|
مواقف خاطئة للحزب الشيوعي
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 18:03
المحور:
مقابلات و حوارات
مواقف خاطئة للحزب الشيوعي حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان -القسم الاخير أجراه: توفيق التميمي (القسم الأخير) التفريط الكبير ويواصل الدكتور شعبان نقده لقيادة الحزب الشيوعي: كيف يوافق سكرتير الحزب حين يجتمع خمسة رفاق ليطردوا خمسة رفاق على حد تعبير باقر ابراهيم أحد المطرودين ومعه حسين سلطان ونوري عبد الرزاق وعدنان عباس وناصر عبود، والاشارة الى اجتماع عزيز محمد وفخري كريم وحميد مجيد موسى وعبد الرزاق الصافي وكريم أحمد وقبلهم وبعدهم تمت التضحية ببهاء الدين نوري وزكي خيري وآرا خاجادور وعامر عبدالله وماجد عبد الرضا ومهدي الحافظ وعبد الوهاب طاهر ومكرّم الطالباني وعشرات آخرين، وكل واحد من هؤلاء، ولا أريد أن أذكر الكوادر القيادية والوسطية، يساوي حزباً سياسياً على طريقة الأحزاب الجاهزة الصنع، ولا يعني ذلك بما فيه المتحدث ليس لهم أخطاء سياسية أو شخصية أو نواقص أو ثغرات، لكن ذلك شيء ونهج التفريط والاقصاء والالغاء شيء آخر، وهو نهج سار عليه صدام حسين في حفلة الدم العام 1979 حين أعدم 22 بعثياً بينهم 5 من أعضاء القيادة القطرية وحكم بأحكام غليظة على 33 كادراً قيادياً، مات بعضهم داخل السجن وعندما أطلق سراحهم العام 1983 كان عددهم 17 شخصاً، روى لي بعضهم صنوف التعذيب الذي تعرضوا له بحجة المؤامرة المزعومة. وفي حين يتم التفريط بالنخبة الشيوعية يتم البحث في الدفاتر العتيقة على أسماء أكل الدهر عليها وشرب أو بعضهم شيوعيون سابقون تركوا العمل السياسي بسبب مواقفهم الضعيفة وتخلّيهم عن قناعاتهم وانزواء بعضهم لعقود من الزمان، لكي يشكّلوا ما يسمّى التيار الديمقراطي، وهو تيار لا علاقة له بالديمقراطية، لا في السابق ولا في الحاضر. كان على الرفيق أبو سعود أن يكون حازماً، وأنا شخصياً أعرف أنه ليس مع الاستئصال أو التنحيات والإساءات، فهو يمتلك لساناً دافئاً، لا يذكر أحدا الاّ بإيجابياته وإن أبدى ملاحظة سلبية فستكون مغمسة بروح المسؤولية والحرص والمودّة. ولكن للأسف لم يلعب مثل هذا الدور، فربما وقع تحت ضغوط كثيرة في الخارج، كما تعرّض لإبتزازات، لم يكن قادراً على مجابهتها لدرجة أنه وقع "أسيراً " لأوضاع وملابسات أفقدته موقعه الأول، ففضل الانسحاب في العام 1993، وأظنه حسناً فعل ذلك، معطياً درساً حتى وإن كان متاخراً بعد قيادة دامت 29 عاماً. ومع كل ذلك يمكنني القول أن عزيز محمد يتمتع بكاريزما كبيرة، وهو محترم من جانب الشخصيات العربية والكردية ومن جانب جميع القوى والشخصيات السياسية، وهو شخصية مقنعة وكنت آمل أن يلعب هذا الدور بعد خروجه من قيادة الحزب، لكنه يبدو حسبما هو واضح، فضّل الابتعاد، على الرغم من بعض المساهمات المحدودة حين حاول رأب الصدع داخل الحركة الكردية بين العام 1994- 1998 وساهم معنا في القاهرة في الحوار العربي- الكردي العام 1998، وكنت آمل أن يكون موقفه مختلفاً ما بعد الاحتلال وأن يكون كلامه مع بول بريمر الحاكم المدني الأميركي في العراق هو مطالبته بالانسحاب السريع ودون شروط، لكن الأمر لم يحصل، فربما كانت الضغوط التي عليه تزداد والأعباء تكبر وتقدّم السن له استحقاقاته، متمنياً بهذه المناسبة " لأبي فينك" الصحة والمزاج الطيب كما عهدناه دائماً. إذا كانت أخطاء الحزب وقيادته، وهي ليست بعيدة عن أخطائنا ككل يمكن النقاش حولها أو ادراجها في باب الاجتهادات التي كان بعضها خاطئاً ولم تزكه الحياة، فمثلاً كان عليّ أن أترك الحزب منذ أواسط السبعينيات لعدم قناعتي بالاستمرار وبطبيعة العمل الحزبي المسلكي البيروقراطي، كما كان عليّ بعد المساهمة في قيادة انشقاق كتلة المنبر عن الحزب في أواسط الثمانينيات، أن أعلن رأيي وأنسحب، لأن الكثير من الأمراض كانت تعشعش في الرؤوس والقلوب، وإذا كان لدى كل منّا أخطاؤه فلم أكن مستعداً لإضافة أخطاء أخرى ربما بعضها صميمياً الى أخطائي، ولذلك أعلنت استقلاليتي بما فيها معارضتي للنظام الدكتاتوري من موقع لا يقبل فرض الحصار أو تجويع الشعب العراقي، ولكنه يسعى بكل ما يستطيع للإطاحة بالنظام الاستبدادي الشمولي العدواني. الموقف من الاحتلال أعتقد أن خطأ الحزب الأساسي هو موقفه من الاحتلال الأميركي وتعاونه مع مجلس الحكم الانتقالي بقيادة بول بريمر، الذي كان مرجعيته، وإذا كان ليس لديّ أية أوهام حول إمكانية الحزب على اتخاذ قرار مستقل مخالفاً فيه لما يسميّه " الإجماع" أو لكي لا يشعر بالعزلة، لكنه كان بإمكانه عدم الاشتراك، والتوجّه صوب الناس لتعبئتهم للمقاومة السلمية المدنية، كما يفعل اليوم على الرغم من أن سقفه وطموحه وتطلعاته لا تزال دون المستوى المطلوب، حيث عينه على الحكم وكرسي الوزارة المفقود، ولذلك كانت النتائج وضفافها مثل الطموح وحدوده . لا يوجد حزب يضم الفسيفساء العراقية بكل أطيافها السياسية والقومية والسلالية واللغوية والاجتماعية والدينية والمذهبية مثل الحزب الشيوعي، ولعله الحزب الوحيد الذي كان عراقياً بامتياز، حسب ما عبّر عنه وضاح شرارة في التسعينيات، فقد كانت بعض الأحزاب تتأسس على أساس قومي (آحادية القومية) أو ديني أو طائفي أو فئوي، في حين أن هوية الحزب الشيوعي كانت عراقية وطنية. أليس مفارقة تلك التي حصلت عند انتخابات مجالس المحافظات وبعدها الانتخابات البرلمانية، على الرغم من سوء قوانين الانتخابات، لكن الحزب لم يحصل على مقعد واحد، الأمر الذي بحاجة الى وقفة جديّة للمراجعة وإعادة النظر بالكثير من مواقفه وسياساته؟ ولأنني منذ نحو ربع قرن كنت قد ابتعدت عن العمل الحزبي ووضعت مسافة من التيارات والكتل الشيوعية الأخرى لاحقاً، حيث اعتبرت نفسي ماركسياً مستقلاً وخارج نطاق الصراع بين الفرقاء، وهو ما جعلني أتصرف بحرية إزاء أصدقاء ورفاق ما زالوا يعملون مع الحزب والفرق المنشقة عنه، وهو الذي دفعني الى كتابة رسالة قبيل احتلال العراق، موجهة الى الرفيق الامين العام حميد مجيد موسى واللجنة المركزية "القيادية"، تطلب منه عدم الانخراط في مشروع احتلال العراق وتشجّعه وقيادة الحزب على اتخاذ موقف واضح وحازم. ولعلي في حوارات مع أصدقاء من الحزب الشيوعي، كنت أتفهم بواقعية الضغوط التي يتعرّض لها، لكنني لم أستطع أن أهضم أو أبرر مهما كانت المزاعم موضوع التعاون مع الاحتلال، وفي إحدى الحوارات مع رفيق وصديق شيوعي قيادي من موقع آخر، قلت له أنا لا أدعو الحزب الشيوعي ليحمل السلاح بوجه الاحتلال، فذلك في الوقت الحاضر فوق طاقاته وامكاناته، ولكن يكفيه أن ينسحب من العملية السياسية بعد تجربة فاشلة ومريرة وتحالفات خاطئة مريبة، وأن يعلن أنه مع مقاومة الاحتلال سلمياً ويرفض الاتفاقية المجحفة والمذلّة، مثلما رفض جميع الاتفاقيات الاسترقاقية من قبل، كما كان يسميها أيام العهد الملكي، فضلاً عن رفضه ومقاومته لحلف بغداد. كما أن موافقته على دستور يحتوي الكثير من الألغام، فضلاً عن نكهة طائفية ودينية، فيه خطأ كبير، مع أنني من الذين نظروا بواقعية الى الدستور، لاسيما القضايا الايجابية التي دونها في باب الحقوق والحريات والمواطنة ومبادئ المساواة واحترام حقوق الانسان، لكنه من جهة أخرى احتوى على نواقص وثغرات لدرجة أنها تشطب بعض المبادئ الايجابية التي سطّرها، والتي سيكون لا معنى لها بعد تعويمها. أستطيع أن أقول أن هذه الأسباب الفكرية والسياسية هي التي وقفت أمام اختيار الناخب لمرشحي حزب وطني عراقي عريق وذي تاريخ مشرّف رغم جميع الاخطاء والنواقص، ومثلها هناك أسباب تنظيمية، هي علاقاته الداخلية وتعامله مع قياداته السابقة ورموزه الوطنية، فبمجرد الاختلاف نزلت على رؤوسهم التهم والشتائم والنعوت، وكأنهم لم يكونوا حتى وقت قريب " قادة تاريخيين" كما تتم تسميتهم، مع أنني اعتبرهم ومعهم الآخرين ادارات حزبية ليس الاّ. أعتقد أن رسالة الانتخابات لا ينبغي أن تمرّ دون مراجعة جدية وجريئة، وأتحدث هنا من موقع الصديق والحريص بعيداً عن الاتهام والتخوين، وليس لدي أية أغراض خاصة أو علاقة بالماضي، رغم اعتزازي به، فلا بدّ من الاعتراف بالتقصير حتى وإن جاء متأخراً، كما لا بدّ من الاعتراف بالأزمة التي يعاني منها الحزب منذ سنوات طويلة، ولعل بعضها أزمة قراءة للماركسية في السابق والحاضر، وهي أزمة موضوعية وذاتية شاملة، لاسيما بوصول التجارب جميعها الى طريق مسدود، فضلاً عن عدم دراسة الوضع العربي الاجتماعي والتاريخي والديني والنفسي، بما فيه من مكوّنات، على نحو مفتوح وبعيداً عن الكليشيهات المسطّحة التي ترد أحياناً في غير سياقها. إنني إذ أتخذ موقف الناقد، من قيادة الحزب، فالموقف نفسه من المجموعات القيادية الأخرى، وأعتقد أن مطارحاتي مع باقر إبراهيم وآرا خاجادور ومثل ذلك مع عامر عبدالله، إنما تصبّ في إطار الحوار الفكري الذي أتمنى أن يكون عقلانياً ورزيناً، وهدفه ووجهته هي صلاح أوضاع الحزب وبناء تيار يساري عريض وإعادة قراءة الماركسية على نحو نقدي وضعي بعيداً عن القوالب الجامدة والصيغ الجاهزة، وقد حاولت ذلك في كتابي تحطيم المرايا أن أسلط الضوء على العديد من الجوانب الفكرية ولاسيما التي تجاوزها الزمن. وإذا ما اتخذ الحزب أية خطوة صحيحة على هذا الاتجاه فسأكون معه من خارجه ناقداً ومقيّماً ودافعاً بالاتجاه الذي أعتقده صحيحاً، لقد جرّبنا وأخطأنا، وعلى الشيوعيين الذين كانوا نموذجاً للتواضع أن يرتبوا بيتهم الداخلي أولاً ويحافظوا على استقلاليتهم ثانياً فلم يعد التحالف مع هذه الكتلة أو تلك أو هذا الكيان أو ذاك مجدياً، ولعل هذا النموذج هو الذي على الشيوعيين أن يختاروه، عليهم التحالف مع شعبهم ومع النخب الثقافية والفكرية واحترام رأي المثقف وسماع انتقاداته والاصغاء الى صوته. رسالة لقد كتبت رسالة الى حميد مجيد موسى الأمين العام للحزب الشيوعي كما أشرت قبيل احتلال العراق ببضعة أشهر وذلك في 25 أيلول(سبتمبر) 2002 ولديّ نصّها وأرسلتها عبر أحد أعضاء المكتب السياسي حينها (باليد) لتسليمها له، حذّرت فيها من الانخراط مع القوى المساندة للاحتلال ولفت النظر الى خطر التعويل على القوى الخارجية، لأن هذا الموقف تاريخي ولا أريد للشيوعيين أن يتلوّث تاريخهم وأن يشار الى وطنيتهم المعهودة بالثلم، واستعرضت بذلك الموقف من الحصار والعقوبات الدولية والمشاريع الخارجية، وغيرها. وخاطبت الأمين العام للحزب الشيوعي حينها بالقول" وإذ أدرك أن القوى الوطنية بمجموعها ليست بقادرة على درء الكارثة المحدقة أو منع وقوعها، خصوصاً في أوضاع غير طبيعية وتوازنات مختلّة وغياب الحريات في ظل نظام شمولي استبدادي لا مثيل له، الاّ أنه يمكنها أن ترفع صوتها ضد الكارثة، والاعلان عن أن ما يجري في الخفاء والعلن من محاولة الهجوم على العراق،إنما تتم بإسم العراقيين أو بطلب منهم أو لمصلحتهم مثلما تريد بعض الدوائر أن تصوّر ذلك. وأضفت " ولأنني أقدّر حجم الضغوط التي تتعرضون لها خارجياً وداخلياً ومن جانب أوساط قريبة وبعيدة، بما فيها بعض التنظيرات التي تريد ركوب الموجة لأغراض مختلفة من خلال "عدم الانعزال" وأن خيار الحرب واقع لا محال، وإن علينا الاستفادة من "الفرصة" وتكييفها لصالحنا وغير ذلك من التبريرات والحجج، فإنني أخاطبكم بدوافع وطنية أولاً وقبل كل شيء، وبحكم العلاقة التاريخية التي أعتز بها ثانياً، وبإخلاص وحرص على أهمية التمايز كي لا يتم خلط الأوراق وبخاصة في المنعطفات الحادة ثالثاً، وللحفاظ على الموقف الوطني وتعزيزه دون لبس أو غموض أو إبهام رابعاً. وطالبته " بالاعلان على نحو صريح وواضح إدانة الهجوم العسكري الأمريكي دون قيد أو شرط.. وإدانة المشاريع المشبوهة بما فيها " قانون تحرير العراق" التي لا تريد خيراً للعراق وشعبه ومستقبله، قدر هدفها تأمين مصالح القوى الدولية المتنفذة وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن البديل عن الخيار الحربي والعمل العسكري هو الضغط بكل الوسائل من أجل امتثال العراق الى القرار 688 (وهو القرار الوحيد لصالح الشعب العراقي) الخاص بكفالة احترام حقوق الانسان والحقوق السياسية لجميع المواطنين، مثلما إمتثل الى القرارات الدولية الأخرى (المجحفة) والتمسك بمشروع التغيير الديمقراطي المنشود وحقوق المواطنة الكاملة والإنتباه إلى خطورة الانتهازية السياسية التي أخذت تتفشى في هذا الظرف بالذات، وسينقلب البعض انقلاباً معاكساً وهذا ما يحصل دائماً في المنعطفات والمتغيّرات السياسية، فحتى قبل أن يبدأ الهجوم الأمريكي انخرط البعض بصفة " خبراء" أو " باحثين" وأسس البعض مراكز وتجمّعات سياسية ومهنية سريعاً، لكي يلتحق بالماراثون أو للمشاركة في الطبخة التي ستنضج بالهجوم الأمريكي دون أن يفوته الوقت وموعد العرس، الذي يريد البعض أن يرقص فيه واختتمت الرسالة بالقول: أيها الأخ والرفيق العزيز: إنني أضع هذه الملاحظات أمامكم، التي يصلح بعضها للاعلان والآخر للتحرك فإنني أستهدف تعزيز وتعميق الموقف الوطني الذي ننتمي اليه جميعاً من خلال حوار بصوت مسموع وهو الهدف الرئيس من وراء رسالتي... فالموقف لا يحتمل الصمت ولا التأويل. وكنت أتمنى الاّ تفلح ضغوط بريمر وبعض القوى من استدراج قيادة الحزب الى مجلس الحكم الانتقالي لأن في ذلك تبرئة وتزكية للاحتلال، وهو ما أدرجه بول بريمر في كتابه "عام قضيته في العراق" وبطريقة يشعر المرء بالاهانة إزاءها.كما كنت أقف مستغرباً كيف لأمين عام الحزب الشيوعي أن يصف الإتفاقية العراقية- الأمريكية غير المتكافئة والمذلّة، بأنها: أحسن الصيغ السلبية؟ أليس في ذلك استهانة بالعقول وبالتاريخ: فقد كان عليه أن يقول أنه ضد هذه الاتفاقية المجحفة وسيقاومها سلمياً ويدعو جماهير الشعب الى ذلك. ولذلك إنساق كثيرون وراء مواقف السيد مقتدى الصدر المنددة بالاتفاقية والداعية اليوم الى عدم تجديدها أو استبدالها، والملوّحة بخيار المقاومة إذا لم تنسحب القوات الأمريكية من العراق. وفي ذلك درس للحاضر والمستقبل. أقول ذلك ليس من موقع الإتهام أو الإساءة أو التشكيك بالوطنية أو من باب الاستعلاء والجلوس على التل وتوجيه النصائح للآخرين، بل من موقع الشعور بالمسؤولية في خلاصة تجربتي الشخصية الفكرية والسياسية، فإن نفعت فخير على خير، وإن لم تنفع، فعلى الأقل يعرف جمهور الحزب والتيار اليساري عموماً أن بعض الماركسيين يفكرون بطريقة مختلفة عن تفكير زملائهم في قيادة الحزب، فذلك وحده هو بداية لحوار جاد ومسؤول ولا أحد فيه يدعي امتلاك الحقيقة، والحوار الهادئ على الرغم من الظروف الساخنة هو وحده الذي يضع المخلصين على الطريق الصحيحة لاسيما أمام الشعب والوطن والضمير، ولعل "صوتاً واحداً شجاعاً أغلبية" حسب قول الامام علي، وكان فهد هو من فسّر موقف "الأقلية الصائبة" من "الأغلبية الخاطئة". والمهم هو ثقة الشعب أولاً وليس وجود شخص بموقع وزير وآخر نائب وثلاثة مدراء عامين ووكلاء وسفراء. السؤال الاخير *سؤال أخير، بعد مسيرة حافلة سياسياً وفكرياً وثقافياً، فيها نجاحات كبيرة وفيها إخفاقات غير قليلة والبعض يقول فيها انتكاسات وغياب عن مواقع التأثير، لاسيما للحركة الشيوعية والماركسية العراقية والدولية، كنت من ناقديها والمشاركين فيها والشاهدين عليها... كيف تنظر اليوم الى الشيوعية؟.. هل بروح التمرّد الذي أيقظته فيك وأنت فتى أم لكونها جزءاً من الكتب المتحفية التي درستها ودرّستها واحتفظت بها في مكتبتك المتنقلة باعتبارها شيئاً يعود الى الماضي؟.
- الشيوعية بالنسبة لي تعني الجمال والخير، لكل ما تاق له الانسان منذ الأزل، وأعني بذلك إلغاء الاستغلال والاضطهاد والظلم بتأكيد قيم الحرية والعدالة والمساواة، وهذا الأمر يرتبط في أعماق وجداني، ولا معنى للثقافة ولصيرورة المثقف، إن لم يكن منحازاً للقيم الجمالية، الانسانية، القيم التي تُشبع ذات الانسان في الانسان، وذلك ما نذرت له حياتي وسخّرت كل شيء، غير نادم، من أجله ولا أزال أمارسه بفرح غامر دون كلل أو ملل في جميع المجالات. وأجد في الحرف وسيلة للتعبير عن تلك القيم، ولذلك أصبحت الكتابة هي هاجسي الذي لا أنفصل عنه، دفاعاً عن تلك القيم وإنسجاماً مع فضائها الانساني. كان ميلي حداثياً منذ الشباب الأول، وكلما تعمّقت في الماركسية والمدارس الاجتماعية والحقوقية المعاصرة، أصبحت أكثر حداثية، ولهذا فالموقف الذي أنتمى إليه حتى وإن كنت قارئاً وناقداً للتراث، ينسجم مع الحداثة والتقدم. إنني أنظر إلى التراث من خلال رؤيتي الحداثية، وأتعامل معه كماضٍ له سياق تاريخي، لا يمكن إهماله أو حذفه، مثلما لا يمكن العيش فيه وحبس النفس لمفاعيله. نحن جزء من العالم الواسع المتداخل، المتفاعل، المشتبك، ولا يمكن أن نعزل أنفسنا عنه، فالعالم يمضي سريعاً، باستثناء البلدان المتأخرة أو ما نطلق عليه النامية، الكل يتطلّع الى المستقبل، بينما بعضنا غارق في الماضي، بل يكاد يدفن نفسه فيه. وحتى بعض الماركسيين توقفوا عند القراءة المدرسية للماركسية باعتبارها نظرية منجزة وكاملة وسرمدية، ولا يمكنهم تصوّر أو استيعاب ماركسية بلا ماركس. لقد كان ماركس حلقة مهمة وأساسية في الماركسية، وإذا كان ماركس قد استحق ريادة تاريخية وعبقرية خالدة، بقراءة تاريخ التطور الاجتماعي واكتشاف قوانينه، فإن ذلك مضى عليه أكثر من 150 عاماً، الأمر يحتاج الى ماركسية ما بعد ماركس، وذلك بقراءة الواقع في ضوء المنهج الجدلي لاكتشاف واستنباط قوانين العالم الجديد وأحكامه، خصوصاً في ظل العولمة والتطور الهائل في الثورة العلمية التقنية وثورة المواصلات والاتصالات والطفرة الرقمية " الديجيتل". ولو جاء ماركس اليوم لحذف الكثير من استنتاجاته وأطروحاته التي لم تزكها الحياة، بل عارضتها في أمور كثيرة، بما فيها ما جاء بسِفْره الأثير "رأس المال" لكنه قد يفاجأ بكيانية هرمة تريد إعادته من حيث أتى، وإنْ لم يستجب فيمكن وصمه بالخيانة أو الارتداد أو حتى خدمة الرأسمالية باعتباره ليس ماركسياً أو شيوعياً حسب وصفة الشيوعيين الطقوسيين والاداريين وأضرابهم. ولو ظهر الإمام علي اليوم، لوجد جيشاً من المتدينين بمن فيهم بعض رجال الدين يقفون ضده ويكفّرونه ... لأن تعاليمهم لا علاقة لها في الكثير من الأحيان بقيمه، فهم لم يقرأوا كتاب " نهج البلاغة" الذي هو عبارة عن فلسفة واقعية وروحية قيمية إنسانية، وهم إنْ قرأوه فيحاولون تكييفه لما يستجيب مع مصالحهم وامتيازاتهم. وهذا ما يذكّرني بالشاعر الكبير مظفر النواب" لو جئتَ اليوم لحاربك الداعون اليك وسمّوك شيوعياً ". على من يعتبر نفسه ماركسياً جدلياً نقدياً أن يتحلّى بالشجاعة لقول ذلك، لأن ذلك جوهر الماركسية وروحها الحية، الحقيقية. علينا الكفّ عن التعبّد في محراب ماركس أو قراءة نصوصه كمحفوظات مقدسة أو منزّلة وغير قابلة للمناقشة، لأنها مثل أي فكر يحتاج الى مراجعة وتطوير ونقد، لكي يستطيع على العيش والتقدم في بيئة سليمة، والاّ سيكون مصيره النسيان، ولا أظن أن الماركسية التي تركت تأثيراتها على البشرية قرن ونصف من الزمان سينتهي بها الأمر لتصبح في متحف التاريخ، الاّ إذا أراد لها بعض "أصحابها" ذلك، بتمسكهم بما عفا عليه الزمن وما تجاوزه الواقع، لكنهم هم من سيكونون في المتحف إنْ استحق بعضهم ذلك والاّ سيلفّهم عالم النسيان، وقد كان للأزمة العالمية الاقتصادية والمالية الجديدة دوراً كبيراً في إعادة الحاجة الى قراءة جديدة للماركسية، خصوصاً بعد أن عادت " أطياف ماركس" التي حاول جاك دريدا استحضارها!. لا أذيع سرًّا إذا قلت لك: كنت متمرّداً في بدايات شبابي ومن لم يكن كذلك في شبابه، فهذا يعني أنه كان " شيخاً" طاعناً في السن حين اقتضى الأمر المغامرة والقلق والرفض وكسر النمطية وتجاوز الرتابة، ولكن في الوقت نفسه كنت رومانسياً، وعلاقة التمرد بالرومانسية علاقة غريبة وسحرية، فالتمرد يعني رفض الواقع والعمل من أجل تغييره، لاسيما باستخدام العقل، أما الرومانسية فتعني رفض الواقع بسبب قسوته على المشاعر الانسانية المرهفة والحساسة، أي باستخدام القلب، فهناك علاقة غامضة بين الأصغرين (القلب واللسان)، وتلك هي التي تؤثر على الجمال والحب والخير والعدل والسلام والأهم الإنسان. إذا احتفظت بتمردي ورومانسيتي لحد الآن، فلأن العقل والقلب لا زالا يحلمان بالتغيير والتمرد على الواقع ويتفاعلان بحساسية خيالية أو متخيّلة لاستشراف واقع جديد نظلّ نركض وراءه كسراب. هل لا زلت أنا في البداية أم أنها نهاية، لكنها نهاية من حيث نبدأ... لعلي أردد مع الشاعر البريطاني ت. س. إليوت: إن ما ندعوه بداية هو في الغالب نهاية. النهاية من حيث نبدأ ولا بدّ لنا بالبدء والبدء والبدء.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضاء الدولي والقضاء الوطني: علاقة تكامل أم تعارض؟
-
نقد قيادة الحزب الشيوعي
-
50 مادة في الدستور العراقي تحتاج الى إصدار قانوني
-
مواطنة -إسرائيل-
-
عن ثقافة التغيير
-
رسالة الى الحزب الشيوعي السوداني
-
نعمة النفط أو نقمته في الميزان الراهن
-
السياسة والطائفة
-
حقوق الإنسان والمواقف السياسية
-
الأحزاب العراقية بلا قانون
-
3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
-
لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
-
الشيوعيون والوحدة العربية
-
الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية وا
...
-
الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
-
الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
-
معارضة الحصار
-
في بشتاشان
-
كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص
-
كلمة الدكتور شعبان في تكريم الاستاذ عزالدين الأصبحي
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|