أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (2)















المزيد.....



في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (2)


ناصر بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 08:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في أصـول القـرآن
مسائل الأمس ومقاربات اليوم
ألفريد - لويس دي بريمار
 
Aux origines du Coran
questions d’hier, approches d’aujourd’hui
Téraèdre, Paris, 2004
Cérès, EDIF2000, LE FENNEC, Tunis
 
ترجمة وتعليق
ناصر بن رجب
 
 
الفصل 2 : مقاربة أدبية للقرآن
مُدوّنة كتابات
القرآن مُدوّنة
القرآن كما يقدّم نفسه اليوم هو مجموع نصوص، هو مُدوّنة. هذا هو التعريف الذي يمكن استخلاصه في الوقت ذاته ممّ نعرفه عنه على نحو ملموس، ومن التعبير الذي يستخدمه المأثور الإسلامي عندما يصف عمليّة جمع القرآن.
إذا تفحّصنا مضمون المصحف الحالي، يمكننا أن نتعرّف في بعضٍ من نصوصه، من خلال تعبيرها المشوَّش أو "المتشظّي" « éclatés »، على أصداء روايات شفهية بدائية. يمكننا أيضا التَّعرّف، في نصوص أخرى، على تأليفات أصليّة مكتوبة وأكثر حُبكة. وأخيرا، بإمكان عين خبيرة أن تكتشف أكثر من مرّة داخل خطاب [قرآني (المترجم)] ترتيبات وإقحامات تَكسر فيه بوضوح وحدته الأوّلية[36]. ممّا يعني أن النصوص أُلّفت وحضّرت تدرِيجيّا. على أية حال، عندما نتكلّم عن القرآن، فإنّنا نجد أنفسنا أمام مُدوّنة شكّلتها كتابات مختلفة وليس أمام كيانٍ قد يكون مستقلاًّ عن هذا الواقع المحسوس والملحوظ.
تنافر مضمون النصوص القرآنية، الذي أخفته وحدة المصحف الصورية، يسترعي انتباه القارئ الفطن. كذلك يكشف التحليل الألسني والأدبي التنافر في أسلوب هذه النصوص، حسب أوقات تألفيها، وحسب أنواع الخطاب الذي يمكن أن نُلحقها به : فالمقطع كالكنائي عن حياة النبي المنزلية [التحريم 66، 1-5][37] يختلف عن نصّ تشريعي [البقرة 2، 226-237][38] ، الذي هو بدوره مختلف عن تلاوة قصصيّة [يوسف 12]، وعن صلاة [الفاتحة 1]، وعن إخبار بالغيب [النازعات 79، 1-14]، وعن تعريف عقائدي [الإخلاص 112] وعن رُقية تعويذية [الفلق 113][39] ، وعن مجموع من التصريحات السجالية، السياسيّة أو الحربيّة [التوبة 9][40].
تنافر وتشظّي النصوص
القرآن كما يقدّم لنا نفسه حاليًّا، هو فعلا متنافر ومُتشظي. المئة وأربعة عشر سورة، ذات الطول المتفاوت على نحو مثير للدّهشة، التي تكوّن بوضوح أجزاءه، ليست فصولا chapitres بالمعنى الحقيقي[41]. يمكن أن تكون في الأصل أجزاء معزولة ذات موضوع وحيد، متكوِّنة بالكاد من ثلاثة إلى سبعة سطور، مثلما هو الحال في سور نهاية المصحف. ولكن على العكس من ذلك، يمكن أن يتعلّق الأمر، مثلما هو حال السور الطوال أو الأوساط، بمجموع مقاطع تتحدّث عن مواضيع شتّى. المنطق الداخلي لتجميعها ليس ظاهرًا فيها ويبقى مطلوبا العثور عليه. وهذا ممكن أحيانا. وفي هذه الحالات، فإنّ تجميع هذه المقاطع، التي كانت في أصلها مستقلّة، يتجلّى تماسكه بواسطة ترتيبات ونخبة من المواضيع، وعبر إقحامات أو تحويرات إنشائية، وكلّها تسهر على عمليّة ضمّ هذه المقاطع في سورة تعطي مظهرا لخليط متنافر. أمام هذه المجموعة من المعاينات، مضافة إلى معاينات أخرى سنتناولها، من الصعب القول أن كلّ النصوص القرآنية ذات مؤلِّف وحيد يتكلّم أو يكتب خلال فترة زمنيّة محدّدة بدقّة. وبالإضافة إلى ذلك، لا شيء تقريبا في المصحف يحدّد هذا الزمن، والمؤشّرات التي يمكن أن تدلّ على هذا نادرة فيه.
كلمة "سورة" التي تدل على المائة وأربع عشرة وِحدة الحالية استُخدِمت متأخِّرا[42] : في النصوص القرآنية، السورة لها معنى أكثر محدودية وأكثر غموضًا : كلمة سورة يمكن أن تدلّ على مجرّد جملة أو مقطع من نصّ. أمّا عناوين السور الحالية، فهي نفسها أُضيفت متأخّراً مع تغييرات فيها، ولا شكّ أن ذلك يعود إلى واقعة أن تأليفها كان تدريجيّاً. عنواين قصار السور لا تطرح أيّ إشكال كان. وبالعكس من ذلك، نستطيع إعتبار عنوان سورة "البقرة" غريبا. فموضوع "البقرة" هو عنصر سردي من تاريخ موسى، مأخوذ من سِفْرَي الكتاب المقدّس العَدَد والتَّثْنِية؛ في حين أنّه لا يغطّي سوى ثمانية آيات من المائتين وستّة وثمانين التي اشتملت عليها [البقرة 2، 67 – 74][43] ، وبقيّة الآيات الأخرى تتحدّث عن مواضيع مختلفة جدًّا[44]. على أية حال، عناوين السور لا تتطابق إلاّ نادرا مع مجمل المواضيع المجمَّعة تحت تسمية واحدة. فهي ليست غالبًا إلاّ دلالات شكليّة للتّسمية فقط، انطلاقا من كلمة أو غرض تحتوي عليهما السورة.
وهذا يعني، من وجهة نظر داخليّة، أن تحليل وتأريخ نصوص المصحف لا يمكن القيام بهما إلاّ مَقْطعاً بعد مقطع، أو بمجموعة من المقاطع. فعلا، نجد غالبا، بخصوص موضوع واحد، عديد المقاطع المتناثرة هنا وهناك داخل السورة الواحدة أو في سور مختلفة. مثلا، قصّة نوح[45] لا تأتي في سردٍ متساوِق إلاّ في السورة 11 [هود 11، 25-49][46]. وبالرغم من ذلك فإن هذه القصّة تتكرّر في نُتف متناثرة في سور أخرى. التحليل المقارن لهذه المقاطع التي تطول وتقصر يكشف تنافر مفرداتها وأسلوبها، واختلاف وظيفتها في السيّاق الذي تتواجد فيه، وربّما أيضا تنوّع مصادرها ومحتوياتها.
عناصر التماسك البلاغية
ومع كلّ ذلك يوجد عنصر يؤمِّن تماسك هذا التجميع، سواء فيما يتعلّق بالمحتوى أو الأسلوب معًا. إذا نظرنا إلى المصحف في مجمله، فعنصر التماسك هو قبل كل شيئ من طبيعة بلاغية[47]؛ ومما يعزز ذلك، واقع أن كل السور تتوفر على آيات مسجوعة. يتمثل العنصر البلاغي غالبا في فواصل[48] متكررة متناثرة عبر دفّتي المصحف تحت الشكل ذاته، وهي التي تُنغّم نهاية الآيات لكي تضمن لها السجعة و"تعطي الوزن". هذه الفواصل هي عبارة عن ذكر الله وعظمته وقدرته المطلقة الذي "هو بكل شيئ عليم" [الأنعام، 101] و"الله يعلم وأنتم لا تعلمون" [البقرة، 216] و "إن الله غفور رحيم" [النور، 62] أو "والله شديد العقاب" [آل عمران، 11] أو "والله لا يهدي القوم الفاسقين" [المائدة، 108]...إلخ. كما يمكن أن تكون أيضا تشهيرا بمعارضي الرسول الذين يجيء ذكرهم حسب تصنيفات متكرّرة : "العاصين"، "الضّالين"، "الفاسقين"، "الكافرين"، "المنافقين"، إلخ ؛ أو على العكس، حثّا لأصحاب الرسول، الذين يُنعتون، حسب تصنيفات مناقضة للسّابقة، بـ : "المؤمنين"، "المسلمين"، "المحسنين"، "الذين يخافون الله"، "الذين آمنوا"... إلخ. هذا التصنيف البلاغي يُدخل، في ذهن السّامع أو القارئ، فكرة التفريق الحاسم بين النّاس : فأولئك الذين يؤمنون وأولئك الذين لا يؤمنون بالرسالة المنزلة أو برسولها يُقدَّمون عموما بصورة مضادّة.
تنظيم بعض التّآليف
من جهة أخرى، إذا اعتبرنا هذه السورة أو تلك بما هي كذلك، فإن عنصر التّماسك بين مختلف العناصر المكوّنة لها هو أكثر من مجرّد بلاغة شكليّة. عندئذ بإمكاننا أن نجد أنفسنا أمام تأليفات بأتمّ معنى الكلمة. ومثال ذلك السورة 12 (يوسف). هذه السورة مؤلفة من عنصر مركزي، هي قصة شخصية يوسف التوراتية، تتخلّلها بين الفينة والأخرى هذه الفواصل أو تلك من الجمل التوقيرية لله التي سبق ذكرها، والتي يسهّل ترتيلَها سجعُها المنتظِم بـالقوافي : ون، ين، يم. لكنّ هذا العنصر المركزي مؤطَّر باستهلال وخاتمة يهدفان إلى تقديم معنى القصة : فقصّة يوسف هي "قرآن عربي" وهي "أحسن القصص" : ذلك هو المعنى الذي يؤكّده الإستهلال؛ ويوسف هو صورة النّبي الجديد : ذلك هو المعنى الذي تستعرضه الخاتمة.
التأليف النهائي للسّورة 5 (المائدة) هو، بالتّأكيد، موسوم بطابعه التجميعي، كلّ مقطع من مقاطع السورة تتخلّله واحدة من الفواصل ذاتها المذكورة آنفا. ولكن بإمكان المحلل النابه أن يكتشف فيها خيط وصل مقصود، وذلك بفضل الظهور المتكرّر لأغراض تتمحور حول رسالة محدّدة : المؤمنون بالإسلام هم، بفضل الله، أنصار ميثاق جديد، إذ أن اليهود والنّصارى كانوا قد كفروا بالميثاق الذي تلقّوه من الله.[49]
مواضيع عقائدية متكرّرة
وهكذا فإن وحدة المجموع هي أخيرا قد تمّ تأمينها بمواضيع عقائدية متكرّرة متناثرة على امتداد المصحف. الموضوعان المركزيّان فيه هما، بالطّبع، موضوع وحدانيّة الله وموضوع الرسالة النبويّة لرسول القرآن.
التأكيد الحاسم على وحدانيّة الله يقود إلى التذكير المتكرر للحاجز المنيع الذي يفصل بين الله الفاعل لما يريد، والإنسان الذي يجب عليه أن يسلّم أمره لله. أما بخصوص تأكيد رسالة رسول القرآن، فإنه يتضمّن الجزم بوحدويّة النبوّة التي يضطلع بها نبي الإسلام والمختتمة فيه : فعلا، فالآيات تعلن تباعا أنّها تؤكّد، تعدّل، تنهي وتختتم مجمل النبوّة. والرسالات النبويّة السابقة انْتُقيت، كُيّفت، صُحّحت وتمت مطابقتها مع هذه الرؤية الجديدة، التي يمكن أن نصفها، إذن، بالنبوّة الواحدة Monoprophétisme.[50]
مع ذلك تظهر مواضيع أخرى بصورة لا تقل إلحاحا : التبشيرات[51] الآخروية والكارثية عن يوم الحساب وعن عقاب الكافرين وعن مجازاة المؤمنين؛ "تنزيل" كتاب إلهي بالعربية على النبي؛ وجود أمة جديدة، تضمن تلاحمَها الأواصرُ التي تُقيمها بين أعضائها داخل النظام الأخلاقي، والشرعي، والسياسي والعسكري.
هذه المواضيع المتكررة في القرآن ليست أبدا منظّمة فيه، ولو جزئيا، بصورة مُختصرة وعلى هيئة عقيدة معروضة بصيغة تلقينيّة؛ بل بإمكاننا حتى ملاحظة بزوغ أو تقلّبات لبعض أغراضها من خلال النصوص المتنافرة التي تظهر فيها هذه المواضيع، ومع ذلك فإنّها، كل فيما يخصّه، تشكل عناصر تماسك مهمة للمصحف في مجمله.
نماذج خطاب مختلفة
نظرا إلى أن القرآن ليس كتابا موحّدا بل هو مدوّنة غير متجانسة، فليس من المناسب أن نحدد بشكل قطعي جدّا "الأنواع الأدبية" التي يمكن أن نُلحق بها هذه النصوص. بإمكاننا بالأحرى الحديث عن نماذج خطاب تتعاقب أو تتداخل في المصحف بصورة متقطّعة إلى حدّ ما. نظرا لتنوّعاتها، من المستحيل أن نقدم عنها هنا حوصلة شاملة. بالإمكان فقط إيجاد تصنيف يعبّر عن مختلف أنواع الخطاب المتكررة. سأقتصر على وصف وجيز لأشكالها الأدبية، وعند الإقتضاء، لمحتواها.
قطع فريدة
يحتوي القرآن على بعض القطع الفريدة التي تختلف عن باقي المصحف والتي تتطابق اليوم مع قصار السور.
السورة الأولى، "الفاتحة"، هي صلاة يتوجّه بها المؤمنون إلى الله. هؤلاء المؤمنون يشيرون إلى أنفسهم بالضمير "نحن"، المتوجّه إلى "أنت" الذي هو الله. إنها السورة الشعائرية بامتياز، إذ أنها تشكل جزءا من الصيغ التي تُتلى خلال الصلاة الشرعية خمس مرات في اليوم. المسلمون المواضبون على أداء الفرائض الدينية يحفظونها إذن عن ظهر قلب، حتى لو لم تكن العربية لغتهم الأم. السورة لا تشتمل إلا على سبع آيات قصار. الفاتحة هي واحدة من الأمثلة التي تسمح لنا بالبرهنة على واقعة التأليف التدريجي للنصوص القرآنية. فعلا، عثرنا لهذه السورة على منوّعات نصيّة مختلفة في بعض الروايات أو المصنّفات القديمة. المحتوى الأساسي فيها هو نفسه، غير أن بعض الألفاظ، وبعض التراكيب النحوية أو ترتيبات المواضيع يمكن أن تكون مختلفة فيها عن مثيلاتها في النص الحالي.[52]
مثال آخر من هذه القطع الفريدة هي السورة 112، "الإخلاص". وهي، في أربع آيات قصيرة جدّا، عبارة عن تعريف عقائدي وجيز لوحدانية الله المطلقة. لفظة "وجيز" لا تُفهم فقط من حيث أسلوب الصياغة، ولكن بالمعنى الحقيقي والملموس والمادي للكلمة. بالفعل، كما هو، هذا التعريف العقائدي يكوّن واحدا من النقوش الفسيفسائية في قبّة الصخرة بالقدس. فهي تعود إذن إلى العام 72 هجرية (691 م)، السنة التي يشير إليها نقش تاريخ تأسيس الأثر التذكاري من طرف عبد الملك بن مروان. نجد من جديد هذه الصيغة بعد بضع سنوات فوق أولى القطع النقدية العربية التي سكّها الخليفة نفسه؛ كما نجدها من جديد، بالنهاية، مدمجة في المصحف القرآني كسورة.[53]
السورة 111، "المسد"، التي سبقتها في ترتيب المصحف، هي صيغة لعن في خمس آيات قصار تدعو على أبي لهب بالعقاب بالنّار والذي ستُضطرّ زوجته نفسها بتأجيجها.[54] خلافا للسورة 112 "الإخلاص"، يبدو أنها عائدة إلى حقبة أكثر قدما. لا شيء في النص يشير إلى هويّة الشخص المقصود أو بماذا يتعلّق الأمر. ستفسِّر أسباب النزول في وقت متأخر أن هذه اللعنة وُجّهت لأحد أعمام محمّد المعادي لدعوته خلال الفترة المكيّة[55]. خارج هذا التفسير المتأخّر، فإن القطعة التي تكوّن حاليّا سورة المسد تظلّ لُغزا.
أما السورتان الأخيرتان، المشتملتان على التوالي على خمس وست آيات قصار، فهما رُقيتان سحريّتان-وقائيّتان. وسُمّيتا "المعوذتين". يبدو أن إدراجهما في المصحف الرسمي كان موضع خلافات بين مؤلفي مختلف المصاحف المتنافسة. ويقال أنهما لا توجدان في بعض من هذه المصاحف[56].
الإخبار عن الغيب
يشتمل القرآن عن عدد من الأخبار بأسلوب العِرافة. وهي تشبه، فيما يتعلق بأسلوبها الأدبي، ما رُوي عن تنبّؤات العرّافين والمبصرين في الفترتين السابقة لفترات الإسلام الأولى والمعاصرة لها. هذا الإخبار بالغيب يعود إلى ضرب من التعبير الشعري والخطابي في آن يُسمّى السّجع.[57] هذا الضرب من الخطاب يتنزّل بين النثر المتداول والشعر اللذين كان العرب يمارسونهما منذ القدم. الإخبار بالغيب وجيز، في جمل قصيرة موقّعة، مسجوعة ومقفّاة. نجد هذه التأليفات المتفرّدة، خاصة، في السور الواقعة في نهاية المصحف. وهي تبدأ غالبا بالقسم بعناصر الطبيعة : الشمس، القمر، النجوم، الفجر، الطور[58]، إلخ... وهي تُوظَّف عامة في خدمة الإخبار عن الساعة ويوم القيامة. هذه مثلا حال السور من 81 إلى 93 وما بعدها، حيث أمكن ضمّ المقاطع التنبّئية إلى عناصر أخرى.[59]
أناشيد
يحتوي القرآن على أشكال أخرى من التعبير الشعري. وهي لا تنتمي للشعر العربي القديم. كان إقصاء هذا الأخير مقصودا. أشكال التعبير الشعري المقصودة هنا مستلهمة من نماذج أدبية من المأثور التوحيدي الذي اندرج فيه الإسلام البدائي. بالإضافة إلى بعض آثار مزامير الكتاب المقدس، لدينا تأليفات شاملة مهيكلة حسب هذه النماذج.
النوع الإنشادي تمثله بشكل خاص سورة الرحمن (55). كان الرحمن، كما تشهد المنقوشات على ذلك، هو إسم علم لله عند اليهود والنصارى في العصر العربي القديم.[60] سورة الرحمن هي ضرب من مزمور من جزأين تتكرّر فيه نفس الفاصلة. الجزء الأول (الآيات 1-27) يعظّم الله خالق الناس ورازقهم. أما موضوع الجزء الثاني (الآيات 28-78) فهو الآخرة : تتحدّث السورة عن حساب الناس ومجازاتهم، وتصوّر عذاب الجحيم وجنّة النعيم. أما الفاصلة فهي ذات طابع جدالي :"فبأيّ ءالآء ربّكما تكذبان؟". قيل أن هذين الكيانين الجاحدين لنِعم الله يمثّلان الإنس والجنّ، وهو تفسير يستند على بعض آيات السورة.
لوحظ منذ زمن طويل أن هذه السورة، خاصة في جزئها الأول، تمتّ بصلة إلى المزمور 136 في الكتاب المقدس[61]. إنّ تشابه البُنى، والأغراض، والمفردات اللغوية، والصور يتجلّى فيها، فعلا، تجذّر هذا التأليف في النموذج البلاغي للمزمور. وهذا النموذج ليس حصريّا؛ إذ أن آثار نصوص كتابية أخرى موجودة بكثرة فيها. إلاّ أن السورة، من حيث لغتها وأسلوبها الخاصين بها، ومن حيث غرض فواصلها، هي إعادة صياغة طريفة لأغراض سابقة عنها، بخلقها عالما خياليّا يميّزها عن المزامير. التذكير الشعري بالجنّة هو اقتباس عربي طريف لهذا النص أو ذاك من أناشيد الجنة لإفرام نصيبين، أب الكنيسة السريانبة (تـ 373 م).[62]
هناك تأليف م أكثر قصرا مُدرج وسط سورة البقرة. والمقصود هو "آية الكرسي" (الآية 255). هذه الآية الطويلة تؤكد عظمة الله "الحي القيوم"، الذي وسع كرسيّه السماوات والأرض. القارئ العليم بالنصوص الكتابية يتعرّف فيها دون عناء على ترتيب عدّة أغراض كتابية إستعيدت حرفيّا تقريبا بالعربية من الأرامية والعبرية، لكنّها مُدرَجة في رؤيا دينية إسلامية.[63]
تلاوات التلقين (Instruction)
هناك مثال آخر لتعبير شعري قرآني يتطابق، على الأقل في محتوى موضوعه، مع تأليفات يعُدّها الكتاب المقدس العبري من بين المزامير المسمّاة "تلقين". المزامير المقصودة تستعيد بشكل إنشادي مختلف مراحل تاريخ إسرائيل الماضي، لكي تمجّد بطولات الله لصالح شعبه أو ضدّه ، وتذكّر بـ "آيات" الله ضدّ الشعوب الظالمة.[64]
السورة 26، "الشعراء"، تقدّم نفسها بمثابة قصيدة سردية طويلة من نفس النوع. وهي تذكّر، كـ "آيات"، بالأنبياء الذين بعثهم الله على التوالي إلى مختلف الشعوب الماضية، وتبشّر، كإنذار موجَّه لمعاصري الرسول، بالعقاب الذي نزل على هذه الشعوب لرفضها العنيد للإيمان. كل واقعة مفصولة عن الأخرى بفاصلة تختلف بالتناوب من آية إلى أحرى، وهي ثابتة في مضمونها وفي تناوب قافيتها : "فقد كذّبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون، أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم، إنّ في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين، وإنّ ربّك لهو العزيز الرّحيم" (الشعراء، 6 - 9).
قطعة طويلة من هذه السورة (الشعراء، 192-227) أُلحقت بهذا السرد الأصلي. وهو خليط إلى حدّ ما ولم يعد يحتوي على فواصل متناوبة بين الآيات. وينتهي بإدانة الشعراء باعتبارهم ممثلين لفريق خاصّ من الرافضين لكلام الرسول. تسمية السورة، "الشعراء"، قد لا يكون إختياره تعسّفيّا. فعلا، يمكن أن نرى في ذلك نيّة ما تتجلّى في التأليف النهائي للسورة : نيّة استبدال الشعر الدنيوي لشعراء الجاهلية، المرفوض باعتباره من وحي الشياطين، بنوع آخر من التعبير الشعري ذي موضوع ديني، هذا الأخير هو إعادة صياغة نماذج مزامير المأثور التوحيدي بالعربية.
تذكير قصصي
تكرار القصص الأجنبية القديمة كثير في القرآن. هناك قصص عديدة أخرى عدا قصة يوسف، مستمدّة أيضا من الأدب الكتابي وشبه الكتابي (نوح، إبراهيم، موسى، أيوب، يونس، إلخ). يجب أن نضيف إليها ما اقتبس في منظور أخروي من الأساطير العربية القديمة حول الشعوب الغابرة (عاد، ثمود، مديان، إلخ). هذا التكرار وهذه الإقتباسات ليست قصّا حقيقيا على غرار ما نجده في الكتاب المقّدس. بل هي عامّة مشتته على شكل قطع طويلة نوعا ما، أو تذكير وجيز، في سور مختلفة؛ هي "تذكير" أو قصص مرصود لتوضيح إعلان اقتراب الآخرة وبالعقاب والثواب في يوم الحساب. أسلوبها في الغالب يكون وجيزا، يميل إلى الإيحاء أكثر منه إلى القصّ. إعلان اقتراب الآخرة يضفي عليها نغمتها الخاصة. نحن إذن لا نتعاطى مع "قصّة مقدّسة" تدور على نحو خطّي وفي تواصل ما. بل الأمر يتعلق، بالأحرى، بمقتطفات متقطعة، متكرّرة لتصوير المنظور الآخروي الذي يحيط، حسب القرآن، بكلّ حياة إنسانية، فردية كانت أم جماعية.
 
نصوص التشريع والحثّ[65]
إلاّ أن الصور الأدبية التي تظهر في المصحف هي أبعد من أن تكون مقتصرة على السّجل الشعري والقصصي. فالنصوص التشريعية تتنزّل في شكل متعارض مع أنواع الخطاب التي قُدّمتت حتّى الآن. فهي تُلبّي همّ التنظيم الداخلي للأمّة الإسلامية الوليدة في شتّى المجالات : مجال الشعائر (الصلاة، الصوم، الحجّ، المحرّمات الغذائية، إلخ)؛ التنظيم الإجتماعي (الإرث، الزواج، الطلاق، الزكاة، إلخ)؛ المجال السياسي (طاعة أولي الأمر، واجبات الحرب، اقتسام الغنيمة، منزلة غير المسلمين)، إلخ. هذه النصوص، هي أيضا، نجدها عامّة مبثوثة قطعا قطعا في سور شتّى، متتالية مع قطع أخرى تتناول مواضيع مغايرة. تقدّم لنا سورة الطلاق مثلا لذلك. سمّيت السورة بالطلاق لأنّ الطلاق هو الموضوع الأساسي للقطعة الأولى منها (65، 1-7).
يحدّد المشرّع في هذه الآيات بعض أحكام الطلاق ويضفي عليها بُعدا أخلاقيّا ودينيا يُلحق النص، إضافة للجوانب التشريعية، بالنوع الحثّي. في مجال التشريع، يأمر المشرع بالعدّة بين تفوُّه الزوج بالطلاق وتنفيذه فعلا. نعلم من نصوص قرآنية أخرى (البقرة، 228-232) أن مقصد الشريعة هو عدم ترك أي مجال للشّك في أُبوّة مولود من امرأة مطلَّقة. هذا التشريع، هو إذن، مهمّ في مجال النسب. ولكنّه أيضا مهمّ بالنّسبة لحماية المرأة من تعسّف الرّجل، لأن المشرع يأمل أن يراجع الزوج زوجته خلال العدّة؛ عليه أيضا، أثناء العدّة، ألاّ يُخرجها من بيته[66]. هذه الأحكام وضعت في إطار "حدود الله"، مع شيء من الواقعية، إلاّ أن، "تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون" (2، 229). وبالرّغم من هذه "الحدود"، فإنّ التشريع القرآني يضمن للرّجل الحق الأُحادي في تطليق أو مراجعة زوجته.
مع أن آيات هذا النص التشريعي مقفّاة، إلا أنّها ليست جزءا من النصوص التي أشرنا إليها آنفا ووصفناها باعتبارها من السجع أو النثر الموزون والمقفى. فهذه الآيات لا تحتوي أبدا على جمل وجيزة، بليغة، إيقاعية وموزونة، في لغة سجع الكهان قديما. الآيات طويلة، عويصة وثقيلة غالبا، كما هي العادة في الأحكام الشرعية المرفقة بحيثيّاتها. ترتيب القوافي يمكن أن يبدو، إذن، صوريّا محضا. وهو فعلا كذلك، ولكن بمعنى أن الصورة النهائية لتحرير الآيات دُرست لكي تخضع لنبرة عامّة تليق "بكتاب الله"، بفضل الفواصل الوجيزة التي تُقطّع نهاية الآيات حفاظا على السجع. أمّا بخصوص موضوع النص، فهو أساسا وصفي وأخلاقي ولا يحتمل قطُّ، مبدئيّا، تعبيرا شعريّا متميّزا.
قطعة ثانية، وكذلك قطعة ثالثة، أضيفتا إلى هذه الأحكام إبّان التأليف النهائي لسورة الطلاق (65، 8-12). والقصد من ذلك هو تنزيل التشريع في سياق الدعوة المحمدية العام : تسليط العقاب الشديد على القرى التي عَتَت عن أمر ربّها فأذاقها عذابا نُكرًا، وتثبيت رسالة الرسول، بأن من يؤمن بالله ويعمل صالحا يُدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار.
يمكننا أن نعتبر أن ضمّ قطع ثلاث في سورة واحدة هو إلى حدّ ما تعسّفي، إذ أن العلاقة التي يقيمها بين أحكام الطلاق والتذكير فجأة وبمهابة بالقرى العتيقة التي دُمّرت بسبب عُتُوّها تبدو غير متناسبة مع الرهانات البرغماتية لهذا التشريع. قطعتان طويلتان من سورة البقرة (2، 226-232 و 237-242) تتناولان من ناحية أخرى نفس الموضوع، دون أن يتخلّى المشرّع، الذي يُذكّر مع ذلك بيوم الحساب، عن اللهجة الوعظية الملائمة لموضوعه.
ربّما كان علينا أن نرى في ترتيب سورة الطلاق الإنعكاس البعيد والباهت لنموذج بنيوي كان قد انتشر بكل غزارته في التوراة. سفر التثنية مأخوذ ككلّ هو نموذج مكتمل لذلك. فهو يضم في نفس المجموع، من جهة التذكير بتاريخ إسرائيل الماضي، الدعوة إلى الإيمان، وعد السعادة ووعيد اللّعنة، ومن جهة أخرى، سنّ أحكام ذات طابع إجتماعي وأخلاقي، حيث تجد أحكام الطلاق مكانا لها بين أحكام أخرى.
خطاب الحرب
يحتوي القرآن على عدد من خطابات الحرب، التي تنتمي، هي أيضا، إلى خطاب الحثّ. الحضّ على "القتال في سبيل الله" يظهر فيها بكثرة في سياقات مختلفة. القتال يُسمّى إمّا "جهادا"، الذي يوحي بفكرة الجهد والذي يعني كذلك الحرب؛ وإمّا، وهو الغالب، "قتالا"، الذي هو سعي المجاهد لأن يكون قاتلا أو قتيلا (التوبة،[67]111).[68] الموت في المعركة يُعتبر "قرضا حسنا" لله سيضاعفه له أضعافا على غرار الأعمال الصالحة الأخرى (البقرة، 244-245؛ الحديد، 10-11[69]).
سورة التوبة تمثّل نموذجا للخطابات القرآنية في القتال والتي تسمّى [أيضا] "براءة". هذا اللفظ، الذي يعني "نقض العهد على رؤوس الأشهاد"، يشكّل فاتحة السورة. فعلا، هذه الأخيرة هي بأتمّ معنى الكلمة وعلى صعيد عام جدّا، السورة النموذج للبراءة، والوعيد والتحضيض على القتال. فهي تعكس، من خلال مختلف الآيات التي تؤلفها، تشدد الرسول على جميع من لا يأتمرون بأوامره : فهو يندّد بهم، يتوعّدهم، أو يُعلن الحرب عليهم دون هوادة. فلطالما أكّد المفسرون التقليديون على تشدّده خاصة على من كانوا من المسلمين الذين يتثاقلون عن خوض "القتال في سبيل الله". القتال موجّه ضدّ أصناف مختلفة من الأعداء. وهو يتعلّق خاصة "بأهل الكتاب"، أي اليهود والنصارى، الذين "... لا يدينون دين الحقّ" (التوبة، آية 29) [المترجم]، والذين هم، لأسباب مختلفة، يوصفون بـ "المشركون".[70] بشأنهم جاءت الآية التي كثيرا ما يُستشهد بها، والتي لا يتورّع الأصوليون من استغلالها في الظرف الراهن : "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون" (التوبة، 33).
خطاب جدالي
نصوص الجدال هي أيضا موجودة بكثرة شديدة في القرآن، ويمكننا أن نتساءل، أحيانا، إذا ما لم يكن الجدال إحدى النبرات الطاغية في المصحف. وهذا ما يفسّر، بقدر كبير، التأثير التّعبوي الذي يمتلكه القرآن والسّحر الذي مازال يمارسه، إلى الآن، على بعض العقول في ظروف شتّى. قد تتغيّر أغراض الجدال وأهداف القتال؛ إلاّ أن نبرة ونمط الجدل ظلاّ على حالهما.
الجدال القرآني موجَّه غالبا ضدّ "المشركين"، وهم صنف عام جدّا قد رأينا أنه لا يخص بالضرورة إلاّ المشركين أو الوثنيين فقط. بل هو أيضا موجه غالبا ضدّ أناس غير مُعَيّنين، يُنعتون كناية بالعُصاة وبالكافرين، إمّا لأنهم يرفضون الرسالة القرآنية كلّيا أو جزئيّا، وإمّا لأنهم، في بعض الظروف، لا يُطيعون الأوامر الصادرة إليهم.
عموما، بمقدورنا أن نُنزّل في سياقها التاريخي نصوص الطّوائف المسيحية الجدالية التي كانت في الشرق الأوسط على امتداد القرنين السابع والثامن، تتعارض في الميادين الدينية، والإجتماعية، والسياسية : الخصوم يذكرون فيها بأسمائهم، وتُدْحض إدّعاءاتهم، ونمتلك بالتوازي مع هذا العديد من الوثائق الخارجية التي تسمح لنا بتحديد ظرفها. ولكن هذا لن يغدُ لنا مُمكنا في المجال الإسلامي إلاّ في وقت متأخر من خلال كتب تاريخ الزندقة التي تذكِّر بالمنازعات الداخلية بين مختلف الفرق الدينية الخاصّة بالمسلمين. وعلى العكس من ذلك، فيما يتعلّق بالمصحف، فمن الصعب غالبا أن نعرف من خلال النصوص ذاتها الظروف الدقيقة التي دار فيها الجدال ولا الإنتماء الدقيق للفرق التي شاركت فيه[71].
هل القرآن كتاب ترتيل؟
بعض النصوص القرآنية التي استعرضناها آنفا، خاصة الفاتحة، والأناشيد، والقصص، يبدو أنها كانت قد أُلّفت لكي تُتْلى وحتّى لكي تُرتّل. ومنها يستمدّ القرآن معناه الخاص "قراءة جماعية"، على غرار قِريان qeryân لكتب التراتيل السريانية التي استُمِدّت منها كلمة قرآن[72]. علما بأنّ كلمة "ترتيل" وردت مرّتين في المصحف [الفرقان، 32 والمزمل، 4].
باحث ألماني، كريستوف لوكسنبرغ، في مُؤلَّف حديث عنوانه قراءة سريانية-أرامية للقرآن، سلّط الضوء مجدّدا، بعد آخرين، على هذه الميزة التي استعارها المسلمون الأوائل من المأثورات الشعائرية المسيحية[73]. وفضلا عن ذلك، فقد ذهب بعيدا في بحوثه. فبعدما انتقى، اعتمادا على مقاييس فيلولوجية صارمة، عدّة قطع من القرآن تُقدّم إشكالات خاصّة، حاول أن يكتشف أساسها الألسني السرياني-الأرامي. وهكذا استطاع العثور لا فقط على معنى كلمات أو مقاطع قرآنية ظلّت حتى الآن غامضة، بل أيضا، أحيانا، العودة إلى نسبة أصلها الديني أو الأدبي. هذا المسعى مقنِع بالنسبة لبعض المقاطع القرآنية التي يعرضها في مُؤلَّفه. ومع ذلك، فهل نستطيع سَسْتَمَتها[74] لكي نفهم المصحف كلّه ؟ وهذا من المشكوك فيه كثيرا[75]
ومهما يكن من شيء، فقد لاحظنا منذ أمد بعيد أن القرآن في العديد من آياته يشبه ضربا من كتاب تراتيل بعض النصوص فيه جاءت متطابقة مع وظيفتها المرصودة للتلاوة الجماعية المرتّلة. وهو ما توحي به العديد من الأحاديث. فهي تتحدّث عن صحابة أكثر قدرة عل ترتيل القرآن من آخرين، وتقدّمهم وهم يتنافسون تنافسا شريفا في أدائ هذه المهّمة. فقد قيل أن محمّدا كان قد أُعجب بجمال صوت أحدهم ، وهو أبو موسى الأشعري، الذي قال له النبي : "يا أبا موسى، لقد أُوتيت مزمارا من مزامير آل داوود"[76].
وبالرغم من كل هذا فلا يجوز لنا اختزال القرآن إلى مجرّد ضرب من الترتيل. أن نُعاين أنّ القرآن تمّ استخدامه للقيام بوظيفة شعائرية في الأمة الإسلامية لا يعني  ذلك أن كل نصوصه أُنتجت وأُلِّفت أساسا لهذا الغرض.
 


[36] المجموع الذي تكوّنه السورة 24 ("النور") 27-61 يقدّم في هذا الصدد مثالا مميّزا حلَّله غولدتسيهر، Dogme، ص 255-256.
(يقول غولدتسيهر : "يتعلق الأمر في السورة النور (24) (بداية من الآية 27) بالكيفية التي يتزاور بها المؤمنون، الذين عليهم أن يستأنسوا بها ويسلموا على أهل البيت وعليهم أيضا أن يتصرّفوا مع النساء والأطفال. الأحكام الخاصة بهذه المناسبات صارت مشوشة من جرّاء إقحام استطرادات، في الآيتين 32 و 34، ثم من الآية 35 إلى 56، لا علاقة لها إلا من بعيد بالموضوع الأساسي (أنظر نولدكه – شفالي، 211). أخيرا، في الآية 57، نعود إلى الإستئذان في الزيارة، حتىّ الآية 59. ثم ورد في الآية 60 : "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحة أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون" (61).
يأذن محمد هنا للمؤمنين بالجلوس بحرية إلى مائدة أقاربهم، وحتّى بقبول ضيافة أهلهم. جليّ للعيان أن الألفاظ الأولى للآية 60، التي توسع الحرية للعمي، والعرج والمرضى، لا تتساوق جيّدا مع المجموع الطبيعي للسياق.
أخذ مؤلّْف بحث في "الطب في القرآن" مأخذ الجد هذا التجاور، ووجّه ضده النقد التالي : إذا كان تناول الطعام مع العمي والعرج لا حرج فيه، "تناول طعام مشترك مع مريض يمكن بالعكس أن يشكل خطرا على الصحة، وكان الأحرى بمحمّد أن لا يقاوم الإشمئزاز الذي تثيره هذه المواكلة" (Opitz, Die Medizin im Koran. Stuttgart, 1906, 63).
إلا أن فحصا أكثر تعمقا يبرهن لنا أن المقطع الغريب عن السياق وقع اقحامه فيه، وهو متأتي من مجموعة أخرى من التعاليم. هذا المقطع (من الآيات) ينطبق في الأصل، لا على الإشتراك في الطعام خارج المنزل، ولكن على المشاركة في الحملات الحربية للإسلام الفتي. النبي، في السورة 48، الآيات 11-16، يندّد بأولئك "المخلَّفون من الإعراب" الذين لم يشاركوا قَطّ في الغزوة السابقة، ويتوعّدهم بأشد العقوبات الإلهية. ثم يضيف (الآية 17) : "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج" – وهو حرفيا نفس نص السورة 24، الآية 60 – وهو يعني أن تخلّف هؤلاء الأشخاص أو تخلّف آخرين بسبب مانع جدّي لا حرج فيه. هذه الجملة أُقحمت في هذا السياق الآخر، والتي كانت غريبة عنه، والواضح أنها أثّرت في تحرير الآية التي لا يمكن استعادة بدايتها الأولية بيقين. مفسرون مسلمون أنفسهم حاولوا، دون افتراض الإقحام والحق يقال، تفسير هذه الألفاظ حسب معناها الطبيعي، على أنها ذريعة لأشخاص عاجزين جسديّا عن المشاركة في الحرب؛ ولكنّهم اُضْطرّوا للإعتراف بأن مثل هذا التفسير مرفوض بحجّة أن المقطع محلّ الإتهام، مأخوذ بهذا المعنى، "لا يتطابق لا مع ما سبقه، ولا مع ما لحقه" (البيضاوي، طبعة فليشير، II، 31،6).Ignaz Goldziher, Le dogme et la loi dans l’Islam, L’éclat et Geuthner,  Paris 200. [المترجم]. ذكرنا في تعليق سابق (أنظر ص 23) أن العالم النفساني Pierre Daco لاحظ أن ما يميز هذاء الفصاميين المهلوسين الذين يعتقدون أنهم أنبياء هو التكرار... وقلنا أن القرآن ثلثه مكرر، وبما أن غولدتسيهر لا يعرف هذه الحقيقة فقد عزا التكرار في هاتين الآيتين إلى الإقحام... ومن الصعب قبول فرضية الإقحام بالنسبة إلى ثلث القرآن الآخر المكرر فيبقى التفسير الطبي النفسي هو أكثر مصداقية في ظاهرة التكرار في القرآن. فخلال "برحاء الوحي" أو "إغماءة الصرع" يتحدّث اللاشعور بتداعي الخواطر والأفكار والألفاظ مما يجعل الهذاء غير منظَّم، مضطربا ومبهما. [المترجم].
[37] "يا أيها النبي لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم، قد فرض الله لكم تحلّة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم، وإذا أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلمّا نبّأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلمّا نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير، إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير، عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيّبات وأبكارا".
[38] "للّذين يؤلون من نسائهم تربّص اربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم، (...) وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهن وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلاّ أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتّقوى..."
[39] أنكر ابن مسعود في مصحفه أن تكون المعوذتان من القرآن : "حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : رأيت ابن مسعود رضي الله عنه يحكّ المعوذتين من المصحف، ويقول : لا يحلّ قراءة ما ليس منه". ابن شبة، تاريخ المدينة، ج 3،  ص 1010-1011. [المترجم].
[40] في المراجع الموجودة بين معقوفين، يشير العدد الأوّل إلى رقم السورة، متبوع أو لا بأرقام الآيات كما هي واردة في الطبعة المصريّة القياسية.
[41] يقول معروف الرصافي في كتابه الشخصية المحمدية ص 554 : "ومما اختص به القرآن أو امتاز به عن غيره من الكتب السماوية والأرضية : التكرار. خذ القرآن واقرأ سورة منه (من السور الكبار طبعا)، ثم انتقل إلى ثانية بعد اتمامك الأولى مستمرا في القراءة، ثم انتقل إلى ثالثة، ثم إلى رابعة، فإنك بالنظر إلى الموضوع لا تشعر بأنك انتقلت من سورة إلى سورة، لأنك تجد مواضيع الكلام متكررة في كل سورة على اختلاف في التعبير وتفاوت في التركيب ...". [المترجم].
[42] "اللاّفت للإنتباه أن كلمة سورة لم تُذكر في أوّل خمسين سورة نُزّلت على الرسول، عليه السلام، فقد جاء التحدّي بعشر سور في سورة هود، والتي هي السورة 52 في ترتيب النزول. أما التحدي بسورة واحدة فقد جاء في سورة يونس، والتي هي السورة 51 في ترتيب النزول. وهذا يعني أن العرب، في زمن الوحي، قد أَلِفت معنى قرآن قبل أن تألف معنى سورة. وهناك الكثير من السور القصار التي نزلت قبل أن يُسمّي القرآن الكريم كلّ قطعة متكاملة باسم سورة" بسام نهاد جرّار، حول معاني وأسرار الأسماء في القرآن. ص 4. طبعة اكترونية على الأنترنيت [المترجم].
[43] "وإذ قال موسى لقومه إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتّخذنا هزؤا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، (…) ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة وإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار وإن منها لما يشّقّق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عمّا تعملون"[المترجم].
[44]كلمة  « péricope »[آية] المستخدمة لدى المفسّرين، تشير إلى نص طويل نوعا ما يشكّل وحدة معنى متميّزة داخل مجموع أكثر اتّساعا.
[45] سورة نوح هي استعادة لترجمة سفر التكوين لمقاطع من ملحمة غلغامش الأسطورية"" (من كتاب فراس السواح). [المترجم].
[46] "ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إنّي لكم نذير مبين (...) تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتّقين" [المترجم[
[47] للدّقة كان يجب أن نترجم "من طبيعة ريطوريقية"، فالقدماء عرّبوا المصطلح اليوناني Rhétorique بالريطوريقا. والبلاغة Eloquence هي جزء من الريطوريقا. [المترجم].
[48] "فواصل القرآن تكون إما كلمة واحدة تنتهي بها الآية، ويكون الكلام في الآية مبنيّا عليها وتكون هي ممتزجة به، وإما جملة تجيء في آخر الآية فتفصلها عمّا بعدها فصلا تامّا في اللفظ والمعنى، أو فصلا في اللفظ فقط، وتبقى الآية مرتبطة في المعنى بما بعدها."، معروف الرصافي، الشخصية المحمدية، ص 555. [المترجم]
[49] Prémare, Joseph ; Comerro, « Nouvelle alliance ».
[50] موقف القرآن من الديانتين، اليهودية والمسيحية، متشابه أي ملتبس : بعض الآيات تعترف صراحة بالخلاص الروحي لليهود والنصارى، بينما بعضها الآخر يعتبرهم من الهالكين. وقد حسم المفسرون هذا التشابه باعتبار آيات الهلاك ناسخة لآيات الخلاص. وذهب السلفيون إلى انكار كون الديانتين، التوحيديتين الأخريتين، ديانتين، بل هما مجرد شريعتين نسختا بالشريعة المحمدية. إذن فالإسلام هو الديانة الوحيدة التي على البشرية جمعاء أن تعتنقها طوعا أو كرها بجهاد الطلب إلى قيام الساعة.[المترجم]
[51] ترجمنا annonces بلغة القرآن : "وبشّرهم بعذاب أليم" (الإنشقاق، الآية 24).[المترجم]
Paret, “Fatiha”, E.I. II, 860b-861a. ; Jeffery, « A variant text of the Fâtiha ».[52]
(يقول أرثر جيفري في مقاله الذي نشره بمجلة The Muslim World, Volume 29 (139), pp. 158-162 (الترجمة من عندنا) : "من الواضح الجلي أن السورة الأولى من القرآن لم تكن في البداية جزءا من النص، ولكنها كانت صلاة اُلّفت لكي توضع في صدارة المصحف، لكي تتلى قبل قراءة الكتاب. هذا التقليد ليس غريبا علينا في كتب الشرق الأدنى المقدسة. أسلوب القرآن، كما هو معروف، من بداية المصحف إلى نهايته، هو أن الله يخاطب الإنسان. مع ذلك، في الفاتحة، الإنسان هو الذي يخاطب الله، (...) السورة، فضلا عن ذلك، عندما نتفحصها، تقيم الدليل على أنها مقتطفات cento من الأفكار والتعابير المأخوذة من سور القرآن الأخرى. يمكن، بالطبع، أن تكون هذه الصلاة قد كانت من تأليف النبي نفسه، غير أن موضعها في مصحفنا الحالي هو من عمل جامعي القرآن الذين وضعوها هنا ربّما في صفحة المصحف الرسمي الأولى Flyleaf. تقسيمها إلى سبع آيات توحي في التقليد الإسلامي الأرثودكسي بفكرة أن هذا التأليف هو بمثابة النظير الإسلامي للصّلاة الربانية. الطبيعة الغريبة للفاتحة اعترف بها الباحثون الغربيون منذ نولدكه (Geschichte, I,110)، وليس المقصود بذلك رأيا غربيّا معاديا، ذكر فخر الدين الرازي في كتابه مفاتيح الغيب، ج 5، ص 281، نقلا عن أبي بكر الأصم أنه قال أنّه لا يعتبر الفاتحة كجزء من القرآن وأنه من الواضح أن أقدم كتب التفسير تبدأ بسورة البقرة. كذلك من المعروف جيّدا أن الفاتحة لم ترد في مصحف ابن مسعود. وقيل أن بعضا من أوائل مخطوطات القرآن الكوفية تبدأ بسورة البقرة، وإذا ما اشتملت على الفاتحة فهي تأتي في نهاياتها فقط، غير أن مؤلف هذه السطور لم يطّلع قطّ على واحد من مثل هذه المخطوطات. (...)
ورد نص الفاتحة كالتالي في كتاب تذكرة الأئمة لمحمد باقر المجلسي (طبعة طهران، 1331، ص 18) : "نُحمِّد الله، ربّ العالمين، الرحمن الرحيم، ملاّكَ يوم الدين، هَيّاكَ نعبد، ووِيّاك نستعين، تُرشد سبيل المستقيم، سبيل الذين أنعمت عليهم، سوى المغضوب عليهم، ولا الضالّين."
في الصائفة الأخيرة، في القاهرة، عثرت صدفة على نسخة صيغة مماثلة، وردت في كتاب تدريس فقهي صغير ضاع لسوء الحظ أوّله فلم نتمكن من معرفة اسم مؤلفه. هو عبارة عن تلخيص غير مهمّ للفقه الشافعي، كتب منذ حوالي مائة وخمسين سنة، وربّما أكثر بقليل، بيد موظف إداري، وقد كتبت النسخة في داخل الغلاف تحت عنوان : قراءة شاذّة للفاتحة. المخطوط ملك خاص، وصاحبه إذ سمح لي أن أنسخ المقطع وأجاز لي أن أستعمله كما أشاء، إلاّ أنه رفض أن أذكر اسمه مخافة تلطخ سمعته بين جيرانه المتديّنين لسماحه لكافر بالإطّلاع على مثل هذه النسخة غير الرسمية من فاتحة مصحفهم الشريف.
نص هذه النسخة يحتوي على تشابهات أكيدة مع النص الذي ذكرناه سابقا. وهو كالتالي : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، سيّدِ العالمين، الرزّاق الرحيم، ملاّك يوم الدين، إنّا لك نعبد وإنا لك نستعين، أرشدنا سبيل المستقيم، سبيل الذين مَنَنْتَ عليهم، سوى المغضوب عليهم، وغير الضّالّين"). [المترجم]
Prémare, Fondations, p. 297-301. [53]
[54] أبو لهب هي كنية لعمّ النبي عبد العزّى بن عبد المطلب.
[55] عندما كان النبي أيام الحج يتنقل بين الوفود داعيا إياهم إلى اعتناق الإسلام، كان أبو لهب يقتفي خطاه مردّدا: "إنّه مجنون، إنّه مجنون".[المترجم]
[56] أنظر التعليق ص 22 حيث أنكر ابن مسعود أن تكون المعوذتان من القرآن.[المترجم]
[57] تعرّفت قريش على سجع الكهّان في القرآن المكي.[المترجم]
[58] سُمّي سجع الكهان سجعا لأنه دائما مسجوع أي مقفّى وهو نفسيّا تعبير عن الهذاء الذي لا يكون إلأ مسجوعا "شرم، برم، كرم". وهذا ما نلاحظه هنا بدقّة. فقد حرِّف "طور سيناء" إلى "طور سنين" كما يقتضيه السجع. يقول القاموس المحيط في مادّة "طور" : "جبل قرب أيلة يضاف إلى سيناء وسينين". يقول أبو بكر الرازي أن بعض الكلمات القرآنية لم يكن لها معنى في الأصل، أي أنها كانت هذيانا وهذا ما يحدث عادة في أقوال العرّافين وسجع الكهان والمبصرين. لكن المسلمين أعطوها فيما بعد معنى. لا شكّ أيضا أن القسم بعناصر الطبيعة هو من بقايا المعتقدات السحرية الإحيائية القائمة على عبادة عناصر الطبيعة من شجر وحجر وشمس وقمر وليل ونهار.. إلخ.[المترجم]
[59] حول الشكل الشعري، السجع والتعبير التنبؤي للعرّافين، أنظر الفصل 5، ص 110، "النثر الموقّع والمنغّم".
[60] Robin, « Du paganisme au monothéisme », p. 146-150.
[61] أنظر المزمور 136 "الربّ خالق شعبه ومخلّصه" [المترجم]
[62] Ephrem, Hymnes VI, VII, IX ; Andrae, Origines, p. 145 sq.
[63] Prémare, « Textes musulmans », p. 405 ; Fondations, p. 312.
[64] كانت المزامير الكتابية المسمّاة "تلقين" – maskîl – تخضع لنمط خاص من الترتيل. يَعُدّ كتاب المزامير عشرة منها، من بينها ثلاثة، المزامير 78، 105، و 106، وهي تلاوات قصصيّة.
[65] يفسرّ المؤلف هنا كلمة parénèse التي هي جذر paranétique بأنّها من الكلمة الإغريقية parainesis والتي ترجمناها بالحثّ. ويفسّر بأن الخطاب الوعظي يهدف إلى الحثّ. [المترجم]
[66] في قوانين الأحوال الشخصية التونسية التي دفعت في هذا المجال الإجتهاد الفقهي إلى أقصى مداه : الزوج هو الذي يترك المنزل للزّوجة والأطفال وقاية لهم من التشرّد. خاصّة وقد اتّضح أن البغايا كنّ في الأصل زوجات أخرجهنّ أزواجُهن من بيوتهم فلُذْن بالمباغي. [المترجم]
[67] "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقْتُلون ويُقْتَلون..." (التوبة، 111) [المترجم]
[68] حول تعابير الحرب وموضوع الجهاد في القرآن، أنظر A. Morabia, Le Gihâd, chap. V.
[69] "وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم، من ذا الذي يُقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه تُرجعون" (البقرة، 244-245)؛ "وما لكم ألاّ تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين انفقوا من بعد وقاتلوا وكلاّ وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير، من ذا الذي يُقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم" (الحديد، 10-11). [المترجم]
[70] المشركون، هم من "يتخذون آلهة من دون الله"؛ وهذه الآلهة "الشريكة" لله يمكن أن تكون أصنام الأمم القديمة، كما يمكن أن تكون أيضا المسيح والرهبان بالنسبة للمسيحيين، عُزيْر والأحبار بالنسبة لليهود (9، 30-31).
(" وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون، أتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون"). [المترجم]
[71] أنظر الفصل 5.
[72]  Jeffreyn, Foreign, p. 233-4 ; Welch, « al-Kur’ân », E.I. V, 401b-402a. ترجمنا كلمة Lectionnaire بـ "كتاب ترتيل" وهو في التقليد المسيحي عبارة عن منتخبات من النصوص الكتابية، موزّعة حسب السنة الطقوسية ومرصودة لكي ترتّل على رؤوس الأشهاد في القُدّاسات الجماعية.
[73] Luxenberg, Die syro-aramaïscha Lesart, p. 79 sq.
[74] فضّلنا، على غرار بعض الكتاب المغاربة، تعريب لفظ systématisé على ترجمتها حفاظا على جميع معانيها وتلويناتها التي تعني بالفرنسية (جمع عناصر عديدة في سيستم [منظومة]، مخطط أو برنامج يُسَسْتِم إجراءات عدّة، يُعمِّم أو يعود بشكل منتظم) Le Grand Robert [المترجم]
[75] حول كتاب لوكسنبرغ : Gilliot, « Langue et Coran » ; Brague, « Le Coran » ; Phenix-Horn, « Die syro-aramaïscha » ; Neuwirth, « Qur’an and History ».
[76] Prémare, "Textes musulmans », p. 400-403 ; Fondations, p. 304-305.
(صحيح البخاري، ج 6، كتاب فضائل القرآن، ص 555، المكتبة العصرية، لبنان. والجدير بالتنويه أن الترجمة الفرنسية للبخاري مليئة بالأخطاء الفادحة وبالتزوير أحيانا. مثلا هذا الحديث تُرجم كالتالي : «Ô Abu-Mûsa ! Tu as une belle voix pareille à celle de David » والحال أن الترجمة الدقيقة كما جاءت في هذا الكتاب وهي : « … voix semblable à celle des flûtes des fils de David chantant les psaumes » لم يترجم مترجم البخاري "مزمارا من مزامير آل..."، بل جعل الصوت شبيها بصوت داوود نفسه أي أنه لم يفهم الحديث أصلا. وجاء في طبقات ابن سعد، ج 2 : "أخبرنا عفان بن مسلم أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أبا موسى الأشعري قام ليلة يصلي فسمع أزواجُ النبي صلى الله عليه وسلم صوتَه وكان حلو الصوت فقمن يسمعن فلما أصبح قيل له إن النساء كن يستمعن فقال لو علمت لحبرتكن تحبيرا ولشوقتكن تشويقا وقد قال حماد لحبرتكم وشوقتكم") [المترجم]



#ناصر_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أصول القرآن، مسائل الأمس ومقاربات اليوم
- قراءات أفقية في السيرة النبوية


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - في أصول القرآن : مسائل الأمس ومقاربات اليوم (2)