سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3708 - 2012 / 4 / 25 - 11:56
المحور:
المجتمع المدني
تقرّر نكتة سمجة أن أبناء كريم العين يشبّون معاقين، لان الأب المسكين يخطئ التقدير ـ إذ يرميهم في الهواء قصد تسليتهم ـ فيقعون على الأرض، ولا تمسك ذراعاه سوى الفراغ.. نكتة تقلب تعريفاً شائعاً للثقة بأنها الأمان الذي يشعر به طفل رماه احد أبويه إلى الأعلى لأنه يعرف ـ غريزياً ـ أن في الأسفل ذراعين حنونين.. مزحة تتطابق ـ بدرجة كبيرة ـ مع حكمة اعتدنا الإيمان بها، ويوصينا الأهل والمحبون على العمل وفق خبرتها المتوارثة التي تثبت الوقائع ـ دوماً ـ صواب قانونها، فقد يكون العسل سمّاً زعافاً وتأتي رصاصة الغدر من رفيق.. حكمة تنبّه الغافلين أن خذوا حذركم وحيطتكم من أشدّ الأشياء إشعاراً بالأمان، فمن مأمنه أو مكمنه، يقولون، يُؤتى الحذر!!
الثقة وهمٌ ليس للعقلاء أن يتخذوها أساساً لأيّ علاقة، فالآخرون، وإن كانوا بعضَ أهلنا أو أصدقائنا، يمكن أن يكونوا أعداءً وخونةً من حيث لا نشعر. الحصيف والذكيّ الخبير ينبغي ألاّ يذهب لموعد في ساعته المحدّدة، فمن وَعَدَه سيتأخّر، إن لم يتخلّف عن الموعد أصلاً. مَن يشتري سلعة ما عليه أن يتفحّصها بدقّة متناهية ويسأل أكبر عددٍ من الباعة عن ثمنها قبل أن يدّس يده في جيبٍ حرص على حمايته من أيّ عينٍ مترصّدة قد تكون لحاسدٍ أو لصٍ محترف. جميع الناس من حولنا أعداء يتربّصون بنا الشرَّ، أو مشاريع ليكونوا كذلك، فإن لم نتعش بهم غدونا غداء لبطون لا تشبع ولا تفرّق بين حلال وحرام أو صواب وخطأ. علينا ـ دوماً ـ أن نكون ذئاباً لئلا تلتهمنا كواسر تبدو حملاً وديعاً. إن كان لزاماً علينا أن نثق فليس هناك من هو أهل للثقة سوانا!!
أخطرُ ما يمكن أن يفتّت أمّةً ويدفعها للاحتراب، شعورُها دوماً بالخشية والخوف والرعب والشكّ بنوايا الآخر المختلف عِرقاً ومَذهباً وطائفة. قلما تجد مَن "يغامر" بنفسه وعائلته فيسكن حيّاً أو مدينة يختلف ساكنوها عنه. وإذا فعل بعضهم ذلك فإنه وضع نفسه في مأزق وخطر شديد ليس له من مخرج. قد يتعرّض للغدر من جيرانه في أيّ لحظة، فبقاؤه حيّاً محكوم بالصدفة أو المعجزة، وإن قرّر الرحيل فسيواجه خطر إخوته الذين سيرتابون بإفلاته من الموت على الرغم من مجاورة "الأعداء"!!
الصورة تبدو سوداء قاتمة كجنح غراب أو ليل رحل عنه القمر. نحن ننسى في غمرة احتفالنا بأنفسنا أننا نسقط صرعى أو معاقين، لأن الوطن ـ إذ يفتح ذراعيه وقلبه وعينيه ـ لم يكن يتلقّى غير رصاص خوفنا ورماح شكوكنا.
#سعد_تركي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟