سعيد رمضان على
الحوار المتمدن-العدد: 3737 - 2012 / 5 / 24 - 21:15
المحور:
الادب والفن
(عفوا الدخول من النافذة )
لأحمد عامر – مصر-
--------------------
هذه القصة , يندمج فيها الشكل والمضمون ويتلاحمان بشكل عضوي وفعال , ورغم أن الخلفية سياسية , إلا أنها لم تسقط في المباشرة , أو التقريرية , واستطاعت رغم حيزها الصغير, أن تتخلخل البنية الاجتماعية والاقتصادية , لطبقات مختلفة , تتقاطع عوالمهم , وبذلك تخلصت من أحادية المنظور .
والأفكار فيها تطرح كفيض لوعى مواطن , تكاد الأوضاع تصيبه بالجنون , قطع خاطرة بخاطرة أخرى, وفكرة بفكرة , على نحو متكرر وبعيدا عن التسلسل الطبيعي , يكشف عن طبيعة الشخصية ووحدتها , واضطرابها وحيرتها من اثر معاناة الاغتراب في وطنها , ولكن هذه الأفكار نفسها تكشف عن تناقضات الواقع , وبؤسه وزيفه , وتركز الضوء على عالم بشع مستغل , ليس للمواطن فيه حق الكرامة, وانما حق التمزق , والوحدة , والجوع , وطريقة العرض في القصة , تفترض عدم وجود إصغاء من أحد , أي عدم وجود استجابة , لأنها فيض أفكار شخص , أصبح في موقع مؤثر بالنسبة لي – كقارئ - .
هناك تناغم خاص ميز القصة , التي تقدم نقدا وحكما قاسيا , ضد الانحراف والفساد , وعنف الحكومة والشرطة , وغياب العدالة الاجتماعية .
ومع ذلك فأن هذا المنظور , في يد كاتب أخر قد يقع في إشكالية , عدم اعتدال ميزان القوة , و ما أعنى به , أن الطرف الأخر في المعادلة وهو السلطة , بالنسبة لمثل هذه القصص , لا يسمح لها بممارسة دورها , أما بالصمت , والاتهام من جانب واحد , أو النفي , وهكذا تتحول بعض القصص لبوق دعائي ونشيد فقير ضد القهر , وتصبح الشخصيات سطحية وغير مؤثرة , وقد استطاع احمد عامر أن يتخلص من تلك السلبيات بإيراد صوت السلطة وتصرفاتها أي الطرف الأخر في المعادلة وهاهي بعض الأمثلة :
( تتجه الشحاذة إلي العربي البدين ، يسبها الحارس ، تحاول الوصول ، يركلها )
وفي مقطع أخر :
(الشرطي يجر الشحاذة من ضفائرها )
أن هذه الأمثلة وغيرها , والتي تعبر عن صوت السلطة داخل النص عن طريق رموزها – الحارس / الشرطي- , هي التي خلصت القصة من البوق الدعائي , ولم يسقطها في الرتابة , أو تهدد كيانها العضوي .
أما تكرار السؤال : (" هل أنا موجود ؟" )
تكرار يلفت نظرنا إلى الفكرة الكامنة وراءه , وهى فكرة توضحها درامية الفجيعة التالية :
(القي الشرطي بطاقتي علي الأرض وصاح
" غور " أبي يردد " الأرض ملك طبيعي للورثة " ، أغمغم " لم ارث شيئاَ )
أن تلك الفجيعة توضح واقع المنفى والغربة لإنسان في وطنه , ليصبح بلا ارض , ولا وطن ولا هوية , مثله مثل ملايين غيره , وشعوبا بأكملها , لم تعد تملك خيرات بلدها , وتمارس عليها عمليات قهر يومي .
ومع ذلك تظل هناك أسئلة نطل برأسها :
- هل الشخصية منكسرة وسلبية ؟
- ما دلالة العنوان ؟؟
ونجيب بان الشخصية إيجابية , لم تهرب من واقعها , رافضة في نفس الوقت هذا الواقع , وينكشف موقفها بأفعالها التالية :
(ابصق علي الرصيف )
والفعل الأخر : (وأمد يدي إلي جيبي محاولا قتل الوقت )
فإذا كان البصق يعبر عن الاشمئزاز من الأوضاع , فأن وضع اليد في الجيب يكشف عن موقف الشخصية أكثر , فقد يشير وضع اليد في الجيب لعدم القدرة على الفعل والعجز القاهر , لكنه يوحي أكثر بالرفض , فهي تفضل القهر والفقر عن إطلاق سراح اليد للمشاركة في عمليات الفساد , لقد رفضت واقعا مختلا , وهو ما عبر عنه في العنوان , فالدخول من النافذة , يوحي بارتكاب الجرائم , أي الدخول غير المشروع , وهو وفق على الخارجين عن القانون , فهل أختل الوضع , بحيث أصبح لا مجال للشرفاء سوى النافذة يدخلون منها ؟؟ , والخارجين عن القانون , والفاسدين يدخلون من الباب , وأيضا عن طريق رموز القوة التي تمثل القانون وهى الشرطة ؟؟؟
تجرى القصة في شارع , يعبر عن الضياع , في المدن المليئة بالكذب والخداع , في تلك الشوارع والمدن لن تجد هناك أي حقيقة , وانما الحقيقة ستجدها في ذاكرة الإنسان , وهو هنا وعى بطل القصة , كرمز لمكان غائب في ذاكرة الشعوب , ولكن رغم غيابه سيظل حيا , وأبدا لن يموت , معبرا عن الوجه الجميل للحياة وهو الأمل .
**********
الخوف و( الوحش)
( د. محمد أيوب ) - فلسطين
يرصد الكاتب الفلسطيني محمد أيوب أعمال المقاومة، مؤكدا أن كل شعب يفرز أسلوب للنضال يخصه وحده، وغير مشابه لأساليب الآخرين .. لكن أسلوب النضال مهما كان نوعه ،أو كانت ميزته لا يبدأ ألا بعد التغلب على الخوف وعربة قصة الوحش للدكتور محمد أيوب تقودنا للمواجهة :
( هواجس مـخيفة تغزوها ، وتغزو قلبه كلما عبر الطريق الوعرة إلى السوق .. آه .. لو كان هناك طريقُ آخر .. إذن لاختلف الأمر )
ومع ذلك فهو ليس خوفا من المجهول.. صحيح إننا نواجه وحشا خرافيا لا نراه .. جعلنا نتأكد تماما غلبه الإنسان الوحيد الضعيف الذي أعطى للحمار حق المساواة و للبضاعة صفة إنسانية بقوله :
(.. ثلاثتهم .. هو والحمار والبضاعة )
لكي يبتعد عن وحدته المخيفة حتى ولو لحظات قليلة في هذا الظلام الذي بدا انه لن ينقشع .. وهو يحاول مواجهه هذا الخوف أحيانا بالدين والتمسك بتراثه فيقول :
(ويتمتم ببعض التعاويذ التي حفظها عن جدته - التي كثيرا ما كان ينام على حكاية من حكاياتها الشيقة )
أقول انه ليس خوفا من مـجهول وإنما هو خوف من واقع نراه في نـهاية القصة (وجدوه راقداً وسط بركةٍ من الدماء )
لقد تمت مواجهته والتغلب علية فبدأت :
(خيوط الفجر تنتزع نفسها من نسيج الظلام لتصنع ثوباً للنهار )
الخوف ترسب بسبب الهزائم المتتالية للوطن وتضخيم صوره العدو للرغبة في التقاعس عن مواجهه هذا العدو والهروب من مساعده وطن في محنته وأدى هذا الخوف إلى خوف أخر:
(.. آه .. لو كان هناك طريقُ آخر .. إذن لاختلف الأمر )
لقد سد كل الطرق أو أعمى العيون عن طرق أخرى .. وقد تم التغلب على أسطورة العدو الذي لا يقهر من الداخل دون مساعدة من الخارج بقوله :
(ألم يتحدثوا عن الوحش في نفس الوقت الذي عاد فيه كل منهم سالماً ؟! لماذا يقاتل الوحش وحده ؟ كان يجب عليهم مقاتلة الوحش !! )
لكن الشعب الفلسطيني وحده تغلب على الأسطورة بحجر، وهنا تكمن معجزته، وفى الوقت نفسه تعتبر انتفاضته نموذجا فريدا من النماذج التي أفرزتها شعوب العالم، إثناء نضالها وبحثها عن الحرية ..ليكتشف الاحتلال في نـهاية الأمر، أمام هذا النموذج المدهش، انه ليس بالقوة التي يتصورها .. وانه قد جاء إلى مكان سينزف فيه نزيف النهاية ،مع رقصة الموت التي يرقصها وحده
----------
خطاب القوة وأزمة خطاب الضعف
في قصة : ( ماجدة محمد )
------------------
لهويدا صالح – مصر
-----------------
هويدا صالح كاتبة من جنوب مصر ، تعيش في القاهرة.تعمل هويدا على كشف الخلل الذي يتحكم في الناس بشكل تعسفي ، من خلال النظر حتى لأصغر الأحداث التي تمر في حياتنا، ولديها نظرة واضحة للحياة تملك المنطق والثراء ، لكنها تقدم في ذات الوقت شهادة قاسية ضد العنف الذي يمارس ضد الضعفاء والخصوم والمهمشين في المجتمع .
وتكشف قصة ( ماجدة محمد ) عن خلل داخل مجتمع , وتحدد نوعه , و لا تترك بأسلوبها هامشا كبيرا لتفسيرات متناقضة , ولا أحب أن انخدع بمقولات متعددة تعنى أن كتابه المرأة عن المرأة تعنى الأنثى , لأن الكاتبة هنا تنطلق من الموقف الإنساني , وليس غيرة , حتى مع إيراد الملامح الأنثوية بالقصة , فهذا الموضوع يمكن تطبيقه على الطبقات الضعيفة المهمشة في المجتمع وليس المرأة فقط , لأن القوة تفرض خطابها الخاص , والضعف يوجد أيضا خطابه , لكن خطابه الخاص متواريا , حتى لا يتعارض مع خطاب القوة المعلن والمفروض , وخطاب الضعف هو نوع من المقاومة, تتخذ أشكالا مختلفة منها تعبير السلوك الواجب : كابتسامة الخادم والانحناء للرئيس أو المدير في مكان العمل والإنصات باهتمام لأي كلام تافه يقوله , ثم الطعن فيه من الوراء مع ابتسامه واسعة من الأمام .
إن هذا السلوك الفردي يعبر عن ازدواجية أنتجها الضعف , كما أنتجها القهر غير الإنساني الذي يقع دائما على الطبقات المهمشة والضعيفة في المجتمعات ( رجال أو نساء أو أطفال ) .. لكنه يدل على أن خطاب القوة مرفوض من جانب الضعيف , لكن الرفض ليس علنيا , لأن الرفض العلني سيحدث مواجهه , وهو ما يعنى (هزيمة الضعيف وتدميره , لذا ينتج الضعف خطابه الخاص ) حتى يستمر في الحياة : الموافقة العلنية والرفض في الخفاء , وهو ما أنتج أسلوبا أصبح جزءا من الشخصية الفردية كشيء طبيعي فيها , كما تصرفت ماجدة وكما يعبر النص :
(أما ماجدة فهي قادرة علي شغل حيز يبحث عنه الرجال دائما .. )
وفى مقطع أخر :
(.. جاءت أمام المدرس الأول ووقفت مستكينة وبريئة وقالت بصوت هامس:
ـ من أجل خاطرك يا أستاذ سمير..ثم أضافت بدلال. لا أقدر علي رد طلب لك . )
وإذا كانت هذه المقاطع تحمل ملامح أنثوية , ترضى رغبات الرجل , فهي أيضا يمكن أن تحمل ملمح أخر , ففي كثير من أوضاع المجتمع يتخذ الرجل الضعيف موقفا مشابها وخاضعا نحو السلطة كعبارة عن خطاب مستتر, يرضى به خطاب السلطة ورغبتها في السيطرة , ومحاولة مداراتها لتحقيق مطلب الضعيف .. وهاهو مقطع معبر وكاشف :
( تدرك أن الرجال يعاملون المرأة الضعيفة بود ويتيحون لها الحماية اللازمة .. في وجود أي رجل لا تبدي قوتها أو ذكائها بل تدعي البراءة حد الغباء .. تعرف أن المرأة الذكية أو القوية لا يتعاطف معها أحد )
وبذلك لا تعبر هذه القصة عن شخصية أنثوية , ولا تحصر نفسها فى منطق مستهلك وضيق , بل تتجاوز أبعاد الشخصية المحورية فيها إلى المجال الإنساني الأرحب , معبرة عن ذاكرة ثقافية للمجتمع ووضعا شديد التعقيد تضيع فيه الحقوق كحق المعارضة وحق المساواة وحق الحرية .
أن شخصية ماجدة بلا حضور ولا هوية غير ذلك الحضور الذي نراه أمامنا , حضور غائب وملتبس ومراوغ أيضا , عندما تحضر تلك الشخصية تحضر معها ذاكرة ثقافية عن العيب والحرام , والضعف والقوة , المجتمع والمدينة , لا تحضر وحدها كشخصية مستقلة ومتفردة , بل مصحوبة بتراث ثقيل من الماضي ممتد إلى الحاضر , إنها تأتى ومعها شخصيات مختلفة , طبيعتهم وأفكارهم , وشخصية المجتمع وسيطرته الهائلة على أفراده , عاداته وتقاليده , إننا نرى أمامنا مدرسة المفترض كونها مثقفة تحمل بين كتفيها رأسا مفكرا , يناقش القضايا السياسية والاجتماعية , لكننا لا نرى سوى رأس أنثوي مستلب لا يفكر إلا في تحقيق رغباته ومحاولا الحصول على ما يريده بالكثير من التحايل والمكر وهو ما ينطبق على الكثير من الشرائح الضعيفة .
ونظرا لأن القصة تدور في وسط مؤسسه تعليمية ينبغي أن تكون ثقافية تنويرية , فأن الأمر يؤدى إلى غياب دور المثقفين التنويري و أعاقه حضورهم الإيجابي , وبذلك يصبح التراجع شاملا والانكسار كاسحا : انكسار اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي .
تمزج الكاتبة بين جماليات الكتابة والأحاسيس الصعبة للنفس , وتفاهة التفاصيل اليومية , مع انعدام تام لحرية الحركة التي تفترض مجال واسع للاختيار , معبرة عن شريحة عريضة من المجتمع , وعن طريق التصفية تبقى على خيط أساسي , هو تصرفات الشخصية المحورية بغية تشكيل وعى حاد ضد التحايل والمكر والضعف والاستلاب , والكاتبة أثناء طرحها الموضوع لا تترك هامشا كبيرا لقراءة مختلفة , مما يعنى إدانة صريحة , مؤكدة أيضا إننا كمجتمع أوجدنا الضعف الذي أنتج هذا التحايل , ونحن الذين سمحنا له بالاستمرار.
-------------
#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟