أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الحياة- فلسفة!















المزيد.....


-الحياة- فلسفة!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3716 - 2012 / 5 / 3 - 14:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



7 مليارات نسمة عدد سكَّان العالم اليوم؛ لكن كم عدد البشر الذين سكنوا كوكب الأرض مُذْ ظَهَر الإنسان (أو كم عدد الموتى من البشر مُذْ ظَهَر الإنسان؟)؟

إنَّه لسؤالٌ تستعصي إجابته، وتتعذَّر؛ لكنَّ إثارته تكفي لإثارة العقل الفلسفي للإنسان، ولإطلاق العنان لمُخَيِّلته، ولِجَعْلِه يذهب بعيداً (وعميقاً) في التأمُّل والتفكُّر، ولانتشاله من هموم حياته اليومية، ودَفْعِه إلى التسامي عن صغائر الأمور؛ فيَمْتَثِل، عندئذٍ، في تفكيره وسلوكه، للمتنبي، بمُحْكَم وجزيل قوله: وتَعْظُم في عين الصغير صغارها، وتَصْغُر في عين العظيم العظائم.

وإنَّها "الحياة" التي لم نُحْسِن فهمها حتى الآن؛ لأنَّنا فَهِمْنا، وأفْهَمونا، نقيضها، وهو "الموت"، بما جَعَلَنا نعيشها أسوأ عَيْش، تاركين الموتى، من بشرٍ ومفاهيم وأفكار وطرائق في التفكير وفي النَّظر إلى الأمور ووَزْنها والحُكْم عليها، يَحْكمون الأحياء، يتحكَّمون بهم، ويستبدُّون؛ فغدونا، وظَلَلْنا، أمواتاً ونحن على قَيْد الحياة، فلم نعبأ بإيليا أبو ماضي إذ دعانا إلى أنْ نكون للحياة أبناءً، قائلاً: أحْكَم الناس في الحياة أناس علَّلوها، فأحسنوا التعليل.

وإنِّي لأدْعو كل راغِبٍ في حُسْنَ الفهم والتعليل للحياة إلى زيارة "جدارا"، أيْ بلدة "أم قيس" الأردنية الآن؛ على أنْ يزورها زيارة فلسفية، يستهلها بالوقوف وَقْفَة تأمُّلٍ عميق أمام "حجر الشاهد" لقبر أرابيوس، والذي نُقِشَت فيه كلمات عظيمة، خاطب فيها هذا الشاعر القديم العظيم الزُّوَّار قائلاً: أيُّها المَارُّ مِنْ هنا، كما أنتَ الآن كنتُ أنا، وكما أنا الآن ستكون أنتَ، فتمتَّع بالحياة؛ لأنَّكَ فانٍ!

ليس سائحاً، ولا متنزِّهاً، ولا مُسْتَجِمَّاً؛ وإنَّما فيلسوفٌ متأمِّلٌ، قَصَد هيراقليطس النهر؛ فاكتشف، في جريان مياهه، معنى "الحياة"، وناموس الطبيعة والكون، قائلاً: إنَّكَ لا تَسْتَحِم (أو تَسْبَح) في مياه النهر نفسها مرَّتين؛ لأنَّها جارية متغيِّرة في استمرار.

ما أعْظَمُكَ يا "نهر هيراقليطس"؛ فمتأمِّلوك مِمَّن يشبِهُون صاحبكَ، بصراً وبصيرةً، لا يستعصي عليهم فَهْم كل شيء على أنَّه "ازدواج الواحِد"؛ على أنَّه هو نفسه، وغيره، في الوقت نفسه، أيْ في كل لحظة؛ فأين هو هذا الشيء الذي جاء إلى الحياة ولم يكن جديراً بالهلاك والزوال؟!

ابْحَثوا عن "الخلود"؛ لكن مهما بَحَثْتُم، واستنفدتُّم من جهد ووقت، فلن تجدوه، أخيراً، إلاَّ في "نهر هيراقليطس"، الذي لا ينطق إلاَّ بكلمة واحدة، هي "الجريان"؛ فلا "خلود" إلاَّ "الجريان"؛ إلاَّ "نشوءٌ لزوال"، و"زوالٌ لنشوء".

و"الزمن"، أيضاً، وبالضرورة، جارٍ كمياه "نهر هيراقليطس"، يَنْبُع من منبع لا ينضب، ويَصُبُّ في مَصَبٍّ لا يمتلئ؛ ونحن نجري بجريانه؛ لكنَّه، مُقَتِّرٌ علينا وهو الذي يملك كل شيء؛ فلا يُمَلِّكنا مِمَّا يملك إلاَّ "لحظة واحدة لا غير"، هي "الآن"، أو "الحاضِر"؛ وكأنَّه اختَبَرَنا، فتوصَّل إلى أنَّنا لا نَسْتَحِقُّ حتى هذا "الفتات" مِمَّا يملك؛ ونحن، والحقُّ يُقال، لا نَسْتَحِق؛ لأنَّنا لا ننتفع من هذا الذي ملَّكَنا إيَّاه من "فتات" ما يملك؛ فأين هو هذا الإنسان الذي عاش الحاضِر بما يُثْبِت أنَّه سيِّد هذه اللحظة، مالِكٌ لها، مُنْتَفِعٌ منها انتفاع مُؤمِنٍ بأنْ لا لحظة غيرها يملك، أو يستطيع أنْ يملك؟!

إنَّهما اثنان (لا ثالث لهما) من المشاعِر يستبدَّان بالمرء وهو يعيش الحاضِر: شعورٌ بالأسف والنَّدم والحسرة والحزن على شيءٍ فات، وشعورٌ بالخوف والقلق والانزعاج من أمْرٍ لم يأتِ بَعْد.

وكيف للمرء أنْ يعيش، وأنْ يُحْسِن عيش، "الحاضر"، بصفة كونه اللحظة الوحيدة التي يملك، وهو يشعر بالأسف والنَّدم على "الماضي"، أو بالخوف والقلق من "المستقبل"؟!

إنَّه، في مشاعره، أسير ما مضى وانقضى وأصبح أثراً بَعْد عين، وتستحيل استعادته، أو العودة إليه، أو أسير خوفٍ وقَلَقٍ من آتٍ، ربَّما لا يأتي؛ أمَّا العاقبة فهي انشغاله عمَّا ينبغي له عيشه والإفادة منه بما فات ومات، أو بما لم يأتِ بعد؛ وهذا المُرْتَقَب بخوف وقلق قد يأتي بعد فَوْت الأوان، أيْ بعد موت المُرْتَقِب نفسه!

ولم أرَ "حِكْمَةً" أسوأ من تلك التي تأتي المرء الذي سَجَن نفسه في سِجْن "الماضي"؛ فهو الذي تسمعه دائماً يقول: لو رَجَع بيَ الزمن القهقرى لَمَا فَعَلْتُ ذاك الذي فَعَلْت ونغَّص عليَّ عيشي، وأوْرَثَني هذا الشعور بالأسف والنَّدم والحسرة والحزن!

كلاَّ، ليس في هذا الذي يَزْعُم ولو نزرٌ من الحِكْمَة؛ لأنَّه لو لم يرتكب ذاك "الخطأ"، ويَخُضْ تلك التجربة المريرة، ويُعانِ ما عاناه من عواقبها، لَمَا أتته هذه "الحِكْمَة"؛ وهي ليست بـ "حِكْمَة"؛ لأنَّه لو عاد إلى تلك اللحظة من الماضي فلن يعود وهو مُسَلَّحٌ بهذه "الحِكْمة"، ولسوف يرتكب، من ثمَّ، "الخطأ نفسه"؛ فالعودة إلى الماضي إنَّما تعني العودة إلى الأسباب والدوافع والضغوط التي حَمَلَتْه على فِعْل ما فَعَل، والذي لم يَظْهَر له على أنَّه "خطأ" إلاَّ بعد ظهور عواقبه. إنَّها "حِكْمة" لا تليق إلاَّ بزين العابدين بن علي (وأمثاله) الذي "اكتشف"؛ لكن بعد فَوْت الأوان، أنَّه قد "فَهِم" شعبه، مُعْتَرِفاً بـ "خطأه"؛ وكأنَّ "الفضيلة" بِنْت "الاضطِّرار"!

"الزمن" لا سيِّد له إلاَّ كذاك الذي نَظَرَ إلى "ساعته"، فقال: إنَّه الرابع والعشرين من أكتوبر؛ فَقَبْلُه بيومٍ لا يكون الأوان قد آن، وبَعْدُه بيومٍ يكون قد فات الأوان!

عِشْ "الحاضر"، واعْرَفْ كيف تعيشه، وتنتفع منه؛ فأنتَ لا تملك من كلِّ الزمن غيره؛ عِشْهُ حُرَّاً من مشاعِر لا تلغي ما وَقَع، ولا تَمْنَع وقوع ما لم يَقَع؛ وعِشْهُ حُرَّاً من خَوْفٍ لا يمكن تمييزه من "الحماقة"، ألا وهو "الخوف من الموت"؛ فحُكماء الإغريق وَصَموا بـ "الحماقة" كل مَنْ يستبدُّ به هذا الخوف إذ قالوا: الموت ليس فينا، غائبٌ عنَّا، ما دُمْنا على قَيْد الحياة، فإنْ مُتْنا ماتت معنا كل المشاعر، ومنها هذا الشعور بالخوف من الموت.

إنَّها لـ "حِكْمة"؛ لكنَّها كمثل كل حِكْمة لا تخلو من "الخطأ"؛ فالموت يأتي بغتةً، على أنْ نَفْهَم "بغتة" كما نَفْهَم "القشَّة التي قَصَمَت ظَهْر البعير"؛ إنَّها ليست بـ "قشَّة خارقة"؛ لكنَّ القش المتراكم من قبل على ظَهْر البعير هو ما جعلها تبدو "خارقة"، تَقْصم ظَهْر البعير بغتةً؛ وهكذا الموت، يتراكم فينا ونحن أحياء، ومُذْ أتينا إلى الحياة، فتأتي "النقطة الأخيرة" منه لتَجْعَله يبدو "حادِثاً مباغِتاً"، يَقْصم ظَهْر الحياة فينا!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الإحساس- من وجهة نظر -مادية جدلية-
- في هذا يكمن -سِرُّ قوَّته-!
- -أزمة- مصر تكمن في عدم اكتمال ثورتها!
- ما لَمْ يُقَلْ في -القرية العالمية-!
- -سادات- يلبس عمامة!
- عندما يُحْظَر قيام أحزاب -على أساسٍ ديني- في الأردن!
- معنى أنْ يزور نجاد -أبو موسى- الآن!
- الديمقراطية -الفَرْدية-.. الأردن مثالاً!
- -خُطَّة عنان-.. من -القبول النَّظري- إلى -الرَّفض العملي-!
- -قضية اللاجئين- في مناخ -الربيع العربي-!
- -الحتمية الماركسية- و-نقيضها الدِّيني-!
- قانون انتخابات أردني.. جديده قديم وقديمه مُجدَّد!
- البونابرت عمرو سليمان!
- هل يُمْسِك عنان ب -العِنان-؟!
- -انهيار المادة على نفسها- في معناه -الفيزيائي الفلسفي-!
- حتى لا تغدو -الديمقراطية- نفياً ل -الوجود القومي العربي-!
- الثورة المأزوم عليها.. و-الفوضى الخنَّاقة-!
- -الإخوان- الديمقراطيون!
- -إخوان- مصر ولعبة -الشَّاطِر-!
- يوم الأرض والقدس في مناخ -الربيع العربي-!


المزيد.....




- كيف ردت الصين على ترامب بعد فرضه الرسوم الجمركية؟
- نبيذ الكوبرا وخصيتي الثعبان.. إليك وجبات غريبة يأكلها الأشخا ...
- واشنطن تضغط على كييف: لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول ...
- بعد صورة الشرع متوجها إلى الرياض.. إغلاق حساب للرئاسة السوري ...
- البحرية الإسرائيلية تعتقل صيادا لبنانيا عند نقطة رأس الناقور ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن توسيع عملياته شمالي الضفة الغربية
- سموتريش يطالب نتنياهو بتدمير -حماس- و-نصر كامل- في غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ 3 غارات جوية على شمالي الضفة الغ ...
- علماء روس يبتكرون نظاما للتحكم بكثافة البلازما
- Lenovo تعلن عن حاسبها الجديد لمحبي الألعاب الإلكترونية


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - -الحياة- فلسفة!