سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3706 - 2012 / 4 / 23 - 16:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما نستعرض النص الدينى سنجده يصرخ من كل ثناياه أنه ملك زمانه , فالنصوص والقصص والتشريعات وحتى المشاهد تخاطب بشكل واضح وصريح إنسان ذلك الزمان وتتعامل مع رؤيته وأحلامه وتصوراته , ورغماً عن ذلك يصر حملة التراث بأن الدين بمنهجه وتشريعاته صالح لكل زمان ومكان لأنه من لدن إله هكذا ناموسه وإرادته .
عندما يعتقد المؤمن بأن النص من الإله وأن سيرة الأقدمين المحاطة بالقداسة لم تتحرر من تاريخيتها لتفرض نفسها على الواقع فهنا سيقع المؤمن فى إشكاليات ضخمة لن يستطيع الفكاك منها إذا تعاطى معها بالعقل والمنطق .. وتأتى هذه الإشكاليات من تناقض وتصادم الرؤى والنصوص مع منظومة وسلوكيات ونهج العصر فتكون النتيجة إما إنصراف المؤمن عن النص رغماً عن أنفه وهنا ستوضع فكرة النص المقدس فى مأزق لتثبت بشريته وأنه ملك زمانه , وأما أن يتشبث المؤمن بعناد بصلاحية النص ووجوبية حضوره وتفعيله ليصبح الدين هنا معول هدم وداعى للتخلف وحارق لكل مراحل التطور الحضارى .
* الغزو من الإيمان .
لنبى الإسلام موقف داعى وممجد للغزو فهو يقول "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ" (صحيح مسلم و مسند أحمد والنسائي فى كتاب الجهاد)- كما قال في الحديث الصحيح :"من لم يغزو أو يحدث نفسه بغزو، مات ميتة الجاهليه". و فى رواية "مات على شعبة من الجاهلية .. وفي رواية عن أبي أمامة: "من لم يغز، أو يجهز غازياً، أويخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة".
قبل ان نحلل هذا الحديث يجدر التنويه بأن الغزو يعنى الإقتحام والهجوم والعدوان وليس صد العدوان والدفاع حتى لا يحلق المحلقون ويشط المبررون .
نبى الإسلام يتحدث عن الغزو ويرسل بتوصياته إلى المسلمين بالغزو لدرجة تصنيفه من يتخلى عن الغزو وينصرف عنه بالنفاق بل الموت ميتة الجاهلية وسيصيبه الله بقارعة قبل يوم القيامة .
التعامل مع الحديث لا يقبل إلا إحتمالين فى التفكير إما أن يكون توصية محمد قاصرة على جماعة المسلمين حينها وهذا ما نرجحه بإعتبار أن التراث فكر بشرى ملك زمانه بكل ملابساته بالإضافة إلى أننا أمام مشروع سياسى يبغى التمدد طالباً الدعم ليحث على تجييش المؤمنين فيه , وإما أن يكون الحديث هى تعاليم وتوصيات النبى لجموع المسلمين على مدار الزمان والمكان بإعتباره يرسى منهج وفكر اسلامى لا يقتصر على فئة وشريحة معينة لزمان معين .
أصحاب الفكر الثانى لهم ما يبرر توجهاتهم فالحديث يأخذ شكل العموم فلا يحدد خطابه بفرقة معينة من البشر كما هو واضح من نص الحديث , أما لو إفترضنا أنه معنى بزمن الرسالة كما يعتقد أصحاب الفكر الأول فهنا سنقع فى إشكالية لأننا سنكون أمام مشهد تاريخى فقط بل ستنزع عن النبى نبوته , فالنبى يقدم دعوة ومنهج وتشريع لكافة المسلمين على مدار الزمان والمكان فهو المعلم والمربى لكافة المؤمنين ومعنى تنحية الحديث جانباً أن نفتح الطريق واسعاً للإطاحة بكامل التراث وتنحيته ليوضع فى مكانه التاريخى .
التعامل مع هذا الحديث ليس بالشئ السهل فهو سيفجر إحدى قنبلتان الأولى عزوف المسلمين عن فكرة الغزو وإهمالها وإلقاءها بعيداً بحكم تطور المجتمعات الإنسانية وعدم قبولهم لهكذا نهج وسلوك فى غزو أراضى الغير فلم يعد هذا مقبولاً ومستساغاً وهنا سنجد القنبلة تنفجر فى وجه من ينفى بشرية النص .
القنبلة الثانية أن يجد هذا الحديث طلب الحضور والفاعلية في ذهن المسلم فيراه فرض جهاد عليه تحقيقه حتى لا يُصنف كمنافق او يموت ميتة الجاهلية أو يُصاب بقارعة قبل يوم القيامة , وإذا كان سينصرف عنه حالياً أو يرجئ تفعيله فهو لضعف الظرف الموضوعى للمسلمين ليس أكثر , ولكن متى تحقق لهم القوة فهو ذاهب للغزو يحقق توصية وتعاليم نبى الإسلام .. هذه القنبلة لن تنفجر فى وجه المسلم بل أصبح هو ذاته قنبلة تنفجر فى وجه الحضارة والمجتمع الإنسانى وحينها سنتوقف عند الدين الذى أصبح ينتهك إنسانيتنا وحريتنا وكرامتنا .
* اهداف الغزو .
تُرفع رايات الغزو فى الإسلام لنشر الدين أو قل فرضه على العالم مخفياً رغبات توسعية إستعمارية تبغى التمدد والغنائم والسبى والهيمنة فى الأساس وقد تناولنا فى بحث سابق الغزوات الإسلامية وحجم الأموال التى هطلت على المسلمين وحجم الترف الذى تمرغوا فيه , فلا تقل انهم جاءوا من جزيرة العرب ومعهم دراهمهم بل بسيوف ودروع , ويكفى ان نبى الإسلام كان واضحاً وصريحاً عندما قال " وجعل رزقى تحت ظل رمحى " فى حديث صحيح الجامع "بعثت بين يدي الساعة بالسيف ، حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له ، و جعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل و الصغار على من خالف أمري ، و من تشبه بقوم فهو منهم"
ليست هذه قضيتنا ولكن القضية هل يستطيع المسلم حالياً أن يغزو البلاد الغير إسلامية بغية تخييرهم بين الإيمان بالإسلام أو دفع الجزية أو القتل لتنحصر الخيارات أمام شعوب مثل الصين والهند بالإيمان أو القتل .
"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرِّمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".
لنسأل هنا هل واجب المسلم أن يقاتل شعوب العالم حتى يَسلموا أو يدفعوا الجزية بالنسبة لأهل الكتاب أو يُقتلوا .. هل حروب المسلمين وغزواتهم يجب أن تكون على هذا النحو .. سيحاول المبررون أن يسوقوا بأن المسلمين ليست لهم القدرة والقوة على تطبيق أمر الله فلهم العذر ,ليكون سؤالنا لهم وماذا لو إمتلكتم القوة فهل ستجتاحون أوربا وامريكا والصين والهند حينها ؟!!.
سأحاول أن أبحث عن مبرر معقول بإغفال فريضة الجهاد بالقول أن نشر الإسلام فى عصرنا لا يحتاج للقتال والجهاد فوسائل الإتصال الحديثة من إعلام مقروء ومسموع و ستالايت وإنترنت كفيل بنشر الإسلام وهنا سنقول وهل الله لم يكن يعلم بهذه الوسائل ليقتصرها على القتال والغزو ؟!.. وهل الجهاد فريضة واجبة أم يمكن تهمييشها وإهمالها ؟!.. ولو إعتمدنا الدعوة للإسلام بوسائل الإتصال الحديثة فكيف تُحصل الجزية على من لم يؤمنون ؟!! ولنشير فى النهاية أن هناك معتقدات كثيرة قبل الاسلام لم تنتشر بحد السيف كالبوذية والكنفوشية وأديان مصر القديمة والمسيحية , فلماذا إعتبر الإسلام الغزو والجهاد فريضة واجبة .؟!
إذن نحن أمام إشكاليتان وقنبلتان فإما أن الآيات الداعية للقتال والغزو بغية نشر الدين لا تتلائم مع العصر فهنا نحن وقعنا أمام شظايا بشرية النص وتاريخيته , وإما سنسعى لتحقيقها لاحقاً متى توفرت لدينا القوة وهنا أصبحنا نحن القنبلة التى تُفجرنا وتُفجر من حولنا لتنال من الإنسانية والحضارة .
* الجزية
الجزية تُفرض على أهل الكتاب الذين لم يؤمنون بالإسلام وبقوا على إيمانهم لنجد أنفسنا أمام حالة شديدة العنصرية والتمايز لا تعرف شيئاً عن المواطنة وحقوق وحرية الإنسان فى إختيار معتقده وفكره دون إنتقاص لحقوقه الاساسية ودون ان يقهر نتيجة إختياره - ولن ينفع مبرر أن المسلمين يدافعون عن الوطن بينما يُعفى اليهود والنصارى من هذه الخدمة فلم يرد فى النص الدينى ولا للأئمة الأوائل هذا التفسير والتبرير علاوة على أن عزل اليهودى والنصرانى عن خدمة الوطن هو الجور على حقه وواجبه وتغريبه فى وطنه لنجد أننا أمام ممارسة عنصرية أخرى تنتقص من مواطنته فتوسمه بالخيانة والدونية .
دعنا نسأل سؤالنا : هل يمكن أن نطبق الجزية الآن على غير المسلمين ليدفعوها عن يد وهم صاغرون .؟!
لو وجدنا من تشبع بروح الحضارة والمدنية سيقول أن هذا الأمر غير وارد بحكم حقوق الإنسان والمدنية والمواطنة فهنا ستنفجر قنبلة بشرية النص وتاريخيته فى الوجوه , ولو وجدنا من يتحمس لتطبيق الجزية فهنا قد تصادم مع منظومة وحضارة العصر وواجه مجتمع عالمى سيرفض بشدة تلك الممارسات العنصرية .
البشع فى الأمر أن تطبيق الجزية لا يكون بفرض رسوم مالية فقط وليذهب كل واحد لحال سبيله بل يجب أن تؤدى عن يد صاغرة ذليلة فإهمال هذا الأمر يعنى إهمال أمر إلهى والإنتقاص منه لنجد أنفسنا أمام بشاعة لم تكتفى بممارسة عنصرية وتمايز بل طلبت تلذذ بسادية مفرطة .
نحن امام منهج وفكر وتشريع فإما أن يتبعه المسلم بحكم ألوهيته كونه تشريع لكل زمان ومكان لنقع هنا فى خصومة مع العالم و الحضارة والإنسانية ونتصادم لا محالة مع قيم العصر لنجنى نتيجة حتمية بحالة عدائية وإنعزالية غير مبررة علاوة على خصومة تنفس حقد وكراهية لا معنى لها ليصبح الإيمان بالنص يشكل خطورة حقيقية على المجتمع والحضارة الإنسانية يجب التصدى لها .
فى الغالب ستجد عزوف شرائح من المسلمين عن حلم ومنهجية وفكر الغزو والقتال وفرض الإيمان وهيمنة الدين والجزية ليس لعدم القدرة على هذا فحسب ولكن بحكم تطور العصر وتشبعهم بقيم الحضارة وحقوق الإنسان لنجد النصوص هنا غير ملائمة مع الحضارة الإنسانية و ستطل علينا فكرة بشرية النص وتاريخيته لتفرض نفسها على التفكير والبحث .
السؤال المطروح الذى يبحث عن إجابة حاسمة وقاطعة هل النص الدينى تاريخى ملك زمانه ومن هنا يأخذ بشريته أم هو يطلب الحضور فى الواقع بحكم قداسته ؟!!
نحن بحاجة لمراجعة كل التراث وتحديد موقف حاسم وحازم فإما أن نبطل مفعوله بإعتباره تاريخاً أو ينفجر فى وجوهنا ووجوه الآخرين بحكم ديمومته .
دمتم بخير .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟