|
الأدباء الروس واللغة العربية
مرعي ابازيد
الحوار المتمدن-العدد: 1088 - 2005 / 1 / 24 - 10:48
المحور:
الادب والفن
يوجد في تاريخ الاستعراب الروسي الكثير من الأدباء والصحفيين والعلماء الذين لديهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع اللغة العربية وآدابها . يجب أن نتذكر هنا الكاتب العظيم " ليف تولستوي " الذي درس اللغة العربية في كلية الاستشراق في جامعة كازان وأبدى اهتماما كبيرا بها ، وهناك مراسلات عديدة ومشهورة كانت بينه وبين الكثير من علماء الدين المشهورين في مصر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وخصوصا بينه وبين الشيخ محمد عبده . ومن بين الأدباء الكبار ( المستعربين ) أيضا من الضروري الإشارة إلى الشاعر والكاتب الكبير " تشيرنيشيفسكي " الذي عاش ما بين عامي / 1828 – 1889 / وكان يعرف أربع لغات شرقية قبل انتسابه للجامعة ومن بينها اللغة العربية . من الممكن ملاحظة هذه المعارف من خلال أعماله الأدبية ومنها كتب عن أساليب الترجمة . تم نفيه وسجنه في منطقة " ساراتوف " في عام 1863. وبينما كان في منفاه وحيدا كتب مطولته الفنية الرائعة " قصة في قصة " والتي كتبها على مبدأ حكايات " ألف ليلة وليلة " . كتب تشيرنيشيفسكي في مذكراته عن كتابته لهذه القصة فقال : أنها خرجت مباشرة من حبي لحكايات ألف ليلة وليلة الرائعة . بعد عودته من منفاه ترجم كتاب " التاريخ العام " للكاتب جي . فيبر وكتب ملحقا لهذا الكتاب عن صحة " الأسماء الخاصة بالمسلمين والعرب " متطرقا الى اللغة العربية الفصحى . أما المترجم "سابلوكوف " - هو مدرس للغات الشرقية وهو أول من ترجم القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغة الروسية وتتلمذ على يديه الأديب سالف الذكر " تشيرنيشيفسكي " والكاتب الاجتماعي والصحفي " بلاغوسفيتوف " مؤسس مجلة " القضية " ومجلة " الكلمة الروسية " حيث كان ينشر فيهما مقالات عن الأدب العربي والآداب الشرقية الأخرى. و في عام 1824 نشرت مجلة " النجمة القطبية عدة مقالات للأديب " أوسيب سينكوفسكي " منها " القصيدة العربية " و " وفارس الجواد الأشقر " . عاش هذا الكاتب ما بين عامي / 1800 – 1858 / وارتبط باسمه في القرن التاسع عشر مذهب كامل من مذاهب الأدب الروسي وأخذ هذا الاتجاه اسم مدرسة " القصص الشرقية " . أما الشاعر الروسي الكبير بوشكين فكتب العديد من القصائد والأشعار ذات الموضوع والطابع العربيين ، وأيضا الأديب سينكوفسكي كتب العديد من القصائد والروايات والقصص الطويلة والقصيرة منها " البدوية " و " الجميلة الخشبية " و " موت الشنفرة " و " البدوي " و " عنترة " والعديد غيرها لكن البعض اعتبر أن هذه القصص والقصائد ليست الا ترجمة لقصائد وقصص عربية للعديد من الشعراء العرب المشهورين نتيجة لجزالة لغتها وقوة كلماتها . أما بالنسبة للترجمة ، فقد أشعلت القصيدة والرواية العربية المترجمة اهتمام القارئ الروسي بشكل كبير للأدب العربي وللشرق بشكل عام وخصوصا في العشرينات والثلاثينات من القرن التاسع عشر بفضل الاعمال المكثفة التي كتبها الادباء والشعراء الذين كانوا يزورون المناطق العربية ، منهم الشاعر الكبير " سينكوفسكي " الذي زار بعض دول المشرق العربي ودرس وتعلم أكثر اللهجات العربية . عمل " سينكوفسكي " في منصب رئيس قسم اللغات الشرقية في جامعة سان بطرسبورغ مدة 25 عاما . أصبح سينكوفسكي عضوا مراسلا في أكاديمية العلوم الروسية عندما كان عمره 28 سنة وهذه درجة علمية عالية لشاب في مثل سنه . كان يكتب باستمرار في العديد من الصحف والمجلات الادبية و كتب عن رحلته في سوريا ومصر وكتب بعض الترجمات عن العربية وألقى العديد من المحاضرات عن " قصائد العرب " . وهناك أديب آخر لا يمكن نسيانه لما قدمه من خدمة جليلة في انعاش الاهتمام الشعبي العام بالآداب الشرقية والأدب العربي بشكل خاص في روسيا ، كان هذا الباحث مستعربا بما تحمله الكلمة من معنى لما قدمه في مجال الإبداع الأدبي و بما يحمله من شهادات جامعية – انه الكاتب الروسي الكبير " كافرين " والذي أصبح فيما بعد كاتبا سوفييتيا وهو صاحب الرواية المشهورة " القبطانان " وروايات عديدة أخرى . إن التاريخ قد أوصل إلينا العديد من الأسماء الأخرى لأدباء روس شاركوا في حركة الاستعراب من أمثال الشاعر الموهوب والكاتب الاجتماعي " أزنابيشين " الذي عاش في أعوام / 1804 – 1877 / نشر أعماله المترجمة عن اللغة العربية ومقالاته عن الأدب العربي والتاريخ في العديد من الصحف والمجلات الأدبية . الكاتب الروائي وكاتب الروايات النثرية إن . إن . بيرغ الذي عاش في أعوام / 1823 – 1884 / نشر مختاراته الشعرية المترجمة من عدة لغات لشعراء شرقيين وأسماها " أغاني الشعوب " ومن ضمنها أشعار شعبية عربية . كتب هذه النصوص الشعرية مترجمة بالإضافة إلى النصوص الأصلية بلغة شعوبها . وهناك موهبة أدبية رائعة ظهرت أيضا لدى المستعرب " بيريوزكين " الذي عاش ما بين عامي / 1819 – 1896 / ، كتب في مجلة " الموسكوفي " العديد من الأعمال الأدبية منها " مذكرات وطنية " ، " البشير الروسي " ، " مكتبة للقراء " ، حيث كتب في هذه المقالات والتحقيقات الصحفية الكثيرة عن رحلته التي استمرت ثلاث سنوات في المشرق العربي وكتب أيضا العديد من المقالات الأخرى عن الإسلام . وهناك مستعرب آخر يدعى " باشينو " ، عاش ما بين / 1836 – 1891 / وكتب العديد من المقالات الممتعة عن العرب والإسلام في عدة مجلات روسية متخصصة ، وأكد في كتاباته بأنه أدى فريضة الحج عندما كان في جزيرة العرب مع حجاج روس قدموا من روسيا ووصف رحلته الدينية كاملة في إحدى أعماله الأدبية . عمليا هناك اسم منسي – هو الكاتب " كوندراشكين " الذي عاش عدة سنوات في البلدان العربية وكان متقنا للغة العربية الفصحى بالإضافة إلى بعض اللهجات المحلية . ألف كتابا عن " الأدب العربي الجديد " وجهز ترجمة كاملة لحكايات " ألف ليلة وليلة " . هنا قصة مثيرة للجدل ، هي قصة حياة الكاتبة الفرنسية والتي تحمل الجنسية الروسية أيضا – هي الكاتبة " إيزابيل ايبرهارت " . كانت حياة الكاتبة غير عادية تماما إذ عاشت في أعوام / 1904 – 1977 / ، والدها هو " اليكسندر تروفيموفسكي " ، كان رجل دين مسيحي روسي وأمها سويسرية . كانت هذه الأسرة تتكلم ثلاث لغات بطلاقة هي الروسية وهي اللغة الأولى ثم الفرنسية والألمانية . من الصعب التكهن بسبب اهتمام الفتاة المفاجئ بالجزائر وإفريقيا وباللغة العربية تحديدا ! فبدأت بتعلم اللغة العربية بشكل ذاتي ومراسلة العلماء المستعربين . نشرت هذه الكاتبة وهي في سن الثامنة عشرة أول قصصها المرتبطة بالشرق في إحدى المجلات الفرنسية ، علما بأنها لم تزرالشرق قط حتى تلك اللحظة . بعد فترة قصيرة مات والداها الواحد تلو الآخر وتفرق الأشقاء والشقيقات ، فمنهم من بقي في فرنسا ومنهم من ذهب إلى روسيا حيث الأقارب ومسقط راس الوالد . بقيت إيزابيل وحيدة في فرنسا فقررت السفر إلى الجزائر المستعمرة الفرنسية حيث اعتنقت الإسلام هناك وبدأت التنقل مع القوافل عبر الصحراء متقاسمة كل أعباء حياة الصحراء ومتاعبها مع البدو العرب . كانت إيزابيل ترتدي لباس رجل لسهولة التنقل والحركة وحرية الاحتكاك بالناس وأطلقت على نفسها اسم " محمد " . انتسبت إلى جماعة الإخوان الصوفية " قادرية " ومارست معهم كل طقوس العبادة لهذه الجماعة وكانت تحضر معهم حلقات الذكر كرجل منهم . وفي نفس الوقت كانت تكتب مقالات وقصص عن عادات وحياة السكان المحليين وترسلها إلى الصحف والمجلات الفرنسية ، وكتبت أيضا قصصا قصيرة وحوادث مثيرة من حياتها الخاصة . بعض هذه المراسلات كانت باللغة الروسية على أمل نشرها في الصحف الروسية . في إحدى رحلات هذه المرأة الشابة تعرضت لإصابات خطرة من قبل قطاع الطرق بينما كانت تجوب الصحراء مع مجموعة من القوافل . هذه الحادثة أغضبت الجالية الفرنسية في الجزائر بعد أن شاهدوا منظر " مقدامة الصحراء " وهي في حالة صعبة للغاية . بعد ذلك وبقرار من المحكمة العسكرية الفرنسية قررت المحكمة بتسفيرها إلى فرنسا حيث استقرت في مدينة مرسيليا وتزوجت من شخص جزائري ضابط في الجيش الفرنسي ، ومن ثم رجعت إلى الجزائر معه من جديد لتستقر في مسقط رأس زوجها . ماتت إيزابيل عن عمر يناهز 72 عاما تحت ركام منزلها في منطقة واحة " عين صفرا " الجزائرية أثناء انهيار تيار من الطمي على منزلها ودفنت في مقبرة محلية هناك . أثناء بحث الكاتبة عن مثلها الأعلى في الثقافة الروحية العربية تعرضت الكاتبة لانتقادات لاذعة من قبل زملائها الكتاب وصلت إلى حد السخرية ، رغم الجهود المضنية التي قدمتها الكاتبة لكنها لم تحصل على التقدير والشكر المستحق أثناء حياتها ، لكنها حصلت على المجد والتقدير المستحقين بعد موتها فقط ، إذ تم في باريس عام 1990 إصدار مجموعة كبيرة وهي عبارة عن مجلدين مكرسة لاحتواء كتابات هذه المرأة الفريدة من نوعها والتي أسماها البعض المرأة المغامرة وآخرين أسموها المرأة الموهوبة أو مقدامة الصحراء ، وأيضا احتوت هذه المجلدات نبذة عن حياتها المثيرة . في النهاية لابد من التذكير بالمستعرب الروسي والسوفييتي اللامع – هو الأكاديمي كراتشكوفسكي / 1887 – 1951 / ، الذي كتب المئات من المقالات العلمية والأعمال والترجمات من الأدب العربي والقرآن الكريم . ترك لنا هذا الكاتب عدة مؤلفات تحتوي على مذكراته ويومياته يحدثنا فيها عن رحلاته الشيقة في البلدان العربية واكتشافاته وبحوثه في الاستعراب ودراسة المخطوطات العربية القديمة . بالطبع ان قائمة الأدباء الروس المهتمين بالاستعراب وبالعكس المستعربين ذوي الميول الأدبية ليست كاملة : الستينات والسبعينات من القرن الماضي عندما كانت العلاقات السوفييتية العربية في أوجها تم إصدار العشرات بل المئات من الكتب المهتمة بدول الشرق من تأليف دبلوماسيين وعلماء وصحفيين سوفييت . لكن في العشرة أعوام الأخيرة بدأ هذا النوع من الادب بالتراجع لأن اهتمام الملايين من الناس قد تغير نتيجة للتغيرات الاجتماعية والسياسية ولم تعد هذه الكتب التي بذل أصحابها جهدا لا يقدر بثمن لدى البعض ذات قيمة عالية بل عندما بدأ الملايين من الروس الخروج إلى الكثير من البلدان العربية والإفريقية والآسيوية لأسباب مختلفة أصبحت أشهر الكتب عن البلدان العربية عبارة عن دليل أو مرشد سياحي .
#مرعي_ابازيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فـي الصـمـت الجـائـر
-
من الممكن ان تضيع أمريكا دورها كدولة عظمى
-
مـذكـرة - 3 لماذا توسيع حلف الأطلسي(الناتو)يشكل خطرا على الع
...
-
حتى لا يبقى شعري أصداء
-
كـوارث الـلـغـات
-
لماذا توسيع حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) يشكل خطرا على روسيا
...
-
حرب العطش وصراع الأجيال
-
مستعمرات القرن الحادي و العشرين
المزيد.....
-
ما زال الحب مُزهراً
-
العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية
-
-نون- عنواناً لجلسة شعرية عامرة في اتحاد الأدباء
-
مجدي صابر.. رحلة كاتب شكلته الكتب وصقله الشارع
-
البحث عن الملاذ في أعمال خمسة فنانين من عمان في بينالي فيني
...
-
تادغ هيكي.. كوميدي أيرلندي وظف موهبته لدعم القضية الفلسطينية
...
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|