جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3738 - 2012 / 5 / 25 - 19:01
المحور:
كتابات ساخرة
أغلبية الرجال في نظامنا الاجتماعي الحالي يُعرّفون الحب بأنه (كلام فارغ) ومنهم من يقول بأنه (ولدنه وحركات صبيانية وقلة حياء وقِلةُ خوف من الآباء والأمهات) والبعض يقول بأن الحب:طيش شباب, وسمعتُ كثيرين يقولون عن الحب بأنه:مضيعة للوقت,وسمعت رجالا على المنابر يقولون بأن الحب فساد في الأرض كبير, وهنالك نظرية مأثورة من التراث تقول"الأضداد لا تتفق والأشكال لا تفترق " وقال :المُنخل اليشكري في قصيدته المعروفة :"ضدانِ لم استجمعا حَسُنا....والضدُ يُظهرُ حُسنه الضدُ" وهذا بخلاف القول المأثور, وما زلت أسمع الناس حتى هذه اللحظة يصفون الحب بأنه مرحلة من مراحل الجهل التي يمرُ فيها كل جاهل وبأن الحب خاص فقط بالجاهلين وبالتعساء وبالأقل حظاً ,وسألت فتاة في مقتبل العمر أمها عن معنى كلمة قالها لها ابن الجيران, فسألتها أمها وما هي تلك الكلمة؟فقالت (الحب) لقد قال لي بأنه يحبني, فضحكت الأم من جهل ابنتها وقالت لها: الحب كلمة يستعملها الفقراء لكي يمارسوا الجنس بشكل مجاني غير مدفوع الأجر,ويقال بأن الإنسان العاقل لا يحتاج في حياته للحب, وبعض الناس يكون لهم تعريفٌ آخر للحب وهم في مُقتبل العمر بحيث يأخذ منهم الحب والعشق والغرام معظم أوقاتهم, لذلك يمقتهم كبار السن ناعتين إياهم بمضيعة الوقت وبالجهل وبالطيش وبالتصرفات اللامسئولة.
يقول المثل بأن الطيور على أشكالها تقع,وهذا تفسير للحب على مبدأ نظرية(المُشاكلة) أي تشابه الأشكال إما في الشكل الداخلي وإما في المظهر الخارجي, وإما في (العِلة) فإن لم يكن هنالك تطابق بين الأشخاص فإنه من اللازم أن تكون هنالك عِلة مشتركة بين العاشقين أو المتحابين أو المتصاحبين على مبدأ الصداقة الوفية,ولكل قاعدة شواذ وهنا يروى فيما يروى عن سليمان الملك في الأساطير أو عن لقمان الحكيم بأنه رأى حمامة تجلس مع غُراب فاستغرب الأمر وقال بما معناه في أمثالنا العامة(شو اللي لم الشَمل على المُغربي!!!) والمهم في القصة أن لقمان الحكيم وجد ظاهرة أخرى جمعت بين الحمامة والغراب وهي (العِلة) إذ وجد أن جناح الحمامة مكسور وجناح الغُراب مكسور.
وسألَ أبو حيان التوحيدي (مسكويه) في (الهوامل والشوامل) مستغربا مستفسرا عن هذه الظاهرة قائلا:
" ما السبب في تصافي شخصين لا تشابه بينهما بالصورة,ولا تشاكل عندهما في الخِلقة ولا تجاور بينهما في الدار,كواحد من(فرغانه) وآخر من (تاهرت),وهذا طويلٌ قويمٌ وهذا قصيرٌ دميمٌ,وهذا شخت عِجف,وهذا علج جِلف,وهذا أمعر أزعر,وهذا أعيا من باقل,وهذا أبلغ من سحبان وائل,وهذا أجود من السحاب إذا سح بودق بعد يرق,وهذا أبخلُ من كلب على عرق إذا ظفر العرق وبينهما من الخلاف والاختلاف ما يعجبُ الناظر إليها والفاحص عن أمرهما؟."
فيرد (مسكويه):
"بأن للصداقات بين الناس أسبابا عالية عريضة وأخرى ذاتية.أما الأسباب العَرَضية فكثيرة وبعضها أقوى من بعض,أبرزها سبعة هي:الأُلف والعادة,والأمور النافعة,أو التي يظنُ فيها النفع,والسبب الذاتي للتصافي وهو السبب الذي لا يستحيل ويبقى ببقاء الشخصين فهو نسبة بين الجوهرين:إما من المِزاج الخاص العناصر وإما من النفس والطبيعة,والمزاج قد يوجد بين إنسانين وبين البهيمتين,فإن تشاكل الأمزجة يؤلف ويجذب أحد المتشاكلين بها إلى آخر من غير قصدٍ ولا روية ولا اختيار كما هو الحال في كثير من أنواع البهائم والطير والحشرات,أما الأمزجة المتباعدة فتوجد بينهما العداوات والمنافرات أيضا من غير قصدٍ ولا روية ولا اختيار والأمر نفسه من المشاكلة والمحبة والمناظرة والعداوات ,يوجد أيضا على مستوى البسائط من الأمور,فإن بين الماء والنار من المنافرة والمعاداة وهَرب كل واحدٍ منهما من صاحبه يبعد عنه ثم ميل كل واحدٍ منهما إلى جنسه وطلبه لشكله ليتصل به أمر لا خفاء به على أحد فإن إنصاف إلى ذلك مزاج مناسب بتأليف موافق ظهر السبب وقوي كما يوجد بين حجر المغنطيس والحديد وبين حجر الخل أعني مُحب الخل وباغض الخل,ذلك هو سبب الاتفاق الذي يوجب المودة, فإذا كان الجوهر والمزاج الخاص يوجبان المودة والاتفاق بين الجسمين فكم بالحري يوجبها اتفاق النفسين إذا كان بينهما مناسبة ومشاكلة.
ويتفق الأغلبية على أن الحب والعشق يأتي أحيانا بعد العداء الطويل وهذا مثل معروف عند كل الشعوب ونقوله نحن بهذا الشكل:لا توجد محبة كبيرة إلا بعد عداوة كبيرة, وكان قبل أكثر من 50 عام عبارة مكتوبة أمام رئاسة الوزراء الألمانية تقول:(كلمة السر التي تفتح كل الخزائن هي الحب).
وهنالك ملاحظة قلةٌ من الناس تنتبه إليها وهي أن المشاكلة في الصفات قد تجلب العداوة بسبب عامل التنافس بين المتشاكلين , فحين تجتمع المواهب تظهر مباشرة حالات العداء بين الموهوبين بسبب عامل واحد وهو التنافس على نفس الغنيمة, سواء أكانت المشاكلة أو عملية التنافس ثقافية أو تجارية,وهذا ليس من الضروري أن تجعل المشاكلة كل الناس يحبون بعضهم فأحيانا تجعلهم أعداء.
وغنت سميرة توفيق مرة أغنية للحب قالت فيها (أولته لوز وسُكر وآخرته آخ يا راسي) وأستغربُ جدا من نظرية النشوء والارتقاء التي قالت :بأن الحُب هو عبارة عن ارتكاز الضعفاء على الأقوياء والاعتماد عليهم, ويجب إبادة الضعفاء وعدم مد يد المساعدة لهم, وعرفت الحب مرة امرأة طاعنة في السن وقالت لي: الحُب مثل التدخين, فقلت لها :وكيف مثل التدخين؟ قالت: أوله دلع وآخره ولع,أي إدمان مُزمن ,عرف اللغويون العرب القدامى كلمة المحبة بأنها:"الميل الدائم بالقلب الهائم"
وقيل لرجل من قبيلة عذرة,من أي قومٍ أنت؟,قال: أنا من قومٍ إذا عشقوا جُنوا فوالله لقد تركتُ ورائي ثلاثين30 رجلا قد خامرتهم الحُمة من شدة العشق, وقيل قديما وحديثا بأن الحب لا يسكن إلا في القلوب الفارغة والعقول الخفيفة كما قال الشاعر حين سألوه كيف أحببتها:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاليا فتمكنا.
فسر بعض الفقهاء هذه الآية: " ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " بأن الشيء الذي لا يطيقه الإنسان هو العشق والحب,وهنا المسلم يدعو الله لكي يخلصه من الحب والمحبة باعتبارهما إرثا ثقيل الدم على الإنسان,وقال بعض المفسرون نقلا عن حجاج بن جريج بأن معنى ما لا طاقة لنا به هو القردة والخنازير,وذكر مفسرون آخرون مثل (السدي) بأن ما لا طاقة لنا به هي كثرة النواهي والتحريم في القرآن,وفهمها المستمعون بأن تلك النواهي هي الحب ومشتقاته.
وهنالك قول ينسب لأفلاطون: العشق حركة النفس الفارغة بغير فكرة, ويقول ديوغانس:"الحب سوء اختيار صادف نفسا فارغة" وسئل أرسطو عن العشق وعن الحب والمحبوب فقال" إنسان هو أنت,إلا انه بالشخص غيرك".
الحب هو: من أرقى السلالات العاطفية وهو روح الإنسان المبدع وأداته الخلاقة ويضطرب الإنسان المبدع إذا فقد الحب أو إذا تعرض لجراحه وخصوصا إذا كانت تلك الجراحات عميقة وبالغة الأثر,وما رأيكم إذا رأيتم أمة كاملة من عدة قرون لم تدخل أمعاءها كلمة الحب إلا القتل والذبح والانتقام,والإنسان يضيع من غير حب وكذلك الدولة والمجتمع كله يضيع وينحط إلى أسفل السافلين إذا فقد منه الحب وضاع وما رأيكم في قصة الطوفان اليونانية حيث ينظر الإله (زيوس) من الأعلى إلى الأسفل فيجد امرأةً ورجلا يقبلان بعضهما في قارب صغير فتنقذ تلك القبلة العالم كله من الطوفان ويقول الإله زيوس من أجل الحب سأنقذ العالم,ونحن من كلمة حب يموت آلاف المعذبين ويموت الناس بالملايين ولم يمارسوا يوما من الأيام الحب بل على العكس عندنا الحب دمار وضياع وبسببه طردنا الله من جنته,وهنا بعض كلمات قد تصل إلى 60ستين كلمة كلهن عن الحب والغريب في الموضوع أن هذه الكلمات لم تتكرر لا في القرآن ولا في السنة النبوية ورواية الحديث,مع العلم أن كلمة الشغف وردت في القرآن بسورة يوسف(امرأة العزيز تراود فتاها....قد شغفها حبا) وكذلك كلمة محبة ضمن حديث القرآن عن قصة موسى (وألقيت عليك محبة) أترككم مع هذه الكلمات لتتمعنوا أكثر في ثقافة دينية تسلب الشجعان شجاعتهم في الإقدام على الحب وأن تسألوا أنفسكم أين وردت هذه الكلمات في كتب الفقه والسنة والدين...إلخ:
"الهجر,الوصل,التودد,المحبه,العلاقة,الهوى,الصداقة,الصبوة,الصبابة,الصد,الإنتظار,الوصل,الكتمان,الشغف,المِقة,العاطفة,الوجد,الحرق,السُهد,الأرق,التتيم,العشق,الجوى,لكلف,الكمد,اللذع,الدنف,الشجو,الجفا,الجوى,النوى,الحُرقة,الشوق,الحنين,الخلابة,الفراق,الرقة,البلابل,التباريح,السدم,الغمرات,الوهل,الشجن,اللاعج,الاكتئاب,الوصب,الحزن,,اللهف,الحنين,الاستكانة,التبالة,اللوعة,الفتون,الفراق,الجنون,السحر,اللمم,الخبل,الرسيس,الألفة,الوعد,الداء المخامر,الخُلة,الخِلم,الغرام,الهُيام,التدليه,الوله,التعبد"
وتعريف الحب يختلف من شخص لآخر حسب تجربة كل شخص وحرارته العاطفية فمنهم من اعتبره حالة من حالات عدم الوعي ومنهم من اعتبره حالة وعي كاملة تزداد حرارته اتساعا بقدر ما يبتعد المحبون عن بعضهم البعض إما المثقفون البارزون فقد اعتبروه عنصرا محايدا وبالنسبة لآرنولد توينبي فق اعتبره : ارتكاس الضعفاء على الأقوياء , ولا تبدو هذه النظرة استثنائية وانما هو خارج عن ملاحظات مؤرخ عظيم وشاهد على حالة تقلبات الملوك والأباطرة والعلماء,.
وكان للملك -ادلوف فرديريدك- 1710-1771 ميلادي سبع معشوقات وكانت تلك النساء ذوات عاهات بشرية دائمة وحين سئل عن ذلك قال : ان الحب الحقيقي قائم أصلا على الشفقة, وكانت معشوقته الأولى بلا ذراعين واثنتان بعين واحدة واثنتان بلا ذراع واثنتان بساق واحدة .
وهذا الصنف من العشاق يعتبر الحب معاملة إنسانية قائم أصلا على شفقة الأقوياء على الضعفاء وهكذا نفسر أحيانا تصرفات بعض المهتمين بالحالات الإنسانية من ملوك وحكام ورجال أعمال وهكذا نفسر قول السيد المسيح أحبوا بعضكم بعضا ............ وللحب أيضا أشكال أخرى تختلف من شخص لأخر حسب تجربته الشعورية :
فقد كان حب بعض الشعراء للنساء ناتج عن حبهم لأوطانهم كقول مجنون ليلى :
أمرُ على الديار ديار ليلى
اقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديار
أو قل هنا أن النظرة معكوسة أي أن حب ابن الملوح لليلى قد أدى به في نهاية المطاف إلى حب الوطن .
وكان من عادات الشعراء العرب أن يبدؤوا قصائدهم بمقدمات غزلية كقول الشاعر الذي هدده محمد الرسول بقتله لكثرة هجائه للمسلمين وقد استسلم أخيرا لمحمد الرسول وجاء إليه مادحا بقوله :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
متيم إثرها لم يفدى مكبول
وقد قال النقاد : لم تكن للشاعر معشوقة اسمها سعاد وإنما سعاد هنا هي فقدان الشاعر للحياة السعيدة وهكذا تكون المرأة عند الشعراء العرب قديما نوع من فقدان الحياة السعيدة والتي تتحول الى نقطة وعقدة نقص يتم تعويض هذه العقدة بالارتماء فوق صدر أي امرأة .
ولم تكن النظرة في التاريخ البدائي للمرأة تتوقف على المعاني الجنسية الخالصة فقد كان الاتصال بالمرأة يتوقف عند الحدود البيولوجية لمعنى الجنس وحين تقدمت البشرية عاطفيا أصبح للجنس معاني رمزية واهم الرموز هو الحب نفسه وأكثر المعشوقات المشهورات لم يكن ذات جمال عالي بل كن اقل من عادي وفي بعض الأحيان دميمات الشكل فمثلا :
كانت كليو بترى ذات انف كبير كأنف ابن حرب المشهور بدمامة انفه ومع ذلك عشقها انطونيو ومن اجلها ضيع انطونيو حصته من ميراث قيصر , وكذلك معشوقات ملك السويد ادلوف فرديريدك 1710-1771 ميلادي وكذلك كل معشوقات لويس الرابع عشر لم يكن ذات جمال فقد كانت الآنسة - لافالير- كبيرة الكرش إذا أكلت دائمة القح والسعال وكانت إحدى رجليها قصيرة عن الأخرى لذلك كانت تعرج وتطلع في مشيتها ومع ذلك عشقها لويس الرابع عشر وفي اليوم الذي وافقت به على زواجها منه ذهب إلى وزيره - لوفيان وقال قولته المشهور ة : ان المرء لا يجد لذة النصر في الحرب وحدها .
أما الكاتبة المشهورة جرجيا صاند - واسمها الحقيقي - اورور- فقد كانت تقول لماذا كل هذا الإعجاب بي من الشبان : أنا لست جميلة ولو ألبسوني ثياب غلمان لكنت شابا مقبول نوعا ما أكثر مني فتاة جميلة , إنما لست جميلة ومع ذلك عشقها الموسيقي - شوبان - والشاعر - موسيه - .
ونستنتج من ذلك ان المرأة تطورت من النظرة البيولوجية إلى النظرة الرمزية وأصبح بفضلها للحياة الكئيبة معنى وذوقا وفنا ومن لا يعشق امرأة لا يمكن أن يعشق ارض أو وطن .
وأول شعب في التاريخ نقل الجنس من الضرورة البيولوجية الملحة إلى الفنون الرمزية هم العرب والعبرانيون وذلك بسبب تمسكهم بمبدأ الخالق الذي لا يمكن أن تشاهده العين المجردة وعمموا ثقافتهم تلك على كافة نواح الحياة العامة وحين صعدوا بالإله من الأرض إلى السماء كانوا قد حملوا معهم الإنسان وجعلوا يوم ميلاده عاليا في السماء لذلك توقفوا عند المعاني الحسية للصوم والصلاة والعبادة والحب والجنس حيث أنهم طهروا الجنس من الشوائب البيولوجية وهذبوا العلاقة بين الرجل والمرأة ووضعوا دستورا أخلاقيا لكل شيء .
إلا أنهم قد جعلوا الجنس سببا لسقوط الإنسان وليس سببا لنهوضه على خلاف المجتمعات الزراعية البدائية التي كان للجنس لديها معاني بيولوجية استقرارية .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟