وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 16:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ان عملية تفريس العراق وشعبه قام بها المؤرخون العراقيون والعرب من اصحاب المدرستين القوميتين , العروبية والعثمانية .
سنتطرق لبعض النماذج من ( التفريس العروبي ) الذي تخطى بعنصريته القوميين الايرانيين .يلاحظ ان عملية التفريس تضمنت عدة حلقات متداخلة اولا – الايحاء وكان بلداننا كانت خالية من السكان قبل وصول العرب المسلمون .
ثانيا – الايحاء وكان السكان الذين وجدهم العرب امامهم ماهم الا جماعات مهمشة معزولة ( سريانية او قبطية او بربر .. )يتم احتسابها بسهولة على الاجانب , وفي العراق على الاعاجم ( الفرس ) .
ثالثا – وهي الحلقة الاقوى التي تم تطبيقها على العراق بعد اخلائه من معظم سكانه وتفريس الباقين ثم الاجهاز على كل العراق وعاصمته بغداد ودولته العباسية باعتبارها كلها محسوبة على الفرس !
وتجد هذه الفكرة مكررة في معظم الكتب العربية .
يقول المؤرخ ابراهيم ايوب في كتابه : ( التاريخ العباسي – الشركة العالمية – بيروت – 1989 – ص 216: (وتولى الاعمال الكتابية في الخلافة العباسية الفرس , لان الفرس كانت لهم القدرة الفائقة في الكتابة , بينما كان العرب يفخرون بالسيف لا بالقلم ).
لاحظوا كيف وضعنا هؤلاء بين نارين ! اما عرب بدو يفخرون بالسيف لا بالقلم , او فرس حضر ( لهم القدرة الفائقة بالكتابة ) .
لو عدنا للتاريخ الحقيقي ,سنجد دور العراقيين في صناعة الحضارة .
نعود الى كتاب اية الله مطهري نفسه حيث يقول فيه : (وكانت اهم ناحية من نواحي الدولة الشاهنشاهية الايرانية الساسانية , ارض العراق , مابين النهرين , والتي كانت ميدانا للحرب بين الساسانيين والرومان ,وكان اكثر امم هذه الاراضي من العنصر السامي ويتكلمون باللغات السامية . وان اكبر خدمة قدمها هؤلاء لايران هي انهم كانوا يترجمون علوم اليونان الى اللغة السريانية . وهم الذين اشاعوا الطب والرياضيات والفلسفة في ايران . وقد قام بينهم علماء كثيرون وكانت لغتهم السريانية قد شاعت لدى البلاط الساساني بعد ان كانت اللغة الارامية هي اللغة الرسمية للدولة في ايران ) .
نعم هذه هي حقيقة العراقيين ودورهم اثناء السيطرة الفارسية الايرانية قبل الاسلام .
لو تحدثنا عن دور الفرس في الترجمة , فان المصادر التاريخية تعترف للفرس بدور محدود جدا في الترجمة .
ابن النديم يخبرننا عن بضعة كتب عن قصص ملوك فارس وعن حكايات كليلة ودمنة التي ترجمها الفرس عن الهندية بينما بالعكس , تعترف جميع المصادر بالدور الحاسم للعراقيين السريان الذين نقلوا اعدادا لاتحصى من الكتب من اللغتين اليونانية والسريانية الى العربية . يكفي ان نسجل مثالا واحدا على عظمة الثقافة السريانية في بغداد العباسية . ان المترجم الاشهر ( حنين بن اسحق العبادي ) وهو سرياني مسيحي من الحيرة قرب النجف والكوفة , ولغته الام هي السريانية وقد قام بترجمة 39 كتابا من اليونانية الى العربية , ولكنه في نفس الوقت قام بترجمة 95 كتابا الى السريانية وحدها .وكان المامون يعطي حنين بن اسحق وزن ما يترجمه ذهبا !!!!( قنواتي , جورج – المسيحية والحضارة العربية – المؤسسة العربية – بيروت – ص 103 ).
يكتب المؤرخ ابراهيم ايوب : ( كانت الدولة الاسلامية قد اتسعت رقعتها وانفتحت على غيرها من الشعوب غير العربية من اصحاب الحضارات القديمة كالفرس والروم والهنود , وهذا ما جعل المسلمين يقتبسون عن الحضارات التي احتكوا بها ).
لاحظ غياب اي ذكر للشعوب الاصلية التي تقطن بلداننا قبل العرب مثل الاقباط والسريان والبربر وغيرهم ...
هكذا يتم الحديث في جميع كتب التاريخ المعاصر عن تاثير الفرس والاغريق والهنود من دون اي اشارة لدور السكان الاصليين .ولمعلوماتكم فقد خدم ال بختيشوع من الاطباء السريان المسيحيين الدولتين الاموية والعباسية لمدة 300 عام .وكانت دار الحكمة للكتب في بغداد تحت اشراف وادارة العلماء السريان المسيحيون .
لقد تناسى هؤلاء القوميون ان الاراميون السريان في العراق والشام والاقباط في مصر والبربر في شمال افريقيا قد دخل معظمهم في الاسلام واستعربوا وساهموا مساهمة فعلية كبيرة ببناء دولة الخلافة وتكوين حضارتها .
لقد تناسى هؤلاء المصدر الاهم للثقافة والحضارة في العصر العربي – الاسلامي وهي موروثات شعوبنا وثقافتها ودياناتها السومرية والبابلية والكنعانية والقبطية .والترث السامي العراقي والشامي والميراث الحامي – المصري المغاربي .
اليست شعوبنا هي من انتج المسيحية ونشرها وفرضها على المحتلين الرومان والبيزنطيين ؟
ان بعض السوريين وصلوا الى منصب البابا .وكانت مدينة انطاكية السورية مركز اشعاع حضاري وديني خلال عدة قرون وحتى الفتح العربي الاسلامي . اما في مصر فان مدينة الاسكندرية كانت المركز الحضاري لمنطقة البحر المتوسط خلال ثمانية قرون وحتى الفتح الاسلامي . ومن الاسكندرية انبثقت الغنوصية والافلاطونية الحديثة والهرمزية . واشتهرت الاسكندرية بمكتبتها العالمية .وانجبت اعظم العلماء الذين تم احتسابهم على اليونان ظلما وزورا مثلما تم احتساب التراث الشامي المسيحي على اليونان والرومان .
اما بالنسبة لشمال افريقيا فيكفي فخرا ذكر ( القديس ايروس الليبي ) مؤسس الاريوسية المسيحية والقديس اوغسطين ( الجزائري ) اول فلاسفة المسيحية ,ثم دونات مؤسس الحركة الدوناتية ورائد اول حركة ثورية مسيحية ضد الكنيسة الرومانية . وبالنسبة للعراق عندما دخل المسلمون وجدوا امامهم كنيسة بابل النسطورية التي كانت تضم 90 بالمئة من العراقيين . وكانت كنائسها واديرتها منتشرة من نينوى حتى الاحواز وسواحل الخليج وقطرايا ( قطر حاليا ) وكان المبشرون العراقيون النساطرة قد امتد نشاطهم الى تركستان والهند وحدود الصين بالاضافة الى ايران حيث نافست النسطورية العراقية , المجوسية الايرانية ودخلت حتى في البلاط الايراني مما دفع بشاهات ايران الى القيام بمذابح عديدة ضد نساطرة العراق .
ويذكر لنا التاريخ دور الملكة شيرين زوجة الملك كسرى الثاني في القرن السابع للميلاد والتي كانت مسيحية ارامية من مدينة ميسان في جنوب العراق .
بعد ان اتم مؤرخونا اخلاء العراق من سكانه الاوائل , فان المرحلة الثانية تمثلت بتغريب وتعجيم الباقين ممن اسلموا ( الموالي )والتعامل معهم كاجانب متطفلين .
يكتب المؤرخ احمد حسن الزيات عن العصر العباسي في بغداد : (واطلق الخلفاء ايدي الموالي في سياسة الدولة واستبدوا بامورها , وكالوا للعرب الحقارة والمهانة صاعا بصاع , فضعفت العصبية العربية , وعلا صوت الشعوبية , ونتج عن ذلك دخول العناصر الفارسية والتركية والسريانية والرومية والبربرية في تكوين الدولة , وتمازجهم بالتزاوج والتناسل ) .
لاحظوا ان الزيات يتكلم عن ضعف العصبية العربية بينما يعلن القران ان الاسلام جاء للناس كافة . وانه لاخير لعربي على اعجمي الا بالتقوى
لاحظوا كيف يرثي مؤرخوننا حال العرب الذين لم يسمحوا فقط باشراك هؤلاء الموالي الاعاجم في الدولة بل تركوا الدماء العربية تتلوث بدماء الموالي .. عجبي !!!
ان الزيات اعتبر جميع الموالي اعاجم لكنه استثنى ذكر الاقباط , لان وطنيته المصرية منعته من تغريب وتعجيم اشقائه الاقباط . اما الاخرون فلا يهم .
بعد ان انجز المؤرخون عملية تفريس سكان العراق قاموا بالاخير بتفريس العراق كله .
هاهو جرجي زيدان يطلق على العصر العباسي (العصر الفارسي ) فيقول
( ان الدولة العباسية قامت بالفرس وفيهم الموالي واهل الذ مة . ان المؤرخ المصري يحتسب سكان العراق كلهم ( الموالي واهل الذمة ) على الفرس لكنه بعد فصل واحد يضطر للاعتراف بمدى المبالغة في كتابته وبمبالغته في دور الفرس في الدولة العباسية : ( من بين 13 خليفة عباسي لام غير عربية هناك المامون فقط امه فارسية )لاحظوا الم اقل لكم ان الكتاب القوميون العروبيون وخصوصا المدرسة المصرية زيفت تاريخ العراق وفرسته ولهذا تراهم حتى الكتاب المصريون عبر الحوار المتمدن يمجدون بالسفاح الحجاج بن يوسف الثقفي على الطريقة الاموية ولكنهم يمارسون تفريس وتعجيم العراق على الطريقة العثمانية .
اما بالنسبة لكلمة العراق وبغداد فبسبب كونهما كلمتان غير عربيتان , فقد تم التعتيم عليهما من قبل النظام البعثي السابق . وتم التركيز من قبل المؤرخين على نسبة بغداد الى اصل فارسي او تركي . بينما تثبت الاكتشافات الاثارية في نهر دجلة في مكان موقع ( خضر الياس ) حاليا قرب مدينة الطب حاليا الى اكتشاف اثار قرية بابلية قديمة تدعى (بغدادو )ومعناها بالبابلية الكلدانية
0بيت الغنم ) راجع ( د. كمال السامرائي – الطب عند العرب – ج2
اما الاكراد وردا على الاصل العروبي العنصري بالانتماء للحجاز فانهم بالمقابل اصطنعوا تاريخا من خارج كردستان العراق , اي من الميديين (الهندو – اوربي ). ان جبال كردستان العراق كانت مقطونة عبر التاريخ بجماعات غير ارية وقد شاركت هذه الجماعات بصنع الحضارة العراقية منذ الالف الثالث قبل الميلاد مثل الغوتيين والكاشايين والحوريين . وان تبني لغة لايعني ابدا الانتماء العرقي لاصل هذه اللغة . كما ان الدولة الاشورية الاكدية كان مركزها وعاصمتها في كردستان العراق وضمت اليها ارمينيا بكاملها والاشوريون هم عراقيون ساميون وليسوا اريون . وعاش الاكراد وسط الثقافة والحضارة السامية الاشورية العراقية وساهموا ببناء حضارتها .
وهكذا نرى ان من يدافع عن تفريس العراق هم اصحاب الاتجاه العروبي العنصري مثل البعثيين وغيرهم من القوميين ساندتهم تيارات غيرعربية مثل دراسات المستشرقين التي خضعت للاهداف السياسية بالاضافة الى الحركة الصهيونية . وشارك في التعجيم والتفريس المدرستين العثمانية – التركية والمدرسة الفارسية . وهكذا شاهدنا هذا التحالف الذي شوه تاريخنا وحضارتنا انهم لم يقراوا التاريخ بل يرددون ماقاله الاخرون لهم , هم مثل الذين كفروا سلمان رشدي ولم يقراوا الايات الشيطانية .
وهكذا نرى الاعتراف بالفم المليان من قبل ملالي ايران بالدور الريادي الكبير الذي قام به المسيحيون الاراميون في بناء حضارة فارس وايران عبر التاريخ واعتراف مطهري نفسه بان اللغة السريانية كانت لغة البلاط الفارسي خلال عدة قرون من الزمن .بالاضافة الى ان مركز ومقر الحكم الساساني كان في المدائن ( سلمان باك حاليا ) التي تقع حاليا قرب بغداد وكانت المدائن مركزا للكنيسة النسطورية كنيسة الشرق واهلها واهل العراق يتحدثون الارامية وليس لغة اخرى ( راجع – جورج قنواتي – المسيحية والحضارة العربية ) . هذه المعلومة لايستمع لها العروبيون العنصريون الذين هم على استعداد لتجرع السم وعدم سماعها
ان الاعتراف بالخطا فضيلة اما الاصرار عليه فهو حماقة.
المصدر – ( الذات الجريحة ) للباحث والكاتب العراقي سليم مطر
على المودة نلتقيكم ...
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟