|
الأتجهات النظرية للقائمين على صناعة السينما ( ج 1 )
توفيق السعد
الحوار المتمدن-العدد: 3711 - 2012 / 4 / 28 - 15:29
المحور:
الادب والفن
تمهيد
يُمثل المجتمع المعين الأساسي الذي تتشكل منه عناصر التفكير الفني شكلاً ومضموناً، وذلك من خلال كل من عوامل الثبات الإجتماعي، أو عوامل التغير الإجتماعي بمشكلاتها وأهدافها كأحد أنماط الفعل الإجتماعي، والتي تحدث بانتظام بغرض تحقيق هدف محدد، وعلى الرغم من تبادلية التأثير إلا أن نقطة البدء دوماً هي الحاجة الاجتماعية، حيث أن كل نمط سلوكي يقوم به أفراد المجتمع يكون الغرض منه تحقيق أهداف إجتماعية معينة. متبلوراً في نوع من التقنين للسلوك الإجتماعي يجعله متوائماً مع المعايير المستقرة في المجتمع، والتي توجه الناس في حياتهم وأعمالهم. في تلك العملية يصبح المجتمع هو صاحب الكلمة الأولى في عملية التأثير، فالمجتمع هو المتغير المستقل والفن هو المتغير التابع خاصةً في الأعمال السينمائية. يحمل الفن في أعماقه ما هو خاص به كظاهرة اجتماعية، وما يتكشف في تطوره، عندما ينفصل الفن ويبرز كشكل من أشكال الوعي الاجتماعي. الذي يفصل ما هو بدني عن ما هو إبداعي، والذي يعزو إليه الفضل في اكتساب الإنسان مفاهيمه عن الجمال. لذلك يظل وجود الفن مرتبط دائماً بالظروف الاجتماعية ويتطور وفقاً لقوانينها، فيكون نتاج مركب الوضع الاجتماعى، حيث أكد التاريخ الاجتماعى للفن أن الأشكال الفنية لا تنشاً عن وعى فردى فقط وإنما هى دوماً نتيجة الوعي الجمعى في ظل العلاقات والظروف التى يمر بها المجتمع، أى عن نظرة يحددها المجتمع تجاه العالم. وفي ضوء ما سبق، تختلف صياغة الرسالة الإتصالية في مجالات الإبداع الفني عامة والسينما على وجه الخصوص، عنها في مجالات أخرى عديدة للاتصال الإنساني. إذ تمثل السينما رسالة إتصالية، تتحقق فيها سيادة الإتجاه الفني في صياغتها بما يفوق مجالات الإبداع الفني الجماهيري الأخرى، وبما يدمغها بخصوصية وسمات مختلفة. وهذه الصياغة الفنية في الرسالة الإتصالية لفن السينما، لا تهدف بالضرورة إلى تحقيق الأثر المباشر المرتبط بالوظائف التقليدية للاتصال، ولكن هذا الأثر يحدث لدى الفرد والمجتمع من تراكم الأفكار التي يرسمها الإبداع الفني من وجهة نظر القائم بالإتصال بوصفه فناناً، وليس بوصفه باحثاً أو خبيراً، أو عالماً يقدم الحقائق ويفسرها في إطار الوظائف الإتصالية. فالقائمين بالإتصال بالسينما من (كتاب سيناريو، المنتجون، المخرجون، والمصورن، وفني المونتاج) هم المشتركين في الإبداع في الرسالة الإتصالية في فن السينما لتكون ليست خبراً فقط أو تحليلاً فقط لحقائق وظواهر لأن الفيلم السينمائي من الجائز أن يتبنى قضية ما، وإنما لتكون رؤية ذاتية للفنان لهذا الواقع وتلك الأحداث، وهذه القضايا تتفاعل في عرضها القيم الوظيفية، والقيم الجمالية التي تتطلب توظيفاً للأدوات والمهارات المتاحة للفنان لنقل هذه الرؤية إلى الفرد المتلقي للعمل الفني باعتباره رسالة اتصالية في مجال الإبداع الفني. هذا الإتجاه أثار جدلاً حول علاقة العمل الفني الجماهيري بالواقع، ودرجة تمثيله، أو تصويره لهذا الواقع، وذلك مثل الجدل الذي قام بين أصحاب المدارس المختلفة في المسرح حول فكرة المحاكاة، ودرجة تصويرها للواقع، والاتجاه نحو فكرة المماثلة وظهور تفسير المحاكاة على أنها التشابه والإختلاف. إن أساس العمل السينمائي هو الجدل؛ أي تقديم عالم مصنوع من محاكاة تستجيلية لعالم الواقع يتخللها النقد والتباين في الطرح. فطبيعة الفن السينمائي تتمثل في إضفاء الطابع الخاص على الرسالة الإتصالية الممثلة في العمل الفني، وبذلك تظهر الرسالة متأثرة في عرض الفكرة ووسائل التعبير بهذا الطابع الذي لا يفرض على الفنان أن يكون ناقلاً لخبر أو متحدثاً في محاضرة على سبيل المثال، لكنه يصيغ رسالته في العمل الفني من خلال مزيج من القيم الوظيفية والجمالية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تستهدف التأثير في المشاهد عقلياً ووجدانياً معاً، لأن السينما- كرسالة اتصالية - هي إبداع فني جماعي يتطلب تحويل الفكرة الإبداعية إلى عمل فني جماهيري، وتتضافر فيه عدد كبير من الجهود التي تتجه إلى صياغة هذه الفكرة المكتوبة مع مؤلف أو نص مكتوب، بوصفها رسالة اتصالية لتتعامل مع المدركات الحسية، والعقلية لجمهور المتلقين وبذلك تنتقل الفكرة من إبداع فردي إلى جمهور المتلقين من خلال الإبداع الجماعي الذي يستفيد بالطاقات، والإمكانيات، والمهارات الإبداعية لكل فرد في فريق العمل، والذي لا يمكن لفرد واحد أن يجمعها معاً. والكثير من مجالات النشاط الإبداعي حتى وإن بدأت فكرة لفرد، فإنها لا تتحول إلى عمل اتصالي جماهيري، ما لم تسهم فيها الجماعة بشكل أو آخر لإخراجها إلى حيز الوجود. وفي ضوء الطرح الجدلي بذلت المدارس الفكرية جهداً في تفسير هذه الرسالة الإتصالية ودور القائمين بها، نظراً لتأثيرها الفاعل في ابنية المجتمعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالمثل تأثير تلك الأبنية فيها، فبنوا النظريات التي ساهمت في تفسير السينما والقائمين بها رسالة وإبداعاً ودوراً وما يحول دون عرضها بصورتها الأولية. ومن أبرز تلك النظريات؛ حارس البوابة والمحامي الشفيع والإبداع، التي ساهمت في تفسير بُنية الاتجاه النظري للدراسة الحالية. أولاً: نظرية حارس البوابة Gate Keeper يرجع الفضل في تطوير ما عُرف بنظرية حارس البوابة إلى عالم النفس النمساوي الأصل والأمريكي الجنسية (Kurt Lewin,1977)، حيث تعتبر دراساته من أفضل الدراسات المنهجية في مجال القائم بالإتصال، والتي أشارت إلى مفهوم حراسة البوابة الإعلامية، حينما رأى أن المادة الإعلامية تقطع طوال رحلتها للوصول إلى الجمهور المستهدف تجد بوابات يتم فيها اتخاذ القرارات بما يدخل وما يخرج، وأن كلما طالت المراحل التي تقطعها الأخبار حتى تظهر في الوسيلة الإعلامية تزداد المواقع التي يُصبح فيها من سلطة فرد أو عدة أفراد تقرير ما إذا كانت الرسالة ستنتقل بنفس الشكل أو بعد إدخال تعديلات عليها، ويصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات أهمية كبيرة في انتقال المعلومات( ). وقد أجريت في الخمسينيات سلسلة من الدراسات التي ركزت على الجوانب الأساسية لعملية (حراسة البوابة) دون أن تشير صراحة إلى نفس المصطلح، وقدمت تلك الدراسات تحليلاً وظيفياً لأساليب التحكم في غرفة الأخبار، والإدراك المتناقض لدور ومركز العاملين في الوسيلة الإعلامية ومصادر أخبارهم، والقيم التي تؤثر في انتقاء وتقديم الأخبار. وقام بهذه الدراسات مجموعة من الباحثين الأمريكين أمثال؛ (Breed, Judd, Stark, Carter, White). حيث أشارت دراساتهم إلى أن الرسالة الإعلامية تمر بمراحل عديدة وهي تنتقل من المصدر حتى تصل إلى المتلقي، وتشبه هذه المراحل السلسلة المكونة من عدة حلقات، أي وفقاً لاصطلاح نظرية المعلومات، فالإتصال هو مجرد سلسلة متصلة الحلقات، وأبسط أنواع السلاسل هي سلسلة الإتصال المواجهي بين فردين، إلا أنها في حالة الإتصال الجماهيري تكون طويلة جداً، حيث تمر المعلومات بالعديد من الحلقات أو الأنظمة المتصلة كما هو الحال في الصحف والراديو والتيلفزيون، ومن الحقائق التي أشار إليها (Lewin, k) أن هناك في كل حلقة بطول السلسلة فرداً ما يتمتع في أن يقرر ما إذا كانت الرسالة التي تلقاها سيمررها كما هي إلى الحلقات التالية، أم سيزيد عليها أو يحذف منها أو يلغيها تماماً، وهو بهذه الحقيقة أشار إلى مفهوم حراسة البوابة سلطة اتخاذ القرار فيما سيسمر من خلال بوابته، وكيف سيمر حتى يصل في النهاية إلى الجمهور المستهدف.وتعني إشارته إلى أنه فهم وظيفة البوابة يعني فهم وظيفة المؤثرات أو العوامل التي تتحكم في القرارات التي يصدرها حارس البوابة( ). وبناء على ما سبق تزايد الإهتمام بدراسات القائم بالإتصال مع مطلع النصف الثاني من القرن العشرين تم تناول القائم بالإتصال في إطار مفهوم حارس البوابة، وقد حدد هذا المفهوم دور القائم بالإتصال في إطار عملية الرقابة على الرسالة الإعلامية وأهمل أدواراً أخرى مؤثرة في صنع الرسالة وإنتاجها، وقد استمر استخدام مصطلح حارس البوابة كمرادف لمفهوم القائم بالإتصال لوقت طويل( ). ويُشير مفهوم القائم بالإتصال إلى مزيج من نفوذ وتأثير الفرد في الفريق، والفريق وفق هذا التعريف يضم كافة المشتغلين في الوظائف الرئيسية في مجال إنتاج ومعالجة وتوزيع وتخطيط وتنسيق وتشغيل المعلومات والرسائل الإتصالية( ). وتعاملت الدراسات الأولية الخاصة بحراسة البوابة على أساس أنه النموذج الذي يهتم باختيار عناوين الأخبار في وسائل الإتصال الجماهيري، إلا أن الدراسات اللاحقة أكدت أن حراسة البوابة تهتم بما هو أكثر من الإختيار فقط، وهذا ما دعى كل من؛ (Done &Tichenor ) إلى تعريف حراسة البوابة على أنها "عملية واسعة للتحكم في المعلومات التي تحتوي كل أنواع شفرات الرسائل وليس فقط الاختيار، ولكن أيضاً الاحتفاظ بهذه الأخبار ونقلها وتشكيلها وتوقيت إيصالها من المرسل إلى المستقبل"( ). أي أنهم نظروا إلى عملية حراسة البوابة على أنها تحتوي كل الجوانب في اختيار الرسالة، وتناولها، والتحكم فيها بصرف النظر عن أن هذه الرسالة موصلة من خلال وسائل أو قنوات شخصية، وعلى مستوى أكثر دقة في التحليل يمكن القول أن عملية حراسة البوابة ممكن إعتبارها عملية إعادة بناء الهيكل الجوهري للحدث وتحويله إلى رسالة. كما أن وظيفة حارس البوابة لا يمثلها فقط الرقيب، خاصة في مجال الأفلام سواء التسجيلية أو الروائية، فكاتب السيناريو حارس بوابة، والمخرج حارس بوابة، حتى مدير التصوير حارس بوابة إذا كانت له وجهة نظر منفردة يناقشها مع المخرج، المنتج أيضاً حارس بوابة. كل هؤلاء إلى جانب ما يقوم به الرقيب بعد إنتهاء العمل الفني من موافقة أو اعتراض على بعض الجوانب، يجعلهم مسؤولين مسؤولية مباشرة وشخصية عن الرسائل التي تنشر، ووفقاً لهذا المفهوم فإن القائم بالإتصال ينتقي رسائله، وجزء لا يتجزأ من العملية الكلية لإختيار وإنتاج الرسائل( ). لأن الرقيب على الفيلم السينمائي ليس شخصاً واحداً، وهذا ما يجعل الرسالة التي يحملها الفيلم السينمائي تخضع لتأثيرات الكثير من حراس البوابة عند البوابات الكثيرة والمختلفة. وهذه التأثيرات لا تشمل عملية الاختيار فقط، بل قد تتعداها إلى ما هو أكثر، وهو الأمر الذي تحدث عنه (Donhuo) قائلاً: " إن حراسة البوابة تجعل من بعض المعلومات والرسائل محل تفضيل عند الاختيار والمرور عبر البوابة" وهذه الرسائل المفضلة هي التي يمررها حارس البوابة، وهي التي تأخذ تغطية أوسع وتوقيت مناسب لجذب أكبر عدد من المشاهدين، وخلص Donhuo إلى أن طبيعة القوى حول البوابة وعددها ودرجة قوتها وقطبيتها السبب فيما يحدث للرسائل بعد دخولها البوابة( ). إن رؤية Donhuo لم تشمل أنواع التصرفات والقيم التي يحضرها حُرّاس البوابة أو الرقباء معهم إلى البوابة، وما مدى تأثيرها على اتخاذ قرار حراسة البوابة، الأمر الذي دفع كلاً من Macwel & Lendel إلى طرحها في بحثهما حول تأثير حراسة البوابة على محتويات وسائل الإتصال عدم تغطية التجميع الكامل لحراسة البوابة، وذكراً مع Vesc & Sandos أن تبسيط عملية حراسة البوابة، وبقليل من التحليل تساعد على فهمها أكثر وفهم طبيعة القوى المؤثرة على عرض المعلومات، وتأثير كل ذلك على محتويات وسائل الإتصال، وأكدوا أن أهم القوى المؤثرة هي شخص حارس البوابة وقيمة وطبيعة عمله ولوائح هذا العمل، وأيضاً مواصفات العمل وتسلسله وطرق الحصول على المعلومات والرسائل( ). كما أدرج Senal 1973 هذه العملية كروتين عمل لمؤسسات الإتصال، وأكد أن المشوار الذي تقطعه المعلومات من نقطة البداية إلى النهاية ليس بسيطاً كما يبدو، وذلك لأن القوى التي أمام وخلف البوابة غالباً ما تميل إلى تغيير بؤرتها أو مراكز اهتمامها وفقاً لتغير الظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة، أي أنها ليست ثابتة، وأنه كثيراً ما يتدخل رأي حارس البوابة لتحديد مدى أهمية الرسالة الإتصالية، وأن إعتقاده أن القصة مهمة لدرجة كافية هو الذي يدفعه لتخصيص معدات ومصادر تمويل لتغطية الحدث أو لتنفيذ القصة، ومن ثم لتمرير هذه القصة أو الحدث من خلال البوابة والتأكد أيضاً أنها قد مرت من القنوات المتعاقبة وأخذت مساحة مناسبة من البث وأوقات الذروة( ). ويتكامل دور الرقيب " حارس البوابة" مع دور الهيئات الإنتاجية وهي الهيئات التي تعتمد في اتخاذها لقرار إنتاج رسالة اتصالية ما خاصة في مجال المصنفات الفنية ليس فقط على جودة الرسالة وقيمتها العالية وتكلفتها الرخيصة، وإنما أيضاً بالدرجة الأولى على قرار حارس البوابة بالسماح بذلك من عدمه، وهذا ما يجعل من دور حارس البوابة دوراً ليس فقط مؤثراً، بل كثيراً ما يكون حاسماً في إنتاج رسائل معينة دون غيرها( ). كما أكد (Schramm, W) على أهمية حراسة البوابة ليس فقط لأنه من المستحيل لكل المعلومات والرسائل أن تنقل، بل لأنه أيضاً من المستحيل نقل هذه الرسائل دون تشكيلها وفق الطراز أو الأساليب المعتادة والمتداولة والمعتمدة ورغم من أن عملية الإختيار في حراسة البوابة تحدث كجزء طبيعي من عملية الإتصال خاصة في حالة الأفلام التسجيلية والتي تخضع للقوانين الرقابية الخاصة بالمصنفات الفنية، إلا أن معايير الإختيار ليست ثابتة إلا في خطوطها العريضة، بمعنى أن حارس البوابة يؤدي وظيفته تحت شعار المصلحة العامة وحماية القيم والآداب وتلبية احتياجات السواد الأعظم من الناس، إلا أن مفهوم المصلحة العامة كثيراً ما يعاد النظر به وفقاً لمتطلبات كل مرحلة ووفقاً للتغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الجارية. مما يعطي الإحساس أحياناً بأن حراس البوابة يملكون سلطات هائلة للتأثير على الرسائل الإتصالية أكثر من أي فئة اتصالية أخرى، وأنه لا يمكن تجاوزهم مهما بدر منهم من أخطاء أو تحيز أو سوء نية، وهنا يكمن التناقض بين القائم بالإتصال كحارس للبوابة والقائم بالإتصال كمبدع ( ). لا شك أن حل هذا التناقض لا يتحقق بإلغاء حارس البوابة أو تحجيمه، أو إستبعاده، أو تهميش دوره والتقليل من خطورة المسؤولية المهنية الملقاة على عاتقه، أو مسؤوليته تجاه مجتمعه، ذلك أن الإتصال يفترض بالضرورة المشاركة الإيجابية بين كافة المساهمين في العملية الإتصالية من حراس البوابة (الرقباء) والجهات الإنتاجية والقائمين بالإتصال من المبدعين( ). لكن بعض الدراسات أكدت أن إرتفاع مستوى إحتراف وإتزان وموضوعية حارس البوابة يمكن أن يؤكد عدم التحيز والتشويه أثناء عملية الإختيار بحيث تسمح في بعض الأحيان بأن تعكس مضامين وسائل الإتصال الحقيقية( ). كما بين تقرير اللجنة الدولية لدراسة مشكلات الإتصال أن القائم بالإتصال الشريك الإيجابي والمؤهل والمدرب في العملية الإتصالية والقادر حينما يشاء على التدخل ليس فقط في إنتاج المضمون الإتصالي وإنما في تعديل مساراته بما يتفق مع مصالح وطموحات الفئة الاجتماعية والجماعة البشرية التي ينتمي لها( ). في حين تناولت دراسات أخرى القائم بالإتصال باعتباره مصدر للرسائل الإتصالية قد يكون أشخاصاً أو فرقاً أو وسائل إتصالية تندرج جميعاً تحت فئة أعم وهي مصادر الإتصال" ( ). يُلاحظ مما سبق، مدى تباين وإختلاف الرؤى حول دور القائم بالإتصال ومدى حدود الرسالة الإتصالية، لأن عملية الإتصال وإن كانت تبدأ بدور القائم بالإتصال، إلا أن الرسالة الإتصالية في وسائل الإتصال الجماهيري ليست نتاجاً لعمل فردي وإنما هي نتاج لنظام اتصالي شديد التعقيد ويتحكم فيه عدد كبير من الأفراد والسلطات، ولكن بالرغم من هذا التعقيد والحجم الهائل للمؤسسات الإتصالية لا يمكن التقليل من دور الذين يديرون هذه العملية. وفي ضوء معطيات نظرية حراسة البوابة نجد أن السينما كأداة اتصالية، والقائمين بصناعتها يواجهون عوامل عدة تؤثر على عمل حارس البوابة. كقيم المجتمع وتقاليده، حيث يعد النظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الإعلام من القوى الأساسية التي تؤثر على القائمين بالإتصال، فأي نظام اجتماعي ينطوي على قيم ومبادئ يسعى لإقرارها، ويعمل على تقبل المواطنين لها ويرتبط ذلك بوظيفة التنشئة الاجتماعية أو التطبيع، وتعكس وسائل الإعلام خاصة السينما هذا الإهتمام بمحاولاتها الحفاظ على القيم الثقافية والاجتماعية السائدة. وهذا ما أشار (Breed) أنه في بعض الأحوال قد لا يقدم القائم بالإتصال تغطية كاملة للأحداث التي تقع من حوله، وليس هذا الإغفال نتيجة لتقصير أو أنه عمل سلبي، ولكن إحساساً للمسؤولية منه بالمسؤولية الاجتماعية وللحفاظ على الفضائل الفردية أو المجتمعية، ولحماية الأنماط الثقافية والسياسية السائدة وتدعيمها مثل؛ الرأسمالية، الولاء للوطن، أو للنظام الحزبي، احترام رجال الدين أو القضاة، وتوقير الأمهات وكبار السن، ورجال الأمن( ). كما تلعب الخصائص والسمات الشخصية للقائم بالإتصال دوراً في ممارسة دور حارس البوابة الإعلامية، خاصة القائمين على صناعة السينما، مثل؛ النوع والعمر والدخل والطبقة الاجتماعية، والتعليم، والإنتماءات الفكرية أو العقائدية، والإحساس بالذات. ويعد الإنتماء عنصراً محدداً من محددات الشخصية لأنه يؤثر في طريقة التفكير أو التفاعل مع المعالم المحيط بالفرد، كما أن الفرد ينتمي إلى بعض الجماعات؛ التعليمية، الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية، وتعد هذه الجماعات بمثابة جماعات مرجعية يُشارك فيها الفرد أعضاءها في الدوافع والميول والإتجاهات، وتتمثل قيمهم ومعاييرهم في اتخاذ قراراته أو قيامه بسلوك معين( ). كما يتعرض القائمون بصناعة السينما للعديد من الضغوط المهنية التي تؤثر في عمله، والتي تناولتها نظرية حارس البوابة بالدراسة والبحث، لتأثيرها المباشر في السينما كرسالة وأداة اتصالية، والتي تؤدي إلى توافقه مع سياسة المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها، والتوقعات التي تحدد دوره في نظام الإتصال وماهيته. ومن أبرز هذه المعايير والضغوط؛ سياسة الوسيلة الإعلامية كموقع هذه الوسيلة من النظام الاجتماعي القائم، ومدى ارتباطها بمصالح معينة كوجود محطات منافسة، بالإضافة إلى نمط الملكية وأساليب السيطرة والنظم الإدارية وضغوط الإنتاج، وتشكل تلك عوامل سياسة الوسيلة مجتمعة دافعاً إلى أن يصبح القائم بالإتصال خاصة صانعين السينما جزءاً من الكيان العام للمؤسسة. ومن الضغوط المهنية أيضاً؛ مصادر الأخبار المتاحة، وضغوط العمل من التنافسية ومخاطر المهنة وتحقيق الرضا الوظيفي( ).
#توفيق_السعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
“كشف حقيقة ليلى وإصابة نور” مسلسل ليلى الحلقة 15 Leyla مترجم
...
-
-الذراري الحمر- يتوج بالتانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية
...
-
بليك ليفلي تتهم زميلها في فيلم -It Ends With Us- بالتحرش وال
...
-
“الأحداث تشتعل” مسلسل حب بلا حدود الحلقة 47 مترجمة بالعربية
...
-
في ذكرى رحيله الستين.. -إيسيسكو- تحتفي بالمفكر المصري عباس ا
...
-
فنان أمريكي يتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بتنفيذ إبادة جماع
...
-
-الناقد الأكثر عدوانية للإسلام في التاريخ-.. من هو السعودي ا
...
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
-
الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي
...
-
-تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|