نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1090 - 2005 / 1 / 26 - 11:35
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
كتب الأخ والزميل الفاضل, الذي أكن له كل المودة والإحترام, مقالة ,كانت قد وصلتني في أكثر من نشرة إلكترونية ومنذ حوالي ثلاثة أيام وأيضا على هذه الصفحة المباركة,بعنوان الجحيم المفقود, ردا على مقولة الفردوس الموعود, التي يتغنى بها موتورو وعتاة بني صهيون, من الغلاة والمجانين المهووسين ,وعما آلت إليه الأخلاق والأوضاع العامة من انحطاط ودونية لايحسدون عليها في الفردوس الموؤود.ومع الإتفاق الكامل لما ورد في مقاله من حقائق ووقائع حسب ماجاء بالفيلم, فيمكن الإستطراد والكلام أيضا عن الجحيم الموجود, والقائم في أماكن أخرى من العالم ,ونظرا لوجود آلات القمع والرقابة والنفاق فلم يتح لأحد أن يصور, أو يتكلم عن هذا العالم السفلي المزري والبائس القائم والموجود بقوة لافتة.وهذا ليس كما قلت ردا على الأستاذ الفاضل, ولكنه تتمة للواقع وحتى تكون الصورة كاملة ليس إلا.وحسنا فعل الزميل العزيز, سابقا في الجامعة الرائعة العريقة وحاليا على صفحات الويب الإلكترونية ,بتسليطه الضوء على هذا النشاط في هذا الركن الكئيب من العالم,ولكن من الواجب التذكير إنه أيضا من الأمور المسكوت عنها والمخبوءة عند القبائل التابووية الرافضة لكل أشكال الشفافية والمصارحة والمكاشفة.
فمن المعلوم أن هذه الممارسات تندرج تصنيفا ضمن أقدم المهن في تاريخ البشرية, ألا وهي ال ,Prostitutionوهي موجودة في كل المجتمعات البشرية,طالما أننا في الجحيم الأرضية, وطالما هناك ظلم واستغلال من الإنسان للإنسان,وفوارق طبقية ومادية وأحيانا كثيرة عنصرية ولانعيش في يوتوبيات وإفلاطونيات. وإنها موجودة بنسب متفاوتة,وتظهرعلى السطح حسب الأخلاقية والحرية والشفافية في هذا المجتمع أو ذاك ولايختص بها مجتمع من المجتمعات.ويعتقد بعض البلهاء أن المجتمعات الغربية هي مجموعة من الزناة ومواخير مفتوحة في الهواء الطلق ,كون كل شيء يرصد ويصور ودون مواربة ,في حين لوصور مايجري في أماكن أخرى بشكل واقعي لظهر ذاك دردشة ومزح ولعب عيال وليس ذا بال.ولقد استغلت بعض الدول الأجساد الطرية لتفتح أبواب السياحة الجنسية على مصراعيها ,لتدر عليها بلايين الدولارات, حيث لاتملك هذه الدول من الموارد سوى هذه اللحوم البيضاء,والكل يعلم بأفواج السياحة الجنسية, وجحافل الفاتحين العربان من "الجحيم الموجود", إلى دول جنوب شرق آسيا "للتمتع والإسترخاء" ,ومنهم من يمتلك استثمارات "واعدة" في هذا المجال,كان الأولى به أن يوظفها في هذه البلدان, ويمنع انضمام قوافل جديدة إلى رحلة الرذائل والذل والهوان,لو توفرلها العمل الشريف والوظيفة التي تغني عن ذل السؤال. ومهما اختلفت أسباب وموجبات هذا الفعل الناقص الذي يحول الكرامة والإنسانية البشرية إلى سلعة للمقايضة البغيضة ,تنتفي منه الغاية الروحية والوظيفة السامية لهذا الفعل الإنساني, لكن علينا أن نعترف أنه موجود في كل مكان ,ومنتشر ومتسرطن حتى في المجتمعات "المتشحة بالسواد", وهو عالم قائم ومستشر بصورة كبيرة ولا ينقصه إلا كم "غيتاي" ليصبح الوضع مأساويا وفضائحيا مدويا بكل المقاييس والتصورات,ويضاف إلى الكم الكبير من الوثائق الأخرى الشهيرة التي "تزين" صدورهذه الشموليات. وإن كان الكبت والشذوذ والإنفلات الاخلاقي هي من دوافع هذه الأعمال,فإن الفقر والفاقة والإملاق التي قذفت بالآلاف المؤلفة إلى هذه الأسواق المزدهرة في العالم السفلي بدرجة لاتطاق. ولكن المشكلة دائما هي عدم وجود أي غيتاي يرصد الواقع المؤلم لهذه المافيات.وكم من "كيبوتزات"وفراديس وجنان خصبة ,تحولت إلى صحارى قاحلة وماحلة ,وشركات خاسرة ,وأفلست بفعل دعارات أخريات لم تجد كاتب سيناريو متحرر من الرقباء ليقدم عنها الملاحم والتراجيديات وليست الأفلام التسجيلية القصار؟وهنا مربط الفرس وعين الحقيقة والصواب.
لقد تحولت فئات كثيرة من المجتمع إلى ممارسة أعمال دونية ورخيصة ومنحطة بفعل الفقر والتجويع والإفقار,وعلى حد قول زكريا بطل زياد الرحباني لثريا زوجته "شوبدك تعملي ياثريا مافي إلا هالشغلة لا صناعة عنا ولا تجارة مافي شي مافي إلا هالشغلة .....إلى آخر الحوار". وطبعا الحوار بكل مافيه من ألم وسخرية مرة ولاذعة يسلط ضوءا على جزء من هذه الورطة الإنسانية المشينة التي لا يستثنى منها أي من المجتمعات.وهذا ليس تبريرا أو تشريعا لأي كان ليقوم بالعهر وبالموبقات,ولكن هو واقع الحال كما يرصده أي مراقب على الحياد. وينضم يوميا الآلاف إلى جيوش من ماسحي الأحذية,وسائقي التاكسيات,وبائعي أوراق اليانصيب,والأعمال الأخرى بفعل الإفقار الممنهج والجُحُم المتقدة في كل الأصقاع.كما أنه هناك الكثير من تجار الرقيق الأبيض والقوادين , ,ومروجي ومتعاطي المخدرات وبائعات الهوى لأي كان والمهم في النهاية الثمن و"اللارجنت".وأصبح كل شيء بما فيه الكرامة والأجساد عرضة للمساومة والمقايضة في أسوق النخاسة وتجارة الرقيق الأبيض التي تستقبل يوميا آلاف "الوافدات" نتيجة البطالة ,وانعدام فرص العمل,والفقر,وتقهقر الإقتصادات,وفشل الإدارات المتعاقبة في تحقيق التوازن الإجتماعي الصحي الذي يمنع تسلل الأفراد إلى العالم السفلي المليء بكل البذاءات والسفالات والأعمال الدنية والرخيصة,إضافة إلى مشاكل إجتماعية أخرى كالطلاق, والجهل, والكبت, ومنظومة المحرمات, والأمية, التي لايخفى على لبيب, تفشيها بشكل صارخ أحيانا في كل المجتمعات.وكم من الأسر والبيوت انهارت ودمرت وتلاشت بسبب الفقر وانعدام فرص الحياة الكريمة وعدم قدرتها على المضي قدما في مشوارها الدنيوي بكرامة دون الإعتماد على "المعونات".
الأهم من ذلك كله أن بعض الدول قد شرعت لهذه الأفعال,بغض النظر عن أخلاقيتها وليس مجال مناقشتها هنا, وجعلتها قانونية وتمارس على الملأ وعلى رؤوس الأشهاد , وممارسوها موجودون في أماكن خاصة ومعروفة للجميع ولا يقصدها إلا طلابها الراغبون بها.ولدى الممارِسات-بكسر الراء- لهذه الأمر شهادات صحية,وكشف دوري منتظم, للتأكد من خلوهن من الأراض السارية,والمعدية ,والإيدز, وفي ذلك ضمان وأمن صحي للمجتمع, وضرائب يستفيد منها المجتمع كما تستفيد منه "البائعات" أنفسهن في حالات كثير,فيما لاتستفيد إلا المافيات في أماكن أخرى من هذا "البزنس" الرائج أكثر من بيع الخبز والفلافل .كما أن لديهن بطاقات تعريف,وعضوية, ومسجلين في نقابات نعم نقابات, بكل التفاعلات والإلتزامات والواجبات القانونية لهكذا منظمات,وفي بعض الأماكن هناك رجال شرطة يحرسون المواخير والبيوتات.هذا هو الحال في المجتمعات التي تنظم, وتراقب,وتعترف بكل شيء, وتعالجه بشفافية, وعلنية ,والإقرار بالواقع كما هو, وبدون مواربة أو خجل أو حياء.ولكن ماذا عن تلك التي تنافق, وتكذب,وتتستر على الفضائح, وتعتم على الحقائق الدامغة, والصارحة, في مكابرة وغطرسة, وعجرفة, تعتبر الشفافية ضربا من ضروب الدعارة الأخرى والخروج عن أخلاق الطاعة العمياء, والكفر البواح بالمجتمعات المحافظة والغافية إغفائتها التاريخية الكبرى, الذي لايتجرأ أحد على إيقاظها منها حتى الآن؟ولقد أدى ذلك لوجود أمراض وظواهر اجتماعية غريبة وخطرة لم يعد أحد يستطيع التحكم بها والسيطرة عليها نتيجة الجهل والمكابرة, وهناك مافيات تديرها وتدر عليها مبالغ من المال.فمن المعلوم أنه وبموجب القانون لايسمح بممارسة هذه الأعمال في الاحياء السكنية وفي أماكن تواجد العائلات والأطفال نظرا لتأثيره الإجتماعي الخطير على فئات كثيرة غير محددة ,ولعل الجميع تابع حلقة من مسلسل "أبو الهنا" حول وجود راقصة في عمارة سكنية فيها أسر وبنات وأولاد وتداعيات ونتائج وجود بشر من هذا القبيل في قالب كوميدي لم يخف البعد الإجتماعي والقانوني والأخلاقي لهذه المسألة الخطيرة التي لم تلفت نظر جهابذة الشموليات.وكم قرأنا ومازلنا نقرأ عن القبض على مجموعة من الناس تمارس هذه الأفعال في شقة سكنية في محيطات عائلية وتجمعات بشرية,وأيا كان سبب ذلك بدافع المتعة أو الشذوذ ,أو الفقر ,أوتجار الرقيق الأبيض والمجرمين الذين لاهم لديهم سوى جمع المال ,فهو أمر خطر وجدي وعلاجه ليس بهذه السطحية والإعتقال,بل العودة إلى جذور الظاهرة وأسبابها والتعامل معها بواقعية وعلمية وليس من خلال الأمن والمخابرات الحل السحري لكل المشاكل والآلام والمعضلات. وهذا ليس مقتصرا على بلد بعينه أو مكان ولكن المشكلة في كيفية التعامل مع أية ظواهر اجتماعية او اقتصادية أو سياسية .ألا يمكن النظر إليها بالتوازي مع رفض هذه الشموليات القدرية لأية ظواهر سياسية وعدم الإعتراف بأي نوع من الإختلاف ومهما كان ,وعدم الإعتراف بوجود متغيرات والتعتيم العام الشامل على كل جوانب ونواحي الحياة الأخرى والتركيز على النفاق والدجل والضلال؟
الجحيم موجود في كل المجتمعات وإنها أقدم مهنة في التاريخ,حتى لو لم ترصدها الكاميرات , ولو أخذت طابعا مافيويا وتجاريا وشريرا أحيانا ,فإن أحدا لا يستطيع إنكار وجودها في كل البلدان, والجميع في نفس القارب ,وفي قطارات البؤس الأممية في رحلة واحدة متجهة نحوالمجهول , وما حدا أحسن من حدا.ومرة أخرى بغض النظر عن أخلاقيته افمن لايعترف بوجود المآسي و"البلاوي" والأمراض ,ماعليه سوى العودة للكهف وإكمال غفوته اللذيدة الأبدية في عالم النسيان والتعتيم والإغلاق. وهذا كما أكدنا ليس تبريرا, أو إدانة, أو تقييما ولكنه الواقع كما هو بتجلياته الحقيقية الظاهرة. وما ينقصنا دائما هوالحرية في التعبير وتسليط الأضواء وبجرأة على مختلف نواحي الحياة والخروج من أقفاص التابوهات....
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟