|
مطالعة في الثورة الكوبية (2)
بابكر عباس الأمين
الحوار المتمدن-العدد: 3726 - 2012 / 5 / 13 - 10:01
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
أولت الثورة اهتماماً خاصاً لقطاع الصحة، فتم القضاء علي أمراض كالحصبة، الجدري، وشلل الأطفال؛ وانخفض معدل وفيات الأطفال في السنة الأولي إلي 4.6 لكل ألف طفل، وهي أقل نسبة في دول الأمريكتين، باستثناء كندا. أيضاً، تضاعف عدد الأطباء فبلغت النسبة طبيب لكل 170 شخص، وهي نسبة أعلي من عدة دول في العالم الأول. وقد أدي تحسُن الخدمات الصحية لارتفاع متوسط عمر الإنسان من 62 عاما قبل الثورة، إلي 79. وحسب مؤشر مستوي الحياة، الذي أعده مجلس تنمية ما وراء البحار ، عام 1991، ومعياره وفيات الأطفال، متوسط العمر، والأمية، جاء الترتيب كالآتي: أيسلندا، اليابان، إسكندنافيا، كندا، أمريكا، وكوبا. إضافة للقضاء علي الأمية، فقد استحوذت النهضة الصحية علي اهتمام خاص لدول أمريكا اللاتينية؛ فتُرجم ذلك في تطور سياسي لاحقاً، هو إقصاء عدد من شعوب الإقليم لرؤساء موالين لأمريكا، وانتخاب قادة يساريين في انتخابات ديمقراطية: سلفادور الليندي/شيلي 1970، عمر تورجيس/ بنما 1972، دانيال أورتيقا/ نيكاراغوا 1979-2007-2011، رين بريفال/هايتي 1996، هوغو شافيز/ فنزويلا 1999-2006، نيستور كارلوس/الأرجنيتن 2003، لاو دا سيلفا/البرازيل 2003، ايفو موراليس/ بوليفيا 2006، وروفائيل كوريا/ إكوادور 2007.
منذ اوائل سني الثورة، أعلنت عن حملة التضامن العالمية، كما ذكر الزعيم فيدل كاسترو، في تعبير مختصر وواف: "ساحة معركتنا تشمل العالم بأسره." فكانت كوبا، أثناء ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، رائدة في مساندة حركات التحرر الوطني في العالم الثالث، خاصة في أفريقيا، بالتدريب والعتاد والأفراد. والواقع أن الذي فعلته كوبا في هذا المضمار لم تفعله دولة أخري من دول العالم الثالث، حيث اقتصر دعم دول تلك المنظومة بالكاد علي حركات التحرر في الدول التي تجاورها، أو تلك التي تقع في نطاق إقليمها. لمواصلة مسيرة استقلال أفريقيا، قام أرنستو جيفارا بجولة في القارة (1964/1965) زار خلالها غانا، غينيا، الجزائر، لتنسيق الجهود مع حركات تحرر موزمبيق وغينيا البرتغالية وأنغولا. كما زار الكنغو مصحوباً بقوات لدعم ثوارها ضد نظام موبوتو، العميل الأمريكي. في أنغولا - علي وجه أخص - بذلت كوبا جهداً كبيرا لدعم جبهة التحرير الشعبية استمر لعقد من عام 1965 حتي الاستقلال عام 1975. وبعد إندلاع الحرب الأهلية، التي دعمت فيها كل من جنوب أفريقيا والولايات المتحدة حركة ‘يونيتا’ وجبهة التحرير الوطنية، واصلت كوبا جهودها حتي هزيمة يونيتا ، وانسحاب قوات جنوب أفريقيا. أيضاً، آزرت كوبا حركات التحرر في ناميبيا، روديسيا، وحزب المؤتمر القومي في جنوب أفريقيا. إضافة إلي مساندة حركات التحرر في المستعمرات البرتغالية في قويانا وتيمور الشرقية.
وفي العالم العربي، أرسلت كوبا عتاداً عسكرياً لجبهة التحرير الجزائرية أثناء كفاحها لنيل الاستقلال، وعادت السفن التي نقلت الأسلحة بجرحي الحرب لتلقي العلاج في كوبا. كما بعثت مستشارين عسكريين لسوريا في حرب أكتوبر 1973، وهو ما لم تفعله دول عربية. كذلك، منحت ملاذاً للتدريب العسكري لكوادر كل من منظمة التحرير الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كما دعمت ثوار ظفار من خلال اليمن الجنوبي بين عامي 1971-1976، لم يكن غريباً، إذاً، أن لُقبت كوبا في تلك الفترة ب"مكة الثوار". وما كان الدعم الكوبي لحركات تحرر العالم الثالث حرباً سوفيتية بالوكالة، أو حتي بمباركة من موسكو، إنما مبادرة كوبية صِرفة. والحاصل أن الكرملين قد طالب فيدل كاسترو بأن يحصر دعمه علي الأحزاب الشيوعية فقط، كما اعتبر النهج الكوبي لتحقيق الثورة، عن طريق الكفاح الشعبي المسلح في أمريكا اللاتينية، نهجاً برجوازيا. بيد أنه كان أكثر تحرراً من دوغما الأيدلوجيا واستمر في تلك السياسة؛ مما أدي لتوتر العلاقة مع موسكو في منتصف الستينيات، قام السوفيت علي إثرها بتخفيض إمداد النفط لكوبا عام 1968. الاستثناء الوحيد الذي أيده الاتحاد السوفيتي، وساهم فيه مساهمة مباشرة هو أنغولا واثيوبيا (حرب أوغادين 1977-1978).
لكوبا قوة ناعمة تختص بها دون بقية الدول هي بعث الأطباء لمناطق الكوارث: ألف طبيب لغواتيميلا في الإعصار الذي ضربها عام 2005، 1500 طبيب لزلزال باكستان عام 2005، ألف طبيب لأندونيسيا وسيري لانكا عقب سونامي المحيط الهندي عام 2004، وألف طبيب لزلزال هايتي عام 2010. والمؤسف أن هذا الدور الإنساني لا يرد في الإعلام الغربي، تحت تأثير أمريكا، لأنه يضرب مثلاً لدولة من الدول النامية، قامت بالتوظيف الخلّاق لإمكانياتها، لدرجة أنها أصبحت تساهم بدور إنساني يفوق دول العالم الأول. وحقيقة تجاهُل الإعلام الغربي لهذا الدور الكوبي قد أشار لها ريتشارد قوت، محرر سابق بالقسم الخارجي ومختص بأمريكا اللاتينية بصحيفة الغارديان. أما تبادل الأطباء ك"مورد اقتصادي" فيتم بناءً علي اتفاقيات ثنائية، مع أكثر من ستين دولة، ينفذها فريق طبي (أطباء، ممرضين) يبلغ عدده 25 ألفا. ومما يجدر ذكره أن أهمها ثلاث اتفاقيات؛ الأولي، مع فنزويلا التي تقوم بموجبها بتزويد كوبا بالنفط مقابل الأطباء، الثانية، جنوب أفريقيا التي تقوم بتمويل مشروع تزويد الدول المجاورة بالأطباء، والثالثة، تزويد منظمة الصحة العالمية بأطباء. كذلك قامت كوبا بتسخير تجربة محو الأمية، فأرسلت معلمين متطوعين للقضاء علي الأمية في 15 دولة، ضمنها موزمبيق، جنوب أفريقيا، نيكاراغو، هايتي، فنزويلا، إكوادور، مما أهلها لنيل جائزة الملك سيجونق التابعة لمنظمة التربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" عام 2006. أما عن الوضع الراهن في كوبا فقد أبدي النظام قدراً معقولاً من المرونة، كما تقتضي طبيعة التقدم، حسب الإصلاحات التي أجازها مؤتمر الحزب الشيوعي في أكتوبر 2011. ومن ضمنها السماح بملكية خاصة محدودة لا تسمح بتراكم الثروة، مع الحفاظ علي جوهر الاشتراكية، اقتصار المناصب السياسية العليا علي ولايتين، مدة كل منهما خمس سنوات، تحديد الأخطاء لتفاديها، وممارسة النقد الذاتي، مع الالتزام بمجانية التعليم والصحة. ولا ريب أن هذا الطرح أفضل من نظام كوريا الشمالية ذي الطبيعة الجامدة، وحيث تذهب معظم الموارد للمؤسسة العسكرية، وحيث القوقعة الإقليمية وعبادة الرئيس. وربما كان أفضل - نسبياً - من روسيا، حيث تسبب الانهيار المفاجئ للاشتراكية في قفز عدد الفقراء من مليونين عند انفراط عقد الاتحاد السوفيتي في 1991 إلي سبعين مليونا عام 2003، رغم وفرة الموارد كالنفط والغاز. أما بلاد "الحلم الأمريكي" و"أرض الفرص المتساوية" فيبلغ عدد الذين ليس لديهم تأمين صحي فيها 46 مليونا، عدد الفقراء 49 مليون، وعدد الأطفال الذين يعيشون علي أرصفة الطرقات والملاجيء ستة ملايين، بينما يبلغ دخل الفرد ضمن مصرفيي وول ستريت ملايين الدولارات. # # # # في كولمبيا، اختتم مؤتمر قمة الأمريكتين في الشهر الماضي أعماله، دون إصدار بيان ختامي كما تقتضي الأعراف، لا سيما في مؤتمر بهذا الوزن تشارك فيه القوة الكونية الأعظم، وبهذا الحجم (قارتين). وكان السبب لذلك هو رفض دول أمريكا اللاتينية للطغوان الأمريكي تجاه كوبا الهادف لعزلها سياسياً وحصارها اقتصاديا. وفي خطوة لها مغزاها، عبّر رئيس الدولة المضيفة عن استيائه لتلك السياسة الأمريكية، وفي صياغة حادة. كذلك أبدت رئيسة الأرجنيتن استياءها لموالاة أمريكا للاحتلال البريطاني لجزر الفوكلاند. أيضاً، أعلنت كتلة يسارية تضم فنزويلا، بوليفيا، إكوادور، نيكاراغوا وبعض دول الكاريبي بأنها ستقاطع مؤتمرات المستقبل إن لم تشارك فيها هافانا. ولا شك الكيفية التي انتهي بها المؤتمر تُعتبر ضربة دبلوماسية موجعة للولايات المتحدة، فكانت كوبا هي الغائب الحاضر الذي تسبب في إفشال المؤتمر.
#بابكر_عباس_الأمين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطالعة في الثورة الكوبية
-
ماهي الخطيئة التي ارتكبها رئيس جنوب السودان بزيارته لإسرائيل
...
-
هل تُوجد أحزاب سودانية؟
-
تحديات البشرية وهي تكمل 7 بليون
-
كاسترو: أوباما غبي!
-
السودان والعلاقة مع إسرائيل
-
الإسلاميون: ردَّة الثورة المصرية
-
السودان: اثنان وعشرون عاما عجافا
-
ما هي اللغة؟
-
الانهيار الصحي في السودان (3)
-
الانهيار الصحي في السودان (2)
-
الانهيار الصحي في السودان (1)
-
واقع سياسي نتِن في السودان
-
أمريكا قوة من الدرجة الثانية عام 2030
-
لقد كان لكم في تونس ومصر قُدوة حسنة
-
حضارات أرض الرافدين
-
الصادق المهدي: تزوير التاريخ المعاصر والتهديد باعتزال السياس
...
-
موسم تفجيرات دور العبادة وإضطهاد الأقليات الدينية في العالم
...
-
النظام السوداني: حكومة رزق اليوم باليوم
-
نسخ نظام الحكم المصري في السودان
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 589
-
تحليل - فرنسا: عندما يستخدم رئيس الوزراء فرانسوا بيرو أطروحا
...
-
برقية تضامن ودعم إلى الرفاق في الحزب الشيوعي الكوبي.
-
إلى الرفيق العزيز نجم الدين الخريط ومن خلالك إلى كل مناضلات
...
-
المحافظون الألمان يسعون لكسب دعم اليمين المتطرف في البرلمان
...
-
استأنفت نيابة العبور على قرار إخلاء سبيل عمال شركة “تي أند س
...
-
استمرار إضراب عمال “سيراميك اينوفا” لليوم السابع
-
جنح مستأنف الخانكةترفض استئناف النيابة وتؤيد قرار إخلاء سبيل
...
-
إخلاء سبيل شباب وأطفال المطرية في قضية “حادث الاستثمار”
-
إضراب عمال “النساجون الشرقيون”
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|