سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 11:10
المحور:
كتابات ساخرة
لا أظن أنّ أكثر أحلام أبي عمشة، رحمه الله، سرياليةً وأشدّها جنوناً وأعظمها تطرفاً وخيالاً وبُعداً عن الواقع، كان بمقدورها التنبؤ بيوم ينتصب فيه تمثال نصفي لحمار أنيق بسترة وقميص ورباط على أحدث موديل وسط مدينة من مدن الوطن الجميلة مطلاً على الناس من تحته بنظرة ملؤها الذكاء والتحدي، ليكون رمزاً لحزب أَطلقَ على مكتبه السياسي تسميةَ "الخان" وهو مكان نوم الحمير وفق اللغة الكردية، بينما سمّى مكاتبه الفرعية بـ"الإسطبل"، ووزع درجات ومراتب أعضاء الحزب وفق درجات معينة منها "حمار وأتان وجحش"!!
كانت أمنية أبي عمشة أن يكتسب حماره شهرة تتعدى منطقة الكيارة لتصل إلى جميع أحياء مدينة الصدر مثلما أضحت سمعة حمار زميله "حنون" على كلّ لسان.. أغلى أمانيه التي لم تتحقق أن يسمع ـ ولو لمرّة ـ من يشبّه غباء أحدهم بـ(مطي أبو عمشة) مثلما اعتاد الناس وصف الغبي بأنه يقارب في غبائه وبلادته حمار حنون.. أمنية لم تتحقق، شأنها شأن أمان أخرى، برغم خلو الساحة من أيما حمار آخر يعمل في (السكلات) بعد أن مات حنون يسبقه حماره!!
لعلّ ما أثار الحيرة والاستغراب عند "أبو عمشة" أن حماره ما كان يختلف مطلقاً عن حمار زميله الشهير. فهو مثله لم يكن يُصدر أيّ صوت مهما عانى من الألم والجوع، ولا ينهق إلاّ حين تمرّ به أنثى فيغرّد ـ حينذاك ـ بأعذب وأعلى صوت توفرت عليها حنجرته. ويقف ساعات طوال ساكناً من دون حركة متأملاً ومفكراً في الناس من حوله غير عابئ بالحرّ أو البرد وبأسراب الذباب وصليات الحجارة التي يقذفها الأطفال نحوه. وفي العمل، لا يختلف عن أخيه حمار حنون فيحمل أثقالاً أكثر من طاقته ويسير خلف صاحبه ما أن يسمع الـ(دي) ويعود إلى مكانه وحيداً، إذ أنه يعرف طريق العودة مهما نأى به درب العمل واستبدّ به الإرهاق والتعب!!
ليس بالإمكان أن يعرف أحدٌ كيف سينظر أبو عمشة إلى النصب الرائع لحمار أنيق قد يكون أحد أحفاد حماره. قد يحسد حمير الوطن التي "تحرّرت" من لسعات السوط والـ"دي"، أو قد يقترح على مؤسسي حزب الحمير أن يضيفوا للسترة والقميص والرباط ـ التي ألبسوها لرمزهم العتيد ـ بدلة التخرّج كما لبسها كثيرون لم يذهبوا يوماً إلى جامعة ولم يعرفوا الطريق إليها!!
#سعد_تركي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟