|
حوار مع الشاعر العرقي وديع شامخ
وديع شامخ
الحوار المتمدن-العدد: 3736 - 2012 / 5 / 23 - 20:13
المحور:
الادب والفن
الشاعر وديع شامخ... - الهجرات والتحولات الداخلية نفسيا هي صنو روحي القلقة ,, - المنفي بالنسبة لي معادلة وجودية وليست مناسبة للرثاء - الحرية ليست مفهوما سلعيا أو منتوجا سياسيا .. الحرية نزوع إنساني متأصل . - من أجمل أخطائي .. حُسن تعاملي مع الحرية غريزيا - الأدب الكردي.. أدب وأبداع إنساني قبل أن يسجن في قوميته ... - الشوفينية العربية عبر أنظمتها ساهمت في تُغيب وتهميش الإبداع الكردي - أتنفس حياتي برئة خالية من ثاني أوكسيد الدجل والرياء والإنقطاع السلبي عن الآخر.
حاوره في سيدني: عبدالوهاب طالباني عرفته صوتا شعريا متجددا من خلال قصائده المنشورة هنا وهناك ، ولكنني تعرفت عليه أول مرة وجها لوجه في ملاذنا الآمن الاسترالي ، وكان لي شرف القاء شهادة في شعره أثناء حفل توقيع كتابين له في سيدني اقامته جريدة بانوراما ، وعند محاولتي كتابة بدايات الحوار سائلا اياه من هو وديع شامخ كان جوابه انتفاضيا ، وكان لا بد ان يكون هكذا ، واحببت ان يكون هكذا ، فقال وكأنه يقرأ احدى قصائده: - السؤال فيه من الاستفزاز وحب المعرفة معا .. مجهولية وديع شامخ عندك َ تضع السؤال في خانة القلق السقراطي أعرف نفسك أو عرّف نفسك الآن ؟ نسبة لي . . عند معاينة التاريخ الشخصي للكائن لابد من وجود ذات مبدعة ,ونصوص عارية .. لكن الفيصل برأيي هو وجود حقل للفصل .. قلت له ، لنعيد صياغة السؤال .. في أي حقل يشتغل وديع شامخ ، واي ثمار تشير إليه ...ومن ثمارهم .. تعرفونهم . كما يقولون قال : - انا كائن أكلت الحروب والحصارات نصف حلمه ، وزرعت الغربة في خاصرته وطنا لايكف عن الأسئلة. في حقل الذات و عبر موشور ثلاثي الابعاد أم عبر مرقاب كوني لملاحقة مصهر العقول في طرس واحد. وتساءل: هل نضع لوديع شامخ جذورا ضاربة في حلم جلجامش للهروب من انسانيته نحو الالوهية ، ونصف اخرى لادميته نحو الخل الوفي " انكيدو" . هكذا بدأت الاسئلة تتسلقني ، وتسطو على قوامي . انا ابن الدرس ..من اواخر القدر رُسمت ليّ صورة كصورة الله " عندما أفقت على الدنيا : تقول أمي : انني لم أكن احتمل " القماط" رغم صرختي التقليدية بولوج العالم بعد نزولي من رحم أمي.. كنت وعلى عهدة والدتي أمد يدي من القماط واتخلص من حبالي وقيدي البيضاء .. وتلك عادة رافقتني.الى الآن. من عادتي رمي الاغطية عني حتى في زمهرير الشتاء.. يبدو انني لا اتروض ولا احب القيود .. لذا كانت الهجرات الداخلية نفسيا والتحولات هي صنو روحي .. فحملت طفولتي واندهاشاتي وخوفي معي في جعبتي لكي أعلن رسالتي للعالم عبر البراءة والاسئلة .. بقيت طفلا منذ ولادتي في مدينة الجمهورية في البصرة .
وانتقلت الى مكان اخر في دنيا وديع شامخ الى الجذور فقال:
- أنا نخلة جنوبية جذورها ضاربة في كل الكون ومنذ سومر فأنا كائن مائي سومري .. ولكني أيضا ابن المنابع الصافيه من جنوب الجسد الى شمال الروح .. لا اتذكر اول نص كتبته لانني لا اؤمن بالبدايات في الفنون الابداعية ، لان الزمن هنا سائل ولا تعرف بالتحديد اين كانت البداية : هل من رحم الام ام من رحم الحياة ؟ - نصوصي ، هي ولادتي الدائمة . انا ابن الصيرورة، وقد يختلف المهجر عن سواه في حياة الكثيرين لأسباب مادية أو مزاجية صرفه .. لكن المهجر نسبة الي وفر لي تجربة ثانية في حياتي الانسانية والابداعية .. المهجر ليس معادلا لاجترار الحزن والنواح على الوطن المفقود .. انا اعيش في علاقة جدلية مع جذوري ومع قامتي حيثما أكون .. لا اشعر بالقطيعة .. أتنفس حياتي برئة خالية من ثاني أوكسيد الدجل والرياء والانقطاع السلبي عن الآخر. وديع شامخ كائن أكلت الحروب كبده وتنفست المأساة حياته وهو عنقاء تعاود البريق انسانيا ونصيا كلما أراد أصحاب الزمن المائع ان يسبدوا بزمانيتي الكبرى .
واخذنا الحوار الى بدايات الصعقة فسألته: - اللحظة الشعرية ، او بداية صعقة اللاشعور..كيف تصفها؟ - اللحظة الشعرية وفقا للفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار هي لحظة ميتافيزيقة تغيب فيها موازين العقل ، وينطلق العقل البشري الى شحذ كل قواه لانتاج نوع من البضاعة غير النمطية والتقليدية .. فالقعل البشري يصدر يوميا آلاف الاوامر للكائن البشري لكي ينظم حياته الفيزيقه وربما النمط المتوارث الميتافيزيقي في وجود العقل النشط الصاحي ، او في تلافيف اللاوعي حينما ينام الكائن مستسلما لقوة عقله أو لا وعيه ومرجعياته. في الابداع ليست هناك أوامر يومية نمطية يصدرها العقل اليومي ، هنا يحتاج الكائن الى " اللحظة الميتافيزقية " لحظة الخلق .. لحظة يتحول فيها الانسان الى متأمل ومنصت نوعي الى صوت داخلي لا يُشبه اي صوت في الجوقة .. هناك حيث الصوفي يسمع صوت الله .. سيصل الشاعر الى امتلاك ناصية اللغة بهذا الصوت . الابداع لحظة امتلاء ونشوه لا تستوعبها قواميس اللغة وأنماط الحياة التقليدية. الابداع ليس مشروطا بنمط ونظام صارم محدود .. هو الطيران بأجنحة لا تعرف التنميط والتدجيين .. والابداع ايضا متعة ولعبة معا حين يصل الى مرحلة النضج بيد الصانع الماهر .. الابداع رسالة مفتوحة للتأويل من قبل منتج عليم وبريء معا .
- كيف تتصور قراءة المتلقي لما وراء نصك ؟ هل تحسب له حسابا عند خوضك في سبر مخيلتك وتحويل تجليات حلمك الى نص ابداعي؟
- اذا رجعنا الى الكتابة بوصفها فعلا ابداعيا فرديا خاصا ، فالقراءة هنا تعني التعدد في كشف المعنى .. نظريات النقد في التلقي والاستجابة الحديثة اتاحث للقارىء ان يحتل مركزا مهما في العملية الابداعية ، فالقارىء هنا هو معادل لمهنة المنتج ، وهنا تنشأ علاقة جدلية وفاعلة جديدة بين القاريء والمنتج او الكاتب لا تخضع لشروط المنتج القديمة بهيمنته الواضحة على النص منذ لحظة كتابته الى وصوله بيد القاريء. أنا لا اخضع لمعايير اخلاقية أو سياسية .. الخ، في انتاج نصوصي الشعرية تحديدا .. أكتب النص ربما للمتعة والجمال او لارسال رسالة . المهم ان القارىء لا يضع ضغطا على أصابعي وعقلي في انتاج النص .. ولكني سأكون بالتأكيد عرضة لمزاج وثقافة القاريء عندما أطلق نصوصي .. لحظة اطلاق النص في فضاء الإتصال ووصوله الى المتلقي هي اللحظة التي أموت فيها ويبدو كل شيء خارج عن سيطرتي ليبدأ النص في إقامة حوارية مع القاريء وفقا للمهيمنات النصية المبثوثة ، ووفقا لإشارات النص وفهم القاريء لها .
الشاعر وديع شامخ معروف عنه اهتمامه بالنقد الادبي ...، - اين انتاجك من عملية النقد ؟ وانت لك باع كبير في موضوعة النقد؟ - عندما انتهي من نشر مجموعة شعرية او أيّ اثر كتابي فقد اكون قد تخلصت من سلطة الانا ويصبح بداهة ملك الاخر ، وربما سأكون متشظيا لقراءات او صمت الاخرين . وفق تجربتي لم يسكت الاخرون عني سواء شفاهيا او كتابيا .. فلقد تناولت الكثير من الاقلام النقدية تجربتي الشعرية .... فمنذ اول مجموعة شعرية صدرت لي عام 1995 وهو " سائرا بتمائمي صوب العرش " وبرغم صدورها في نسختين من مطابع جامعة البصرة لانني لم احصل على موافقة وزراة الثقافة والاعلام حينذاك .. ولكن النسختين تناسلتا بالاستنساخ وقد كتب عنها الناقد والشاعر ريسان الخزعلي دارسة مهمة بعنوان " النور في قصيدة الظل" وهو يشير الى التهميش الذي طالني ، كما كتب و أشاد الاصدقاء نقادا وأدباء بالمجموعة واعتبروها رسالة مهمة لاثبات صوتي الشعري الخاص، أما المجموعة الثانية وهو " دفتر الماء" فقد صدرت عام 2000 في بغداد عن دار مدى ، فقد لاقت رواجا عند الكثيرون.. اتذكر منهم الشاعر حسين حسن ، ريسان الخزعلي ، علي عيدان عبد الله ، ناظم السعود ، الدكتور حسين سرمك ، والدكتور اسماعيل الربيعي و المرحوم سليم السامرائي ، وربما أتذكر بمحبة رأي الشاعر والناقد المهم عبد الرحمن طهمازي الشفاهي والذي أكد لي انها تجربة شعرية ناضجة تماما. عندما تركت العراق بداية عام 2001 الى الاردن ومنها الى الاستقرار في استراليا حيث اصدرت مجموعتين وهما "مايقوله التاج للهدهد عن دار التكوين في دمشق عام2008 والاخرى " مراتب الوهم " عن دار الينابيع في دمشق عام 2010 ، وقد كانتا محط اهتمام نقدي رائع من قبل نقادنا والادباء معا ..فقد كتب من بيروت الناقد العربي جورج جحا أستاذ الادب العربي في الجامعة الامريكية ببيروت مقالا مهما عن التاج والهدهد، وكذلك كتبت المبدعة الكبيرة لطفية الدليمي ، والدكتور حسين سرمك ، وريسان الخزعلي ، ومنذر عبد الحر ، ومكي الربيعي ،والناقد رياض عبد الواحد ،وجمال حافظ واعي ، وجمال البستاني ، وكريم الثوري، وفائز الحداد .... وقد أقام أدباء البصرة حفلا تكريميا خاصا لصدور المجموعة إذ نظموا امسية احتفائية في مقهى الادباء في العشار وشارك فيها العديد من الاصدقاء المبدعين ومنهم الشاعر المبدع حسين عبد اللطيف والناقد حاتم العقيلي والناقد خالد خضير والشاعر حبيب السامر واخرون اقف تحية لهم .. حيث كان هذا الحدث محطة مهمة في حياتي للوفاء الكبير من قبل الاحبة المبدعين بتجربتي وانا بعيد عنهم .. وهذا يعني انني حاضر معهم بقوة النص رغم البعد الجغرافي .. كما اقيمت لي امسيات في سدني بمناسبة صدور المجموعتين من قبل مؤسسة أور الثقافية اذا قدم الامسية المترجم محسن بني سعيد وشارك فيها الشاعر مكي الربيعي وتم مسرحة نصوصي من قبل الفنان عباس الحربي ليقدموا مونودراما جميلة شارك في ادائهما عباس الحربي ومنير العبيدي وأميل عامروسامي شينه.. واخر احتفاء بالمجموعتين هو الحفل الكبير الذي اقيم برعاية جريدة بانوراما، وقد تحدث عن تجربتي كل من الشاعر المبدع غيلان والصحفي المعروف عبد الوهاب الطالباني والشاعر مكي الربيعي والشاعر شوقي مسلماني .
- سؤال تقليدي ولكني ازعم انه قد يكون مهما: ماذا اضافت السنوات التي قضيتها في المهاجر الى مخيلتك وتجربتك الابداعية؟ - لا اعتقد هذا سؤلا تقليديا لسبب بسيط، ان المهجر عند البعض هو سجن وابعاد واقصاء .. بينما يمثل لي حقلا جديدا لبذار وفتح .. وسوف أسرّك ايها الصديق، أن ايامي في المهجر كانت خصبة جدا .
كلّ خطوة في الحياة هي إضافة نوعية لتجربة الكائن الباحث عن ينابيع الجمال، وإن رافقتها خسارات كمية هنا وهناك، فالحياة إذ تبدو قفصا كبيرا فهذا ما لا يليق بالمبدع الحر، لذا فأن التحول والصيرورة هي صنو القلق الإنساني بغض النظر عن مجال وأفق هذه التحولات، مكانيا وزمانيا.. وفي مسعى الكائن المنتج للبحث عن يوتوبياه، يصطدم دائما بمتطلبات السكون والدعة، وإيثار السلامة والوقوف على التل..الخ، فترى الناس مختلفين في تفسير أمر الرحيل مكانيا وزمانيا، أو حتى في البقاء والإستقرار. مبدعون كبار إستمروا في البقاء في أوطانهم ولم يتلوثوا في مسيرتهم الإبداعية وسوف أبدوا متعسفا لو ذكرت أسماءً واهملت أخرى في العراق، حيث هناك الذين كافحوا ببسالة من أجل بقائهم على قيد الحياة الإبداعية فاعلين منتجين. أما عن المنفى وهو مفهوم نسبي إذ يبدأ من صراع الإنسان مع نفسه ولا ينتهي بخروج الكائن الى فضاءات ومدارات كونية مكانية وزمانية نائية. وما أُصطلح عليه بالمنفى هو ليس إمتيازا، بل خيارا قد إستثمره البعض للخروج من سم الإبرة، وهو خيار إنساني محض وعذاب وليس وسام تميّز على الاخرين.. فاذا ما كان المنفى بهذه الصفة فهو فرصة مضافة وتجربة قد لا تمنحها لك الظروف التي إرتحلت منها مكانيا وزمانيا.. أنا أتكلم بتجرد انساني كبير دون مزايدات سياسية أو نضالية فارغة، رغم اهميتها وحقيقيتها عند البعض، كما أعتقد أن الغالبية هم ضحايا وليسوا أبطالا. مثلا وجودي خارج العراق هل هو منفى أم منأى؟.. تلك أسئلة انطلقت من نص كتبته في البصرة أواسط التسعينيات قلت: ”تفتق قلبي وابتدأ موسم الهجرات، وقلت:" قلقي حرث والفرات سائغ للرواة" المنفي إذن.. بالنسبة لي معادلة وجودية وليست مناسبة للرثاء، إنها تجربة البحث عن آفاق واسعة لإثراء التجربة الكامنة والمشروع القادم، وليس البحث أو السفر فقط. المنافي مقرونة ببسالة فردية لأنها خلاص فردي كما الإبداع نفسه رغم كلّ ما يحيطها من مسلات من دموع وذكريات لا تنشف على مجامر الذاكرة، فهل كان جلجامش تعيسا لهروبة من الملك والسلطان والجبروت، لا.. كان له هدف للبحث عن الخلود، كان يمكن لجلجامش أن يخلد وهو داخل أسوار أوروك والعذارى ولكنه فضل الترحال، فهل كان منفيا؟ المنفى هو نتيجة منطقية لكلامنا عن ثنائية السياسي والمثقف، لا بد أن يكون منفيا داخل نفسه وخارج وطنه. أما عنيّ شخصيا فقد نضجت تجربتي في كل خطوة أبتعد فيها عن المؤثرات الضاغطة على حياتي النصية، إجتماعيا واقتصديا وسياسيا.. فانا أحب الوفرة والرخاء والحرية، وأبتعد جاهدا عن كل سبيل يوقفني عن الوصول الى هذا المجد. المنفى ليس براقا دائما، كما يعتقد البعض ولم يكن بمتناول اليد، أضعنا الكثير من أجل الوصول إليه، وأنا متشبث بأظافري للاستفادة القصوى من هذا المناخ لغة وتقاليد وانفتاحا على عالم آخر.. المنفى إثراء للوطن أذا فهمنا معادلة مهمة ”الوطن هو أبناءه".
- الحرية ..ما موقعها من العملية الابداعية؟ - عزيزي الحرية ليس مفهوما سلعيا او منتوجا سياسيا .. الحرية نزوع انساني متأصل ..ومن أجمل اخطائي هي حسن تعاملي مع الحرية غريزيا ..أذ انتميت الى الحرية بوصفها مفهوما انسانيا قبل كل شيء .. مثلما يحمل الانسان ملامحه أحمل حريتي . في العملية الابداعية بوصفها دورة استحالة النص والانسان . تدخل الحرية في مرشحات عديدة أولها قدرة الإنسان وفطرته ونزوعه الى الذهاب للافق ، هناك حيث يلقي الشاعر بسهمه ليصيب كبد الحقيقة الغائبة و يشير الى اسئلة ..بلا حرية لا يمكن انتاج نص حر وجمالي وانساني بإمتياز .. وقد شهدت حقب الدكتاتورية في العراق نشوء ظاهرة الكدية والمدائح من قبل وعاظ وشعراء السلاطين ، في الجهة المقابلة انتج شعراء الهامش نصوصهم برمزيه عالية وأقنعة عميقة للتخلص من الرقيب ومقصه والسياف وسيفه. الشاعر والمبدع عموما عندما يساوم على حريته أزاء انتاج النص سيكون هو ونصه بضاعة رديئة وتالفة ومفسدة للذوق وشهادة زور تاريخية ووصمة عار في جبين منتج النص والمرحلة التي ساهمت في احتضان هكذا منتجين .
- ما الجدوى من كل هذا الهم؟ هل هو قدر الشعراء؟ لا جدوى بالمفهوم الاقتصادي الصرف .. لكن الجدوى ان تجد جسدك وهو يحتمل روحك النافرة بجدارة .. اما قدر الشعراء فهو قدر اخر .. قدر لا يوصفه الاباطرة والساسة والمنجمون معا .. قدر يتوافر على قيمة جمالية خالدة ... قد يكون القدر على طريقة المتنبي ..أنام ملىء جفوني عن شواردها ...... ويسهر الخلق جراها ويختلف . أو قد يكون على طريقة الحلاج بقولته :أقتلوني ياثقاتي ، ان في موتي حياتي .. وحياتي في مماتي . ولكن المؤكد جدا أننا مقبلون على زوال جسدي فيزيقي لابد ان نقاومه .. والشعر أحد الممكنات بيد الشاعر الصانع لفعل شيء ما أزاء اندثاره .
- كانشغال ابداعي ، ما الذي يشغلك هذه الايام؟ أذهلني جوابه عندما بدأ قائلا: يشغلني الانتهاء من اسئلتك اولا ..هههههههههههه. وبعد .. يشغلني أكثر من مشروع .. الاول هو اصدار روايتي الاولى " العودة الى البيت" التي سترى النور قريبا عن دار ضفاف للطباعة والنشر والتوزيع ، والثاني هو ترميم نصوص مجموعتي الخامسة " تحت بيت العنكبوت".. مع اهتمامات يومية تتعلّق وتتعالق بوجودي كائنا في اسرة ومحيط ومجتمع .. انا الان أتذكر الشاعر الفرنسي بودلير وهل هو على خطأ عندما تحدث عن اخصاء المبدع .. المشروع الابداعي يحتاج الى عمر بأكمله حقا .
- هل لكم اطلاع على الادب الكوردي ...فماذا تقول عنه؟
بالتأكيد لدي اطلاع على تجربة الادب الكردي شعرا ورواية وموسيقى وغناء وتشكيل .. ولكن للاسف انني لا اجيد اللغة الكردية، لذا تراني اتتبع واتسقط اخبار المشهد الابداعي الكردي عبر ما يترجم الى اللغة العربية وتحديدا ما يصلني كمؤلفات مطبوعة او عبر النت . الادب الكردي.. أدب وابداع انساني قبل ان يسجن في قوميته ....وقد ساهمت الشوفينية العربية عبر انظمتها ان تُغيب وتهمش الابداع الكردي وخصوصا في مناطق تواجد الاكراد في سوريا وتركيا وايران والى حد ما العراق . ففي حقل الشعر اقرأ في تاريخ الشعب الكردي تجارب عريقة ابتدأت منذ رباعيات بابا طاهر الهمذاني (935-1010م),. أذ يقول لقد غرستْ شجرةُ الحزن جذورَها في روحي
فأناجي أمام عتبة الملكوت ليل نهار
أيها الشباب! أدركوا قيمة حياتكم..
لأن الأجل كالحجر.. و الإنسان كالزجاج ! حتى بدأت تحولات صوفية وعرفانية باطنية جاءت على يد الملا أحمد الجزيري (1407-1481م.. وبعده أحمد خاني (1650-1706م). ولأول مرة في تاريخ الشعب الكردي يترجم خاني قلق شعبه المكبوت. ثم هناك بيره ميرد (1867-1950م) وحمدي (1876-1936م) وأحمد مختار (1897-1935م) وفائق بيكه س (1905-1948), ونوري الشيخ صالح (1896-1958) وآخرون. ثم جاءت تجربة عبد الله كوران في النصف الثاني من القرن العشرين وهي تمثل النموذج الجدديد في الأدب الكردي والتي حاول التحرر من القيود الشكلية التي خضع لها الشعر الكردي القديم ،لاسيما تلك القيود العروضية . ثم تأتي تجربة الشاعر المعاصر شيركو بيكه س الشعرية والتي يقول عنها النقد " كانت تجربة محافظة و خلاقة في الوقت ذاته, فمن الناحية الأولى تمثل إدامة القلق المولد عن الذاكرة الكردية المتقصية عن الفاعلية التاريخية، وإدامة الإيقاعات الهجائية التي استخدمها كوران لأول مرة في بنائها الحر لتصوير البنية المكانية الكردستانية، التي تتسم بالتنوع والتكرار، لكنها تصبح هذه المرة عند شيركو مأوى جبلياً لحماية وجود الإنسان الكردي، لاسيما عندما تضيق به السهول, ويتهدد وجوده الفيزيائي.. ومن الناحية الثانية, تمثل تجربته إبداعاً في فضاء اللغة الكردية، الذي يتمدد لا ليتسع للملفوظات فحسب, بل للمحسوسات والمرئيات ومخزونات الذاكرة أيضاً.. فإذا كان كوران قد تمكن من توظيف الطبيعة الكردستانية وعناصرها الفنية توظيفاً جعل من قصائده لوحات حافلة بالجبال و الينابيع ومشاهد اللقاء مع الحبيب، بشكل يستحق بجدارة أن نسميه رسام الطبيعة الكردستانية, وريشته الكلمات" كما كان الشاعر المبدع لطيف هلمت معاصره استطاع ان يرسم خطا حداوثيا في مسيرة الشعر الكردي .. اعجبتني تجرته الايروتيكية كثيرا . ولقد تسنى لي مؤخرا ان أطلع على تجارب شعر الشباب الكردي أذ التقيت في سدني بالشاعر الشاب الرائع فريد مخموري والذي ادهشني بحسه الشعري العميق ووعيه التاريخي ،كما تعرفت على المشهد الشبابي الكردي ، فهناك اسماء مؤثرة مثل .. فريد سامان، هه ردي قادر ، عبد الرحمن بيلاف ، عبد الحميد زيباري .. ومن الشابات اعجبت كثيرا في شعر نيكار نادر وبجرأتها العالية والعميقة .. وكذلك كزال أحمد .. واعتقد ان المشهد الشعري الكردي اكبر من اتتبعه . وفي حقل الرواية اتابع المشهد واعرف اسماء تشكل صدارة المشهد منهم "أبراهيم أحمد ، محمد موكري، خسرو الجاف ، وهذا الرواية تعرفنا عليه في بغداد وقرءنا رواياته ، وكذلك فرهاد بيريال ، عبد الله السراح ، عزيز ملا رش واخرون .. لقد استفاد الكورد من اجواء الحرية بعد عام 1991 فصاروا مشاعل مهمة لبناء ثقافة وطنية عبر بناء مؤسسات مهنية لحماية المبدعين أو احتضان المبدعين والترويج لنتاجهم عبر معارض الكتاب المستمرة .. - لا يوجد مقدس في الشكل الشعري .. كيف تقرأ هذا الجملة ؟ هذا سؤال مهم وحيوي، فلو تتبعنا نشوء وتطورالأشكال الإبداعية عبرالتاريخ، سوف نراها قد مرّت بفترات من التراكمات الكمية داخل الشكل الشعري المعين، ويكون التجديد أو التحديث من داخل الشكل الشعري ذاته كما حصل في تجارب الشعراء العباسيين مثل "أبو نواس، بشار بن برد، سلم الخاسر، أبو تمام، المتنبي، أبو فراس الحمداني، دعبل الخزاعي، أبو العتاهية، أبو العلاء المعري، البحتري، مسلم بن الوليد، العباس بن الأحنف، الحسين بن الضحاك.. إلخ" والذين أعتبروا من المولدين أو المجددين في العمود الشعري من خلال إزاحة الاهرامات الطللّية والغور في نحت البيت الشعري بطرائق مبتكرة لم يشهدها الشعر العمودي من قبل، وكما جاء في بيت لأبي نواس يسخر من شعراء الإطلال، اي أنه يضع الحجر الأساس للسؤال القادم عن مصير العمود الشعري وضرورته على مستوى الشكل أولا، بقوله: قل لمن يبكي على رَسمٍ درسْ واقفا ما ضر لو كان جلسْ وإستمرت فترة التجديد من داخل الشكل العمودي قرون عديدة، تخللتها جهود الشعراء الأندلسيين وتنويعاتهم الشكلية والمضمونية مثل المعتمد بن عباد وإبن زيدون وإبن رشيق، وابن زريق...وكذلك في الموشحات مثل لسان الدين بن الخطيب وإبن قرمان.. الخ، وصولا الى جهود ودعوة الشاعر والمفكر العراقي الكبير معروف صدقي الزهاوي بالتخلي عن القافية والتي وصفها "بالذيل" لانه كان متأثرا بنظرية النشوء والإرتقاء "لداروين". بعدها حدثت تغييرات نوعية وتجارب جريئة تطاولت على الشكل الشعري العمودي وكانت لبنات مهمة في التحضير لقبول المولود الجديد والذي أصطلح عليه خطأ بـ"الشعر الحر". فهناك جهود علي أحمد باكثير وجماعة أبولو والمهجريين، حتى جاء دور الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وزميلته الشاعرة العراقية نازك الملائكة في قصيدتيهما "هل كان حبا، والكوليرا : ليدقا جرس الإنذار لولادة شكل شعري جديد وهو ما أميل الى تسميته بـ"شعر التفعلية" لأن الكتابة الشعرية الجدية لم تتحرر من سطوة أوزان العروض العربي تماما، وقد زامنهما الشاعر عبد الوهاب البياتي ليشكلوا ما أصطلح عليه في الأدبيات العراقية "جيل الرواد" وكانوا ومن معهم روادا فعلا ساهموا فيما بعد "ما عدا نازك الملائكة التي لم تكمل مشوارها التحديثي" بتأسيس مناخ جديد في الشعر العربي الحديث، وتوالت جهود شعراء العربية في الخمسينات والستينات لتبلور مرحلة أخرى لإنبثاق شكل جديد مختلف تماما وهو ما أصطلح عليه خطأ في تقديري أيضا "قصيدة النثر"، في حين أراه مع أخرين هو "الشعر الحر" لتحرره التام من الوزن والقافية واعتماده المطلق على تحقيق الشعرية بأستخدام تقنيات شكلية ولغوية مغايرة والاستفادة من كل ما هو متاح من الفنون والأداب المجاورة وأقربها السرد والسينما والمسرح.. الخ. ولا بد من التنويه هنا الى جهود الشاعر نزار قباني في رغبته بإزالة الشحوم والزوائد عن جسد القصيدة كما يقول هو، وعلى ما أتذكره في حوار له مع منير العكش يقول : أريد للقصيدة أن ترتدي تي شيرت وترنيشوز وتقفز... أي أن القباني مع تحرر الشعر العربي من الأعباء التي لازمته طويلا. كما كان للشاعر والمفكر ادونيس الدور المهم مع الشعراء يوسف الخال، انسي الحاج، توفيق صايغ، محمد الماغوط، و"مجلة شعر"، في تبني حركة النشر وعرض التجارب الحداثية للشعراء المنتمين لهذا اللون من الشعــر، وهي الحاضنة المهمة لهذا لشكل الشعري الجديد،. وفي العراق كان لجماعة كركوك أثرهم الماثل في شيوع "الشعر الحر" في المشهد الشعري العراقي، هذا غير جهود كبيرة وتراكمات من الشعراء الذين جاؤوا فرادى، أو تم تصنيفهم وفقا للمفهوم النقدي العراقي بتوصيفهم بالأجيال، لقد ساهم الجميع في رسم صورة الوليد الجديد، وقد عانى الشعر الجديد من هجمة شرسة حول شرعيته كلون جديد في حقل البوح الشعري العربي، وكان دعاة رفض هذا الشكل ينطلقون في الغالب في الإتهامات من منظور خارج إبداعي، فتارة يوصف هذا " الشكل الشعري " بانه وليد حركات شعوبية هدامة تريد النيل من العروبة وعنوان بيانها وبلاغتها، وسيطرة الهامش على المركز، وهو الشعر العربي الذي يمثل واحد من المهيمنات المركزية لسطوة المركز، وتارة يوصف الشعراء بأنهم عجزوا عن كتابة الشعر الموزون والى غير ذلك من الاتهامات التي لم تصمد أمام ولادة ونضج " الشعر الحر "، وهذا هو ما أنتمي إليه بوصفه البوح الأكثر عمقا وتدفقا وجمالا لترجمة رؤيتي الشعرية نصوصا ثم أن الشعر الحر، هو الفضاء الأكبر لتمثّل تجارب شكلية متعددة كالنص المفتوح وغيرها من الاقتراحات الجمالية التي سوف تجد الأرضية الصلبة كي تمارس وجودها كأنواع شعرية تمتلك شرعيتها الشعرية الخالصة.
هذا الحوار لم يتم بين ليلة وضحاها ، فقد اخذ منه ومني ثلاث جلسات واتصالات وايميلات ..كانت اخر جلسة لنا في مقهى انيق تديره عائلة بوسنية ، في احدى ضواحي سيدني ، كل الشكر للشاعر والكاتب وديع شامخ ، وكان ان شاركنا في الحديث الشاعر الشاب فريد مخموري كما تبرع بالتقاط الصور الخاصة بالحوار وله الشكر الجزيل . ...............
اصداراته الشاعر وديع شامخ غزير الانتاج ليس في مجال الشعر الذي هو ملعبه و حقل ابداعه الجميل ، انما له حضور كبير في مجالات ادبية ومعرفية اخرى ايضا ، وقبل ان نرصد انتاجه في المجالات الاخرى نرى انه اصدر في مجاله الابداعي الشعري : *- سائرا بتمائمي صوب العرش ... البصرة، عن دار المأمون ، جامعة البصرة ..عام 1995 *- دفتر الماء... بغداد ... عن دار مدى عام 2000 *- ما يقوله التاج للهدهد .. دمشق .. عن دار التكوين 2008 *- مراتب الوهم .. دار الينابيع .. دمشق .. 2010
وله مخطوطات شعرية: (تحت بيت العنكبوت) (كيف أرسم حلما في دائرة الرأس) وكتب الشاعر وديع شامخ رواية بعنوان " العودة الى الببت" هي تحت الطبع وستصدر عن دار ضفاف للطباعة والنشر والتوزيع، وله رواية اخرى تنتظر الطبع بعنوان " شارع الوطن". في حقل التاريخ أصدرت عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان 2003..(الإمبراطورية العثمانية من التأسيس الى السقوط) -* 2005.. (تاريخ الإندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط الخلافة في قرطبة)-*
*- تناولت تجربته الشعرية العديد من الأقلام النقدية العراقية، في مقالات ودراسات نشرت في معظم الصحف والدوريات الثقافية العراقية ، والمواقع الالكترونية. *-- كتبََ الكثير من الدراسات والنقود الأدبية والمقالات السياسية والتي نشرت في معظم الصحف والمجلات العراقية والعربية
#وديع_شامخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ديمقراطية القرف الشرقية
-
المالكي... يستغيث
-
المالكي .. الهاشمي .. المطلك .. فساد الدهر وترقيع العطار
-
لى محمود عبد الوهاب في القبر..
-
لماذا يعود البعث؟
-
قذافي .... مَن هو الجرذ حقا؟؟
-
جلعاد شاليط بأكثر من ألف.. والدم العراقي بالمجان
-
السيادة الوطنية وأمرضها
-
مازن لطيف .. نورس المتنبي وبشير عراقي ثقافي ..
-
الفيدرالية والعماء السياسي العراقي
-
كاظم إسماعيل الكاطع والقوافي النشاز
-
دمعتي على فأس الحطاب
-
التلصّص على الذات
-
عرس الدجيل... واقعة الدم العراقي المجاني
-
الفرح مهنتي
-
ميليشيات على جرح العراق
-
أوراق من دفاتر الشهور
-
أفول المُلك العضوض
-
ثقافة الإحتراب في المشهد الإبداعي العراقي
-
جمعة العراق العظيمة
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|