|
الهاملتية في - ليست بشيء يذكر - وأوديبية الأحمد/ قراءة في قصة قصيرة لمحمد الاحمد
حيدر مزهر يعقوب
(Hayder Al-jouranj)
الحوار المتمدن-العدد: 3730 - 2012 / 5 / 17 - 14:21
المحور:
الادب والفن
لا ادري لماذا حضر لدي مشهد (هاملت) للكاتب شكسبير – بعد أن اوجد الصمت بين زقزقة العصافير وهديل الحمائم وبعض الأطفال الذين كانوا يمرحون حول القبور وبين(محمد الأحمد) مساحة للتذكر.... كانت البداية توحي بوجود ألم مبرح وقلق مؤرق حتى ظننت في بداية الأمر أنها محض بوادر حبكة قصصية. ولكن بعد أكثر من قراءة ومحاولة (غرس الكف) في سبر غور تلك السطور (لساردها الأحمد ) أوجدت الفلسفة وعلم النفس بيني وبين (محمد الأحمد) مساحة للوقوف معا على ضفاف تلك القصة ومتابعة أمواجها عن كثب – إلا أن الصمت في هذه الوقفة بقي من نصيب (صاحبي الأحمد) وها أنا أتحدث إليه.... إستحضر الأحمد في سرد قصته (ليست بشيء يذكر) شتات ذاته وراح يتحدث معها ..تاركا (اللاشعور) يصول بكل خيلائه في ساحة القصة ...كالطفل المعربد بعد (الحبس المنزلي). وهنا لابد من الإشارة إلى أول حضور مشترك بين (قصة الأحمد) وبين (هاملت) في تضمين فكرة (عقدة أوديب) النفسية..فهناك عند شكسبير كانت تقف دوافع لا شعورية مصحوبة (بإنفعال أوديبي) عندما قتل هاملت عمه ليستولي على عرش الملك ويثأر لأبيه... في الوقت نفسه هو إبعاد (العم المقتول) الذي شكل بالنسبة لهاملت مصدر تهديد سببه أن العم سيتزوج حتما من الأم. أما عند الأحمد فالصورة قد تختلف من حيث الأستراتيج لكنها تنطلق من حيث الفكرة والمبدأ... إذ ينعت (الأحمد) (الساق المبتورة) الفاسدة (بالغان غرينا) بالرائحة الكريهة واللون الأزرق المائل إلى السواد ، كانت ملامح (الذات) قوية من خلال شجاعة الطمر في التراب وعدم الالتفات الى ذلك الجزء( المخيف) من الأب ، وعلى الرغم من هذه الشجاعة وإستنفار الذات ...إستمر (الأحمد) في الإفصاح عن شدة خوفه والكوابيس التي ما عاد يتخلص منها. ثم ينتقل (الأحمد) في قصته ليبين (شخصية الأب) من خلال فلسفته لمفهوم التأريخ ،إنها فلسفة تحمل من الصحة الشيء الكثير ولكنها توحي بصرامة وإستبداد الرأي والهيمنة (التأريخ هو صانع الإنسان، كما إن التأريخ الحقيقي قد صنعه فعل الإنسان وليس خياله) ومن هذا المنطلق نلاحظ توافر قناعة (بفلسفة الأب) إلا أن القراءة التحليلية النفسية تقول إن هذه القناعة إنما هي (تماهٍ مع مصدر التهديد والخطر) ، وكما يرى فرويد في كتابه (الطوطم والتابو) إن الفرد يتماهى مع المعتدي أو رمز السلطة المهددة لكي تنخفض حالة التوتر من خلال الوصول الى (بصيص أمن) من ذلك المصدر المهدد. من هنا يمكن القول بإن السبب الحقيقي في تصاعد رغبة (الأحمد) في قراءة الحروف التالفة وإختيار منحى (السرد) هو ليس لإكتشاف ما رواء تلك الفلسفة ولكن وسيلة لضمان الأمن والإستقرار النفسيين والبوح بالمكبوت المطمور( عبر ذلك التأريخ). وبعد (أن وضع الأب أوزار فلسفته) ينتقل الكاتب من السرد (اللاشعوري) الى السرد (الشعوري) ليحقق توازنا نفسيا أخر ...وهو توازن لإثبات حب ذلك الأب والبحث عنه في ثلاجة الجثث، وبينما يصور(الأحمد) صورة بشعة لإحداث (إجتماعية حقيقية عام 2007) ليبين الشجاعة المطلوبة كي يدخل بمفرده عندما تنصَل من تنصًل عن الدخول معه ،وفعلا كان الثقل قد تضاعف ....بالمرة الأولى كانت الساق....والآن الجثة ...التي أنزلها الأحمد الى دكة غسل الموتى ...ليصور للقاريء....حجم التماهي مع (الأب) وهنا ينفرد الشعور في شخصية (الأحمد) أول مرة لينظر الى وجه أبيه (دون خوف) ...ويقول بإن إحساسا إنتابه مفاده إن أبيه كان طيبا الى درجة كبيرة...وإنه لم يجروء على النظر إليه هكذا حتى وان كان نائما – يا له من خوف! – في تلك اللحظة الأمنه تمكن (الأحمد) من وصف (الأب) بصورة جلية. ذكريات مشحونة بمشـاعر متضـاربة ومتنـاقضة ..ألـم..،قسـوة..،حاجـة الى الحب..،خوف ..،حنان..،وعطف أبوي...إنفجرت بأول ضربة معول في (قبر الأب) وجعلت (الأحمد) يتخذ من أسلوب (التحدث مع الذات) عنقا لزجاجة السنوات المملوءة بالحسرات والضيق، بعض مواطن النص (عند الأحمد) كانت هذيانات بعد صدمة لا يمكن لها أن تتكرر ثانية في الحياة ،ربما كانت حالة الهدوء بعد الغليان، كأن دور (الأب) صعبا حتى في كونه جثة تستلم من المشفى، ليتعرض (الأحمد القاص) الى محنة إجتماعية سياسية عصفت بمدينة يوما ما...! يا صديقي ...يا أيها الأحمد ..في مجتمعنا نبحث عن أب ..ولكن أب صديق...ونبحث عن أخ ولكن أخ صديق..ونبحث عن زوجة ..ولكن الزوجة الصديقة ...لماذا كل هذا...؟ لكي لا نكذب ..ونحن نناهز الأربعين من العمر بسبب عدم درءنا مفهوم الصراحة لمجاراة (التابو) الأسري ...كنت أتمنى يا صديقي ...أن نُلهم لسان (عيسى) لنطلب من أبائنا ونحن في المهد ...أسماؤنا ..وتلك أضعف الحرية (يا أبي).
#حيدر_مزهر_يعقوب (هاشتاغ)
Hayder_Al-jouranj#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشتاقيات_ قراءة في (حربيات) ومضات قصصية لمشتاق عبد الهادي
-
مأتم وعشاء لملائكة_ قراءة في مجموعة شعرية لعمر الدليمي
-
المواطنة..أزمة حل؟؟ أم حل الأزمة؟
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|