، يرى انه وغيره عاجز عن تغيير واقع مؤلم ، وعير قادر للإفلات من صخرة سيزيف فهو في تدحرج ولهاث دائم ... وهذا هو بالضبط ما تعمل من اجله الماكينة الرأسمالية الكونية من اجل تصنيع مثل هذا الإنسان المغلوب على أمره وهذه هي صنعة ((المتلاعبون بالعقول)) في معاهد الاختصاص والبحث النفسي الاجتماعي للمهيمن الأكبر ، يبذل مليارات الدولارات لغرض تصنيع مثل هذا السلوك الانهزامي المنسجم مع خطط الرأسمال لدوام هيمنته وتأبيد استغلاله للإنسان وقواه العضلية والفكرية ....
ومن الأمثلة التي يمكننا ان نلقي الضوء عليها في هذا السلوك تاريخ ولادة وتطور قصيدة النثر(( ان قصيدة النثر، هي عمل شاعر ملعون ،الملعون في جسده ووجدانه ، الملعون الذي يستبيح كل المحرمات ليتحرر))***
هذا النص الشعري الذي كان ثورة ضد قيم واطر وأغلال القوى المهيمنة على السلطة السياسية والفكرية والثقافية في عالم الرأسمال ، هشمت قصيدة النثر ثوابت القافية المملة والوزن المكرر الذي يدعو للرتابة وتأبيد واقع ممل مقفر آسن أخذت عفونته تنتشر في مشارق الأرض ومغاربها محمولة على أجنحة الدولار قواد الرأسمال السحري ... وبذلك كانت قصيدة النثر تمردا حقيقا ثوريا ضد قيم مجتمع مستهلك .... وهذا ما لا يمكن ان تغفله ماكينة التصنيع الفكري الرأسمالي فعمدت إلى اختراقه وحرفه عن مساره والتمويه على سر ولادته الثورية ، عبر العمل على إغراقه في الغموض والعبث واللا معنى واللا انتماء ، واعتبار الملتزم منه متخلفا ولا حداثيا ومؤد لجا ومقيدا لحرية الإبداع !!!!
وما يدعى ب((موت المؤلف)) في النصوص السردية القصصية والسردية عموما .... ان كل عمل منتج ونافع ومجدد ومبدع يصبو لسعادة الإنسان الفرد والجماعة يفتخر به منتجه ومبدعه ومن ساهم في ظهوره وان ينشر ويشار لاسمه في كل مكان، مما يزيده فخرا واعتزازا بشكل دائم ، ولكن ان يكون المنتج والفعل المشين الضار ،كفعل السرقة والاعتداء على الآخر والاغتصاب والنص الهابط فمؤلفه لا يخشى شيئا بقدر خشيته على نسبة الفعل إليه وإعلان اسمه وفاعله على الرأي العام ... انه يبذل المستحيل ليبقى اسمه مستترا متواريا عن الأنظار وهذا هو حال الفاعل الرأسمالي الاستغلالي ألاحتلالي المجرم ، فوجهه مخيف بشع وفعله مرفوض ومستهجن ، ولكي يبقى مستترا وبعيدا عن الأنظار فلابد له ان يُّنِظر من اجل موت المؤلف والفاعل ، ولكي يمرر هذه الخدعة لابد من إشاعتها وتبنيها في المجال الأدبي باعتباره الفن الأكثر قدرة على بحث الإشكاليات ويلقي الضوء على أفعال وأقوال الإنسان ضمن محيطه ومجتمعه ضمن عملية الصراع المرير بين المكونات الاجتماعية ، إذا كان الأمر كذلك كما نراه ، ولنا شواهد واضحة حيث تجري عملية تعتيم واسعة ضد الفاعل الاجتماعي الثوري في بلدان الرأسمال كما هو الحال ضد القوى الفاعلة المناهضة للعولمة الرأسمالية التي قدها اليسار الجديد في هذه البلدان ، وبراعم الربيع الغربي في مظاهرات واحتجاجات ((وول ستريت)) في الولايات المتحدة الأمريكية وكذا الأمر في بقية دول مركز الرأسمال العالمي في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها ... فلماذا نلجأ نحن في بلدان الإطراف المستلبة والواقعة تحت هيمنت وقهر الرأسمال العالمي كشعوب وليس كإفراد وطبقات في المجتمع الرأسمالي ، تخوض شعوبنا كفاحا بطوليا من اجل التحرر والانعتاق من هذا الاستغلال بمختلف أشكاله وأساليبه ، يجري هذا النضال بواسطة جماعات وأفراد يتسمون بأرفع الصفات الإنسانية الجميلة من التضحية والبذل اللا محدود لنيل الحرية العامة والفردية... وبذلك لا ينبغي للأديب والكاتب ان يخفي هذا الفاعل وهذا البطل الايجابي المحبوب والمرغوب ، الذي يثير عند الناس مزيدا من الإصرار للانخراط في مسيرة التحرر والبناء لبلدانهم وإسعاد شعوبهم ، لا احد له مصلحة ومنفعة في إخفاء هذا المؤلف وهذا البطل سوى المحتل والمستغل والمجرم القاتل ، لان هذا المثال الرائع المقاوم الواعي سيكشف بشاعة المحتل والمستغل وتوابعه وخدمه ،وتسرع من انهياره والقضاء عليه.......
للأسف الشديد ان سطوة وقدرة وامتداد اذرع ماكينة الإعلام والتصنيع السلوكي والفكري للرأسمال تمكنت من الكثير من العقول وجرفتها في سيل تنظيراتها البعيدة غن مصالح وهموم الناس وتوقهم للتحرر والانعتاق ...
لا يبتعد عن ماكينة التصنيع السلوكي منتج التشظي للأدب عبر تجنيسه أدب نسوى وذكوري ، و تشظية منظمات الأدباء على أساس جنسي وعرقي وقوماني وطائفي ،فأغدقت الأموال على الراكضين وراء هذا الوهم وأجزلت لهم العطاء جوائز ذهبية وعطايا مالية وبريق إعلامي مدهش ، مع العمل على إفقار وتهميش وعزل من يقاوم هذا التيار المضلل ،والتمسك بروح وجوهر وسر قصيدة النثر الثورية المتمردة .... وكذا هو الحال مع موت المؤلف والبطل في الرواية والقصة القصيرة ... الخ
وهنا بودنا ان نذكر مثلا بسيطا لإحدى الأديبات التي تدافع عن مقولة موت البطل ، وترد بهذه الطريقة الانهزامية الراكضة وراء مقولة آلان روب حيث تقول :-
((اعتقد أن آلان روب جرييه كان واعيا تماما لما يحدث حين أعلن فيما كتب من نقد ورواية عن موت البطل .))*****
على دراسة نقدية كتبناها حول روايتها واشرنا إلى غياب البطل في الرواية حيث تقول:-
((....من يستطيع مثلاً أن يرسم في روايته صورة لأحد أبطاله وهو يقف بوجه دبابة أمريكية ويجعلها تغير مسارها بعيداً عن الأرصفة التي تدوسها كلّ يوم ؟)) ******
هل هناك ما هو أكثر تجني وإنكار لدور البطل العراقي الذي قاوم عبر تاريخه البطولي الطويل ولازال يقاوم قوى الاحتلال والاستغلال الم يقف العراقي بوجه الدبابة الأمريكية والاباجي وكل أدوات القهر الأمريكي المتوحش ، بشجاعة نادرة وبطولة أسطورية ، حرفها واحرقها وأذل من فيها؟؟؟
ألا يعني مثل هذا القول الاستسلام والخنوع للاستعمار الأمريكي وعدم جدوى مقاومته لأنه لا يقهر؟؟؟
هل هذا هو واجب الأديب والمثقف في بلد يعاني من الاحتلال والقهر والاستغلال واستفحال الإفساد والفساد ؟؟
أليس من المخجل حقا ان نتنكر لتاريخ شعبنا البطولي وكفاحه المرير ضد قوى الاستغلال والاحتلال ، وان نتنكر لأبطال وهبوا حياتهم ودماءهم الزكية من حرية الوطن ورفاه الشعب ، لان ((آلان روب ))أراد لهم الموت وان تمسح ذكراهم من ذاكرة الأجيال؟؟؟!!!
ولتقر عين الكاتبة فقد تمت إزالة نصب ثورة العشرين في مدينتها النجف ، واختفت قبور شهداء الثورة اللذين أعدمهم الانكليز ، ونجم البقال ليس له ضريح مميز وليس له مكان بين تماثيل الشمع المعمولة لعلماء والشخصيات النجفية المشهورة.........
.....ان عمل العقل الكوني على تسليع الإنسان وتسطيحه حتى ضمن عواطفه وأقدس علاقاته ومنها العمل على تبني مثلي الجنس وتسليط الأضواء على سلوكياتهم باعتبارهم مثلا للعلاقات الإنسانية الشاذة الغير منتجة ومثلا للحرية الفردية للإنسان في المجتمع الرأسمالي ((الحر)).. المبنية على إشباع الغريزة ((الحيوانية))، التي لا يمارسها الحيوان بالطريقة المنفرة التي يمارسها الإنسان ، فالحيوان ليس لوطيا ولا سحاقيا وإنما يمارس الجنس مدفوعا بدافع جيني للحفاظ على النوع ... فمثلية الجنس إنما هي أحط إفرازات المجتمعات في تاريخ تطورها في غابر الأزمان وأكثرها انحطاطا وتمثلا للغريزة الفجة ، تعود الآن في العصر الحاضر عصر احتضار الرأسمال العالمي وفقدانه لقيمه ولمعناه ومبناه بتخليه عن القيم التي أنتجته... إلا ان هذا السحر انقلب على الساحر حينما وقف هذا الساحر ضد فاعليته لبلوغ هدف الإنسان الأسمى في التخلص من القهر والظلم والاستغلال وتطلع جماهير المنتجين للتحرر من عبودية رأس المال....إعاقة عجلة التطور وبلوغ البشرية شاطئ المساواة والحرية الحقيقية أدى إلى عفن دعاوى وأقنعة ((الحرية)) و((لديمقراطية)) وأخذت تبتدع مختلف أشكال البدع لحجب رائحة عفنها بابتداع أساليب جديدة في التضليل والتجهيل وحرف الإنسان وخصوصا الأديب والمفكر عن قضاياه الإنسانية السامية وإدخاله في دهاليز مظلمة ملتوية تؤدي به إلى متاهات اللا معنى واللا جدوى..... يجب حجب وجه مسبب الفقر والمرض والجهل ، ومثير الحروب والفتن ، وملوث البيئة وووو......عبر موت المؤلف ، وإخفاء الوجه المشرق الجميل لمن يقاوم كل هذه الشرور والكوارث بموت ((البطل)) الايجابي الفاعل ليغط العالم في لجة من الظلام والضياع ويختلط الحابل بالنابل ......
في الختام نوجه دعوتنا لكل حملة الفكر وإعلام الأدب والثقافة إلى ضرورة تفكر ومسائلة النظريات والدعوات الصادرة من معامل المركز الرأسمالي المنحاز لطبقته ومصالحه ومنها الدعوة إلى اللا النزام وهي أحيانا دعوة حق يراد بها باطل ... لابد لنا كأدباء وفنانين مفكرين ننتمي للإنسان وقيمه وخصوصا في عالم الجنوب والأطراف المستلبة ان نعي معنى هذا النعيق لغربان الغرب الرأسمالي المأزوم ولا ندعو حمائمنا وعنادلنا لترديد نعيقها المشئوم .....
أفليس من الغرابة بمكان توجيه النقد اللاذع الذي ينتقص من نصوص إي مبدع سواء أكان شاعرا أو قاصا أو روائيا ان نصوصه لا عيب فيها ولكن للأسف يبدو واضحا انحيازها للإنسان وهمومه في بلد موجوع مثل العراق وشعب العراق.... وكذا الحال في بقية شعوب الأرض الذي تخضع للنهب الرأسمالي سواء بصورة احتلالية عسكرية مباشرة أو غير مباشره........
[email protected]

* حنا مينه ((ناظم حكمت)) وقضايا أدبية وفكرية – منشورات دار الثقافة دمشق 1976 ص209.
** نفس المصدر ص210
*** انسي الحاج (( عز الدين المناصرة –اشكالية قصيدة النثر نص مفتوح عابر الأنواع المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط1 2002
**** حنا مينه ((ناظم حكمت)) وقضايا أدبية وفكرية
*****((رواية معاصرة))
الحوار المتمدن - العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8 - 23:59
***** * نفس المصدر .



#مجلة_الحرية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اين انت................؟؟؟
- صحافة النجف (عاصمة الثقافة)
- قصائد مترجمة من الشعر الصربي
- قصص قصيرة للاديبة د. ماجدة غضبان المشلب
- -نرجس من عمل الانسان- - نص شعري
- هل سيفعلها المسئولين العراقيين؟؟؟؟
- ثور جدتي
- بماذا تفكر الكلاب؟؟؟ نص شعري
- من دخل البيت الابيض فهو آمن!!!
- ست ساعات في النجف
- جلالة التاريخ - مآثر الأبطال في طرد الاحتلال -الشيخ ضاري
- منائر النساء - نص شعري الى الفنانة القديرة (ناهدة الرماح)
- الديمقراطية و مذبح الحرية
- جرأة مؤمن ... وصورة من صور الفضيلة المفقودة -الشيخ محسن شرار ...
- قصتان قصيرتان ((محمد)) و((خطيئة))
- حمامتي بيضاء - نص شعري
- واقعنا وأنشودة العملية السياسية
- الديكتاتورية.......باسم الدين والديمقراطية
- تحولات كلب - قصة قصيرة جدا
- السيد محسن الأمين العاملي


المزيد.....




- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجلة الحرية - قول في الثقافة والأدب الالتزام في قفص الأِتهام!!