خليل الفخري
الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 16:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لماذا نسبَ المالكي ونشتمه , ونتوجه باللوم اليه ؟ ونتظاهر في كلَ جمعة ضد سياسته ؟ ولا نتظاهر ونحتجَ ضد تدخلات دول الجوار التي جاءت به الى الحكم مرتين متتاليتين .
لماذا ننسى البرلمان ؟ بل لماذا لا نتوجه باللوم لانفسنا , ونتظاهر ضد بعضنا البعض , فنحن وراء كل الذي حدث وصار .
السنا نحن الذين صوتنا لهؤلاء في انتخابات ديمقراطية ؟ فلماذا اذن نشتم الاخرين ؟ الندفع تهمة المساءلة عن انفسنا والنقد ؟ أم ترانا نبحث عن شماعة لاخطائنا واخفاقاتنا ؟ لمن صوّتنا ؟ ومن انتخبنا ؟ هذا هو السؤال الذي لم نجب عليه صراحة بعدُ ! هل لاننا لا نمتلك الشجاعة والجرأة لمواجهة النتائج وتحمَل الاسباب ! وانّ قدرا كبيرا من الحسّ النقدي المميز ما زلنا نفتقر اليه وبحاجة له . نعم نحن فقراء لشجاعة كهذه . وعلينا ان نعترف صراحة بأننا لا نمتلك ثقافة انتخابية تؤهلنا لممارسة من هذا النوع , ولا حسّاً وطنيا بالمعنى الصادق , يصنع مصلحة الوطن فوق مصالح الطائفة , والعشيرة , والقومية , والمذهب , وننظر اليه كأطار يجمع هذه الفسيفساء الجميلة , الرائعة الالق , وخيمة تلم الشتيت والشتات , كما الضلوع في الانسان .
لا اسعى من وراء هذا السياق تسويق مشروع ديني او طائفي او جغرافي ! انما الذي اقصد اليه هو ان فهمنا للاحداث , وتفسيرنا لما يجري على الارض ما يزال سطحيا , وان قراءتنا للتاريخ ضبابية , يعوزها الفهم والوضوح , وبسبب من ذلك لم نعد نميّز بين ما يفيد الوطن ويخدم قضية الانسان فنسعى لتحقيقه , وبين ما يضرّ بهما فننأى عنه ونبتعد .
ان ممارسة ثقافة انتخابية وفق اصول ديمقراطية ليس بالمهمة السهلة ابدا , على شعب عاش لثلاثة عقود في ظل الحياة وعتمتها نشد خيط الضوء الذي يشده اليها . فلا عجب ان يقع في المحضور , ويتدرّع بالطائفية المقيتة ,ويصوت للاحزاب الدينية التي غيبت وعيه , وظللته بشعاراتها , ومارست غسل الادمغة حين توسلت بالدين طريقا للوصول لاهدافها , وقادت بالنتيجة لمثل هذه الانكسارات الموجعة والمؤلمة والغريبة اصلا على المجتمع العراقي .
ظنّا من المواطن انه بهذا التصويت يكون قد ارضى الله , وتجنّب معصيته , او هكذا اوحى له . ناسيا ان قدرا من المساءلة في الاخرة سينصب على مسؤوليته غير المباشرة عن دماء الشهداء التي علقت برقاب الجميع دون استثناء كحبّل مَسَد . لان التصويت كان للطائفة والقومية والدين , ولم يكن للوطن حضور ابدا . فصعدت احزاب افسدت وسرقت بأسم الدين والمواطن , ولم تكن سوى خليط غير متجانس كبضاعة سوق الهرج .
قد يتساءل البعض : كيف اذن جاء المالكي للحكم مرتين ؟ ومن المسؤول عن هذا الورم الحكومي ؟والترهل الذي اصاب جسد الدولة فشلّ فاعليته.ومن بيده المفتاح السحري الذي يقود الى الخلاص؟
الاجابة على التساؤل يعرفها حتى رجل الشارع البسيط . الصدريون وحدهم الذين يعرفون الاجابة , ويتكتمون على حجم المأساة التي يعيشها المواطن , لانها جاءت نتيجة طبيعية لمواقفهم , والاجندات التي يسعون لفرضها كواقع على الارض , لانهم بيضة القبان في العملية السياسية العرجاء .
ان ادعاء الصدريين بالمعارضة وضجيجهم , وحقوق المواطنة , انما هي في جوهرها مجرد شعارات ديماغوجية برّاقة , تخاطب الروح وتهمل العقل وتعمل على تغييب الوعي لدى الناخب والعمل على تضليله وتجهيله . وقد شارك الصدريون عن عمد ووعيّ او بدونهما , وبسبب اجنداتهم المرتبطة بأيران , شاركوا في ذبح العراقيين , متظاهرين ومعارضين . تلك حقائق نسوقها وننتظر اجاباتهم عليها .
الصدريون هم من جاء بالمالكي الى الحكم مرتين .ولكن يبقى التساؤل : كيف انقلبت المعادلة في شارعهم من رفض للمالكي , وكيل الاتهام له ! الى القبول به , والعمل تحت مظلته . جاء ذلك بضغط من ايران .حين دخلت على الخط مع انها لم تغادره ابدا . ودفعت حليفها مقتدى الصدر فغادر ايران الى العراق , وتمت التسوية بالقبول به لقاء شروط غير معلنة ووزارات سيادية وقيادية كي تتمكن ايران من ليّ ذراع امريكا من خلال هذا الحليف الذي احتضنته ورعته واغدقت الاموال عليه وعلى تياره .
ايران لاعب اساسي في المنطقة , وليس في العراق , ورقم صعب في لعبة التوازنات لا يمكن اغفاله في كل تسوية في المنطقة .وامريكا التي احنت رأسها للعاصفة وقبلت بالمالكي على مضضٍ, وتخلّت عن حليف ليبرالي مثل علاوي , رغم وعودها له , ولمن تحالف تحت مظلته , فأصيب الجميع بحرجٍ اثبتت قدرتها على ادارة ملف العراق ليس من خلال فوز الاطراف التابعة مذهبيا وسياسيا لها , كحزب الدعوة والمجلس الاعلى والتيار الصدري والفضيلة , وانما لان ايران تميزت بقدرتها على ادارة ملف العراق في سياق حربها السياسية مع الولايات المتحدة والدول الاوروبية , وخاصة ما يتعلق منها بالملف النووي واتهام ايران بأنها راعٍ للارهاب ومصدرا له .
ونجحت فيه في وقت فشلت فيه مساعي الولايات المتحدة بقطف ثمار الانتخابات في العراق , رغم انها جاءت وفق مقاساتها , وان نتائج هذه الانتخابات سوف تسمح لها حسب تقديراتها بتقليص عدد واعداد قواتها في العراق , ورفد البقية القليلة منها بمرتزقة لغرض فتح باب الحرب على ايران , دون ان تضع رقبتها تحت حدّ السيف , ولن تكون رهينة لأي هجوم ايراني محتمل قد تقوم به . هذا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار سعي ايران الحثيث لامتلاك تكنولوجيا متطوره في حربها القادمة مع دول الاستكبار حسب تسميتها .
ان الجهد الامريكي المبذول في العراق لم يحصد سوى الهزائم والفشل بسبب موقف التيار الصدري الداعم دوما لما تقوم به ايران من اعمال غير قانونية في العراق , وهذا ما يخدم الاستراتيجية الايرانية في المنطقة , ويضر بالموقف الامريكي الرافض للتدخل الايراني .
ان حالة العداء الشديد بين الولايات المتحدة والتيار الصدري , ودعوة التيار المستمرة على لسان قياداته لخروج قوات الاحتلال , وتأليب الشارع العراقي ضد الولايات المتحدة ليس نابعا من موقف وطني صادق كما هو معلن , انما هو مخرج لتصريف ازمة الحكم وفشل سياسة الحكومة واشغال الشارع بشعارات لا تمس جوهر مطالبه , باعتبار الصدريين شركاء في حكومة مترهلة تشكو وجع المفاصل الدائم اولا , ولان الولايات المتحدة ما تزال في موقفها المتشدد من عملية اغتيال السيد عبدالمجيد الخوئي والمتهم فيها السيد مقتدى الصدر , حيث انها ما زالت تحتفظ بمذكرة القاء القبض عليه حتى يحين وقت تفعيلها . من هنا جاء موقف السيد مقتدى الصدر غض الطرف عن الدور الايراني في العراق لاجبار الولايات المتحدة على ترك العراق والرحيل .
التزم السيد مقتدى الصدر الصمت حين قامت ايران بتحويل مجاري الانهار التي تصب في العراق الى اراضيها , وحلّ الخراب والتصحر في ارض السواد كما تحول شط العرب ومدن وقرى البصرة الى ممالح وارض سباخ بسبب مياه البزل الايرانية ولم يدع انصاره للتظاهر ضد سياسة ايران او الاحتجاج عليها لدى سفيرها في بغداد .موقف سماحته غير المعلن من القصف الايراني المستمر للحدود والقرى العراقية وما نتج وينتج عنه , حيث لم يدع سماحته لتظاهرة مليونية كتلك التي دعا اليها احتجاجا على تجديد بقاء القوات الامريكية . كي يبرهن لنا على عدم ولائه وطاعته لولاية الفقيه وساسة ايران .
دعا سماحته انصاره الى عدم المشاركة في تظاهرات كل يوم جمعة في عموم العراق فاتحا الباب امام الحكومة للنهوض بمهمة قمعها , تيمنا بالموقف الايراني من الثورة المخملية .
لوقف احتجاجات الشارع على تردي الواقع الخدمي , تعهد المالكي بأن فترة ثلاثة اشهر هي فرصة كافية له لمحاسبة المسؤولين المقصرين في ادائهم . ولكن السيد مقتدى الصدر اضاف اليها ثلاثة اشهر اخرى مكرمة من عنده غير ملتفت لمعاناة المواطنين وظروف عيشهم , لانه شريك في العملية السياسية وان رحيل الحكومة خسارة له لا يمكن -وهذا بالفعل - تعويضها مستقبلا .
ان الموقف الوطني الحق , البعيد عن المزايدات , يتطلب من السيد ومن غيره الاستفادة الى ابعد المديات من تواجد قوات الاحتلال في العراق لاعادة اعماره .وبناء قواته ورفع قدراتها القتالية ودعمه في المحافل الدولية لاخراجه من طائلة البند السابع والوقوف الى جانبه ضد دول الجوار التي تتجاوز على مياهه وارضه كايران والكويت وسوريا وتركيا .
لا اظن ان السيد مقتدى الصدر نسي انه لولا الضغط الامريكي على الدول الدائنة للعراق واسقاطها 80 % من ديونها عليه لبقي العراق حتى تقوم الساعة رهينة تلك الديون ولتحول شعبه الى بقايا شعب .
لماذا يسكت السيد مقتدى الصدر عن وجود القاعدة البحرية الروسية في ميناء اللاذقية السوري ولم يعتبر ذلك احتلالا ! والامريكية في الكويت والسعودية والبحرين , والاسرائيلية في الاراضي المحتلة والايرانية في الجزر الاماراتيه الثلاث . لماذا لم يطالب ايران الشيعية بأن تنهي احتلالها لهذه الجزر وتعلن انسحابها منها .علينا ولكي لا نعيد حالة الانقسام في الشارع ونمنع وصول المرتشين والسراق واللصوص الى مراكز القرار وان لا تتجدد الحاجة للتظاهر والاعتصام , ان يكون اختيارنا لممثلينا في البرلمان وفقا لمعايير النزاهة والكفاءة والاخلاص وان يكون للوطن حضور دائم في كل خطوة وفي اي اتفاق وان نسعى لبناء الانسان جوهر العملية الديمقراطية واساسها .ان يكون التصويت للعراق لانه صمام الامان الذي يقي الوطن من المزالق ويدفع عجلة التنمية الى الامام .
وعلى الاحزاب الدينية بكل تلاوينها ان تعيد النظر في برامجها وتحسن اختيار الذين تناط بهم المسؤولية ان يكون الانتماء للوطن هو الجوهر والاساس . عليها ان تتجنب النفس الطائفي والتعصب المذهبي والديني والسياسي , فان الدين لله تعالى , وان الوطن للجميع .
الناصرية -- خليل الفخري
#خليل_الفخري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟