|
أقنعة الأيديولوجيات
لينا سعيد موللا
الحوار المتمدن-العدد: 3739 - 2012 / 5 / 26 - 00:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قرأت لصديق مقولة رائعة أن الدولة القومية قد فشلت والوطنية كان لها المصير ذاته وحدها دولة المواطنة القابلة للديمومة والبقاء ..
فالأولى والثانية تحملان بذور الفناء في أيديولوجياتهم، بذرة الاقصاء عندما تعتمد على مركب واحد من مكوناتها الاجتماعية وتهمل الباقين، فتسقط العدالة الاجتماعية ومع سقوطها تتسلل التدخلات الخارجية والباقي معروف . لكني اليوم أريد أن أتحدث عن نظرية أعتبرها من أجمل نظريات الاجتماع والتي تعود لمفكرنا الرائع ابن خلدون، الذي قسم عمر الدولة إلى ثلاث أقسام، مرحلة التأسيس ومرحلة الرخاء ومرحلة الفناء والانحلال .
في الواقع أن الدولة تقوم على الفكر على الأهداف الجامعة بين الشعب الذي يعيش فيها، هذا كأيديولوجيا، وكي ترتقي بثرائها فعليها أن تتوسع اقتصادياً وتتحول إلى مجتمع نشط ومنتج كالماكينة الألمانية أو الآلة اليابانية أو الروبوتات الصينينة، أو تمركز الثروات وتنميتها كالولايات المتحدة الأميركية وسواهم .
اليوم أريد أن أنتقل إلى الأحزاب القائمة على الأيديولوجيات . هذه الأيديولوجيات تجمع الكثيرين، وفي رحلة سبر للتاريخ القريب نجد أن أهم المفكرين والسياسيين قد طرحوا أفكاراً تحلق بعكس اتجاه الريح مخالفة ما هو سائد، يدخلون السجن، يحاربون اجتماعياً وقانونياً، لكنهم ينجحون في إقناع فئات اجتماعية عريضة تشكل نواة حزب ثم ينتشر كما النار في الهشيم . تتوزع بين أفكار تشجع على خلق مناخ مؤات للاستثماروتغذي النزعة للتملك والتطوير، وأخرى تنادي بالعدالة الاجتماعية، وأخرى للبيئة وديمومة الحياة على كوكب الأرض، وهكذا .. الأفكار هي أيضاً لها أزمنة تتوهج فيها عندما تكون ما تزال ضمن شرنقة الفكر، تجذب حولها الملايين، لتكتسب زخماً ينقلها لمرحلة التطبيق والتوسع والانتشار ، تصطدم بالأناة البشرية ونزعة التملك والاستئثار، لتبدأ بفقدان مريديها والقانعين بها . الحزب الماركسي الذي بني على العدالة الاجتماعية والمبادئ الطوباوية، ما أن امتطاه شخص كستالين حتى بات الحزب وأيديولوجيته أداة جريمة، فمن يخالف القائد هو معاد للحزب والدولة يعدم فوراً، ومن يخالف أنور خوجة وتشاوشيسكو يعدم، وشيئاً فشيئاً ترهل هذا الحزب بعد أن هزمه حب السيطرة والتسيد لقادته، الأحزاب الرأسمالية التي تتبجح بالحرية الفردية وتنشيط الحوافز لتحريك عجلة الانتاج، اصطدمت هي بنزعة التوسع والسيطرة مما حرمها أي وجه إنساني تكافلي، وبات الربح هو المعيار للديمومة دون سواه . ربح يؤدي إلى انتقال الثروة وتكديسها في أرصدة ذات أرقام فلكية لأشخاص قليلون وآخرون يركضون طوال حياتهم لتأمين الحد الأدنى من حاجاتهم الانسانية، وإذا تحول العالم إلى قرية صغيرة فعلينا القول أننا نعيش وسط 7 مليارات نسمة تقريباً أكثر من نصفهم يعيش بلا أمل وتحت خط الفقر وهذا شيء مرعب . الأيديولوجيات إذاً ينطبق عليها فكر ابن خلدون، فهي في يوم تشيخ وتذبل ومن ثم تموت ليعاد تطويرها وإخراجها بوجه جديد بعد تزويد وتنقيح . الأيديولوجيات في هذا الزمن باتت متقاربة والخلافات بينها شكلية، الكل يسعى إلى الرخاء في مجتمعات استهلاكية، لكنها لا تعدو سوى أداة للسيطرة وتوزيع كعكة الامتيازات والمصالح .
ولأن الانسان كائن متطور في حاجاته ورغباته فإن الفكر يمهد الطريق لارضاء ذلك إلى أن يجرى تبنيه وتنفيذه، ليخضع للعبة التجاذبات والتنافس، ليتطور ويتوهج ويتوسع، ومن ثم يخفت وهكذا . وفي عودة إلى الدول وتصنيفاتها، وإلى دولة المواطنة تحديداً، الدولة التي تخلق المناخ الملائم لكي تولد الأفكار وتعيش طليقة وأن تتوسع بلا قيود عرقية أو أثنية أو مذهبية . صحيح أن الماركسية كانت اممية تخاطب كل شعوب العالم ببريق أخاذ في أن يكونوا جميعاً سواسية في توزيع الثروة، لكن سرعان ما امتطاها الجلادون. وفي دولة كسورياخرج إليها طامح هو حافظ الأسد لا يؤمن بشيء سوى باعتلاء كرسي السلطة على أيديولوجية إقامة الوحدة العربية، بصبغة اشتراكية وهمية، أما في الواقع فقد عمد إلى سجن شركائه العقائديون وقتل بعضهم واستعمال المال السياسي لشراء الذمم، حيث حول موارد الدولة النفطية إلى جيبه الخاص ولعقود طويلة، مستعملاً إياه في تحويل المسؤولين إلى لصوص ومفسدين، حافظ الأسد الأنسان التعس الذي يكره كل المفكرين والمثقفين لعقدة نقص متوغلة ومرتبطة بشح ذكائه وثقافته، كان يعمد للحيلة لإبعادهم وإقاصائهم، وهكذا تحولت سوريا في زمنه وزمن إبنه إلى صحراء فكرية قاحلة . حيث توقف الزمن وخرج الوطن بكل مكوناته من ساحة الحراك العالمي . فما معنى أن يكون خالد بكداش رئيساً للحزب الشيوعي حتى لحظة مماته ليسلم الصولجان إلى زوجته حتى وفاتها لتورثه إلى إبنها . حتى الفكر الماركسي التقدمي بات مقيتاً ومفجعاً . إنها البيداء القاحلة . حيث تتبخر القيم الانسانية وتنعدم المساءلة، وتضيع المسؤولية فكل أصحاب المناصب يغني على ليلاه، المهم أن يبقى في منصبه ليورثه لتدوم النعم، يفعل ذلك باسم الفكر وحرصاً على ديمومته، ديمومة تتعلق بتسيده وجوداً وعدماً، ولتذهب جميع مصالح الشعب التي يحكم باسمها إلى الجحيم .
الفكر يحتاج إلى بيئة ديمقراطية إلى حرية تعبير ومنافسة ورقابة، في دول كسوريا تتعطل جميع النظريات، ليحل محلها شيء واحد وهو الطمع الانساني الذي لا حدود له، طمع يتحول إلى أداة جريمة قاتلة تطال شعياً بأكمله . الديمقراطية أيضاً تتطلب وجود داعم هام، وهو تأمين تداول السلطة بنص دستوري صارم، بحيث يدرك اي منتخب، أن الزمن الممنوح له ليس مفتوحاً وإنما مقنناً ومرتبطاً بتنفيذ برنامجه الانتخابي، وأي تقصير سيؤدي حتماً إلى سحب الثقة عنه وبالتالي تسجيل نقطة سوداء في سجله تنعكس سلباً على مستقبله العملي وسمعته الاجتماعية . مع الأخذ بعين الاعتبار أن عليه أن يمنح صلاحيات تمكنه من تحقيق ذلك، دون شطط، فالمنتخب يمكن أن يحوله دستور رخو ومبهم إلى إنسان مجرم، بحيث يسخر كل مقدرات الدولة لصالح بقائه وتمجيده، أو أن يصبح مسؤولاً فذاً يعمل ضمن ضوابط محددة تلزمه بأن يسابق الزمن كي يحوز على رضى الناخب . ولأن الناخب بطبيعته ملول ينزع للتغيير وخلق مشاهد سياسية متنوعة، فإن الديمقراطية تؤمن له بيئة صحية يشعر فيها بدوره الخلاق في صنع التغيير وهذه متعة ومسؤولية علينا أن نتحلى جميعاً بها . يجب أن نعمل لأجل هذا بدقة وتأن . بذلك نمنح ثورتنا جرعة من المجد تحتاجها، كما نحتاجها نحن .
قادمون لينا موللا صوت من اصوات الثورة السورية
#لينا_سعيد_موللا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يدس النظام السم بالدسم
-
لماذا الالغاء .. لماذا لغة الاقصاء ؟
-
من نحن ؟
-
أضواء على المرحلة التي وصلتها ثورتنا ..
-
فلسطين شماعة الطامحين
-
كم نتعطش للحرية
-
القاعدة فكرة أميركية بتنفيذ سوري
-
حول سلمية الثورة السورية
-
قمة في دمشق اليوم
-
نحن مصرون على المحاسبة
-
الحاجة لأن نكون بشر طبيعيون
-
تصحيح المسار الثوري
-
سوريا
-
ما نقتقده في ثورتنا كي ننجح
-
لو كنت مكانك أستاذ غليون
-
كائنات رئيس كاليميكيا الفضائية صفراء اللون
-
الأسد وإسرائيل
-
لماذا حكم الأقلية
-
ماذا بعد ؟
-
الواجبات الضرورية الملقاة على عاتق الجالية السورية في الخارج
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|