|
3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 17 - 21:50
المحور:
مقابلات و حوارات
3 تريليونات دولار خسرتها أمريكا في العراق
حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان-15 أجراه: توفيق التميمي (القسم 15) الاتفاقية ويواصل الدكتور شعبان الحديث عن الاتفاقية الاميركية – العراقية: - ينقسم المشهد السياسي العراقي، حيث تراه بعض القوى المشاركة في السلطة بالتفاهم مع المحتل لكي ينسحب ويدعم رأيه هذا بالحصول على خطوات على هذا الطريق بما فيها الاتفاقية العراقية – الاميركية، حيث انتهى مفعولها في نهاية العام الجاري 2011 وكان حسب موادها لا بدّ من إنسحاب القوات الأميركية من العراق، لكنني أعتقد وهو ما كتبته على مدى السنوات الثلاث الماضية وما أوردته في كتابي عن المعاهدة العراقية- الأميركية، ان الاحتلال سيتحوّل من إحتلال عسكري إلى احتلال تعاقدي (تعاهدي) طبقاً لاتفاقية جديدة أو صيغة يتم الاتفاق عليها دون أن يعني ذلك سحب جميع القوات الأميركية من العراق وتصفية قواعدها العسكرية، لاسيما الخمس الأساسية منها، وهو ما صرّح به روبرت غيتز وزير الدفاع الأميركي خلال زيارته إلى العراق (أوائل نيسان/ابريل 2011) عندما خاطب الساسة العراقيين، إذا أردتم تمديد الاتفاقية (على الرغم من عدم وجود مادة خاصة بالتمديد) فعليكم الطلب من الآن، وأظن أن هذا يتفق مع رغبات الكثير من القوى، لاسيما القوى الكردية التي كانت أكثر وضوحاً عندما تحدّث باسمها من يطلب بقاء القوات الأميركية ضمانة لإستمرار وحماية العملية السياسية من التحديات الخارجية والداخلية، وأعتقد ان هذه رغبة قوى أساسية في الحكومة أيضاً، سواءً أفصحت عنها أو لم تفصح، لكنها في نهاية المطاف سوف تركب هذا المركب، وهي تنتظر أن يتم أكل الثوم بلسان الغير! وللعلم فإن اتفاقية العام 2008 لم يتم الاستفتاء عليها (في تموز /يوليو 2010) كما تم الاشتراط حينها، وهكذا مرّت حتى دون استكمال بعض الجوانب الإجرائية. أعتقد من جهة أخرى أن قوى عراقية غير قليلة، بعضها مشاركة في العملية السياسية تعلن صراحة مطالبتها "إنهاء الاحتلال" و"سحب القوات الأميركية"، مثل جماعة السيد مقتدى الصدر، ناهيكم عن جمهور واسع لقوى مشاركة في العملية السياسية وترغب في بقاء القوات المحتلة، لكن جمهورها ليس مع بقاء المحتل، بل إن هذا الجمهور يقاوم الاحتلال برفضه خلال السنوات الثمان الماضية وعلى طريقته الخاصة بالتعبير. لعل هذا الوضع المعقّد، ناهيكم عن فشل المشروع الأميركي في العراق والخسائر التي تكبّدها، البشرية والمادية، حيث بلغت نحو 4439 قتيلاً وأكثر من 26 ألف جريح، وهذه هي الأرقام الرسمية، يضاف اليها أعداد كبيرة من المتعاقدين وأفراد الشركات الأمنية مثل بلاك ووتر وغيرها ومن هم من طالبي الإقامة الدائمة (الـ Green Card) والمتقدّمين لطلب الجنسية وغيرهم من المرتزقة. كانت كلفة الولايات المتحدة لغاية العام 2008 نحو ثلاثة تريليونات دولار (حسب بعض التقديرات)، وهو الأمر الذي انعكس على اقتصادها وعمّق من أزمتها، لدرجة انهيار بنوك وشركات تأمين ومؤسسات كبرى. وإذا كانت "لعنة العراق" هذه واحدة من أسباب الأزمة، فإن المأزق السياسي والأخلاقي أكبر بكثير، لا على أوضاع الحاضر حسب، بل على أوضاع المستقبل. أعود وأقول إن الإنقسام الشيعي – السني ووجود ميليشيات وأعمال تطهير على الهوّية، فضلاً عن رؤية القوى الكردية المختلفة للوجود العسكري الأميركي، جعل مشروع المقاومة يقدّم خطوة ويؤخر أخرى، على الرغم مما حققه من إنهاك للمحتل وإجباره على التسليم بضرورة الانسحاب، لكنه هو الآخر عاش أزمة مثل الآخرين، ولكن مشروع المقاومة المدني السلمي إزداد إتّساعاً لدرجة أن الغالبية الساحقة من الفاعليات والأنشطة السياسية تحمّل الولايات المتحدة وبول بريمر الحاكم المدني الأميركي، أيار(مايو) 2003- حزيران (يونيو)2004، مسؤولية ما حصل في العراق، وحتى الذين تقدّموا بالشكر في السابق لجورج بوش على قراره باحتلال العراق وتخليصه من صدام حسين، أما بلعوا ألسنتهم أو إلتزموا الصمت أو أعادوا النظر، خصوصاً بعد التشظي الطائفي والإثني وبعد انتشار أعمال الإرهاب وإستشراء العنف، وإستفحال الفساد والرشى وغياب هيبة الدولة، لاسيما بعد حلّ الجيش. الهوية والطائفة *ما قصة بيان الشيعة ؟ ومن يقف وراءها ولماذا قلت إن هناك شيعة ريشارد دوني وشيعة الإمام علي؟ لعل الأمر يحتاج قبل ذلك الرجوع إلى الجنسية وملابساتها ومحاولة بعض القوى استثمار ذلك لاحقاً لأغراض سياسية، بتوظيف معاناة جمهور غفير لمصالح سياسية ضيقة. قلت في بداية هذا الحوار أن الدولة العراقية واجهت مشكلة "الطائفية السياسية" منذ تكوينها وذلك بتشريع قانون غريب للجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 وهو القانون الذي صدر بعد دخول معاهدة لوزان حيّز التنفيذ في 6 آب (أغسطس) العام 1924 وقد أرادت بريطانيا بسنّها هذا القانون معاقبة رجال ثورة العشرين وزرع بذرة التمييز قانونياً، وتدريجياً، وبسبب موروث سلبي تكرست هذه المشكلة التي واجهت جميع الحكومات المتعاقبة، وساهم في تقليص الهوامش الديمقراطية في زيادتها وتفاقمها. وقد عبّر الملك فيصل الأول بحكمته المعهودة في العام 1932 وبعد أكثر من أحد عشر عاماً على حكم العراق عن مرارته إزاء ضعف الهوية العراقية، وذلك بمذكرته الشهيرة التي عبّرت عن مشكلة الحكم في العراق، والتي عنون عبد الكريم الأزري كتابه باسمها دليلاً على تعاظمها. ولعل شكوى الملك من انقسام المجتمع العراقي إلى ملل ونحل وطوائف كان تعبيراً عن واقع أخذ يتفاقم بسبب غياب مبدأ المساواة وشحّ فرص الحريات ووجود تمييز " قانوني" تراكم عبر قوانين أكثر غلاظة وهو ما تمت الإشارة اليه، لاسيما بنكوص مفاهيم الوطنية، خصوصاً بضعف المرجعيات وانحسار دورها، الأمر الذي أبرز نزعات طائفية ومذهبية وإثنية مجتمعية في حين كانت المشكلة محصورة بين الحكومات ومجموع الشعب. وقد ازدادت المشكلة تعقيداً بعد عمليات التهجير، ولاسيما في الثمانينيات وعشية وخلال الحرب العراقية- الإيرانية، ولهذا أصبحت تجد علمانياً أو هكذا يعتبر نفسه يصبح داعية طائفياً أو منكفئاً قومياً كافراً بانتماء عراقي أوسع، أو عائداً إلى أصول العشيرة أو المناطقية أو المحلّة، تحت حجج وذرائع مختلفة وواهية، ولكن العنوان الأساسي هو تقديم الهوية الفرعية على الهوية العامة، بل جعلها وحدها أساساً للتعريف، وقد يكون من حق أصحاب الهوّية الفرعية، الإعلاء من هويتهم والتمسّك بخصوصيتهم وحقوقهم الكاملة، ولكن على أساس المشترك الإنساني مع بقية الهويات وفي إطار هوّية جامعة وطنية. لقد عبّر علي الوردي عالم الاجتماع العراقي منذ زمن طويل عن رفضه للطائفية ودعاتها حين وصفهم بأنهم " طائفيون بلا دين"، وذلك لكي يسلّط الضوء على إهتمام البعض بالطائفية دون أمور الدين، فهم يجادلون في أمور قضى عليها زمن طويل ليس من باب العلم أو المعرفة أو دراسة حقائق التاريخ، بل لإثارة الفرقة والاحتراب والتمزّق في المجتمع، الذي يتصرّف بكل تلقائية وتسامح وتعايش ومن دون " وعاظ السلاطين". إن هذه الظاهرة التي برزت في السنوات الاخيرة بسبب النهج الاقلّوي السلطوي، والتي غذتّها بعض النزعات الانعزالية ضيّقة الأفق وجدت طريقها في الداخل والخارج أحياناً بمبالغات شديدة. وبودي أن أشير إلى أنّ الإعلام الغربي والكثير من مراكز الأبحاث والدراسات في الغرب وبعد حرب الخليج الثانية أكثرت الحديث بهذا المنطق التقسيمي عن كردية الانتفاضة الشمالية وشيعية الانتفاضة الجنوبية، وهو ما تناغم مع التقسيم الحكومي حول الانفصالية والشعوبية وضعف الولاء الوطني وتأثيرات العامل الخارجي والاقليمي. أنا ضد الطائفية من أين أتت، سواءً من نهج تسلّطي أو رد فعل طائفي بحجة المظلومية، مهما إرتدت من لبوس أو اختفت وراء أقنعة، فالطائفية مرض خبيث ينبغي إجتثاثه من المجتمع، ليعود سليماً معافى يتساوى فيه المواطنون أمام القانون، ولا اخفيك سرّاً إذا قلت إن التمترس الطائفي هو مظهر مختلق لا علاقة له بمفاهيم الحداثة، واذا كنت أنا ضد التمييز الطائفي وسخّرت قلمي لتعريته وفضحه، فلا يعني ذلك سوى الدعوة لثقافة المساواة والتسامح واحترام حقوق الانسان ونبذ وتحريم الطائفية وتعزيز المواطنة، وهو المشروع الذي طرحته منذ سنوات وعدت وبلورته في كتابي " جدل الهويات في العراق". عندما شنّت السلطات الحاكمة حملة تهجير واسعة النطاق وكنت في دمشق وأتردّد كثيراً على بيروت قمت بصياغة أول رسالة قانونية موجهة إلى الأمم المتحدة والأمين العام كورت فالدهايم في حينها ونشطت وأشرفت على إنشاء "جمعية للمهجّرين العراقيين" وكتبت بياناتها الأولى، لكن ذلك شيء والتعكّز على الطائفية والتمترس الطائفي شيء آخر. أتذكر قبل سنوات جاءني أحد " المعمّمين"، وعلى نحو غير منتظر قال لي ينبغي أن يُسلّم الحكم إلى الأغلبية فأجبته: الأغلبية يمكنها أن تحكم عبر صندوق الاقتراع اذا توخيّنا السير في الطريق الصحيحة، مع حماية حقوق "الاقليات".. لكنه من دون أن يدرك توّغل في المنطقة المحظورة، فحرّك فيّ شجوناً وهواجس كان يعني الاقتراب منها بالنسبة لي مساساً بقيمٍ ومُثلٍ عشت معها ولها ووهبتها سنوات عمري، واختلفتُ وتصارعتُ بسببها، فأشار إلى أننا نحن " الشيعة" نمثّل الأغلبية وعلينا أن نستلم الحكم، وبعد فترة صمت وتأمل داهمني منولوجي الداخلي حين إستعرضت بسرعة فائقة تجربتي الفكرية والسياسية فقلت : كيف تجرّأ الرجل وخاطبني بما هو أقرب إلى المساس بالمقدسات عندي.. غفرت له ذلك فربما يعود الأمر لمنطقه في التفكير أولاً ولعدم معرفته (الكافية) بي ثانياً، وقلت مع نفسي "عذره جهله"!. وحسب الإمام علي " الإنسان عدوّ ما يجهل"! لكنني وددت أن أوجّه إليه ومن خلاله خطاباً واضحاً فقلت له: أنت شيعي وتتصرف من خلال شيعيتك وأنا أنحدر من عائلة شيعية، ولكن بيننا فروق كثيرة وشاسعة، فأنت امتهنت الدين وأنا وأعوذ بالله من كلمة أنا على حد تعبير الروائي الراحل شمران الياسري "أبو كاطع" من أسرة دينية عريقة، وأنت درست في النجف أو كربلاء، وأنا من النجف، أباً عن جد ولقرون موغلة في القدم على تعبير جعفر صادق محبوبة في كتابه "ماضي النجف وحاضرها"، وأنت من أصل فارسي وأنا من أصول عربية تمتد إلى قحطان في اليمن، وبرغم أنني أقدّر وأحترم الحضارة والثقافة الفارسية الاّ إنني أعتزّ بعروبتي وبانتمائي للأمة العربية، وأنت بدأت حياتك على هامش الحركة الاسلامية الشيعية وأنا عملت لسنوات طويلة في تيار يساري علماني، وأنت لا تزال تريد دولة للأكثرية على أساس طائفي، وأنا أدعو للتغيير الديمقراطي وللتسامح والحداثة واحترام حقوق الاقليات وضمان حق الاغلبية بصندوق الاقتراع لا على أساس طائفي، بل بالتعايش والتفاهم والتضامن بين جميع التكوينات وعلى أساس الاخلاص للوطن والشعب والكفاءة. وإذا كنت قد خصصت جزءًا من جهدي الفكري والثقافي للكشف عن الطائفية السياسية فليس من معيار طائفي، بل برفض الظاهرة ككل باعتبارها من الأمراض الاجتماعية التي ينبغي محاربتها والوقوف ضدها وفضح الدعاوى التي تستند اليها، ولعل هذا الحديث منشور في جريدة الزمان عندما حاورني كرم نعمة في العام 2000. بودي أن أقول: الجنسية هي نظام قانوني وليست علاقة عقدية بين الفرد والدولة تشترط توافق ارادة الطرفين، والجنسية هي غير التجنّس الذي هو عمل إرادي أو طوعي يقوم به الفرد بكامل إرادته ووعيه لاكتساب الجنسية، والجنسية، كما هو متعارف عليه دستورياً ودولياً لا تمنح طبقاً لأسس عنصرية أو عرقية أو دينية أو مذهبية، فنظرية الصفاء العرقي والإثني والصفاء الديني أو المذهبي لا تصلح أن تكون أساساً لمنح الجنسية. أنا أعرف أن الموضوع حساس ويتطلّب صبراً وشجاعة في مواجهته، ولا بدّ أن تُقال الحقائق، ولا بدّ أن تتم مجابهة الاضطهاد والتمييز الطائفي بخطاب عقلاني وموضوعي وغير منفّر أو مستفز، وينبغي تعبئة جميع الطاقات ضد الإستلاب الطائفي وضد خطر الطائفية الآن وفي المستقبل. للأسف أنني ألاحظ إن هناك نكوصاً في مواجهة الظاهرة في الداخل والخارج، فربما بسبب الاضطهاد المزمن الطويل الأمد والحرمانات والعذابات والتهجير والمنافي، لكن ذلك يرمى على كاهل النخبة والمثقفين عبئاً مضاعفاً وليس مخفّفاً فعليهم أن يلعبوا دورهم التنويري لدفع جمهور المنافي لإستلهام المثل والقيم الأصيلة للحركة الوطنية وإستثمار مناسبة استشهاد الامام الحسين كرمز للشجاعة والدفاع عن المبادئ وتأصيل وترسيخ الاهداف التي دفع حياته في سبيلها، ولتجاوز الطائفية السياسية. ويمكن أن يلعب رجال الدين والمراجع دوراً مهماً في هذا المضمار لإستخلاص الدروس والعبر وتوعية جمهور العامة وتوجيههم صوب الوحدة والائتلاف والشراكة في الوطن الواحد وبعيداً عن عوامل الفرقة والاحتراب، بدلاً من تشجيع التمترسات الطائفية أو الشحن الطائفي لأغراض سياسية قصيرة النظر، فسرعان ما ستتحول هذه إلى ردود فعل كبيرة، سيدفع المجتمع العراقي كلّه ثمنها بما فيهم من يشجع عليها ويستفيد منها. الجنسية والتجنّس واذا عُدنا إلى القوانين العراقية فنراها تنفرد عن غيرها من القوانين في موضع الجنسية فهي تشترط على المواطن ليس إكتساب الجنسية وحسب، بل شهادة الجنسية العراقية، وحسب معلوماتي فانه لا يوجد قانون في العالم يتطلّب الحصول على شهادة للجنسية بعد الجنسية. ان وضع مرحلتين: مرحلة الجنسية ومرحلة شهادة الجنسية، استهدف وفقاً للسياسة البريطانية عند احتلال العراق وعقاباً على ثورة العشرين، تجزئة المواطنين العراقيين وبشكل خاص إحداث صدع بين المسلمين. وعلى الرغم من إلغاء بعض القرارات ذات المسحة الطائفية مثل قرار مجلس قيادة الثورة رقم 666 الصادر في 7 أيار (مايو) 1980 بخصوص عملية التهجير، فإن موضوع شهادة الجنسية لا يزال قائماً، الأمر الذي يحتاج إلى دراسة وإعادة نظر والاطلاع على أنظمة الجنسية في العالم للاستفادة منها ولا أظن أن وجود مرتبتين للجنسية أمر مقبول، إذ لا يكفي أن يولد الإنسان في العراق أو من أب أو أم عراقية ليصبح عراقياً. وقد عالجت ذلك في كتابي "عاصفة على بلاد الشمس"، الصادر في بيروت عام 1994 وقد استكملت دراسة قوانين الجنسية العراقية وعلاقتها بالهوية والمواطنة بكتاب صدر العام 2009 عن الدار العربية للعلوم، بعنوان "جدل الهويات في العراق: المواطنة والدولة". يمكنني القول أن هناك معايير يتم منح الجنسية بموجبها، مثلما هناك ضوابط، وهي بتقديري تقوم على مبدأين هما: 1- مبدأ البنوّة أي الولادة، أو ما يسمى رابطة الدم، وهو ما أخذ به قانون الجنسية العراقية لعام 1924، فمن كان أبوه عراقياً(عثمانياً) فهو عراقي طبقا لهذه الرابطة ويحمل فئة "أ"، ومن لم تكن أصوله "عثمانية" فإنه يصنّف بالفئة "ب" وللاسف فان تطبيقات هذا القانون فضلاً عن موضوع شهادة الجنسية المؤقتة وقضية التبعية والفئة "ب" شكلت عائقاً أمام العدالة في منح الجنسية العراقية.
2- مبدأ الإقليم أي الدولة التي يولد فيها المولود بغض النظر عن جنسية الأب، وتمنح عدداً من القوانين الأوروبية الجنسية للمولود الجديد الذي يولد على الارض (الاقليم) وضمن سيادة الدولة بحدودها الجغرافية بما فيها الطائرة، الباخرة، القطار..الخ الذي تكون عائديتها إلى الدولة المعنية. ويخصّ هذا الأمر الجنسية الأصلية، أما الجنسية المكتسبة فيمكن الحصول عليها أما بالولادة أو بالاستقرار لمدة طويلة ومتّصلة حسب قانون كل بلد وعلى أسس تقديم طلب للسلطات المسؤولية وموافقة الاخيرة عليه. واذا عدنا إلى حقيقة أوضاع المهجرين.. فقد برّرت السلطات العراقية عملية تهجيرهم، بالاستناد إلى الأصول العرقية وإلى الولاء السياسي، فاكتشفت إن أصول البعض ليست عربية حتى وإن كان الامر يمتد إلى 200 أو 300 سنة، كما حصل مع عائلتي الجواهري والخليلي وغيرهما، من تلك الأسر التي قدّمت خدمات جليلة للعربية، يكفي الأمّة ان ينتمي اليها شاعراً عملاقاً كالجواهري، أضاف إلى العمارة العربية التي بناها وقوامها: عشرون الف بيت من الشعر على مدى ثمانية عقود تقريبا، فجامع الجواهري الذي مضى على تأسيسه نحو 200 عام ومدرسة الخليلي في النجف، خرّجت مئات وربما الآلاف من الطلبة الدارسين على مدى عقود من الزمان، وهما أحد شواخص النجف المدينة العربية العريقة حيث مرقد الامام علي. إن ربط الولاء السياسي بالحكومة وليس بالوطن، اضافة إلى نبش الاصول العرقية، أثار إستفزاز المشاعر الوطنية وخدش التسامح الديني والمذهبي والتعايش بين التكوينات، خصوصاً وإن الحملة كانت شاملة واستهدفت جزءًا مهماً من عرب العراق في الوسط والجنوب، مما أضفى عليها بُعداً خطيراً ليس على أوضاع الحاضر بل على أوضاع المستقبل. ومقابل اللاابالية والانفلات والعنف بدأ ينتشر وبخاصة في الخارج ولدى بعض الفئات الدنيا الشعور بالانعزال أو التمايز جرّاء رد الفعل و"المظلومية". وغذّت بعض القوى الخارجية الاقليمية والدولية مثل هذا الشعور لأغراضها ولمصالحها الخاصة للامعان في تمزيق المجتمع العراقي وانهاكه، وهو الوجه الآخر لنهج الحصار الدولي الجائر وسياسة النظام السابق وممارساته الطائفية المشحونة بالعداوة والبغضاء، خصوصاً التي امتازت بها فترة الحرب العراقية- الإيرانية. إن الغالبية الساحقة من المهجّرين العراقيين، لم يكونوا موالين للسلطات الحاكمة لكنهم: "عراقيون أباً عن جد ولدوا في العراق وعاشوا فيه ولم يعرفوا وطناً سواه"، وقسمٌ منهم دخل سلك العسكرية أو أدّى الخدمة الالزامية ودافع عن الوطن أو استشهد آباؤهم أو أولادهم أو أخوانهم، كما قدّم قسم منهم أعمالاً جليلة لتقدم العراق وازدهاره. ولا أعتقد أنه في العالم المعاصر اليوم من يبحث في الأصول العرقية أو الإثنية لإضطهاد العنصر الآخر أو لتكوين شعب صاف من عنصر نقي، خصوصا وان النظريات الانثربولوجية قد أكّدت عدم علمية هذه الانتقائية وعدم جدواها. وللأسف الشديد لم تميّز الحكومات العراقية وخصوصاً غلاتها من المتعصبين بين الدولة والسلطة أو الحكومة، فتصرّفت وكأنها هي الدولة وليست سلطة مرحلية، فتماهت مع الدولة، بل اعتبرت نفسها بديلاً عنها، في حين أن السلطة زائلة أو متغيّرة والدولة باقية ولها صفة الدوام (نسبياً) كما تصرّف بعض المعارضين من المنطلق نفسه حين جعلوا خصومتهم مع الدولة وليس مع السلطة، بل إن بعض توجهاتهم اتخذت موقف العداء من الدولة وليس من السلطة حسب، ولعل المثال على ذلك كان بيان حقوق الشيعة، كان طائفية بالمقلوب لبعض التصرفات الطائفية التي انتهجتها الحكومة العراقية، سواءً بالتهجير أو اسقاط الجنسية أو لبعض جوانب التمييز، والأخطر من ذلك حين استعان البعض بالقوى الخارجية، التي أوحت له بمثل هذا التحرك طمعاً في الحصول على مواقع وامتيازات لاحقاً، وكان ريشارد دوني (منسّق المعارضة) وراء مثل هذا التوجّه بعد قانون تحرير العراق الذي صدر عن الكونغرس الاميركي العام 1998، فإذا كان البعض ينتسب في شيعيته للإمام علي للمثل والقيم التي دعا اليها واستشهد من أجلها، فإن بيان شيعة ريشارد دوني سرعان ما اختفى بعد أن استنفد أغراضه باحتلال العراق، ولعل هذا الكلام قلت في حينها وهو أمرٌ يستحق التأمل والتفكّر ليس بأوضاع الماضي فحسب، بل بأوضاع الحاضر واستشرافاً بأوضاع المستقبل. إن تركيبة الشعب العراقي وإن كانت بأغلبيتها الساحقة من العرب، غير أنها تتكون من خليط وفسيفساء بشرية تعكس التنوع والتفاعل الحضاري، واذا كانت غالبية سكان الجنوب والوسط والغرب والشمال الغربي من عرب العراق، فان أغلب سكان كردستان هم من الأكراد إضافة إلى التركمان والاشوريين وأقليات اخرى، وليس ذلك مدعاة للنقص أو العيب بقدر ما هو مصدر تكامل وقوة تعددية ووحدة في الآن، فمع الاختلاف هناك عناصر جذب واستقطاب في اطار الوحدة.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تقديم للنظرية على حساب الوقائع الموضوعية
-
الشيوعيون والوحدة العربية
-
الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية وا
...
-
الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
-
الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
-
معارضة الحصار
-
في بشتاشان
-
كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص
-
كلمة الدكتور شعبان في تكريم الاستاذ عزالدين الأصبحي
-
الأكراد في النجف
-
الحركة الطلابية
-
من هو العراقي؟
-
الحركة الوطنية بقضّها وقضيضها لم تكن ناضجة
-
ماذا بعد الربيع العربي!
-
قراءتنا للماركسية كانت أقرب إلى -المحفوظات-
-
المساءلة: عدالة أم انتقام؟
-
الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية (
...
-
حلبجة: العين والمخرز! - شهادة عربية حول حلبجة والأنفال
-
“إسرائيل” . . من حل الصراع إلى إدارته
-
البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية
...
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|