|
بُصاقُ بَحةِ الموتى
فاطمة عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 3730 - 2012 / 5 / 17 - 20:24
المحور:
كتابات ساخرة
أحياناً نَفقدنُا في مَرحلةٍ ما. وَتَلتجئُ الفيَافي صَوبَ الشُـــــرودِ ونأتينا أغرابٌ في المَدينةَ. وَمنْ يَدِ المَسفوكِ تَرتمي صَرخَاتُ البُوصَلة. رُبّما هيَّ آخر كُنوزهِ البائدةِ. مَذاقُها يَعلوهُ القشُّ، وَنهشاتُ الغبارِ تَطحنُ تَحرُّكاتِها. تأنُّ كَما عَجوزٍ نَفضتْ حُنجرَتها خارجَ فُسحةِ السُعالِ. وعَلى فَمِ غَيمةٍ مُصابةٍ بالتَقهقُرِ تَشعلَقَتْ بَعضٌ من أثوابِ المَرارةِ، هَكذا قَرأَ المُسافِرُ في رَحمِ العِناقْ. يَومٌ يَدحرُ أخاهُ والغَيمةُ تَتَعبَّئُ بِشَذراتِ الأسى. حَتى تَكوّرَ قيؤُها وبَاتَ يأكُلُ ذاتهُ.
ذَلكَ الهَجيرُ ابتَدأَ هَزيعَهُ عبرَ تَقلُّباتِ النِسيان. وكأنَّما تِلكَ الجُثثُ تَهوي على رأسِ البوصلَة. فَقد دَوَّنَ يَراعٌ في مُذكراتِهِ أنَّ النُجومَ سَتأخذُ بعضاً من مُصابِ جُلجُلَةِ الأرضْ. وَوَجهُ اليَراعِ يَنحَسِرُ في اللوعَةِ وشَراذِمِ النِزاعات. هُناكَ فيضُ أوراقٍ والأحبارُ تَختَنِقُ. أكادُ أتخبَّطُ في السُطُورِ لَكنَّ اليَراعَ دَوَّنَ في إحدى أعتَابِ الهُمومِ باباً منَ الخطَايا. بُوصَلةٌ عَنيدة، زَلَّ مؤشِرُها تَحتَ دَعساتِ المَوتِ. فارتَجفَ صَوتُ المؤشِرِ وتوقَفَ هُنيهَةً. هَمسَ لِتوجُّساتِهِ! أهُناكَ عَينٌ تَبغى حَلْحَلَةَ أواصَري!؟.. إنّها لَعنةٌ شَرَخَتْ دَمي على زُجاجِ الصوابْ. وَكيفَ لا تَعلو الحُمّىَ جَبهةَ صّبّارةِ الريحْ! وَليلُ الشُجونِ وَدفقُ الأرواحِ لا يَكلُّ مُستَمراً يَطَرقُ أبوابَ السَماءِ!.
هذي الحُروفُ نَجسةٌ تَعلمُ رائِحةَ الحُزنِ المخبَّئِ في أريافِ الحَياةَ. مِثلَ ضَروبِ كَفيّ جُوعٍ يَنتهِزانِ فُرصةَ السَطوةِ، يُنقِّبانِ حُبوبَ العِدسِ من حَصىً تَنمْرَدَ في رَحاها.
تَقولُ الحِكايةُ.. كانْ ياما كانْ في حادثِ الوقتِ والأوانْ، ذُبابَةٌ يوجِعُها كَيانُها. لَفَّتْ أصقاعَ المَعمورةِ وروحُ الشِفاءِ تَطرُدُها. وَلمّا نَبتَ مُصابُها في خاصِرةِ المَوتى! جَسَّ الضَريحُ نَشيجَها، وتَكوَّمُ العَرقُ في مُقلَةِ القَبرِ حَتى شَبعَ ثديُّ الأعشابِ من الحليبْ. قالَ في حَسرَةٍ منْ بَوحِهِ:
عَزيزَتي الذُبابَةُ، بُتِرَ جناحَاكِ، وانصَلى سُهادُ الأرقِ، تَرفُضُني نَزعَتُكِ ويَسبيني الحَنين.. فَتَّشتُ جَيبَ الروحِ، بَحبَشتُ في بُقجَةِ الذاكرةِ فانفَلقَ السردَابُ وبَكى الهَمُّ.. سُوقُ الموتِ يأتيكِ هُنيهَةً يَحقنُ أورِدَتكِ بالرَتابَةِ، شَهيدةٌ على أنفِ الوَطن.. وَلمّا انتهى، خَتمَ التقريرَ بعلامةِ استفهامٍ كادتْ أنْ تَلتهمَ غيلانَ الخيالاتِ الهارِبةَ.. (ضَميرٌ مَسفوكُ الناصيّة)!، نَقَّبْتُ على وَردةٍ أزرَعها في جَيبهِ، فانفَرطَ عِقدُ الضميرِ.. أينَ أسَرحُ بَعيداً عن خَطِ مَرمى الحُروفِ! وصَفحاتُ القُتلى عَلى الخُدودِ تترامى أطرافُها! وَعَجوزٌ خَمَشتْ مُصابَها، قالتْ: يا وليدي، أدفِنُكَ حيَّاً وأعودُ لإمارسَ مَوتي مع الآخرين يا يَمّا.. وَتغرورقُ اللحَظاتُ في أحضانِ (أمّي).. وأشُعرُ بالبَردِ يَقضمُ رأسَ الحَمامةِ، وريشُ الحَمامَةِ يُطارِدني!..
طَريدٌ من هُنا،
هاربٌ من هناكْ،
شَريدٌ من أسَى،
ومُهَجَّرٌ إلى لَظَى..
قَدْ أُجّـــنُّ. جُنونَ الدُروبِ للهروبِ من أعناقِ المُدنْ. وَليسَ صَدرُ الهُمامِ بِقادرٍ، تُراهُ يَستَحلِفُ المِنجلَ أن يأتي نوافذَ الحَكايا.. أن يَسرقَ من عِبِّ جدَّتهِ قُصاصَةَ حلوى.. ويطعِمها إلى رصَاصة.
فالمَكارِمُ تَفترشُ أطروحاتِ الموتى. ورَشاشٌ يَجتازُ أنفاسَهُ نَحوَ الخلاخِيل.. صَاحَ طِفلُ السُنونو، (أمّي) ذَبحوا ألعابَ الطُفولةِ وأضرَموا أوجاعِ الحِنّاءِ وعثراتِ الزَمنْ.. والأمُّ تَردُ تأِنُّ في بَحَةِ الشَيبِ - حَلّقْ عالياً بجناحيَّكَ، هَذي الريِحُ دَسيسةُ الموتِ.. وعلى مصاطبِ السَماءِ من مُفترقاتِ الصُراخِ، دُلَّ مؤشِرَ البوصَلَةِ إلى مقبرةِ الخلود.. فَقد أطاحَ الحصادُ بسَلّةِ التفاحِ وانهَمرَ العَدمْ
#فاطمة_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كنّا في قدسٍ
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|