|
حمدين صباحى هو الحل
هانى جرجس عياد
الحوار المتمدن-العدد: 3733 - 2012 / 5 / 20 - 13:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
ثلاثة عشر مرشحا فى أول انتخابات رئاسية مصرية، لا يعرف أحد نتيجتها مسبقا، منذ إعلان الجمهورية عام 1954. لم يتوقف أحد كثيرا أمام دلالة هذا الرقم (13 رقم الشؤم)، ربما لأن بين المرشحين من هو أقرب ما يكون إلى الماء، بلا لون ولا طعم ولا رائحة، يختلفون عن الماء فقط فى كونهم بلا ضرورة أيضا، هكذا يتقلص العدد إلى ما دون رقم الشؤم، وبما يتيح لنا التخلص من أسر التشاؤم والتفاؤل، لنتأمل بقدر أكبر من العقلانية والهدوء. بيد أن ذلك لا يعنى أن لدينا بين من تبقى مرشحين فرس رهان حقيقى اكتملت فيه كل صفات مرشح الثورة، بل تحن أمام نماذج يفتقد كل منها جزء لا يستهان به من المقومات المطلوبة لرئيس (مصر 25 يناير)، لكننا فى نفس الوقت لا نملك سوى الاختيار من بين المعروض أمامنا حصرا، وبالتالى لا يعود أمامنا سوى الاختيار بين المعسكرات وليس بين الأشخاص. ينتمى فرسان السباق الرئاسى إلى ثلاثة معسكرات واضحة العالم حادة التقاطيع، معسكر الدولة الإسلامية، ويمثله محمد مرسى ومحمد سليم العوا، ثم معسكر نظام الرئيس المخلوع ويمثله أحمد شفيق وعمرو موسى، ثم معسكر الثورة، بدرجات انتماء متفاوتة، ويمثله حمدين صباحى وخالد على وهشام البسطاويسى وأبو العز الحريرى، ثم مرشح واحد يتأرجح ما بين معسكرى الدولة الإسلامية والثورة، وهو المرشح القوى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح. حتى وقت قريب مضى كنت أقرب إلى أبو الفتوح (المرشح المتأرجح)، شرط أن يتنازل له مرشحو الثورة بموجب اتفاق واضح يضمن طبيعة الدولة المدنية الديمقراطية، التى تصون وتحترم الحريات كل الحريات، وتقف على مسافة واحدة من كل الأديان ولا ترتبط فيها المواطنة بالدين، دولة يضمن فيها المصرى كل حقوقه بصرف النظر عن انتماءه الدينى، مهما كان. وكان الدكتور أبو الفتوح قد كتب فى برنامجه الانتخابى عما أسماه «دولة مدنية ديمقراطية حديثة منطلقة من الشريعة الإسلامية"»، فى ربط غريب وقسرى بين «مدنية» الدولة والشريعة. وفى المناظرة الباهتة التى جرت بينه وبين عمرو موسى أجاب أبو الفتوح عن سؤال حول طبيعة الدولة التى يسعى لبنائها إذا ما فاز فى الانتخابات، متجاهلا تماما كلمة «مدنية» بحديث طويل عن الديمقراطية وتداول السلطة، تماما مثلما يقول مرشحو المعسكر الإسلامى، ليكشف لنا –ربما عن غير قصد- أن الدولة المدنية التى تنطلق من الشريعة، حسبما جاء فى برنامجه، هى فى الجوهر دولة الشريعة التى يسعى لبنائها محمد مرسى ومحمد سليم العوا، وربما لذلك حظى الرجل بتأييد حزب الوسط الذى يتحدث فى برنامجه عن «دولة مدنية بمرجعية دينية». فالانطلاق من الشريعة عند أبو الفتوح أو المرجعية الدينية عند حزب الوسط كلاهما كفيل بنسف أسس الدولة المدنية التى يشيران إليها، ويعيدنا قسرا إلى مربع دولة الشريعة. وكذلك لا يعود أمامنا سوى معسكر الثورة وحده، رغم ما به من مثالب. أول ما يلفت النظر هنا أن مرشحى الثورة هم الأكثر عددا (أربعة مرشحين)، فى تجاهل تام لحقيقتين يصعب عنهما أو القفز فوق أى منهما، الأولى أن أصوات مؤيدى هذا المعسكر مجتمعة ربما لا تكفى لإنجاح مرشح واحد، والثانية أن معظم مرشحى الثورة، باستثناء حمدين صباحى، ليست لديهم أى فرص حقيقة فى النجاح (وهى حقيقة لا علاقة لها بتقييمنا للمرشحين الآخرين أو رأينا فيهم)، ووجود هؤلاء يضعف بالضرورة من فرص المرشح الأقوى بينهم (حمدين)، وبما يصب فى النهاية –أردنا أو لم نرد- لصالح أحد المعسكرين الآخرين، الإسلامى بما فيه الدكتور أبو الفتوح أو المباركى، أو لكليهما معا، لنجد أنفسنا –فى أحسن الأحوال- أمام انتخابات إعادة علينا أن نختار فيها بين الديكتاتورية الدينية والديكتاتورية البوليسية. الذين يتجاهلون خطورة تفتيت أصوات معسكر الثورة يقولون إنهم يبنون تراكما انتخابيا، فالذى يحصل فى هذه الانتخابات على 10% مثلا من الأصوات سوف يحصل بالضرورة على أكثر من ذلك فى الانتخابات القادمة، ويتخذون من تجارب انتخابية فى فرنسا والولايات المتحدة نموذجا، حيث يخوض الانتخابات الرئاسية هناك مرشحون لا يحصلون على أكثر من هذه النسبة (10% من الأصوات)، وهو تشبيه غريب ومثير للدهشة، فالدول التى يتطلعون إليها أصبحت دولا مستقرة، لم يعد مطروحا للنقاش فيها قضايا من نوع طبيعة الدولة أو مفهوم الديمقراطية أو معنى حقوق الإنسان، ولا يوجد فيها «سقف» للحريات يحيلها إلى زنزانة، بينما مصر الآن دولة فى حالة سيولة، كل هذه القضايا مازالت موضع نقاش، وهى حالة لا تحتمل التجريب على الإطلاق، وليس بها متسع لهوامش ترف من نوع «بناء تراكم انتخابى»، وربما تكون الانتخابات القادمة هى أول وأخر انتخابات لا يعرف أحد نتيجتها مسبقا. لا يضير خالد على وأبو العز الحريرى وهشام البسطاويسى الاعتراف بالواقع والالتفاف حول حمدين صباحى، حتى وإن لم يكن حمدين أفضلهم، لكنه بالقطع أكثرهم شعبية، وهذا الموقف سوف يضيف بالضرورة لقامة وقيمة كل منهم. صحيح أننا فى اللحظات الأخيرة قبل إسدال الستار، لكن الوقت لم يفت، حتى وإن تصور البعض أننا دخلنا فى «الوقت الضائع»، بلغة كرة القدم، فالوقت الضائع هو دائما الفرصة الأخيرة، والهدف الذى يأتى فى هذا الوقت يصعب تعويضه. تبقى كلمة «طائفية» أخيرة إلى المسيحيين الذين يهربون من نيران دولة المرشد إلى رمضاء دولة مبارك: تذكروا أن دولة مبارك هى التى كانت تحمى كل مرتكبى الجرائم بحق المسيحيين، وتذكروا أنه فى دولة مبارك لم تجر محاكمة متهم واحد فى أى قضية «فتنة»، وتذكروا أنه خلال أيام الثورة الثمانية عشر لم يقع حادث واحد ضد كنيسة، لا أقول رغم غياب الأمن لكن بسبب هذا الغياب، فقد كان «أمن العادلى» هو الذى يحمى المجرمين، إن لم يكن هو المحرض أيضا، وتذكروا أن هناك شبهات قوية حول دور العادلى شخصيا فى تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية، وتذكروا أنه فى ظلال دولة مبارك ارتفع صوت البوم الناعق بالطعن فى العقائد المسيحية والسخرية منها، سواء فى وسائل الإعلام «القومية»، أو على الأسطوانات المضغوطة التى انتشرت على الأرصفة، دون أن يقترب منهم «أمن مبارك»، بل لعله كان يحميهم. ثم تذكروا قبل كل هذا وبعده أن مخاطر دولة المرشد لا تتهددكم وحدكم كمسيحيين، وإنما تتهدد الوطن كله، بمسيحييه ومسلميه، بشهادة اختلاط دماء الشهيد مينا دانيال بدماء الشهيد الشيخ عماد عفت بينما كان تلاميذ (البنا-بديع) يقفون إلى جانب عسكر مبارك ويصفون الثوار بمن فيهم مينا دانيال وعماد عفت بالبلطجية المأجورين. يرفع الإسلاميون شعار «الإسلام هو الحل» ثم يعقدون الصفقات مع عسكر مبارك، وفى مواجهة الاثنين معا، ومن أجل مصر الثورة، ومن أجل دماء الشهداء يجب أن ترفع كل القوى الثورية على اختلاف انتماءاتها ومدارسها شعار «حمدين صباحى هو الحل».
#هانى_جرجس_عياد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحمد الجيزاوى يفضح حكام هذا الزمان
-
إرضاء لله... تاجر يحكم مصر!!
-
عن الإخوان والعسكر و«شوية العيال بتوع الثورة»
-
«قانون الحرابة»... هروب من أزمات الوطن إلى تقنين «جرائم ضد ا
...
-
الدستور ليس برنامجا حزبيا... تلك هى «المعركة»!!
-
هوامش على عصر «المشير والمرشد»
-
زياد العليمى
-
من «البنا- صدقى» إلى «بديع- طنطاوى»... هل من جديد؟
-
كاذبون... وبلهاء
-
مشاهد فى «مؤامرة على وطن ثائر»
-
العسكر ليسوا فاشلين ولا مرتبكين.. إنهم متآمرون
-
بيان العسكر رقم 90: «غباء مبارك» سيد الموقف
-
إسقاط السلطة لا يكفى.. الشعب يريد إسقاط النظام
-
مكانة القوى اليسارية في ثورات الربيع العربي
-
رسالة مفتوحة إلى من يهمه الأمر: ليس من اللائق....
-
يناير يعود فى نوفمبر
-
المؤتمر الصحفى الذى تأخر عن موعده
-
هوامش على دفتر وطن جريح
-
قفص مبارك مازال به متسع لآخرين
-
دماؤنا ووثائقهم
المزيد.....
-
مصر تعلن عن التعاون مع قطر في -مشروع مهم للغاية-
-
مصادر في الاستخبارات الأمريكية: استخدام روسيا للنووي غير مرج
...
-
بايدن يستعد لتقديم مساعدات عسكرية بقيمة 725 مليون دولار لأوك
...
-
الحكم على كاتب جزائري بالسجن المؤقت بتهمة التخابر
-
وقف إطلاق النار في لبنان هو هدنة، وليس حلاً للشرق الأوسط
-
رفع دعويين قضائيتين في فرنسا بتهمة -التواطؤ في الإبادة- ضد ج
...
-
مظاهرات بالقدس للمطالبة بصفقة غزة بعد اتفاق لبنان
-
إعلام إسرائيلي: نتنياهو يريد صفقة جزئية مع حماس
-
مستشار ترامب المستقبلي للأمن القومي يستكشف مقترحات وقف إطلاق
...
-
الإمارات تعلن وفاة جندي متأثرا بإصابة حرجة تعرض لها قبل 9 سن
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|