أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - النكبة زلزال لم يهدأ














المزيد.....


النكبة زلزال لم يهدأ


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 14:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الخامس عشر من ايار عام 1948 حدث زلزال الفلسطينيين.. اهتزت الارض وماجت ووجد 750 الف فلسطيني انفسهم مشردين.. قتل من قتل منهم ودمرت مساكنهم وجوامعهم، وحرقت مزارعهم واستبيحت مدنهم وقراهم، وهاموا على وجوههم في الصحاري والوديان، يبحثون عن ماوى يوفر لهم الامن والامان من بطش عدو قرر مسبقا ابادة العدد الاكبر منهم، وتهجير من تبقى ليبني دولته على انقاضهم.. بكاء الاطفال وعويل النساء وانين الجرحى والمتعبين ملأ السماء-- لكنه لم يحرك شيئا في الضمير العالمي الذي تخدر وتكلس متعاطفا مع اليهود كضحايا للنازية، ولم ينبس ببنت شفة وهو يرى ضحايا النازية يرتكبون من الجرائم ضد شعب فلسطين الاعزل جرائم ابشع مئات المرات مما فعله النازيون باليهود.. 531 قرية ابيدت وعشرات المجازر اقترفت والجوع والمرض يفتك بشعب باكمله كان حتى 15 ايار يمتلك كل سمات الشعب والدولة فتحول الى شعب مشرد لاجئ.
في ذلك اليوم تشردت عائلتي، وكانت اخر لحظات عيشهم في ام الزينات-- البلدة الفلسطينية الواقعة على سفوح جبل الكرمل على بعد 17 كم من مدينة حيفا، وسار جدي وابي واعمامي تائهين لا يعرفون الى اين يذهبون، والى متى سيغيبون عن بيتهم الذي ولدوا وعاشوا فيه مئات بل الاف السنين.. واحدة من اخواتي كان عمرها اسبوعين سقطت من على ظهر الحمار الذي وضعتها عليه امي، وكاد الجميع ينساها بين الاعشاب اليابسة لولا ان راها مشرد اخر فاحضرها لامي.. اخي واحد اعمامي كانو لم يبلغو الثلاث سنوات من عمرهم وضعهم ابي في المشتيل على ظهر الحمار.. سار الركب جميعا في منتصف الليل نصفهم حافي القدمين يحاولون الابتعاد عن مواضع القصف الذي كان الصهاينة يقومون به..
قالت لي والدتي : ( خرجنا من بيوتنا كالمضروبين على رؤوسنا كانت عصاباة الهاجاناة تحاصر البلدة وتطلق النار في كل اتجاه خرجنا خائفين على ارواحنا، ولدينا اعتقاد ان غيبتنا لن تطول اكثر من اسبوعين-- لان الجيوش العربية ستاتي لتهزم عصاباة الصهاينة ).. لم يحملوا شيئا من متاعهم، وانتشروا باحراش الكرمل ثم اتجهوا لبلدة اجزم-- التي لم تكن قد سقطت بعد.. ومن هناك اتجهوا نحو ام الفحم واحراش عانين، وامطرت السماء عليهم، وجاعوا ولم يبق حتى اعشاب لياكلوها، فاتجهوا الى مخيم نويعمة في منطقة اريحا لانهم سمعوا ان الصليب الاحمر يقدم للاجئين هناك الماوى والطعام، ثم واصلوا التشرد الى ان وصلوا مخيم الجلزون في منطقة رام الله، فاقاموا به بضعة شهور وغادروه الى مخيم الفارعة شمالي مدينة نابلس حيث تجمعت اغلبية العائلة هناك..
جدي لم يكن يستوعب ما يحصل، وبقي في اتظار قدوم الجيوش العربية-- التي لم تاتي-- وبعد ان قرصه وابناءه واحفاده البرد والجوع، وبعد ان تكشفت امام عينيه المؤامرة الدولية التي ساهم بها بعض الحكام العرب-- اصيب بصدمة قوية وتمنى لو كان قد مات في ارضه، وشعر بالندم لانه لم يسمح لابنائه باخراج بعض المتاع من بيتهم قبل ان يتركوه على حاله، عامرا بالفراش والملابس والطعام من قمح وطحين وزيت وعدس وبرغل ودجاج وبيض.. وعندها فقط تغاضى عن تسلل بعض ابنائه الى بلدتهم الاصلية والى بيتهم بالذات، لينقلوا بعضا من خيراته الاساسية لتعينهم في مواجهة اصعب الاوقات والتحول الكبير الذي يحصل لهم في حياتهم
اما ابي الذي كان في ريعان شبابه، والذي وقف مع المدافعين والمقاومين ببندقيته التي كانت نصف صالحة فقد قال لي : ( لم نشعر بحجم الكارثة الا بعد اشهر وبعد ان تيقنا ان العودة الى البلدة اصبح دونها الدماء والموت .. واضاف فقدنا كل شيئ، الارض والمنزل والمتاع، ولم نجد ما ناكله-- وحتى لو وجدنا خضارا او بقولا او اعشاب فلم يكن معنا من الادوات ما يمكننا من طبخه.. لم نجد مكانا ننام فنمنا تحت الاشجار وفي المغائر.. لم نجد مكانا نستحم فيه فاتجه البعض الى بعض الينابيع ليغطس فيها وينظف جسمه مرة في كل شهر.. وجدنا انفسنا بين ليلة وضحاها يا مولاي كما خلقتني وضاع عزنا وكل ما كنا نملك من الخيرات الوفيرة ).
لقد كان الخامس عشر من ايار عام 1948 الزلزال الاكبر في تاريخ شعبنا، وهو الزلزال الذي لم ينتهي بعد ولم تتوقف هزاته الارتجاجية حتى يومنا الحاضر، فبعد الزلزال الاكبر الذي اسميناه بالنكبة الكبرى، حدثت الهزات الارتجاجية على شكل نكبات اخرى، كاحتلال اسرائيل لما تبقى من فلسطين في العام 1967، ومذابح ايلول الاسود في العام 1970، والحرب الاهلية في لبنان في العام 1974، وضرب قواعد منظمة التحرير في لبنان في العام 1982، وكان الاستيطان الذي لم يتوقف منذ بدء الاحتلال ولغاية اليوم، وكان الجدار في العام 2002، واخيرا وليس اخرا كان الانقسام الداخلي الرهيب في العام 2007..
وبين كل نكبة ونكبة كانت هناك نكبات اخرى لم يعد بامكاننا احصاؤها، بل ويبدو اننا ادمنا النكبات لدرجة ان حدوث حتى الزلازل الطبيعية اصبح يمر علينا كامر عادي-- ليس لاننا لم نعد نحس بل لاننا مؤمنون بان كل ما يحدث هو هزات ارتجاجية تسببت بها وتسببها زلزلة عام 1948-- وان هذه الهزات لن تتوقف مادامت زلزلة عام 1948 باقية.. وبعبارة اوضح ادركنا اننا سنبقى عرضة للنكبات مادامت افرازات نكبة عام 1948 باقية..
مخيم الفارعة – 13/5/2012



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في يوم تضامني مع قرية فلسطينية
- من حكايا الانتفاضة الثانية - سلوك مرفوض في العرف الوطني
- لماذا توقفت المفاوضات..؟؟
- من حكايا الانتفاضة الثانية -- تموت الفلسطينية ولا تأكل من ثد ...
- إسرائيل لن تهاجم إيران
- من أين نبدأ
- زوار الليل البشعين
- من حق الشعب أن ينزل إلى الشوارع للاحتجاج
- صفحات من حياة مناضل وطني تقدمي عملاق-- خليل أبو جيش ( أبو فت ...
- من حكايا الغلابا في العيد -- أبو حسن يوسع أطفاله ضربا في الس ...
- مقاومتنا ليست بخير
- الكساندرا تحتفل بميلادها على شجرة زيتون فلسطينية
- قبل ان يبرد الشارع الفلسطيني
- قتلوه بدم بارد
- الشعب يريد تنفيذ الاتفاق
- الإغاثة الزراعية وبدائل العمل في المستوطنات
- اوباما رئيس ومستوطنة
- بنقول ثور .. بقولوا احلبوه
- اعيدوا عظامي لام الزينات
- وأخيرا اصطلحوا


المزيد.....




- تحليل لـCNN: روسيا الرابح الوحيد من هجوم ترامب على زيلينسكي ...
- دراسة تكشف أثر الماء والقهوة والشاي على صحة القلب
- أنشطة يومية بسيطة تعزز نمو طفلك وتطور مهاراته
- ظاهرة لن تتكرر قبل 2040.. محاذاة نادرة لسبعة كواكب!
- هل تحدد الجينات متوسط العمر؟
- موسكو رفعت سوية التواصل مع دمشق
- الدول العربية تُخرج إيران من تحت الضربة
- النمسا: السلطات توقف فتى في الرابعة عشرة من عمره للاشتباه با ...
- رفع عقوبات مرتقب عن سوريا ولافروف يحذرها من -تهديد-
- تركيا تساعد أميركا لحل -أزمة البيض-


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - النكبة زلزال لم يهدأ