أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار الجنابي - توظيف المسرح في حركة المجتمع وتنويره















المزيد.....



توظيف المسرح في حركة المجتمع وتنويره


عمار الجنابي
(Amaar Abed Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 18 - 00:53
المحور: الادب والفن
    



الباحث :عمار عبد سلمان محمد
ملخص البحث :-
في ملخص بحثنا الذي تقدم , نود أن نشير أن المسرح كان في بدايته فن من فنون القول ظهرت كنشاطات مارسها الإنسان البدائي وبرزت فيها لمسات جماليه وذوقيه واختلط فيها الرقص والغناء والتراتيل والإيقاعات المتعددة كانت لها حاجه يوميه تتعلق بالظواهر شبه الدرامية التي شاعت في أماكن متعددة من العالم .
وحينما انتقل هذا الفن إلى فنون الخشبة التي فرضتها فنون الأداء الصوتي والجسدي اخذ يصاغ بمنطق فني يستلهم أساسه من الانفعال الحياتي الصادق تبعا للمناهج والأساليب المتباينة ما بين اتجاه المعايشة واتجاه العرض ؛ وهذه كلها تخضع لمنظومة تعبيريه يؤطرها الجسد ؛ والصوت والأفكار .وبدا فن المسرح يحتل موقع الريادة في قيادة المجتمع نحو التعبيرية في البني الاجتماعية والاقتصادية على أاعتباره محاكاة للواقع بكل تفاصيله الداخلية المكونة للحياة ؛وقد تلمسنا هذا جيدا وفق ما تقدم , توصل الباحث إلى جملة من النتائج التي افرزها البحث هي :-
1- إن فن المسرح استطاع أن يكون المحصلة الكبرى لكل الأفعال والانشطه سواء كانت علميه أو إنسانيه إلا واحتواها.
2- إن المسرح وان اختلفت في بعض الأحيان وظائفه تبعا للحاجة إلا انه يبقى يصب في معين مهم إلا وهو الحياة .
3- المسرح يشكل الحياة بمقوماتها الجمالية والفكرية وبالتالي يصنع الإنسان ويخلق له العلاقة والكيفية في التعامل مع هذه المقومات الجمالية والفكرية وتبعا لذلك يكون المسرح وسيله ثقافيه للإنسان في قيادة مجتمعه وضمير أمته.
4- ولد المسرح يوم ولد المجتمع وهو في كينونته الأساسية ظاهره شعبيه معني في نشاطه ...البحث ،والمزاوجة بين النظرية الفكرية والممارسة العملية حتى يكون شكلا" منسجما" مع المضمون ويعطي صورة مقاربة للواقع المعاش .
5- المسرح يزود المتلقي بالمعلومات عن الواقع السياسي والاجتماعي والتاريخي الأمر الذي يساعده على تنوير حياته وتغييرها وفق واقع جديد.
6- المسرح هو علم الوجدان وتأريخ الإحساس البشري فهو يرصد جوهر الإنسان ليترجمه إلى حركة ولفظ ورقص وإشارات وبهذا يكون المتلقي فاعلا" ومنفعلا" فيه ومن هنا يمكنه أن يرصد الواقع ويعيد تغيره وفق التساؤلات التي تنشط عقله عندما يلمس التناقضات والغرابة في واقعه وبذلك يكون هذا الفن مدخل أساسي لتفكير المتلقي والبحث عن الحقيقة .

مشكلة البحث :-
المسرح هو الفن الذي تلتقي عنده جميع الفنون وتستضيء فيه الحياة الإنسانية بالنور الروحي ,فهو عمل مشترك بين المبدعين رغم اختلاف تجاربهم واهتماماتهم, سواء كان (النص) أو صاحب ذلك العمل (المؤلف) أو المكان الذي يقوم فيه العمل (المسرح) أو الأشخاص الذين يتولون عرضه وتقديمه (المخرج والممثلون) أو المؤثرات الصوتية والضوئية أو غير ذلك من العناصر التي تؤلف في مجموعها العرض المسرحي , فكل هذه الجوانب عناصر هامه متداخلة ومتفاعلة ويتألف منها فن المسرح ولا نغفل الجمهور العنصر الهام الذي يتجه إليه برسالته كما يتجاوب هو من ناحيته مع ذلك العمل إيجابا أو سلبا .
وبما إن فن المسرح مرتبط بخاصية المحاكاة عند الإنسان فهو نتاج لأحداث موضوعيه وقعت بين الناس بقصد تحقيق التأثير الفاعل والمباشر على المتلقي لإدامة الصلة الحيوية بين الواقع المليء بالمتناقضات والمسرح الذي يعبر من خلال أدواته عن الدراما الإنسانية بكل ما فيها من مشاكل وأزمات حياتيه وبصرف النظر عن اختلاف الزمان والمكان ونوع المجتمع وتأسيسا" على ما تقدم يمكننا أن نوجز مشكلة البحث كما يأتي :
للتعرف على كيفية توظيف فن المسرح في حركة المجتمع وتنويره .
أهمية البحث والحاجة إليه :-
تجلت أهمية البحث فيما يأتي :-
1- تأتي أهمية البحث من القيمة التعبيرية والفلسفية لفن المسرح كونه مؤسسه ثقافيه لها القدرة على استقراء الواقع والمساهمة في تغيره .
2- فن المسرح وسيله للتواصل بين العناصر الحيوية للناس من خلال مبدأ المشاركة بين خشبة المسرح والقاعة وإيجاد جمهور فاعل ومنفعل لا يكتفي بالتسلية.
3- وتأتي أهمية هذا البحث بان فن المسرح أبداع يخرج الفرد من فرديته وإدخاله في إطار الجماعة .
4- له القدرة في الرسم التقريبي للزمن الأتي والفعل المستقبلي .
هدف البحث :-
تعرف توظيف فن المسرح في حركة المجتمع وتنويره .
حدود البحث :-
يعنى البحث في قدرة فن المسرح وتأثيره في تغير السلوك الجمعي لفترات انتقاليه متعددة في بنية المجتمع وصولا إلى الإنسان المعاصر المليء بالمعرفة وخاصة الحركة التعبيرية في المسرح بين عام 1910 -1925 والتي شطرتها الحرب العالمية الأولى إلى فترتين ,وبقدر تعلق البحث في موضوع المسرح وتنوير المجتمع تناول الباحث ايضا" المسرح الالماني ليكون متمما " لأفكار وأهداف مسرح بسكاتور الذي أيقظ النبض السياسي .
منهاج البحث :-
اعتمد الباحث المنهج التاريخي والوصفي والنقد الفني الذي يواجه فن المسرح في حدود البحث بالقواعد والأصول الفنية,وبما إن البحث يتعلق في موضوع فن المسرح وارتباطه بتغير الواقع وتنويره اعتبر الباحث فن المسرح حقلا"تجريبيا" لنشاط الفلاسفة الذين يسعون ليس فقط إلى توضيح العالم بل إلى تغيره أيضا .
طرق البحث :-
لجأ الباحث إلى استخدام الطرق العلمية في ملاحقة فرضية البحث المتمحورة حول سلطة فن المسرح و إمكانية جعله برلمانا" والجمهور هيئه تشريعيه متخذه موقفا عمليا من القضايا التي تهم بلدهم ولأجل الوصول إلى هذه الغاية البحثية ,ساح الباحث بين المصادر والمراجع التي لها صله بموضوع البحث .

الفن وتنوير المجتمع :-
منذ بدأ الإنسان يطأ بقدمه سطح هذه الأرض, وهو لا ينفك يصارع الطبيعة محاولاً السيطرة عليها, وفك طلاسمها , وبعد عملية التكوين وتشكيل الجماعة البشرية التي سعت بواسطة المعرفة أن تتوصل إلى نتائج إيجابية , مما شكل لديها قوانين وقيم مخضعة الظواهر الكونية والتداخلات الاجتماعية إلى (المنطق) لبناء مقومات حضارية مادية كانت أم معنوية ,عبر مسيرة البشر التكوينية .أوجدوا السحر والخرافة , واللغة والدين كتعويض ملزم لكبح غرائز آدمية , كالخوف , والتأمل لإسرار المحيط الكوني , هذا من جهة , ومن جهة أخرى لإعلاء منزلة المجتمع على صعيد العادات والعرف وسن القوانين والشرائع , أدى إلى تأطير ما يسمى بـ(المعرفة) التي بموجبها استطاعت البشرية أن تربط بين الحاضر والماضي .
و نضالية البشر هذه كانت من أجل أغناء الحياة , والمحافظة على النوع البشري للارتقاء به وتخفيف كاهل المعيشة عنه . خاصة وأن هذه النضالية عاشت فترات انتقالية تغيرية في بنية المجتمع من صيد وقنص إلى زراعة وصناعة وصولاً إلى ماهية الإنسان المعاصر المليء بالمعرفة والإدراك من خلال تراكم الخبرة الإنسانية لديه , أدى ذلك إلى تبلور (الفهم) الذي قاد الإنسان لمناقشة علاقته مع الواقع كنتيجة وانعكاس مبتدأً في التفكير بتغيير ذاته نحو الأفضل .
هذا الفرد المنصهر في بودقة الجماعة والمتسلح بالخبرة أكتسب صفة (الإبداع) من خلال دراسته لمجمل الظواهر التي من شأنها إن تعثر مجمل التطور في حياة الجماعة ـ وبفعل (الإبداع) أمتلك الفرد (الفنان) القدرة على التأثير ، فالتغيير بدأً بنفسه وانتهاءً بالسلوك الجمعي وبنظام المجتمع ككل . وبالتالي فأن ما يترتب على الفنان لكي يقود (رؤياه الإبداعية) لتكون مؤثرة ومحرضة إن يلم بالتفاصيل الدقيقة لجذور مجتمعه كي يمتلك أصالة تعبر عن خبرته ، وكما يقول (جون ديوى) : "الخبرة مسألة تفاعل بين الكائن الحي وبيئته ، والبيئة إنسانيه كما هي مادية ، بمعنى أنها تشتمل على عناصر التقليد والانضمة الاجتماعية كما تشتمل على مواد البيئة المحلية " (1) . لقد كانت هناك دائماً صلة وثيقة بين الفن والحياة عبر التاريخ ، منذ ولادة الإنسان البدائي على أرضية الكهف وحتى ولادته في أنابيب الاختبار . فالإنسان كان يبحث من خلال الفن عن أجوبة لتساؤلاته التي ولدت معه و يحاول الفن في جميع نشاطاته الأساسية ،إن يحدثنا عن شيء ما ، حول الكون ، حول الإنسان أو حول الفنان نفسه ، إن "الفن طريقة للمعرفة ، وعالم الفن هو نهج للمعرفة ذو قيمة للإنسان شأن عالم الفلسفة في الواقع أنه فقط عندما نقر بوضوح بالفن كطريقة متوازية للمعرفة , إنما متميزة عن سائر الطرائق التي بواسطتها يتوصل الإنسان إلى فهم بيئته , عندها فقط يتاح لنا تقدير أهميته في تاريخ الجنس البشري "(2) .خاصةً وأن الإنسان طموح لتجاوز كيانه الفردي , بغية أن يكون أكثر اكتمالاً وهو يسعى للانتقال من جزيئة حياته إلى كلية يرجوها..ولكن كيف يتاح له الانتقال إلى هذه الكلية . الإنسان يشعر بأنه لا يستطيع الوصول إلى هذه الكلية إلا إذا حصل على تجارب الآخرين , وهي التجارب التي كان يمكن أن تكون تجاربه هو أو التي يمكن أن تكون تجاربه في المستقبل وهذا يشمل كل نشاط يقوم به الإنسان , والإرادة اللازمة لإتمام الاندماج بين الفرد والمجموع هو الفن , الذي "يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة على الارتقاء بالآخرين وعلى تبادل الرأي والتجربة معهم".(3) إن الإنسان لا يستطيع إن يفكر في الاستغناء عن الفن يوما ما ، إلا إذا فكر إن يعيش بعيدا عن العالم ، وخارج الواقع تماما ، كأن الفن يستطيع إن يرفع الإنسان من التمزق والتشتت إلى الوحدة والتكامل . والفن يمكن الإنسان من فهم الواقع وهو لا يساعده على تحمله فحسب ، بل يزيد من تصميمه على جعل هذا الواقع أكثر إنسانية وأكثر جدارة بالإنسان . " والفن نفسه جزء من الواقع الاجتماعي . فالمجتمع يحتاج إلى الفنان ، هذا العراف الأكبر ، ومن حقه إن يطالبه بان يكون واعيا بوظيفته "(4) . إذا أردنا أن ننظر للفن من أي زاوية فإننا لا نجد بداً من التسليم بأهمية الفن في حياة الفرد والجماعة ، فنحن ندرك شمولية الحياة من خلال شمولية الفن ، ونعلم في الوقت ذاته كيف يمتزج بحياة الفرد والجماعة وحياة كل منهما . فإذا نظرنا إلى الفن من وجهة عالم الاجتماع فلا نستطيع أن ننكر أهمية وجود الفن في صميم الحياة الاجتماعية ," لأن المجتمع نفسه قد أعتبر الفن وظيفة اجتماعية في كل زمان" (5).
(1) علي عقله عرسان ، سياسة في المسرح (دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب 1978) , ص15 .
(2) هوبرت ريد ، الفن والمجتمع ، ترجمة فارس متري (بيروت: دار القلم 1975) ,ص17.
(3) ارنست فيشر ، ضرورة الفن ، ترجمة اسعد حليم (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1971 ) ص9.
(4) المصدر نفسه ، ص61 .
(5) زكريا إبراهيم ، مشكلة الفن ( القاهرة : دار مصر للطباعة ، 1976 ) ص106 .
ويمكننا أن نذكر وظيفة الفن بغية التوصل إلى فهم جوهري له , من جانب صلته بالحياة الحضارية للمجتمع من جانب آخر . حيث يقول جون ديوي "ليس في وسعنا أن نفصل الفن عن الحياة الحضارية لكل مجتمع مادامت الحضارة بمعناها الواسع هي مصدر شتى أنواع الفنون , بما فيها التمثيل والغناء والرقص والموسيقى "(1) . أما وظيفة الفن المتشابكة بين التربية والتسلية فلا بد أن نتوقف برهة لإلقاء الضوء عليها فنحن لا نستطيع أن نغلب أحداها على الأخرى لأننا لا نستطيع أن نقلل من أهمية أحداها من الأخرى. حيث أن الرغبة في فن ليس له هدف غير التسلية رغبة مشروعة , كما أن هذا الحد الفاصل بين التسلية والفن الجاد لن يبقى ثابتاً وخاصةً في مجتمع يعمل بوعي لتربية الشعب كله باتجاه المعرفة والثقافة ."ولا يجوز أن يكون معنى التسلية هو السخف , كما لا يجوز أن يكون معنى الفن الجاد هو الأعمال المملة , وينبغي أن تحول دون ذلك تربية الجماهير من ناحية الوعي الاجتماعي للفنان من ناحية أخرى" (2) . إن أنتاج الفنان يتطرق إلى فهمنا لماهية حياتنا البشرية نفسها , وإدراكنا لوجودنا البشري وتقديرنا لموقع مجتمعنا الإنساني في الكون وموقعنا نحن في هذا المجتمع وعلاقة بعضنا بالبعض الآخر , ليست عملية الإدراك هذه بعيدة عن التسلية وذلك لأن" الفن في صوره العليا لا يمكن تحديد وظيفته في أي من هاتين اللفظتين , المتعة , أو الفائدة , بالمعنى المتداول لهذين التعبيرين فإن المشاعر التي يثيرها الفن والتجارب التي ينقلها أكبر عمقاً وتعقيداً وسعةً وشمولاً وأستيفاءاً وكمالاً"(3) .فهي تجارب تقوم على التوازن بين دوافع متعارضة من الشفقة والرعب والفرح واليأس. فالفن في أكثر أشكاله التجريدية لا يخلو من عملية غرز علامات الاستفهام حول العالم وإن كان يهدف إلى المتعة فقط . وإذا انتقلنا إلى المسرح , فسوف نجد انه من أكثر الفنون حساسية للاختلاجات التي تمزق الحياة الاجتماعية .أو ليس ما يملكه المسرح من قوة وإيحاء وقدرة على أثارة الاضطراب الجمعي يتضح بما لا يكاد يصدق من التجليات البدائية التي يمكن أن يؤدي أليها تمثيل إحدى المسرحيات , فالتصفيق والتصفير هما كذلك أعمال موجهه إلى حقيقة حية . ومن النادر أن يكون هنالك من سمع أحدا يسخر من تمثال . لكن الحادث المسرحي يتجاوز دوما حدود الكتابة الدرامية ذلك "إن تمثيل الأدوار الاجتماعية الحقيقية أو الخيالية يثير رفضاً أو قبولاً أو مشاركة لا يمكن أن يثيرها أي فن آخر ، حتى السينما ، التي لا تقدم على المسرح ذلك الوجود الحي للممثلين" (4) .


(1) المصدر نفسه , ص199 .
(2) أرنست فيشر , المصدر السابق , ص277ــ 278 .
(3) محمد النويهي, محاضرات في طبيعة الفن ومسؤولية الفنان (؟: مطبعة الكمالية1958) ص26 .
(4) جان فينيو , سوسيولوجية المسرح , ترجمة حافظ الجمالي , جـ1(دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد , 1976) ص6ــ7 .



أن المسرح هو اكثر الفنون التصاقا بالروابط الحية للتجربة الجماعية وهو لا ينفصم عن نسيج الحياة الاجتماعية لذا "آن صورة الإبداع ومشاركة الناس وصيغ التمثيل ، داخلة كلها في نسيج الحياة الاجتماعية . فهي ليست اكثر من (حادثة ملحقة ) آو مجرد ظل للحقيقة الجمعية وهكذا فان ممارسة المسرح تتعلق بدرجة ارتباطه بنموذج اجتماعي معين ، وبالدور الذي يلعب فيه ، وبنوعية صورة الفرد الإنساني التي يقدمها " (1) .
ولنا في المسرح الإغريقي تأكيد لما ذهبنا إليه حيث تحول الاهتمام عند اليونان مما هو نموذجي إلى ما هو جزئي ، ومن التقيد إلى الانطلاق ، وذلك باتساع أهمية العناصر الواقعية والفردية والانفعالية عندهم . فعلى صعيد الأدب بدأ عصر كتابة السير ، ( تواريخ الحياة ) . أما الفنون البصرية فقد بدأ عصر تصوير الشخصيات واقترب أسلوب التراجيديا من أسلوب المحادثة اليومية،وبدأت الشخصيات تبدو أهم من عقدة المسرحية أو موضوعها ، والشخصيات الشاذة المعقدة تبدو اكثر جاذبية من الشخصيات الطبيعية البسيطة.ومن خلال هذه المنطلقات بدأ التنوير الإغريقي للمجتمع وكان (يوربيدس)هو الشاعر الحقيقي في عصر التنوير حيث امتازت كتاباته بالمواصفات الاتية:
1- اتخاذه من الموضوعات الأسطورية أرضية يتكأ عليها لمناقشة المسائل الفلسفية السائدة في عصره ( حول قصة ميديا إلى شيء أشبه بدراما عائلية للحياة الزوجية . وبطلته في ثورته على الرجل اقرب إلى الشخصيات النسائية عند أبسن منها إلى بطلات التراجيديات القديمة) .
2- إن الإنسان في نظر يوربيدس مجرد ألعوبة بيد القدر بعد ما كان اسخيلوس وسوفوكلــس يؤمنان (بالعدالة الكامنة في مجرى العالم ) .
3- نزعة مطابقة الطبيعة في المجال النفسي ، وهي النزعة التي تسود درامات يوربيدس والتي أتمت القضاء على النظرة المأساوية البطولية في الحياة ذلك لان مجرد مناقشة مسألة إثــم الشخصيات المختلفة أو براءتها يحول دون أي شعور بالخشوع المأساوي .
4- إن مسرحياته لم تكن تروق الارستقراطية القديمة لان لها نظرة مختلفة ألي الحياة ، كما إن الجمهور البرجوازي الجديد لم يكن يستطيع أن يستمتع بها بدوره ، لافتقار هذا الجمهور إلى الثقافة . لذلك فان يوربيدس نزعته التجديدية الفلسفية تعد ظاهرة فريدة حتى بين شعراء عصره (2) .

(1) المصدر نفسه , ص39 .
(2) أر نولد هاو زر ، الفن والمجتمع عبر التاريخ ، ترجمة فؤاد زكريا ، جـ1 (القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، 1969) , ص111 ـــ 112 .



وفي العصر الوسيط لم تغفل الكنيسة دور المسرح واستغلاله لخدمتها فبعد أن حاربته لعدة قرون , عادت لتحتضنه من جديد لغرض استغلاله في خدمة التعاليم الكنسية هذه المرة , لقد بعث المسرح على يد رجال الدين أنفسهم الذين شنوا حملة قاسية على رجال المسرح .
وأصبحت مراسيم القداس الدينية في الديانة المسيحية هي المصدر الذي انبثق منه فن التمثيل الذي كاد أن يلفظ أنفاسه على أيدي رجال الكنيسة وكان الباعث الذي دعا الكنيسة المسيحية الأولى في العصور الوسطى إلى الاستعانة بالتمثيل هو خدمة الدين . فقد كان أغلب الناس أميين إلا الأقلون من العلماء ورجال الدين . ولأن اللغة المستعملة في القداس الديني هي اللغة اللاتينية التي يجهلها عامة الناس , ومن ثم رأت الكنيسة إن التمثيل بما فيه من الحركة والإيماء على تقريب حواره في نصه اللاتيني إلى إفهام الحاضرين وتعميق تأثيره في نفوسهم حرصاً منها على دفع الملل عنهم ضماناً لاجتذابهم وحسن إقبالهم , بالإضافة إلى أنه كان على الكنيسة المنوط بها تعليم الناس دينهم أن تلتمس الوسيلة إلى تعليمهم بعيداً عن الكتب , فلم تجد إلا عرض ما في الكتاب المقدس وما يتصل به من موضوعات دينية أمام أنظارهم عرضاً تمثيلياً(1) .فظهرت التمثيليات التي أطلق عليها التمثيليات الطقسية التي تتناول مواضيع من الإنجيل وتتناول حياة القديسين والمواعظ الأخلاقية .ثم ظهرت التمثيليات نصف الطقسية وأخيراً أنسلخ المسرح عن الكنيسة فأخذ الشعراء تأليف تمثيليات مختلفة تتناول شتى الموضوعات .
وهكذا عاد المسرح ليلعب دوره المهم , الذي يمكن أن نعتبره امتداداً للدور الذي كان المسرح عليه قبل تطاول يد الكنيسة إليه ,أي بكلمة أخرى عاد المسرح يهتم بشكل رئيس بالقضايا التي تمس المجتمع مساً مباشراً , باحثاً في مكونات الواقع عن كل ما من شأنه أن يشكل ظاهرة ينبغي تدارسها من أجل الارتقاء بالجماعة ومباركة الإنسان .
الفترة التعبيرية في المسرح :-
إن النظرة الكلية للتعبيرية توضح إنها حركة روحية بشكل جوهري هادفة إلى التجديد المعنوي للإنسان ومن الجدير بالذكر إنها تنبأت بشكل أو بآخر بقيام الحرب وذلك لأنها كانت تعيش مجتمعاً تطورت فيه الصناعة لدرجة أخذت فيه الآلة تهدد باستعباد الإنسان , وغرور النزعة العلمية والوضعية , وازدحام المدينة الكبيرة وضياع الفرد الوحيد فيها , كانت تعيش مجتمعاً كل سماته المال والتجارة والنفاق والمنفعة والطمأنينة البرجوازية الكاذبة والظلم الاجتماعي . إن هذه الظروف ألهمت المبدعين في هذه الحركة بالتنبؤ بقيام الحرب , ولنا في مسرحية (هاوبتمان) ـ الحرب ـ التي كتبها عام (1912) أي قبل قيام الحرب بعامين ـ لنا فيها خير دليل على ما نقول حيث عبر هاوبتمان فيها عن شبح الحرب بطريقة مذهلة .

(1) عبد الرحمن صدقي ، المسرح في العصور الوسطى الديني والهزلي ، ( القاهرة: دار الكاتب العربي ، 1969 ) ص97 - 98 .


ويشكل عندها انتزاع فرد من وسط العلاقات الإنسانية أكبر مطمح من مطامحها في الدلالات التعبيرية أي لإدراك الإنسان من خلال (النظر إلى جوهره) بهذا تتطور الفردية إلى أسلوب (. . .) فالتعبيرية تعتمد إلى أن تجعل من الإنسان مجرد هدف لها،في حين تستغني بفخرعن (العلاقات الإنسانية) التي تحجب صورة الإنسان (1) .
أن أبرز مثل للتعبيرية في المسرح هم: جورج كايزر, هازنكليفر, أرنست توللر, وشيترنهايم ... وعلى هذا الأساس يمكن القول إن التعبيرية بشكلها النهائي تبلورت في ألمانيا ولكنها لم تقتصر على الأدب ألألماني أو أن ألألمان أوجدوها من العدم , ولكن الشيء الذي نخلص أليه أن ألمانيا كانت الموطن الحقيقي لهذه التعبيرية التي استطاعوا بواسطتها التحليق في أجواء مثالية سعياً وراء الحقيقة في الصفات الروحية للإنسان , وعليه يمكن اعتبار الفترة الواقعة بين(1910ـ 1925) هي فترة التعبيرية التي شطرتها الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918) إلى فترتين :- الأولـــى: الفترة المبكرة التي سبقت قيام الحرب ، والتي اتصفت بطابع الذاتية المتطرفة وسعي الفرد الوحيد المعزول إلى التعبير عن الحياة الكاملة التي يتوق إليها ، متمثلا ذلك بمسرحيات هذه الفترة التي تعتمد الذاتية بشكل أساس وتصف صراع الإنسان في محاولته للتخلص من ظروف حياته اليومية لكي يعيش الحياة بالكامل .
الثانية: فترة ما بعد الحرب ، والتي شهدت تحولا في اتجاه اهتماماتها صوب القضايا الاجتماعية متمثلا بصراع الفرد والجماعة كأحد هذه القضايا الأساسية في هذا الاتجاه .
المبادئ الأساسية للدراما التعبيرية :-
1- احتواءها لشخصية رئيسية محورية تعاني أزمة روحية أو ذهنية أو نفسية وتجسد البيئـــة والناس من خلال وجهة نظر هذه الشخصية . إما الشخصيات الأخرى حول البطل لا تتعــدى كونها إسقاط للصراع الداخلي لنفس البطل ، فتبدو هذه الشخصيات أشبه بشخوص الأحــلام وظيفتها إبراز صورة البطل على أتم صيغها الروحية .
2- تؤكد الدراما التعبيرية على سيادة الروح على المادة وترى أن الإنسان ليس نتاجاً للبيئة تحركه قوى تخرج عن مجال سيطرته , بل هو المحرك القادر على تغير العالم حسب رؤيته وبهذا ألغى التعبيريين النظرة التي تقول أن العالم هو الذي يشكل الإنسان وأكدوا على أن الإنسان هو الذي يشكل العالم .
3- هجرت الدراما التعبيرية التصوير الصادق للواقع وسعت وراء القيم الجمالية لذاتها وأكدت على (التعبير عن الذات) غير المقيد .

(1) بيترز وندوى ، نظرية الدراما الحديثة ، ترجمة احمد حيدر (بيروت: وزارة الثقافة 1977 ) , ص120 .


4- توزيع الحدث في مناظر متتابعة من أجل توجيه مراحل الشخصية المحورية نحو هدفها فــلا تتعدى هذه المناظر كونها محطات تجوال البطل عبر معاناته الروحية .
5- إبراز المشهد الأول بشكله الواقعي تيسيراً للدخول في لب الموضوع والابتداء بعمليات الكشف النفسي لعقدة البطل ونبذ المظاهر الخارجية المحتملة الوقوع .
6- اختزال الشخصيات إلى مجرد نماذج تسمى بأسماء نماذجها , كالغريب والشحاذ , المستر صفر, أو الرجل والمرأة .
7- اللغة في الدراما التعبيرية هي لغة تلغرافية خالية من البهرجة والتضخيم البلاغي,فالجمل تكون مقتطفة ويختزل الحوار في بعض اللحظات المتطرفة إلى مجرد عبارات تعجب حتــى باتــت (الصيحة المعبرة) عن أقصى درجات الانفعال هي العلامة المميزة القصوى للأسلوب التعبيري .
8- ركزت التعبيرية على جوهر الإنسان الأبدي اللا متغير, ولم تركز على صفاته العرضية المنتمية إلى الزمان والمكان .
9- التمثيل في المسرحية تجريدياً وينبغي أن يكون سريعاً وخيالياً ومصحوباً بالموسيقى والأصوات الرمزية , وعلى حد قول الكاتب المسرحي التعبيري (بول كورنفليد) (أنه ينبغي على الممثل ألا يكون ـ مقيداً ـ فقد يسعى إلى تزيين الواقع , فبدلاً من ذلك ينبغي عليه أن يجـسر بفتــح ذراعيه واسعاً كما قد لا يفعل في الحياة أبداً , وينبغي عليه أن يتجرد من صفات الواقــع ولا يكون معبراً عن الأفكار والعواطف أو المصير)(1) .
10- استخدام الأقنعة والملابس الغير مألوفة والديكورات الرمزية واستخدام الحيـل المسرحيــة باختلاف أنواعها .
11- الإضاءة تدخل كعنصر أساسي من عناصر المسرحية التعبيرية ومن العوامل الأساسية فــي نجاحها إخراجياً , لذلك ينبغي الإكثار من الأركان الشاحبة والمعتمة واستخدام الألوان القزحية في تغيير المناظر واللعب بحذاقة تامة في ظهور الأشباح وأطياف الوحوش والجن .
12- تعتمد المسرحية التعبيرية جمهوراً منتقى ممتلكاً لمعرفته الواسعة في إدراك دواخل النفــس البشرية (2) .

(1) هـ . ف . جارتن ، الدراما الألمانية الحديثة ، ترجمة وجيه سمعان (بيروت: وزارة التعليم العالي ، 1966 ) ص147 .
(2) المصدر السابق نفسه ، ص146 ـــ 149 .




التعبيرية ما بعد الحرب :-
ابرز من مثل الحركة التعبيرية بعد الحرب في مجال المسرح (فريد زفون اونــرو) * و(أرنست توللر)* * و ( جورج كايزر ) الذي تميزت كتاباته لأنها استلهمت مصادرها من ملهم التعبيريين الأول ( اوغست ستر ندبرغ ) وكذلك بكتابات الألمانيين ( ودكند ، وشتريهنم ) اللذان تعد مسرحياتهم من مصادر التعبيرية ومن المسرحيات التي شددت الهجوم وسخرت من البرجوازية المسعورة بالمال والجنس والقوة ، إضافة إلى ذلك فقد تأثر كايزر بالكاتب الفيلـسوف الايرلنـدي ( جورج برنارد شو ) وقبل أن نتحدث عن إسهامات كايزر المسرحية لابد لنا أن نستعرض كتـابات ( أرنست توللر ) الذي كان من العلامات البارزة في المسرحية التعبيرية ، فقد كتب توللر مسرحـية ( هنكمان 1923) ومسرحية (محطموا الآلات 1922) ومسرحية (التجني عام 1919) التي تصور ثورته على الظلم وحنينه إلى نظام اجتماعي أكثر عدلاً وإنسانية .
حيث كانت مسرحية تعبيرية نموذجية الشكل والمضمون من خلال انتشار الحدث في عدد من المواقف تعد بمثابة مراحل لتطور البطل تجاه مفهوم جديد النظرة للحياة والمجتمع . أما المسرحية التي تعد من أفضل ما كتب توللر هي مسرحية (هويلا,هذه هي الحياة 1927), وهي أخر مسرحية له والتي كانت عبارة عن صورة نابضة الحيوية للحالة السياسية والأخلاقية في ألمانيا حيث صور لنا فيها تاريخ ألمانيا السياسي تاريخا عريضا لمدة عشر سنوات من 1919-1927. كتبت هذه المسرحية بمقدمة تسبق الدخول في الأحداث ,وفحوى هذه المقدمة إنها لصور مجموعة من الثوريين حكم عليهم بالإعدام سنة1919 , وهم في حالة انتظار لتنفيذ الحكم وفي اللحظة الأخيرة استبدل الحكم من عقوبة الموت إلى السجن بالنسبة لجميع المحكوم عليهم باستثناء شخص واحد هو (فيلهلم كليمان ) الذي يطلق سراحه سرا",أما بطل المسرحية فهو (كارل توماس ) وهو واحد من المحكوم عليهم وقد أفرج عنه لتوه من الحبس . في نفس هذه اللحظات أصبح كليمان "رئيسا للوزراء وعدوا للثورة . إن الحدث الرئيسي في المسرحية هو عملية بحث كارل توماس وتحليله للمجتمع وإعادة اكتشافه ,بسبب نسب تهمة غير صحيحة ضده ,وينتهي به المال إلى انتحاره .
(*) ولد فريد زفون اونرو عام 1885 ـــ وكان ضابطا في فرقة (رماح ) الشهيرة ، وكان سليل بروسية أرستقراطية ، وقد اتخذ موقفا من الحرب عبر عنه بمسرحياته وكان موقفا شجاعا ، ودافع دفاعا بليغا عن السلامة والمحبة والإخوة بين البشر .. وتجلى موقفه هذا في ثلاثيته ( جنس ما ، الميدان ، ؟ ) أما الجزء الثالث فلم يستطيع كتابته ذلك لانه لم يستطيع أن يقيم علاقات توافقية بين روايته وحقائق الواقع القاسية .
(**) ولد توللر في كانون الأول 1893 ببلدة سامو تشين بالقرب من مدينة برومبيرج ،ومات منتحرا في شهر مايس سنة 1939 بمدينة نيويورك ، وليس حال أبوه الذي كان يعمل تاجرا أتاح له إتمام دراسته في جامعة (جريوتيل ) في فرنسا والتخصص في دراسة القانون ، واصل دراسته في ميونخ و هيليد ييرج ، وانضم إلى حركة العمال الاشتراكيين واشترك في مظاهرات لعمال مصانع الذخيرة التي اندلعت في 1918 ، واصبح من رجالها البارزين من بين العمال والفلاحين والجنود التي كانت نواة الجمهورية المؤقتة التي أعلنت في بافاريا سنة 1919 وبعد فشل الجمهورية حكم توللر بالسجن لمدة (عشرة سنوات ) في معتقل بترشو نفليد..
ومن خلال ما تقدم نرى إن توللر جعل من وظيفة مسرحيته هي تحليل المجتمع من خلال بطله (كارل توماس) والجديد في هذه المسرحية هو استخدام (الحيل التعبيرية) المتنوعة , فقد استخدم توللر الفلم السينمائي بإستثاره لعرض الأحداث مختزلة بشدة , حيث يظهر هذا الفلم على شاشة في مؤخرة المسرح يعرض أحداثناً بسنيها وهي أحداث جرت مابين عام 1919ـ 1927 , ففي الوقت الذي يعرض فيه الفلم نرى بطل المسرحية يقيس الأرض جيئةً وذهاباً في أحدى زنزانات مستشفى المجانين مرتدياً نفس ملابس هذه المؤسسة , لقد استطاعه توللر عبر الفلم السينمائي أن يصور لنا قضيتين هامتين أراد أن يعالجهما في مسرحيته , حيث أنه وضح الخطوط التاريخية العريضة للحالة السياسية من جهة , ومن جهة أخرى الحالة الاجتماعية الراهنة للمرأة , قدم لنا شخصية تدعى (إيفا بيرج) وهي واحدة من الثوريين أراد أن يكشف لنا من خلالها عن الظروف العمالية كمقدمة لإجراء الانتخابات . هذا وبالإضافة للفلم فقد أستخدم حيلة أخرى وهي (اللاسلكي) الذي كان يسمعنا خلاله تقارير مذاعة تسجل الأحداث العالمية المعاصرة : "قلاقل في الهند , قلاقل في الصين , قلاقل في أفريقيا .. باريس باريس .. هوبيجان العطر الأمثل .. بوخارست الجماعة في رومانيا .. برلين برلين السيدات الأنيقات يعجبن بالشعر الأخضر المستعار"(1) . ومن المثير أن توللر زاوج بين الفلم واللاسلكي, ففي الوقت الذي نسمع التقارير من اللاسلكي , يكون الفلم يعرض هذه التقارير مصورة ... وعندما يعرض الفلم مشاهداً لعملية الانتخاب يقوم اللاسلكي بإعلان نتائج هذه الانتخابات ... , وإضافة إلى ما ذكرنا فقد أستخدم عناوين الصحف كخلفية (سايك) مماثلة : "أخبار, أخبار الليل ... أنباء مثيرة .. افتتاح نادي ليلي جديد .. رقصات صاخبة .. موسيقى الجاز.. شمبانيا .. بار على الطراز الأمريكي .. ذبح اليهود في جاليشيا .. ألف شخص يموتون حرقاً" (2) . نلاحظ أن توللر كان يقوم بمهمة المخرج والمؤلف في آن واحد ... وبالرغم من كونه سياسياً إلا أنه لم يكن ينظر إلى القضايا السياسية آنذاك بعين السياسي المتطرف , وإنما بعين الفنان المحلل المبدع .. وهذا ما أدى في نهاية المطاف أن يكون حقيقياً مع ذاته لدرجة كبيرة بحيث لا تنطوي علبه الألاعيب السياسية والنفعية والتشبث بالمناصب التي تبنى دائماً على حساب حرية الإنسان وانطلاقه واستغلاله, التي كانت هي غاية توللر الأساس في مناشدته للوصول إلى هذا الإنسان الجديد , فهو يقول : "إن الموقف السياسي الذي أنتهجه يحددني إلى البدء من الادعاء القائل بأن الوحدات والمجموعات وممثلي القوى الاجتماعية الوظائف الاقتصادية المتباينة , لها وجود واقعي وإن بعض العلاقات القائمة بين البشر هي وقائع موضوعية .. ولكنني كفنان أقر بأن سلامة هذه (الحقائق) موضع شك كبير"(3) .
(1) ريموند وليامز ، المسرحية من ابسن إلى أليوت ، تر: فايز اسكندر(القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة ، 1963 ), ص287 .
(2) عبد الغفار مكاوي ، علامات على طريق المسرح التعبيري (القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1984 ) ص212 .
(3) المصدر نفسه ، ص291 .
بسكاتور والمسرح السياسي :-
لقد كان للثورة الصناعية وظهور الطبقة العاملة دورها في بروز الصراع الطبقي على ارض الواقع وانعكاسه على خشبة المسرح ، حيث ظهرت الدعوة لنقل مشاكل الطبقة العاملة والصراع الطبقي إلى المسرح , بهذا ظهرت فكرة ما يسمى (المسرح السياسي) .
وكان بسكاتور أول من أعتنق فكرة المسرح السياسي وقدمه ونظره من ناحيتين الشكل والفلسفة وهو لم يرد أن يلعب دور(الفنان) بل دور السياسي عن وعي وتسليم بالحاجة إلى التعريف بشكل واسع بالصراع الطبقي والمشاركة في قيادته . كان يريد للطبقة العاملة أن تعرف وتكافح عن وعي بالحقائق . غير أنه يمارس هذه الرسالة من خلال المسرح وهو يرى أن الجماهير في الواقع هي الروح الداخلية للإنتاج المسرحي , وبدون مشاركتها يفقد المسرح معناه ويصبح شكلاً من إشكال الترف ، انه يريد مسرحاً يعبر عن الحاجات الأساسية للجماهير واعتقد إن المسرح السياسي يجب ألا يكتفي بعرض الإحداث الفردية ، بل يتخطى ذلك إلى تحليل انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية وتقرير كافة الوقائع التاريخية المتعلقة بها (1) . لقد حاول استخدام الاكتشافات التكنولوجية الجديدة على المسرح ؟ لذلك فكر في توظيف السينما بكل إمكانياتها . وكان لاستخدامه للسينما ثلاث وظائف : التعليم، والتفسير ، والمناخ الدرامي ، فالوظيفة الأولى تتحقق بتوسيع دائرة الإحداث التي تجري على خشبة المسرح بحيث تبدو نتيجة منطقية لما كان يحدث في الماضي ، والوظيفة الثانية تتحقق باستفزاز الجماهير إلى ممارسة النقد والاتهام ، أما الوظيفة الثالثة فإنها تتحقق باعتبار إن ما يقدمه الفلم هو في الواقع بديل لما لايستطيع الممثلون تقديمه على خشبة المسرح (2) لذلك عندما نتحدث عن بسكاتور ، فإننا نكون عندئذ عند النقطة التي نتحدث فيها عن المسرح السياسي والمسرح التعليمي على حد سواء ، إن مسرحه هو مسرح التعليم والاستفزاز السياسي .
بسكاتور والمسرح السياسي :-
انشأ بسكاتور في عام 1919 ،المسرح البروليتاري (مسرح الطبقة العاملة ) ، مسرح(الدعاية ) السياسية ، على أن يقدم المسرح لجماهير الطبقة العاملة عروضاً مسرحية تحررهم علميا وثقافيا ، بما يتوازى مع قيام ألمؤسسه السياسية بالإعداد للتحرير الاجتماعي ، ولما كانت القدرة الشرائية لهذه الطبقة ضعيفة جدا ومن العبث أن تتحمل بصفة منتظمة إثمان تذاكر الدخول للمسرح البرجوازي ، فكر بسكاتور ببناء مسرح يتسع لعدد ضخم من هذه الطبقة ، تتيح تخفيض ثمن التذكرة إلى الحد الأدنى ، ولذلك قدم بسكاتور عروضه في صالة محدودة ، خصص ربع مقاعدها للطبقة العاملة بأجور زهيدة (3) .

(1) مجلة (الآداب الأجنبية) حديث لكايزر مع هرمان كازاك , ترجمة د. أحمد المحو , العدد الرابع (دمشق , نيسان 1975) ص294.
(2) هـ . ف. جارتن , المصدر السابق نفسه , ص214ــ227 .
(3) سعد أردش , المخرج في المسرح المعاصر (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب , 1979) ص195ــ197 .
أما عن هدف بسكاتور من العرض الذي يقدمه من خلال مفهومه السياسي له يقول رونالد جراي :-
" لقد كان غرض بسكاتور .. تحويل العرض المسرحي الى مظاهرة قوية لتضامن الطبقة العاملة فمنظمات البروليتاريا ، كانت تشكل أغلبية المشاهدين ، كما كان الممثلون من البروليتاريا ، وكان لابد من التحامهم جميعا معا تحقيقا لقضيتهم المشتركة " (1)
إن بسكاتور لا يتردد في استخدام أية إمكانية متاحة لخدمة العرض المسرحي ليس لتقديم ألمتعه للجمهور فحسب ، بل لدعوتهم لاتخاذ مواقف تهمهم . وقد وصف بريخت بسكاتور :
" بأنه صاحب أكثر المحاولات ثورية لإضفاء طابع تنويري على المسرح ، فبالنسبة لبسكاتور كان المسرح برلمانا ، والمتفرجون هيئة تشريعية ، ولم يكن يهدف فقط تقديم متعه تجربة جمالية لجمهوره ، بل إن يدفعه لان يتخذ موقفا عمليا من القضايا التي تهمه وتهم بلاده ، وكل الوسائل التي تؤدي لهذه الغاية وسائل مشروعة" (2) .
كان بسكاتور يستخدم آلات معقدة ، ثقيلة لدرجة حتمت دعم أرضية الخشبة بدعامات من الحديد والأسمنت ، واستخدام مشاهد السينما وشعارات مكتوبة ، وأضواء كاشفة تتوجه الى الجمهور وأصوات السيارات وطبول وآلات تهدر ، وجيوش تتحرك ، وجماهير تهتف .


















(1) المصدر نفسه , ص168.
(2) جيمس روس , إيفانز , المسرح التجريبي من ستانسلامنسكي إلى الآن , تر: فاروق عبد القادر (القاهرة : دار الفكر المعاصر للنشر والتوزيع ,1979) ص64.


Abstract

At the end of our search which was made, we would like to point out that the theater was in its infancy the art of saying appeared Kin sat at practiced by primitive man emerged which touches aesthetic and gustatory and interspersed with dancing, singing, hymns and tunes multiple had a daily need related phenomena semi-drama that spread in various places of the world .
And when he moved this art to the art stage imposed by the performing arts voice and physical taking formulated the logic of art inspired by the basis of emotional life true depending on the approaches and methods differentiated between the direction of cohabitation and direction of the display; These are all subject to the system Morning Withal body;, voice and ideas. It seemed the art of the theater occupies the site leader ship in leading society towards expressive in social structures and economic Oaattabarh simulation of reality in all its details the internal components of the life; has turned for this well in accordance with the above, the researcher suggested a number of results brought about by the research are: -
1 - The art of the theater could be a major outcome for all acts and activities, whether scientific or humanitarian Ahtwaha only.
2 - The theater and sometimes in different functions depending on the need, but he remains is in particular important, but a life.
3 - Life is a theater Bmqomadtha aesthetic, intellectual, and thus make rights and creates a relationship and how to deal with these ingredients aesthetic, intellectual, and therefore be a means of theater and cultural leadership of the people in his community and the conscience of his nation.
4 - Born on the theater community is born in his being on the basic phenomenon of popular activities ... in the search, and the coupling between theory and practice of intellectual even be a form "in line" with the content and approach gives a picture of the realities of retirement.
5 - the theater provides the recipient with information about political and social reality and historical, which helped him to inform his life and changed according to a new reality.
6 - the theater is the science of conscience and history of a sense of the human it monitors the human essence to translate to the movement and word, dance and signals and thus the receiver active "and passive" in it, and here he can monitor the reality and re-change according to the questions that stimulate his mind when he touches the contradictions and strange reality, and thus this art entrance is essential to think about the recipient and the search for truth.




....قائمة المصادر والمراجع....
المصادر :-
1. علي عقله عرسان ، سياسة في المسرح (دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب 1978)
2. هوبرت ريد ، الفن والمجتمع ، ترجمة فارس متري (بيروت: دار القلم 1975)
3. زكريا إبراهيم ، مشكلة الفن ( القاهرة : دار مصر للطباعة ، 1976 )
4. ارنست فيشر ، ضرورة الفن ، ترجمة اسعد حليم (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1971 )
5. محمد النويهي, محاضرات في طبيعة الفن ومسؤولية الفنان ( مطبعة الكمالية1958)
6. جان فينيو , سوسيولوجية المسرح , ترجمة حافظ الجمالي , جـ1(دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد , 1976)
7. أر نولد هاو زر ، الفن والمجتمع عبر التاريخ ، ترجمة فؤاد زكريا ، جـ1 (القاهرة: دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ، 1969)
8. عبد الرحمن صدقي ، المسرح في العصور الوسطى الديني والهزلي ، ( القاهرة: دار الكاتب العربي ، 1969 )
9. بيترز وندوى ، نظرية الدراما الحديثة ، ترجمة احمد حيدر (بيروت: وزارة الثقافة 1977 )
10. هـ . ف . جارتن ، الدراما الألمانية الحديثة ، ترجمة وجيه سمعان (بيروت: وزارة التعليم العالي ، 1966 )
11. ريموند وليامز ، المسرحية من ابسن إلى أليوت ، تر: فايز اسكندر(القاهرة: المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة ، 1963 )
12. عبد الغفار مكاوي ، علامات على طريق المسرح التعبيري (القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1984 )
13. سعد أردش , المخرج في المسرح المعاصر (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب , 1979)
14. جيمس روس , إيفانز , المسرح التجريبي من ستانسلافسكي إلى الآن , تر: فاروق عبد القادر (القاهرة : دار الفكر المعاصر للنشر والتوزيع ,1979)

الدوريات :-
15. مجلة (الآداب الأجنبية) حديث لكايزر مع هرمان كازاك , ترجمة د. أحمد المحو , العدد الرابع (دمشق , نيسان 1975)



#عمار_الجنابي (هاشتاغ)       Amaar_Abed_Salman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطقس والأسطورة
- مفهوم المحاكاة بين ارسطو وفلاسفة الاسلام
- ابو النؤاس والخمر
- فلسفة الالماني فيختة
- علاقة المسرح بالشعر
- ارسطو والمحاكاة
- نظرية الالهام او العبقرية (افلاطون)
- نظرية الأجناس الأدبية theory of literary genres
- عناصر البناء الدرامي
- التعبيرية (Expressionism) في الادب المسرحي
- مفهوم الزمن في الدراما
- نظرية الانعكاس في الادب والفن
- ارسطو والشعر
- التطهير (catharsis) والسايكودراما
- الشعر والاخلاق في الجمهورية الافلاطونية
- الخرافة (myth)
- العلامة والسيرورة السيميائية
- علم المثيولوجيا(الاسطورة)
- المعنى الجمالي للوجود (نيتشه)
- نظرية المثل عند افلاطون


المزيد.....




- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمار الجنابي - توظيف المسرح في حركة المجتمع وتنويره