|
دراسة - من الاستبداد الديكتاتوري الى الاستبداد الديمقراطي
حيدر نواف المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 3701 - 2012 / 4 / 17 - 02:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
* لحظة ولادة الاستبداد في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد يقول عبد الرحمن الكواكبي : ( المستبد في لحظة جلوسه على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كان إنساناً فصار إلهاً ) 1 اذن لحظة جلوس الشخص على كرسي الحكم هي لحظة انقلاب كبير في كل الخصائص الجسدية والنفسية والفكرية له ، وايا كان طريق او وسيلة وصول هذا الشخص الى الحكم ، عن طريق وراثة او انتخاب ، وايا كان شكل الحكم جمهوريا او ملكيا او هجينا من الاثنين . وفي هذه اللحظة يبدأ الحاكم بالتفكير جديا بأمرين : اولا : ان بمد سلطته وسطوته ونفوذه وحكمه على كل شيء . ثانيا : بإحاطة نفسه بحاشية موالية مطيعة تابعة لا تملك خيار إلا الطاعة العمياء والتسبيح للحاكم ، وتحقيق كل رغباته وان كانت تكاد تكون مستحيلة ، ويشير الكواكبي الى ذلك المعنى فيقول : (الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها من المستبد الأعظم إلى الشرطي، إلى الفرّاش، إلى كنّاس الشوارع، ولا يكون كل صنف إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبد ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وخفته، فكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيادة جيش الممجدين العاملين له المحافظين عليه، واحتاج إلى مزيد الدقة في اتخاذهم من أسافل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة, وهي أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أعلاهم وظيفةً وقرباً، ولهذا لا بد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة)2. وفي سبيل اضفاء الشرعية والقدسية على فساد وانحراف السلطة المستبدة وتبرير كل سياساتها الجائرة وطغيانها يلجا البعض ممن يعرفون بوعاظ السلاطين الى نشر وبث اوهام المباركة السماوية للسلطان المستبد وسلطته الظالمة فيقول الكواكبي : ) تواسي فئة من أولئك المتعاظمين باسم الدين الأمة فتقول : يا بؤساء: هذا قضاء من السماء لا مرد له، فالواجب تلقيه بالصبر والرضاء والالتجاء إلى الدعاء، فاربطوا ألسنتكم عن اللغو والفضول، واربطوا قلوبكم بأهل السكينة والخمول، وإياكم والتدبير فإن الله غيور، وليكن وردكم: اللهم انصر سلطاننا، وآمنّا في أوطاننا، واكشف عنّا البلاء، أنت حسبنا ونعم الوكيل)3 وقد يتمادون هؤلاء المتملقين فيحاولون ان يصوروا للناس انه بفضل السلطان وحكومته لازال الدين او المذهب قائما وصامدا بوجه اعدائه والمتآمرين وسيبقى كذلك مابقي السلطان حاكما . وقد وصف الدكتور علي الوردي هؤلاء المتملقين من وعاظ السلاطين في كتابه الذي يحمل نفس الاسم فقال عنهم : ( إن مشكلة الوعاظ عندنا أنهم يأخذون جانب الحاكم ويحاربون المحكوم. فنجدهم يعترفون بنقائص الطبيعة البشرية حين يستعرضون أعمال الحكام، فإذا ظلم الحاكم رعيته أو ألقى بها في مهاوي السوء، قالوا: إنه إجتهد فأخطأ، وكل إنسان يخطئ، والعصمة لله وحده. أما حين يستعرضون أعمال المحكومين، فتراهم يرعدون ويزمجرون وينذرونهم بعقاب الله الذي لا مرد له، وينسبون إليهم كل بلاء ينزل بهم)4. * القبول بالاستعباد اصل الاستبداد دأبت السلطات الحاكمة الى استخدام المقدس مسوغا لممارسة سياساتها المستبدة والمنافية اغلب الاحيان للأخلاق والقوانين والدستور ان كان ثمة دستور وقوانين . ان سياسة تقديس الحكام ليست بالغريبة على هذه المناطق من العالم.( فوفقا لآراء ارسطو فان تقاليد عبادة الحاكم وجدت اصلاً في الشرق، وكان يعتقد جازماً ان عدوى عبادة الحاكم انتقلت من الشرق الى اليونان عن طريق الغزوات التي قام بها قادة اليونان في البلدان الشرقية ومن ثم تأثروا بما شاهدوه هناك من عادة تقديس الملوك حد العبادة .ولهذا كان ارسطو يعتبر ان مثل هذه الحالة اعتيادية بالنسبة للشرقيين وحالة مَرَضية بالنسبة لليونانيين. ويشير ارسطو الى ان الاسكندر المقدوني اثناء غزوه لبلاد فارس لاحظ ان الناس هناك تسجد لملكها وان الملك يتمتع بمزايا خاصة تخوّله حق انهاء حياة رعاياه في اي وقت يشاء حتى لو لم يكن هناك من سبب غير الاهواء الشخصية كأن يريد الملك ان يُدرّب خليفته على الرماية فيوجه سهامه نحو احد المواطنين ليصطاده. فاستغرب الاسكندر من ذلك الوضع وعندما استفسر عن السبب، فقيل له ان الملك في الشرق هو بمثابة إله او وكيل للآلهة في الارض، فأُعجِب الاسكندر بهذه الفكرة ولما عاد من بلاد فارس طلب من اليونانيين السجود له)5. وقد حاول الملوك والأمراء فى اوروبا ان ينتزعوا السلطة من الكنيسة فابتدعوا (نظرية العناية الالهية) او (نظرية الملكية المقدسة) التى تنكر احتكار البابا للسلطة نيابة عن الله فى الارض وجاء في هذه النظرية ايضا ان ارادة الله وجهت عقول الناس وإرادتهم بطريقة غير مباشرة لتصبح السلطة بيد واحد منهم او من الحكام فما دام الملك ملكا فلا يحق لأحد من البشر ان يقيد سلطته لان هذا فيه تحد لسلطة الله. وظل الصراع بين السلطتين مستمرا حتى جاءت الثورة الفرنسية العام 1789 وأصدرت قانونا عُرف باسم الدستور المدني لرجال الدين يحرِّم عليهم النشاط السياسي والزمهم ان يقسموا يمين الولاء لهذا الدستور وان يكون تولّي المناصب الدينية بالانتخاب. وجاء الفيلسوف الفرنسى روسو فنحى بهذه النظرية نحواً جديدا فقال ان تنازل الافراد للحاكم ليس تنازلا نهائياً انما هو تنازل مشروط بأن يكون الحكم لصالحهم. ولكن لايزال أقصى وأوضح صور التقديس للزعامة فى عالم اليوم يمكن رصدها وملاحظتها واضحة جلية في بعض دول العالم الثالث، وخاصة في بعض دول الشرق التى مازالت معايير العلاقة فيها بين الحاكم والمحكوم تشابه الى حد كبير علاقة البراهمة بالشودر في الديانة الهندوسية . ذلك ان اؤلئك القادة المؤلهين كان من الممكن ان يحققوا اعظم الانجازات لولا المؤامرات والدسائس الاجنبية! ولم يستطع بعض مواطني تلك الدول من التخلص واقعياً من ظل ذلك الإرث التاريخي الذى يحملونه على كاهلهم ان بعض الشعوب هي التي بادرت الى ان تكون علاقتها بالحاكم والسلطة على اساس من التبعية والغاء الحرية والحقوق والوعي واوكلت كل شؤونها الحياتية وارادتها وخياراتها الى الحاكم والسلطة ، وكأن الحاكم هو بشر من نوع خاص ( كالسوبرمان او الباتمان او السبايدرمان ) و يمتلك القدرات الخارقة والقوى العقلية والفكرية التي لا يملكها أي شخص اخر ، ومهما كانت درجة هذا الحاكم متواضعة في العقل والفهم والوعي والثقافة. وبذاك فان هذه الشعوب تحاكي في بناء علاقتها بالحاكم والسلطة طبقة المنبوذين الهندية ( شودرا ـ (Syudra : ، وهم أصحاب المهن الحقيرة، مثل: الكنس والنظافة ، وغسل الملابس ، وتنظيف الجلود، لأنهم من الجنس الأسود ، وخلقوا من رجله. وعلى هذه الأسس التي وضعتها الشريعة الهندوكية قامت الحياة الاجتماعية للهندوس.. وظلت كذلك عبر القرون تزداد كل يوم شدة وتمكيناً وخاصة طبقة الشودرا " المنبوذين " الذين هم أشد إيماناً بذلتهم من غيرهم فهم لا يسكنون مع بقية الأهالي ، ولكنهم يتخذون لهم مساكن في أطراف البلد في غاية الحقارة والضعة. 6 روى لي احد الاصدقاء المقيمين في امريكا منذ اكثر من عقدين انه في احدى المرات دار بينه وبين احد اصدقائه الامريكان حديث ابدى فيه احتجاجه وامتعاضه من امريكا والدول الغربية واستعمارها للعرب فاجابه الامريكي : ( نحن لم نستعمر او نستعبد احدا ولكننا وجدنا شعوبا تقبل بالاستعمار والاستعباد ففعلنا ، والدليل انه ومنذ خروجنا من بلدانكم فان هذه الشعوب لازالت تذعن لاستعمار اسوأ وهو استعمار الانظمة الاستبدادية المحلية التي تحتل شعوبها منذ عقود وتريد توريث الحكم لأبناء الحكام من بعدهم ). يشير عبد الرحمن الكواكبي الى صفات الحاكم المستبد فيقول : 1. المُستبد هو الذي يتحكّم في شئون الناس بإرادته لا إرادتهم, ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم, ويعلم من نفسه أنَّه الغاصب المُعتدي, فيضع كعب رجله في أفواه الملايين من الناس, يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته. 2. المُستبد يريد أن تكون رعيّته كالغنم درُّا وطاعة, وكالكلاب تذلّلاً وتملّقًا. 3. المُستبد إنسانٌ مُستعد بطبعه للشر وبالإلجاء للخير؛ فالمُستبد يتجاوز الحد ما لم يرَ حاجزًا من حديد, فلو رأى الظالم علي جانب المظلوم سيفًا لما أقدم على الظلم.7 وباستخدام المستبد لأدوات ووسائل القمع والإرهاب للناس وتكميم الافواه وتصفية المناوئين واغتصاب وسلب ونهب الحقوق والحريات قد ينجح لزمن ما في تدجين شعبه وإخضاعه واستعباده ، وقد تنجح وسائل الاستبداد وممارساته الى ايصال الناس الى القبول بالاستعباد وحقيقة فان هناك من لديه الاستعداد للقبول بالاستعباد والانصياع للمستبد ويمكن تعريف القابلية على القبول بالاستعباد بأنها : استعداد الإنسان لأنْ يتقبّل وجود المستبد, وأنْ يتقبّل إهدار قيمته الشخصيَّة, والذل المفروض عليه, بل وتتجاوزه لتصل في بعض الحالات إلى ما يُسمَّى بـ(متلازمة ستوكهولم)8، وهي التعاطف مع المستبد, ناهيك عن الاشتياق لممارسة نفس الاستبداد الذي يُمارس عليه على كل من هو دونه, دون أن يجد غضاضة في نفسه. * الاستبداد الديمقراطي بدلا من الاستبداد الديكتاتوري كان الحاكم حين يرث الملك فانه يرث معه البلاد والعباد وكل ما على سطح الارض وكل ما في باطنها ، ولم تكن الشعوب تجد غضاضة في هذه الوراثة ولا في هذا الاستعباد على اساس ان الحاكم يرث حقا مشروعا له ورثه عن ابائه وأجداده هذا من جهة . ومن جهة اخرى فان هذه الشعوب كانت تفضل العيش والاستعباد في ظل حاكم معروف لها او انها ادمنت حكم هؤلاء الحكام الذين خبرتهم وخبرت حكم ابائهم وأجدادهم على القبول بحكم حاكم جديد مجهول بالنسبة لها ! ومع تصاعد طغيان وقهر هذه الانماط من الحكم وتماديها وإسرافها في الفساد والظلم ، وبرغم استسلام الشعوب لها لفترات طويلة يبدو ان هذه الشعوب بدأت بالتململ وخصوصا بعد الدخول في عصر التحولات السياسية وانتشار الديمقراطية الامر الذي ادى تذمر الشعوب من حكم الملوك والحكماء والزعماء الطغاة وسخطها على الانظمة والحكومات الفاسدة والمستبدة ، ورفضها وسخريتها من فكرة الحاكم الالهي ، اعلنت ثوراتها على معظم هذه الاشكال من الحكم والحكام وأسقطت الكثير من الانظمة الاستبدادية والشمولية ، التي اغرقت بلدانها وشعوبها بحالات من الفقر والقهر والقمع والأمراض والتخلف والجهل وسلب الحقوق والحريات . ولكن وبرغم ذلك فان شهوة الانسان للحكم والسلطة والظلم لم تتراجع او تتوقف ، وبدا المتطلعين الى السلطة والحكم والملك الى ايجاد وسائل اخرى اكثر دهاء ومكرا وأكثر شرعية وقبولا وإقناعا في سبيل عودتهم ووصولهم الى السلطة .
فكان ان لجاوا الى الديمقراطية وتطبيقاتها ووسائلها ، وكما هو مع مختلف النظريات الكونية الالهية منها او الوضعية والتي عرفها الانسان منذ خلق ، فإنها تكون دائما مثالية ورائعة وتحمل الخلاص والحل لكل مشاكل ومأسي البشرية مادامت حبرا على ورق ، ولكنها عندما تصل الى طور التطبيق تلاقي فشلا ذريعا وتطبيقات منحرفة وشوهاء ، وقد لايكون العيب ذاتيا في اغلبها ، ولكن العيب في تطبيقاتها وفي القائمين عليها وعلى تطبيقها ، والذين بالتأكيد تتحكم فيهم شهواتهم ورغباتهم ونزواتهم وأطماعهم ومصالحهم وأنانياتهم الفاسدة والدنيئة . ومن هنا فات التطبيقات الديمقراطية تحولت وانحرفت تماما عما كان يحلم به الانسان من خلاص من الانظمة المستبدة والحكام الطغاة ، لتأتي هذه الديمقراطيات بأنظمة وحكام جدد اكثر سوءا وفسادا وظلما حتى من اؤلئك الحكام الذين حكموا عقودا طويلة بالوراثة او احتكار السلطة والحكم بالقوة والنار والحديد . ان المعنى والتعريف المتداول في كل العالم للديمقراطية هو حكم الشعب لنفسه ، وهو ما لم يحدث مطلقا ولن يحدث لان الذين جاؤا الى الحكم بالوسائل الديمقراطية سرعان ما تحولوا الى ديكتاتوريين مستبدين جدد . حتى بدأت بعض الشعوب ولاسيما في العالم العربي وفي الشرق والعالم الثالث تتذمر كثيرا من هذه الديمقراطية وبدء البعض يفضل ديكتاتورية عادلة على ديمقراطية فاسدة او منحرفة وشوهاء . ان الديمقراطيةالأمريكي،ين ما تعنيه هي انها شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة ، وهذا يعني ان هناك اقلية تهدر حقوقها وحرياتها ، وهو ما دعت اليه الليبرالية التي تؤكد على حماية حقوق الأفراد والأقليات. * مالذي افسد الديمقراطية لعل احد اهم اسباب فساد الديمقراطية وانحرافها عن مفهومها الصحيح و انحراف مبادئها وقيمها وأهدافها التي جاءت من اجلها ، هو وصل قوى وأحزاب الى السلطة واستئثارها بالمال والقوة وكل ادوات ومقومات احتكار السلطة وجعل الديمقراطية وسيلة وأداة للبقاء بالسلطة اطول وقت ممكن ، لتوهم الاخرين بأنها حكومات شرعية جاءت بالوسائل الديمقراطية . أن شيوع مصطلح المال السياسي يعود إلى مرحلة انتشار الديمقراطية الحديثة في مفاهيمها وفي تطبيقاتها في النظم السياسية التي اعتمدت تطبيقاتها منذ القرن الثامن عشر حيث أصبحت الوسيلة المتعارف عليها للوصول إلى السلطة التنفيذية وكذلك التشريعية في الدول الديمقراطية. وقد أثار دور المال السياسي في تكتلات الحياة العامة وتجمع قواها موجة نقد لاذعة , فقد دان (جان- بول مارا في القرن الثامن عشر )9 أساليب الرشوة ودور المال السياسي على نزاهة ممثلي الشعب (والحديث عن الديمقراطية البريطانية ) , واعترف بأنه في معظم الأحيان فإنها ليست كفاءتهم (أي النواب ) , ولا فضائلهم هي التي تفتح لهم أبواب البرلمان بل أموالهم ... ولا تستطيع الأمة حتى أن تشتكي طالما أن الناخبين يبيعون أصواتهم لقد اشتريتكم , بإمكان النائب أن يقول لموكليه ( يقصد الذين باعوا أصواتهم ) ثقوا أنني سأبيعكم بدوري .10 ومن هنا ظهر ما يسمى ب (الكلِبتوقراطية – حكم اللصوص( هو مصطلح يعني نظام (حكم) اللصوص. وهو نمط الحكومة الذي يراكم الثروة الشخصية والسلطة السياسية للمسؤولين الحكوميين والقلة الحاكمة 11، الذين يكونون الكربتوقراط، وذلك على حساب الجماعة، وأحياناً دون حتى ادعاءات السعي إلى خدمتهم. وقد تظهر (الكليبتوقراطية – حكم اللصوص) في بعض النظم الديمقراطية التي انزلقت إلى ( الأوليجاركية ـ حكم القلة) :والتي تعني تركز السلطة السياسية بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية 12. ويستخدم هذا المصطلح في العصر الحديث لوصف الحكومات التي تعتمد على نفوذ أجنبي، أو التي ليس لها رصيد جماهيري بحيث تعتمد على دوائر التأثير في السلطة مثل رجال المال أو الصناعة. * احزاب منتخبة حاكمة مدى الحياة في اكثر النظم السياسية ديمقراطية في العالم يرى البعض انه لا توجد فرصة حقيقية لبروز اتجاهات حزبية ثالثة على الساحة السياسة الامريكية ولا في السلطة لا الان و لا في المستقل القريب ، لعدة اسباب أهمها: - نظام الانتخاب الأمريكي ، بما في ذلك قوانين الانتخابات ، وطرق إدارة الحملات الانتخابية ، والعادات الاجتماعية . - بروز جماعات الضغط وجماعات المصالح والأموال واللوبيات بشكل كبير في حساب دور الحزبين ، حتى أن هؤلاء هم أكثر تأثيراً على مشرعي الكونجرس من الحزبين الكبيرين . وواقع الأمر أن أهم الوظائف الحزبية المفترض أن يقوم بها الجمهوريين والديمقراطيين تقوم بها تلك الجماعات ، بروز جماعات الضغط وجماعات المصالح والأموال واللوبيات بشكل كبير في حساب دور الحزبين ، حتى أن هؤلاء هم أكثر تأثيراً على مشرعي الكونجرس من الحزبين الكبيرين . وواقع الأمر أن أهم الوظائف الحزبية المفترض أن يقوم بها الجمهوريين والديمقراطيين تقوم بها تلك الجماعات. ان الحزب الديمقراطي، وهو أحد الحزبين السياسيين، الرئيسين في أمريكا (تعود أصول الحزب إلى ما كان يسمى بالحزب الجمهوري-الديمقراطي، الذي تأسس عام 1792 على يد توماس جيفرسون وجيمس ماديسون وغيرهم من معارضي النزعة "الفيدرالية" في السياسة الأمريكية، ثم تشكّل باسمه الحالي تحت قيادة الرئيس آندرو جاكسون، الذي ناصر مبادئ جيفرسون عند انقسام أعضاء الحزب في عهده ، وتولى الحزب السلطة بين الاعوام 1829 – 2009 حيث تولى الرئاسة جفرسون للأعوام (1829-1838 ) وأخر رؤساء الحزب هو (باراك أوباما 2009 ) الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية). 13 اما الحزب الجمهوري فقد تأسس في 20 فبراير/شباط 1854 من طرف بعض المنشقين الشماليين عن الحزبين اليميني (الويغ) والديمقراطي. فاز الحزب الجمهوري منذ تأسيسه بتسعة عشر فوزا رئاسيا وأول رئيس جمهوري هو أبراهام لنكولن ، 1861 إلى 1865. والرئيس الأميركي جورج بوش الابن الرئيس الجمهوري التاسع عشر . من 2001 إلى 2009). 14 اما في بريطانيا فان حزبي المحافظين والعمال يستأثران بالسلطة منذ اواسط القرن الثامن عشر ، ( فقد تأسس حزب المحافظين هو حزب بريطاني ينتمي ليمين الوسط، نشأ الحزب رسمياً بعد سن قانون الإصلاح السياسي عام 1832 ليحل محل الحزب الثوري والذي كان منذ إنشائه في القرن السابع عشر حزبا مؤيدا للملك وتولى الحزب رئاسة الوزراء في بريطانيا للأعوام بين ( 1834 حتى الوقت الحالي ) حيث كان اول رئيس هو السير روبرت بيل :( 1834- 1846) وآخرهم ديفيد كاميرون 2010 ).15 اما حزب العمال حزب العمال البريطاني (هو حزب سياسي يحسب على يسار الوسط في بريطانيا. يرجع تاريخه إلى عام 1900 حين تكونت لجنة لتمثيل العمال في البرلمان أصبح الحزب منذ عام 1924 ثاني أكبر الاحزاب في بريطانيا تولى الحزب رئاسة الحكومة في بريطانيا للأعوام بين ( 1924 – حتى عام 2010 ) حيث كان اول الرؤساء العمال هو (رامزي ماكدونالد 1924 ) وآخرهم هو( جوردن براون 2010- 2007( 16 والشيء ذاته في بلدان ديمقراطية اخرى مثل المانيا وفرنسا ، حيث ان هذه الاحزاب تحولت الى ديكتاتوريات ديمقراطية تستولي على السلطة لعقود وقرون بسبب امتلاكها المال والقوة والاقتصاد مما يمكنها من الانفراد بالحكم واقصاء الاخرين الذين لا يملكون القوة او مقومات الوصول الى السلطة بسبب افتقارهم وفقرهم ماديا وسلطويا . ان نسب المشاركة في كل الانتخابات في اكثر البلدان ديمقراطية مثل امريكا واغلب الدول الاوربية قد لا تتجاوز نسبة ال 60% ، مما يعني ان هناك 40% من الناس لم يمثلوا وبقوا مغيبين ولا صوت لهم . من هنا لا يمكننا التصور ان اكثر البلدان ديمقراطية في العالم ولايتنافس او يتداول السلطة فيها ومنذ قرنين سوى حزبين فقط ، ان ذلك مؤشر لاشك على وجود خلل ما في الموضوع ؟ * وماذا بعد الربيع لاشك ان احد اول اسباب قيام ثورات الربيع العربي واسقط النظام الحاكمة في بعض البلدان العربية هو بسبب فساد وفشل هذه الانظمة ( سياسيا واقتصاديا ) ، فعلى المستوى السياسي مارست هذه الانظمة جميع اشكال الفساد السياسي من ( استثار مطلق وشامل بالسلطة وتوريث الحكم والغاء الحريات السياسية وسلب حقوق الافراد والأحزاب في ممارسة أي نشاط سياسي معارض للسلطة وتزوير الانتخابات وقمع أي تحرك مضاد للسلطة ومنع حرية الرأي والتعبير) اما اقتصاديا فقد مارست هذه السلطات جميع انواع الفساد من ( نهب الاموال والثروات وسرقة المال العام واستغلاله وإهداره على ملذات ومنافع السلطة ورجالها وأعوانها وإتباع سياسات اقتصادية مدمرة تقوم على الاستيراد والاعتماد الكلي على الخارج ، اضافة الى تفشي الرشوة والفساد المالي ، في مقابل حرمان وفقر مدقع يعم اغلب طبقات الشعب وتدني في مستويات المعيشة والأجور ونقص في الخدمات من صحية وتعليمية وتوفير الدواء والغذاء وخدمات الماء والكهرباء )، اما اجتماعيا فقد حاولت هذه الانظمة ( تخريب البنية الاجتماعية والأواصر بيت فئات الشعب عن ومكوناته ونشر الفساد والرذيلة والمخدرات وتخريب الوعي والثقافة والفكر ومحاربة العلماء والكفاءات وذوي الخبرات ، وإغراق المجتمع في بحر من التخلف والجهل والظلام ) هذه الاسباب وغيرها كانت الشرارة التي اشعلت نار الثورات التي التهمت العروش والأنظمة الفاسدة والخاوية والمتهرئة ، ليعقب هذه الثورات مجيء انظمة لايبدو انها مثلت هذه الثورات والثوار بشكل منصف وواقعي ويرضي تطلعات الشعوب الثائرة ، بل ان بعض هذه الانظمة تسللت على غفلة وتسلقت على اكتاف الثوار وتربعت على الكراسي وبعضها ممن كان له مواقف مؤيدة للأنظمة الساقطة ومقرب اليها ومستفيد منها . مما تقدم يتعاظم امامنا سؤال كبير جدا ، وهو هل اننا مقبلون على حياة سياسية جديدة مفعمة بالحرية والتحرر والديمقراطية ، وهو ما بشرت به الثورات العربية الاخيرة التي اسقطت الانظمة الديكتاتورية والشمولية التي جثمت لعقود على صدور شعوبها ؟ ام ان الامر لايعدو سوى تحولا شكليا مؤقتا مع بقاء المضمون كما هو، ان اشد المخاوف هو تحول القوى التي جاءت بعد الثورات وبفضل تضحيات ودماء الثوار ، تحولها الى انظمة حكم اللصوص. الذي يراكم الثروة الشخصية والسلطة السياسية للمسؤولين الحكوميين وذلك على حساب الشعوب ، او تحولها الى انظمة حكم القلة التي تركز السلطة السياسية بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية. وتبقى هذه الانظمة مستأثرة بالمشهد السياسي والحكم بواسطة الوسائل الديمقراطية الفاسدة والانتخابات المزيفة ، وبواسطة ما تملكه من مال وسلطة وقوة ودعم خارجي ، واعتقد ان ذلك غير مستبعد ، ولاسيما ان التجربة العراقية خير مثال على التجربة الديمقراطية الفاسدة والشوهاء وعلى استغلال السلطة والمال السياسي للتحول الى اشكال الحكم اتي اشرنا اليها من الكلبتوقراط او حكم الاوليجارك .
نيسان /2012 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش 1. طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد - عبد الرحمن الكواكبي - تحقيق وتقديم د. محمد عمارة, طبعة دار الشروق الأولى 2007. 2. المصدر السابق 3. المصدر السابق 4. وعاظ السلاطين - الدكتور علي الوردي 5. عبادة الفرد عبر التاريخ – علاء هادي 6. ويكيبديا الموسوعة الحرة – شودرا 7. طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد 8. متلازمة ستوكهولم : متلازمة ستوكهولم هو مصطلح يطلق على الحالة النفسية التي تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المخطوف مع المُختَطِف. أطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة ستوكهولم" نسبة إلى حادثة حدثت في ستوكهولم في السويد حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديتبانكين Kreditbanken هناك في عام 1973، واتخذوا بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام، خلال تلك الفترة بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة، وقاموا بالدفاع عنهم بعد إطلاق سراحهم. – ويكيبديا الموسوعة الحرة : متلازمة ستوكهولم . 9 . كان (جان - بول مارا 1743 م - 1793م: الذي ولد في سويسرا متعطشاً للدماء ، فاقداً لفضيلة الصبر ، هسترياً ، وأقرب إلى الجنون ، لكنه كان صاحب تأثير كبير على الثورة الفرنسية • وفي فترة من الزمن ، كان مارا يحتل المكانة المركزية في مسرح الثورة. من أشهر مؤلفاته كتاب (سلاسل العبودية ) ، أما لدى عودته إلى فرنسا ، فقد صار يكتب مناشيراً ، فكان كل منشور أشد راديكالية من سابقه • 10. الديمقراطية , الحرية , التعددية – د. سكير عميش - دار أزمنة - عمان 2011 11. ويكيبديا الموسوعة الحرة - الكلِبتوقراطية 12. ويكيبديا الموسوعة الحرة - الأوليجاركية 13. ويكيبديا الموسوعة الحرة - الحزب الديمقراطي الامريكي 14. ويكيبديا الموسوعة الحرة - الحزب الجمهوري الامريكي 15. ويكيبديا الموسوعة الحرة - حزب المحافظين البريطاني 16. ويكيبديا الموسوعة الحرة – حزب العمال البريطاني
#حيدر_نواف_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة - بانتظار المنقذ هل هي فكرة لتأجيل الثورة ؟
-
العلاقة بين القمة العربية والأفلام الهندية
-
دراسة - نهضة المجتمعات والأمم وسقوطها
-
التصعيد الإسرائيلي في القدس .. التوقيت والنوايا والدلالات
-
دراسة - المخاوف من حكم الإسلاميين و فشل التجربة او نجاحها
-
المزيد من دماء العراقيين من اجل المزيد من تحقيق الاهداف
-
خطاب بشار الجعفري تناقضات .. وفضائح..ومؤشرات على انهيار النظ
...
-
ستنتصرون أيها السوريون برغم كل شيء ( الحلقة2)
-
ستنتصرون أيها السوريون برغم كل شيء ( الحلقة 1)
-
لن يصلح الصالحي ما أفسده المالكي
-
الدعوة الى ثورة لتطهير دواخلنا وتصحيح وعينا قبل الثورة على ا
...
-
وثائق ويكيليكس تكشف عن فوضى أمريكية لا خلاقة ونظام عالمي إجر
...
-
لماذا تصر إيران وأمريكا على إبقاء المالكي ؟
-
بوادر هزيمة الاحتلال الأمريكي إزاء الاحتلال الايراني
-
الديمقراطية في العراق الجديد والاصابة بانفلونزا السلطة المزم
...
-
(حكومة بالريموت كنترول ) إلى أين تريد إيران الوصول بالعراق
-
يا لثارات كسرى ...! الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية(1
...
-
يا لثارات كسرى ...!الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية (2
...
-
يا لثارات كسرى ...! الإمبراطورية الحالمة بشروق شمسها ثانية (
...
المزيد.....
-
المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات
...
-
أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم.
...
-
كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك
...
-
الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق
...
-
فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ
...
-
نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
-
عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع
...
-
كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
-
آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
-
العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|