|
الحقائق الثقافية تحاور الشاعرة فاطمة ناعوت
أيمن اللبدي
الحوار المتمدن-العدد: 1092 - 2005 / 1 / 28 - 09:32
المحور:
مقابلات و حوارات
أجرى الحوار أيمن اللبدي
في الترجمة الأدبية والشعرية منها خاصة( نشاط وهمة وحيوية لافتة)، وفي الثقافة الأدبية (منظومة أنيقة متأصلة وحديثة في آن)، وفي نص قصيدة النثر الحديثة (صوت شعري مميز ونابه)، وفي العلاقات الإنسانية والعلاقات الكونية (مثال للجد والجودة والجود) ،تلكم هي فاطمة ناعوت ....../
س1:- فاطمة ، تترك لك الحقائق الثقافية مساحة لتقدمي أبرز ما ترين في مركب فاطمة الأدبي والإنساني، فماذا تقولين؟ على المستوى الإنساني أراها طفلةً مازالت تندهش ومازالت تسأل. يعلّمُنا البروتوكول ألا نندهش، إلا أنني أرى أن سرَّ جمال الأشياء يكمن في استمرار الاندهاش بها. التعوّد يمحو فرادةَ الموجودات ويلغي انفعالنا بها، ومن ثم يقتل الإبداع. كثيرا ما استغربَ المقربون مني تساؤلي عن أمور بديهية أو مألوفة إلى الحد الذي لم يعد ممكنا معه أن تشكّل سؤالا. لكنني أقول إن إعادة الحرث في التربة القارّة المطمئنة يخلق حالا من "العصف الذهني" تستعيد معه الأشياءُ بكارتَها. من العسير أن نتكلم عن أنفسنا فمن منا "عرف نفسه" ؟ حتى سقراط لم يفعل! وعلى الجانب الآخر هي صبية مصرية تجاذبها خيطا العلم والأدب، سوف تدرس الهندسة وتحترفها إرضاءً لعائلتها، ويظل حُلم الكتابة والنشر موءودًا إلى أن ينتصر قلق الشعر الراسخ بوجدانها فتشتعل الثورة، التي كانت أرهصت قبل سنوات قليلة، لتبدأ نشر كتابات ظلت حبيسة الأدراج لأكثر من عقدين من الزمن. س2:- ما الذي ترينه انفكاكاً واتساقاً على مساحة المجموعات التي أصدرت؟ وأين يكمن المشتعل في النص لدى فاطمة ؟ وأين يكمن المرتكز؟! أنت شاعر وتعي أن من الصعب أن يصفَ شاعرٌ قصيدتَه. هذان سؤالان نقديّان يجيب عنهما النقاد. لكن اجتهادي يقول إن المرتكز في نصوصي هو الإنسان وسؤاله السرمديّ حول الوجود عبر رؤيتي الشخصية للعالم، والمشتعل يكمن في ضربات الفرشاة اللامعقولة التي يخلقها الشعر في الورق وفي الحياة. المتسق هو إدعاء الحياد (ولا حيادَ هناك) في رصد العالم حين يعتمل الوعي والانفكاك هو الغنائية التي تنبثق حين يهيمن الوجدان واللاوعي على النص. س3:-ما رأيك في هذه المقولة " القفزة القادمة للمشهد الشعري، نهاية النص" ؟! ماذا يعني "النص" هنا؟ إن كنت تعني القصيدة الجديدة بمفهوم الماغوط، فاللحظة الراهنة هي مشهد يرصد فعل "القفز" ذاته لحظة حدوثه ولم ينبئ بعد بنقطة الوصول. كأن نقول إنها لقطة كاميرا ترصد الطائر لحظة تحليقه قبل أن يستقر فوق قمة جبل أو علياء غيمة أو حتى قبل أن تُدكُّ عنقُه. أما إن كنت تقصد بالنص ما تنتجه "الكتابة عبر النوعية" بتعبير إدوار الخراط، فأعترف أنني لم أستوعب تلك المنظومة حتى الآن، ربما لأنني أنتمي لشريحة المتلقي الكلاسيكي الذي يحب أن يلمس حدودًا واضحة بين الأجناس الأدبية. حدودٌ قد تمسَّها خربشات هنا ونقرات هناك، غير إنها تداخلات محسوبة وفنيّة وواعية وغير مجانيّة والأهم أنها لا تمتد إلى عمق الأسوار الفاصلة فتصدّعها.
س4:-هل النص أقوى من عوامل التعرية القادمة من سطوة الموروث وتركيبة الوجدان العربي ؟ وماذا يضمن نفاذ القوة إلى تركيز الربح في هذه المواجهة؟ مقولة "قتل الأب"، التي يطلقها بعض كتّاب ما بعد الحداثة بمعنى تنحية التراث على إطلاقه، لم ترق لي بهذا المفهوم الإطلاقيّ، بل أحيانًا ما أشعر فيها بطعم الزيف أو كأنها محاولةٌ للفرار من تبعة الإلمام بتراثنا الثري. نحن تربينا على ذاك الموروث، وتخلّقت مكوناتُنا المعرفية من خيوطه ومن ثم فنحن ننهل منه بشكل أو بآخر. أفهم تلك المقولة بمعنى "التجاوز وعدم التبعية"، أو "العقل لا النقل" حسب المعتزلة. ولكي نتجاوز شيئًا يلزمنا أولا أن نصل إليه ونعيه ونمتلئ به ثم نزرع في أرض مغايره، لا أن نهجره كليّة أو نجهله بزعم تجاوزه. ولذا يظل تراثنا دومًا في خلفية إدراكنا مثلما الضوء الذي ينير خلفية المسرح من بعيد. بكلمات أخرى يظل الموروث الذي حصّلناه عبر خبراتنا القرائية والسمعية يعمل طوال الوقت في لا وعينا، بينما الوعي يجتهد أن يصارعه ويتناحر معه لينتج إبداعًا طازجًا. ينطبق نفس القول على الشأن الموسيقي والإيقاعيّ في الشعر. فنحن كأبناء أمة شفاهية سمعية، تربى وجداننا على الاستطراب باللغة الشجية الغنائية المموسقة، والموسيقى شيءٌ أوسع من الإيقاع الخليليّ، ومن هنا كان على الشاعر الجديد مهمة شاقة: أن يتحرر من الإرث الفراهيديّ وفي الوقت ذاته لا ينأى تماما عما يتناغم مع الذائقة العربية في التلقي. أن يغزل خيوطًا جديدة تحمل إيقاعها الخاص الذي يركض نحو أراضٍ بِكْرٍ، بعدُ لم تُطأ، ويلتفت، بين لحظة وأخرى، بعين الحنين إلى الأراضي التي أنشأته.
س5:-أين تكمن قمة المخاطرة في نص قصيدة النثر (أو النسيقة حسب ظني ) ؟ وأين عناصر الأمان فيها؟! لا أمانَ في الفن إذ هو قائم على المراهنة والتجريب. أصعب ما في قصيدة النثر (الحقيقية) هو دخول الشاعر ساحة الوغى أعزل مجردًا من أداوتٍ كانت ميسّرة للشاعر القديم مثل الوزن والقافية. يدخل فضاءَ الورق وحيدًا إلا من طاقة الشِّعر، فإما أنتج شعرًا حقيقيًّا، أو جاد علينا بغثاء متهافت سوف يتداعى من تلقاء ذاته بفعل معول التاريخ الحاسم الذي لا يرحم. ومن هنا فالخطورة تكمن برأيي في الوقوع في شَرَك الاعتقاد بسهولة قصيدة النثر باعتبارها المتحررة من عروض الخليل وكفى. بينما تكمن القيمة في أنها سوف تقطع الجسور على كثير من المتشاعرين ظنوا أن الشعر هو نظمُ الكلمات وتقفيتها. تكمن المخاطرة في كيفية صوغ معادلة من الانفلات المحسوب من ذائقة تربّت على التمايل مع التفعيلة. الانفلات من دوجما الوزن بغير الطيران بعيدًا جدًا عن فضائها الموسيقيّ. أن نكتب قصيدة جديدة حرّة من دون أن نقتل إيقاعًا ينتج عن لغة موسيقية بامتياز هي العربية. الخطورة في مدى إمكانية تفتيت اللوح الصلد لذائقة قارّة منذ مئات السنين والرهان على تشكّل متلقٍ جديد ببطء وهدوء.
س6:- ما المشترك بين التركيب الهندسي والتركيب الشعري؟ وما المتعارض بينهما ؟! هل العلاقة جدلية مركبة أم بسيطة وعابرة ؟! العلاقة متعارضة وجدلية. الذهنية الناشئة على أطر هندسية ورياضية بوسعها أن تكوّن تصورًا للعالم يجنح نحو المنطق والعلم والنظام والسلامة، ثم يأتي جنون الشِّعر ليخلخل ذاك البنيان المتسق ويفسد عليه نظامه بأن يدخلَ خيوطًا من العبثية والجموح والفوضى تخلق عالمًا أكثر فتنة وجمالا. الهندسة والعمارة والتركيب هي لعبة الإنسان الأولى فوق هذا الكوكب، يهوى الآدميُّ تجميع الكلِّ من أجزاءٍ صغيرة. فتتَ الجبلَ ثم بنى من أحجاره الصغيرة بيتًا وهرمًا وجسرًا، اخترعَ حروفًا ورموزًا ثم نسج منها كلامًا وقصيدةً ومعادلة رياضية أو كيميائية الخ. اكتشفَ الفيزيقا وحَدَسَ بالميتافيزيقا ثم نسج من شِقَّيْ المعقول واللامعقول خيوط الشعر والفن والموسيقى والنحت الخ. فهل من الصدفة أن يسمي العربُ القدامى السَّطرَ الشعري "بيتًا" ؟
س7:- في الترجمة الأدبية الناجحة، هل إعادة حياة النص عنصر توفيق أم هي عنصر اشتراطي ؟! في ترجمة الشعر سوف يكون إحياء النص عنصرًا اشتراطيًّا وإلا تحوّلت القصيدةُ إلى بيان صحافي أو مقالةً تحمل أفكارا. الترجمة الأدبية بوجهٍ عام تُفقد النصَّ جزءًا من طاقته الشعرية نتيجة سفرها عبر منظومتين لغويتيْن مختلفتيْن كليّة من حيث الميزان الصرفيّ والموسيقيّ والبنائيّ والاستعاريّ والدلاليّ الخ، ويعمل المترجم الحصيف على تقليص كمِّ الطاقة المهدَرَة قدر إمكانه. ولذلك – برأيي – لا تتم ترجمة الشعر بنجاح إلا عبر شاعر رفيع في لغته الأصل. الترجمة لا تعني امتلاك ناصية لغتيْن وإن انطبق هذا المفهوم على ترجمة المادة العلمية والصحافية. في ساحة الشعر الأمر يتطلب شاعرًا بوسعه الاضطلاع بروح الكلمة وطاقتها.
س8:- الحرف الأنثوي متصالح مع خارجه ومتخاصم مع داخله ، ما رأيك بهذا ؟! إذا تكلمنا عن "الأنثوية" بالمعنى الفلسفي الواسع، أي بمعنى الانتصار لقيم الجمال في الحياة، سنجد الحرف الأنثوي، إن كان ثمة ذلك، متصالحا مع الوجود بأسره بما يتضمن ذلك من موجودات وإنسان. أما إن كنت تشير إلى الحرف "النسوي" بمعنى ما ينتجه قلم المرأة من كتابات تكرس أفكار المساواة واللاعنصرية الخ، فأظننا لن نلمح فروقًا نوعية كبرى بين قلم المرأة وقلم الرجل، فالعقل لا نوع له كما ذهب كولريدج. في زعمي الخاص، وأعلم كم سأهاجَم جرّاء ذلك، أن قصائدَ نزار قباني عن المرأة لا تقل أهمية وقيمة عما أبدعته سيمون دو بفوار في كتابها " الجنس الآخر" في شأن تحرر المرأة. القضية تخص رهافة القلم وحصافة الوعي أكثر مما تخص نوع القلم الذي يكتب. ربما تمتلك المرأة عينًا أقدر على سبر التفاصيل الدقيقة في حين عين الرجل أقدر على تشكيل نظرة أكثر بانورامية وشمولية ومن هنا فالمنظومة تكاملية لا تنافسية.
س9:- ماذا هدم فيك الشعر وماذا بنى ؟! الشِّعر يعصمنا من الزلل. والشعر الذي أعني ليس هو كتابة الشعر بل رؤية العالم على نحو جميل. فأنا أؤمن أن ثمة شعراءَ لم يكتبوا الشعر وثمة من كتبوا الشعر ليسوا بشعراء. الشعر يعلمني أن أكون جميلةً كي أكون جديرة بكتابته. سوى أن الطوباوية المفرطة تفقد المرء متعة رؤية النصف الآخر من الوجود الذي لا يخلو أيضًا من جمال، وربما هذا ما أفسده الشعر عليّ، نظرية الأبيض والأسود. (مبتسمةً) لا أدري أهو الشعر الذي زج بي نحو ذلك أم برج العذراء، ذو النزعة المتطرفة، الذي أنتمي إليه ؟! لكنني أعمل في هذه المرحلة من عمري على تبني فلسفة أن جمال الوجود يمتح من الأسود كما يمتح من الأبيض بما أن الأخير يتحلل عبر منشور الضوء إلى سبعة ألوان رئيسية تتفرع إلى ستين مليون درجة لونية. س10:- بعض من يتابع يسأل : لماذا تكثر السهام من حولك يا فاطمة ؟ هل هي من حولك أنت أم من حول تجربتك ؟! قالت دي بفوار" المرأةُ لا تولد امرأةً، لكن المجتمعَ يجعلُها كذلك"، في إشارة منها إلى التصنيف النوعيّ الاجتماعيّ الذي لا يختلف كثيرا عن العنصرية التي يهاجمها طليعيو المجتمع ثم يمارسونها بامتياز على نسائهم. تلك الكارثة وإن انطبقت جزئيًا على المجتمع الغربي الذي تنتمي إليه دي بفوار فهي ركيزة صلبة في مجتمعنا الشرقي. المرأة متهَمة بنوعها منذ مولدها فإن تجاسرت وأمسكت بالقلم تكون قد خدشت جزءًا حميما من الوعي القار في الذهن العربي بوصفها بساطًا منذورا لتنشئة الأطفال والرجال. هل ثمة علاقة بين تلك المقدمة، واجبة الذكر، وبين محاولة النيل مني في الآونة الأخيرة ؟ الجدل حول الشعر والكتابة ظاهرة صحيّة ورفيعة وواجبة، أما تصويب السهام نحو عنق امرأة لأنها تكتب وتنتج فأمر رخيص لا يأتي به إلا المتطفلون على موائد الكتابة والأدب. المبدع المهموم بمشروع حقيقي لا يجد مساحةً للنيل من الآخر أو محاولة هدمه، هو مأسور بتطوير بنائه الخاص ويفرح لسموق أبنية الآخرين من حوله لأن في ذلك إثراءً للحراك الثقافي وجدليته وتحققًا فعليًّا له أيضًا. أنا يا عزيزي متهمةٌ، إلى جانب كوني امرأة، بغزارة الإنتاج والعمل، ومتهمة أيضًا بأن شاعرًا كبيرًا قد اختارني، دون سواي، للمشاركة معه في إنتاج مجلة أدبية ثقافية، فتحوّل كل من تمنوا أن يختارهم دوني إلى مهاجمين بغير سبب مفهوم، ومتهمة لأنني أكتب في أكثر من لون كتابيّ مثل الشعر والترجمة والعمارة والنقد والفن التشكيلي الخ، ومتهمة لأنني "مهندسة معمارية هبطت بالبراشوت على دنيا الأدب" بتعبير أحدهم ومتهمةٌ لأن بعض النقاد الكبار قد أشادوا بتجربتي، وكلها كما ترى حروبٌ خارج القضية. فالعملة الوحيدة التي بيننا برأيي هي ما نكتب، ليتهم يهاجمون ما أكتب إذن لاحترمتهم وقرأت ما يكتبون. كتب صحافي مرة :" الهجوم على فاطمة ناعوت ليس حول ما تكتب، لكنه هجومٌ حول وجودها ذاته"، إذن ثمة من يقلقهم وجودي في ذاته!! المضحك أن هؤلاء، وهم بالمناسبة ثلاثة أو أربعة أشخاص ممن يحاولون كتابة الشعر، لم يقرأوني أبدًا وإلا لوجدوا حتما في تجربتي ذاتها مناطق تصلح للهجوم الموضوعيّ شأن كل شاعر فوق الأرض، لكنهم عوضًا عن ذلك يختلقون أحداثًا عارية من الحقيقة في محاولة منهم لجذب الانتباه إلى أسمائهم المطمورة أو ربما يطمحون إلى أن أقع في حلبة مساجلتهم والرد عليهم، لكنهم لم ينتبهوا لكوني لا أهتم ولا أجد الوقت للرد عليهم إذ لدي الأهم الذي يشغلني ولأنني أيضًا أعوّل كثيرا على ذكاء القارئ. هؤلاء يقدمون لي خدمةً كبرى بأن يجعلوني أوقن أنني أسير على الطريق الصحيحة. ولذلك فأنا كلما أنجزت خطوةً في تجربتي أهديها، ليس فقط إلى الجادين الحقيقيين، لكن أيضًا – كما فعل طه حسين – إلى الذين لا يعملون ويسوءهم أن يعمل الآخرون. س11: هل تخافين تشارين معيّنة يا فاطمة ؟! أم هناك على الرزنامة ما لم تذكريي؟! وما هو سلام فاطمة الداخلي ؟ أخاف لحظات بعينها، لحظات العجز. العجز عن إدراك مبرر منطقي يفسر كل ما في الحياة من قبح، وتلك اللحظات التي أشعر فيها بالعجز عن مساندة إنسان يمر بمحنة ما. الشعور بالعجز يقتلني ألف مرة. سلامي الداخلي يبدأ عند شعوري أنني لم أنل من أحد ولم أتقاعس عن مساعدة أحد، وينتهي عند شعوري بأنني أساهم، ولو بقدر حبَّة رملٍ، في إعلاء بناية الجَمال في الحياة، أو في الأقل عدم الإسهام في قبحها. س12:- ما هو الناقص الأكبر في المشهد الشعري المصري ؟ حركة نقدية واعية. س13:بمَ توصين لاختصار المسافة بين المتلقي البصري والمتلقي السماعي ؟ وهل الشبكة مسرح حقيقي أم ستبقى افتراضية في ذلك وفي غيره ؟! كما سبق وقلت إن الذائقة العربية سمعية بامتياز، وهنا تكمن المراهنة على النص الجديد الذي لابد أن يعمل على التلقي بشقيْه البصري والصوتي في آن. تكمن وصفة تقليص هذه المسافة بظني في محاولة العزف على ما أسميته الإيقاع الإدراكي، اللاحواسيّ أو ما يتجاوز الحواس الخمس، والذي يشتغل على الدماغ والوعي والعالم في آن واحد وقد أسهبتُ في ذلك في حواراتٍ سابقة. أما شبكة الانترنت فتضم نوعين من الإبداع: الأول إبداعٌ حقيقي لم يجد سبيله لمملكات الورق التي احتكرها القائمون على المؤسسات الصحافية، كما قال بلزاك : "كن صحافيا تكن سيدا في مملكة الأدب"، والثاني كتاباتٌ متهافتة لا ترقى للأدب لم تجد طريقها للورق لأسباب فنيّة. هذا عدا المبدعين المتحققين ورقيًا الذين يلجون عالم الإلكترون بوصفه ميديا إضافية ووسيطا جديدًا عابرا للقارات في اللازمن. س14: هل النقد عربة أم حصان ؟! وأيهما مات أولاً ؟! يظل الإبداعُ هو الحصانَ دائما. شأن كلِّ ألوان المعارف الإنسانية فالظاهرة تنشأ أولا ثم يتلوها التنظير. النقد الأدبي الراهن هو عربة تهالكت وتصدّعت لأنها لم تستطع أن تلحق وتواكب فرسًا جامحًا لم يمت ولا ينبغي له. س15:في رأيك، هل الآخر مستعد لسماعنا أم أننا في مهمة دون كيشوتية ؟! الآخر مستعدٌ لسماعنا بشروطه الخاصة. والذكاء يكمن في محاولة تقليص الهوّة بين خطابينا، خطابنا وخطاب الآخر، حتى نستطيع الوقوف على أرض مشتركة قدر الإمكان. الرهان الحق هو محاولة خلق خطاب يفهمه الآخر وفي ذات الوقت لا تنقطع جذوره كليّة عن أرضنا البنيّة. الأنثروبولوجي قسّم العالم إلى ثلاثة أجناس بشرية: الأصفر والأحمر والأسود، وأضيف إليها الجنس العربي وهو بزعمي الجنسٌ البنيّ، فنحن لا ننتمي للجنس الإفريقي ولا الأسيوي مائة بالمائة، ولنا تركيبة شديدة الخصوصية لأننا أبناء حضارات وثقافات فكرية ودينية واجتماعية متباينة ومتراكمة ومركبة. ومن ثم غدا لدينا خطاب ذو طبيعة خاصة يلزم معه أن نبذل جهدا خالصًا وحقيقيًا من أجل تواصلنا مع الكون وإلا انعزلنا في الشرنقة التي يسعى الآخر إما لحبسنا داخلها وإما لانضوائنا التام تحت عباءته.
س16:لو أرسلتِ يمامتك الخاصة أو إن شئت زورقك الخاص فماذا أنت قائلة ل : - الوطن : كن لنا "الأمن"، فأنتَ حريٌّ بذلك. - الإنسان = الرهان عليكَ حتى تغدو إنسانًا. - النص = أنتَ اقتراح آخر لوجودٍ أجمل لم نصادفه، فكن القصيدة الذي لم تُكتب بعد. - الكتاب = تظل قيثارةَ المتعة، رغم أنف التكنولوجيا. - حرفا : "لا" = علّ فيكما يكمن المصير. - القدر = أنت الستار الذي تهزه يدُ السماء لتذكّرنا بوجودها، فكن رهيفًا مثلها. - س17: مشروعك الذي لم يولد بعد، في أي رحم هو ومن هي قابلته ؟ مشروعي الموءود هو الكلمة على لسان صغيري "عمر"، الكلمةُ التي بعدُ لم تُقَلْ، ومازالت في رحم القدر وقابلته الرجاء
س18:في الجراح الغائرة قومياً، هل ورود النص قادرة على مشروع للانتصار على السيف الغادر؟ أم أنها لن تقوى على حده المشتعل ؟! الانتصار لا تصنعه الكلمات بقدر ما تصنعه العزائم. الكلمة ربما تزكي طاقة العزم لكن الإرادة تثقفها. س19: هل من كلمة لبيت الحقائق الثقافية وزائريه ؟! أحترم هذا المنبر الثري وأراهن عليه بقوة لأن القائمين عليه أقلامٌ سامقةٌ رفيعةٌ وواعية.
#أيمن_اللبدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|