أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان بكير - حيرة الغريب/ في ذكرى النكبة واليوم الوطني النرويجي














المزيد.....

حيرة الغريب/ في ذكرى النكبة واليوم الوطني النرويجي


حنان بكير

الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 15:28
المحور: الادب والفن
    


حيرة الغريب
بدأت شمس أيار تدفىء سماء أوسلو. تسلل الدفء الى الأجساد، فعادت الإبتسامات لترتسم على وجوه الناس. كل واحد يستقبل أيام الدفء على طريقته، لكن الاستحمام بخيوط الشمس الذهبية في الأماكن العامة هي سمة عامة بين الناس، ويضفي يوم 17 ايار نكهة خاصة على هذا الشهر. إنه اليوم الوطني الذي أعلن ولادة مملكة حرّة.
ليلى تخرج مسرعة من أحد المحلات وقد احتضنت أكداسا من الأعلام النرويجية الصغيرة التي ستأخذ مكانها على طاولات المقهى، وشرائط بألوان العلم النرويجي مضمومة بدبابيس لتزيين صدور العاملين في المقهى.
في المقهى الذي وصلته باكرا، بدأت ليلى بتزيين الطاولات وتوزيع الأعلام عليها، آخر علم كان في يدها، نظرت اليه بحنان، ضمته الى صدرها، لمسته برقة وبكت.. ربما بصوت مسموع قليلا.
أمس فقط كان الخامس عشرة من أيار. ذكرى النكبة. في ذلك اليوم وفي قاعة فسيحة مغلقة تغص بالأعلام المختلفة الألوان، اجتمع لفيف من البشر وقرروا بجرة قلم فقط!! قرروا إزالة أمة مجتمعة منذ قرون على ذات اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافية. كان ذلك قبل زمن رسل السماء.. وبجرة قلم أخرى جاؤوا بعشرات الثقافات واللغات المختلفة وقالوا لهم كونوا أمة واحدة فكانوا!! هكذا بكل بساطة تنشأ وتباد الأمم ! في هيئة الأمم المتحدة.
منذ ذلك اليوم وجدت نفسي عارية من كل شيء، لا سماء فوقي، لا أرض تحت قدمي، مجرد ورقة خريف تتلاعب بأقدارها الرياح... لا هوية تعلن انتمائي. أمس فقط في ذكرى نكبتي حملت علمي الصغير الخاص، لم أجد له مكانا، غرسته في قلبي عله ينمو ويزهر وطنا ككل الأوطان.
السابع عشر من أيار. تزينت الشوارع بالزهور والأعلام لتستقبل ضيوفها. انه عيد للفرح. وهو يوم مسيرة شعب بأكمله ومهرجان للأزياء الوطنية بكل الوانها ونقوشها الرمزية التي تحكي حكاية تراث وتاريخ. هذا اليوم هو إعلان انتماء ووفاء لمن صنعوا هذا اليوم وعمّدوه بدمهم، ليغتسل أبناءهم وأحفادهم بالنور.
وقفت امام المقهى أراقب الناس، من المسنين الى الأطفال يلوحون بأعلامهم الصغيرة، أما الأعلام الكبيرة فقد أخذت مكانها امام المنازل وعلى الشرفات منذ اول ايار.. الفضاء الواسع امتداد كبير لأصداء النشيد الوطني.. كنت سعيدة بقدر ما كنت حزينة! انه يوم ينكأ جرحا ما زال ينزف، ولا يردم الهوة السحيقة في الروح.
لقد مشينا يا أوسلو خلفك، بكل الصقيع الذي يلفنا، حملنا الحب في جيوبنا لعلنا نطفىء الظمأ الى وطن يكون من ناس وشجر وطيور، وأطفال لا تخاف الموت لأنهم ببساطة لا يعرفونه، يخربشون على أوراقهم فيزهر ربيع وتنفر فراشات، وتصير السماء وردية!
لكنا يا أوسلو حصدنا حقول دم وخراب يحيط جهاتنا الآربعة.. ما زلنا في المنفى نختفي في الزوايا.. كأن الدنيا تبتلعنا فنحن جيفة لا يفتقدها شارع.. لم نستطع حتى اليوم أن نفهم أن لنا وطنا كبيرا اسمه بلاد العرب، كان يمكن أن يكون أكثر حبا لنا.. هناك قمح ما فيه الكفاية لكل طيور الدنيا فلماذا نطير الى جنة بعيدة لا نرى فيها من نحبّ! ما زلنا نسكن عتمة الغربة، ولنا مكاننا هناك تحت الشمس. أعذريني يا أوسلو، فأنا ان لم احمل الوفاء لمكاني الأول فلن أكون وفية لك!
نفسي لم تعد تحتمل. أسرعت الى داخل المقهى ومنه دلفت الى المكتب في آخر الرواق وانفجرت في بكاء طويل.. لماذا نحن بالذات؟ الكون كبير كبير وطرفان يتنازعان على شبر منه! دعني أنفجر وأنفجر في وجهك يا اله السماوات! أي ضريبة تلك التي عليّ ان أدفعها؟
يقولون أرضي مقدسة، مرّ عليها رسل مقدسون! هل نحن نعزّي أنفسنا أم ان هناك من يستخف بعقولنا؟ بل هي أرض ملعونة تأكل ساكنيها وتظل ظمىء الى الدم، منحتنا حبا قاتلا وذلا شامخا.. ونظل نتعشّقها في صحونا وفي نومنا، ونحملها في وجداننا حيثما ارتحلنا...
أعذريني يا أوسلو، لأنك لن تفهمي كيف تهرب الأوطان من الخريطة وتحتل مكانها في القلب.. لأن حدودك يا أوسلو جغرافيّة لها سماؤها وأرضها وبحرها، وحدود أرضنا هي امتداد بين الروح والقلب، ومكانها الوجدان! وحين نمضي الى الأبدية يقفز النشيد منا ليأخذ مكانه في قلوب براعمنا.. أنت يا أوسلو تورثين أبناءك الرفاه ونحن نورث أبناءنا النشيد، والويل لأمة تفقد نشيدها.
من كوّة صغيرة في أعلى الجدار تسربت بعض أشعة من نور الشمس، ربما أضاءت بعضا من روحها.. فتوقفت ليلى عن النحيب، نظرت الى الخيوط الذهبية. ابتسمت. قالت في سرّها. سيأتي يوم نتعمد فيه بالنور... لكن حين يحين الوقت!

مقطع من قصة لم تكتمل فصولها، كتبت العام 2003، باللغة النرويجية.



#حنان_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -دموع غزة- وثيقة إدانة للضمير العالمي
- يوم المرأة العالمي والربيع العربي
- الشعب -المفبرك- في كتاب العهد القديم
- مقولات سادت ثم بادت
- حاضنة الامم المتحدة..بين تاريخين
- الربيع العربي والخريف الفلسطيني
- وداعا للعلمانية.. فقد أعلنت ارتدادي
- أوسلو لا تغيّر عادتها
- حق العودة .. مرة أخرى
- حق العودة أم ترحيل من تبقى في أرضه؟
- مجنون العرب في رائعته- عرفة ينهض من قبره-
- رجال دين شبّيحة وبلطجية
- الحق عالطليان
- نيرون مصر
- كشف مستور.. الرأي والرأي الآخر
- حق العودة= الهولوكست
- يدخلون في دين الله أفواجا... لماذا؟
- دولة المواطنة هي البديل
- التاريخ بين الحقائق والأحقاد
- مشاهد سريالية 3 / عن التاريخ والعلمانية


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان بكير - حيرة الغريب/ في ذكرى النكبة واليوم الوطني النرويجي