|
عباس : حدود المناورة
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1087 - 2005 / 1 / 23 - 10:32
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ أن تم انتخابه خلفا للراحل الكبير ياسر عرفات ومحمود عباس يغتنم كل مناسبة ليوجه إلى الجانب الإسرائيلي والأمريكي رسائل تحمل معنى التغيير الذي تم ، رغم أن العدو الصهيوني لم يحاول ولا للحظة أن يكف عن إظهار عدوانيته ، من اجتياح وتدمير وتخريب وملاحقة للمناضلين من شمال الضفة حتى آخر نقطة في رفح .
ومع أن رئيس السلطة الجديد له مشروعه ورؤاه الفكرية والسياسية الخاصة بالصراع مع الكيان الصهيوني والتي لاقت ولا تزال معارضة شديدة من كل القوى السياسية ، إلا أنه في هذه المرحلة التي فرضها شرط غياب ياسر عرفات ، قد تقدم لرئاسة السلطة وهو يحمل برنامج إجماع حركة فتح المقاوم والمتمسك بالثوابت الوطنية ، والذي على ضوئه تم انتخابه رئيسا للسلطة الوطنية .
ولا يمكن لأي مواطن فلسطيني إلا أن يفهم أن ما تضمنه برنامج محمود عباس الانتخابي الذي يؤكد على أن " حق شعبنا في مقاومة الاحتلال حق كفلته المواثيق الدولية ، ولن يتنازل عن هذا الحق ، وعن حقه في الدفاع عن النفس أمام الاعتداءات الإسرائيلية " إلا في سياق استمرار الانتفاضة والمقاومة ، لان الاحتلال أولا وفي البدء ناهيك عن كل تجلياته النازية ، ليس إلا الإرهاب بعينه ، ومن ثم فإن أولى موجبات ممارسة هذا الحق تبدأ بمقاومة هذا الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والتي يفرضها موضوعية شرط معادلة الصراع القائم . ولاشك أن المعضلة الأساسية التي ستواجه رئيس السلطة الوطنية المنتخب تتمثل في مدى قدرته على المواءمة بين مشروعه " الخاص الفكري والسياسي " والذي لا يعدم المناصرين من أركان السلطة وبعض من شرائح المجتمع التي يحكمها شرط المصلحة الخاصة الراهن ، وبين ذلك المشروع " البرنامج " الذي تقدمت به حركة فتح للجماهير الفلسطينية ، ليس في الأراضي المحتلة علم 1967 ، بل وإلى كل فلسطينيي الشتات وبنفس الدرجة ، وسيكون ذلك هو الاختبار الأول لكلا البرنامجين أيهما سيكون هو المظهر العام في المشهد السياسي الفلسطيني في الأشهر القليلة القادمة .
وإذا ما أضفنا إلى ذلك ، التعقيد الناتج من تعدد الرؤى في المشهد الفكري والسياسي الفلسطيني ، وإن كان وفق ناظم يمثل إجماعا وطنيا حول وجوب الحق في مقاومة الاحتلال ، مهما اختلفت تجليات ذلك ارتباطا بحجم المساحة التي تشكلها كل قوة في الواقع ، حيث يبرز إعلاء شأن مفهوم المقاومة بشكله " العنفي " واستمرار الانتفاضة ، وهو إضافة إلى كونه حاجة موضوعية يفرضها شرط الاحتلال في البدء بعد الفشل الذريع " لمشروع أوسلو" ، فإنه يأخذ لدى البعض أيضا بعدا تنافسيا من أجل الوصول إلى أوسع القطاعات الجماهيرية ، تهيئة لأي استحقاقات سياسية قادمة .
ولأن هناك إرادة أمريكية صهيونية مشتركة تطالب عباس بأن يقدم الأمن للدولة العبرية عبر" تفكيك " بنى المقاومة باعتبارها قوى إرهابية حسب المفهوم الصهيوني ـ الأمريكي ، على قاعدة أن أي تقدم باتجاه المفاوضات مع الكيان الصهيوني وكذلك أي انفتاح للإدارة الأمريكية على السلطة الجديدة سيكون مرهونا بمدى قدرته على فعل ذلك ، وهي دعوة تكاد تنعدم فيها حدود المناورة أمام ساكن المقاطعة الجديد ، لأنها إضافة إلى عدم واقعيتها ، فإنها من جانب آخر تدفع الأمور باتجاه " تفجير الوضع " الداخلي .
ويبدو أن " عملية المنطار" الفدائية التي أتت بعد مجازر خانيونس وغزة وفي وقت تزامن مع أداء محمود عباس اليمين القانونية بصفته رئيسا للسلطة الوطنية في الضفة والقطاع المحتلين ، ومن ثم إدانته العملية بل واعتبار أن العنف الفلسطيني الذي تمارسه قوى الانتفاضة المسلحة والعنف الصهيوني الذي تقوم به قوات الاحتلال الصهيوني على مدار الساعة ضد الشعب الفلسطيني يتساويان وبنفس الدرجة في المسؤولية عن عرقلة ما يسمى بعملية السلام ، ليعادل عباس بذلك بين الاحتلال بكل مكوناته وبين الحق في الدفاع عن النفس الذي تمارسه القوى الفلسطينية المختلفة في مواجهة حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال في ظل غياب دور السلطة في الدفاع عن الجماهير الفلسطينية ، ليفتح الرئيس الجديد للسلطة وبشكل مبكر ، ملف عمليات المقاومة " الشائك " ضد جيش الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه.
وهي نقطة يضيفها محمود عباس هنا لصالح برنامجه الذي يدعو إلى نبذ العنف ضد الاحتلال تحت مسمى " عسكرة الانتفاضة " ، ومن ثم فقد سارع وفق ما جاء في تصريح للوزير قدورة فارس إلى إصدار " تعليمات تلزم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالعمل على وقف كافة الهجمات ضد إسرائيل " والسؤال الموجه إلى الرئيس الجديد كيف سيكون ذلك الوقف والعدو يكاد يحصي الأنفاس على المواطنين في الضفة والقطاع ، وفي وقت يطالب فيه بيان القوى الوطنية والإسلامية " على حق شعبنا المشروع في استمرار المقاومة والانتفاضة ما دام الاحتلال قائما " .
وإذا كان رئيس السلطة قد أمر بنشر قوات أمن فلسطينية في شمال القطاع لمنع المقاومين من التصدي للتوغلات التي يقوم بها جيش الاحتلال دون رادع وفي الوقت نفسه الحيلولة دون إطلاق القذائف باتجاه أهداف صهيونية موصوفة ، فإن السؤال هل تملك السلطة بالمقابل مكنة الدفاع عن المواطنين الفلسطينيين ومناضليهم في مواجهة قوات العدو الصهيوني الذي يستبيح كل شبر من الضفة ، ومن استمرار في تقطيع أوصال القطاع إضافة إلى عملياته اليومية شرق مدينة غزة وفي خانيونس ورفح المدماة بفعل نازية هذا العدو؟ أم أنها ستكتفي بالمناشدة وبنوايا شارون الطيبة لكنس الاحتلال وإحقاق الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني .
إن العدو الصهيوني والإدارة الأمريكية يريدون من السلطة أن تكون وكيلا امنيا لحفظ أمن الاحتلال ومستوطناته ومستوطنيه ، لتكون جدارا آخر يوفر الحماية للاحتلال ، إضافة إلى جدار الفصل العنصري الذي يستمر العمل في إنشائه في الضفة الغربية رغم قرار محكمة العدل الدولية التي طالبت بإزالته وتعويض المتضررين من بنائه ، بل وإدارة الظهر لأعلى سلطه قضائية دولية ، ودون أن تقدم للسلطة ما يدرأ عنها الشبهات ، ولعل الدرس الأساس الذي يجب أن تعيه السلطة أنه ما أحد يستطيع توفير الأمن لمحتل ، وأن أمنه فقط مرهون بمغادرته التراب الفلسطيني على الأقل راهنا من الضفة والقطاع .
إن أي تبني للدعوة الأمريكية الصهيونية بتفكيك بنية قوى المقاومة بدعوى " الإرهاب " ، والتي تتقاطع مع رؤية محمود عباس حول موضوع " عسكرة الانتفاضة " ستشكل المدخل الخطأ لمعالجة الحالة الفلسطينية المقاومة طالما أن الاحتلال ومستوطناته وقطعان مستوطنيه لم يرحلوا ، ويأتي قرار رئيس السلطة بدمج كتائب الأقصى الذراع العسكري لحركة فتح في أجهزة أمن السلطة ليشكل الخطوة الأولى في هذا السياق على اعتبار أن فتح هي حزب السلطة هذا أولا ، وثانيا ، لتطويق أي ممانعة من تيار واسع في حركة فتح يرفض تبني المفهوم الصهيوني الأمريكي لفعل مقاومة الاحتلال وكذلك لتوصيف تلك القوى بأنها " إرهابية " ، غير أن ما يمكن أن ينطبق على حركة فتح ، ليس هو بالضرورة ما يعد للأذرع العسكرية الأخرى لأسباب سياسية وأيديولوجية ، وذلك هو المحذور .
إن قرار الكيان الصهيوني باستئناف اللقاءات مع مسؤولي السلطة بعد خطوات عباس الأخيرة ، إنما تفتح نافذة صغيرة لدفع السلطة إلى الاستمرار في الوفاء بما تعتبره الدولة العبرية التزامات السلطة تجاه الكيان الصهيوني وبقدر نجاح السلطة في مساعيها في ضبط الحالة الأمنية بما يوفر الأمن للاحتلال ستتسع تلك النافذة بالمقابل ، ولكن دون الوعد بشيء سوى الجلوس مع المفاوض الفلسطيني على الأقل راهنا .
لقد سبق أن منحت فصائل المقاومة محمود عباس فرصة وقف العمليات العسكرية ضد الاحتلال دون مقابل عندما كان رئيسا لوزراء السلطة ، إلا أن الذي دمر تلك الفرصة هو الاحتلال باستمرار عمليات العدوان والاغتيال ، وبالتالي هل يمكن لتلك القوى أو للسلطة أيضا أن تعيد نفس التجربة دون ضمانات أو مقابل ؟ الكرة هذه المرة في مرمى الإدارة الأمريكية وشارون ، وعلية ما هو المقابل الذي سيقدمه محمود عباس للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة مقابل تعليق العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال ومستوطناته ، ذلك هو السؤال الذي يبدو أن محمود عباس لا يملك الإجابة عليه حتى الآن ؟؟
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات : وقبائل اليسار
-
اللاجئون : بين عباس وشالوم ومفهوم الوطن .
-
!!!الوطن:وشرط الحزب القبيلة
-
الحوار المتمدن : فضاء مشع يدافع عن الحق والحقيقة
-
حماس : خطوتان للوراء ، أم انحناءة للعاصفة ؟
-
الانتخابات : بين التمثيل النسبي والأغلبية المطلقة
-
مروان البرغوثي : قرار الربع ساعة الأخير
-
الانتخابات : عباس والبرغوثي وما بينهما
-
ديمقراطية فتح : الهرم مقلوبا
-
انتخابات رئاسة السلطة : ودعوى الطهارة السياسية
-
الثابت والمتغير بعد عرفات
-
فتح : الصراع المكتوم إلى متى ؟
-
حذار ...حذار من الفتنة
-
عاش الإصلاح ... يسقط الفساد
-
عندما يكذب الرئيس ...!!
-
أمريكا ـ الكيان الصهيوني : حدود التماهي
-
الانتفاضة شمعة أخرى : عزم أقوى ... صمود أشد
-
الإرهاب : أشكال مختلف ومسمى واحد
-
عمليات الاختطاف في العراق : استعداء مجاني لشعوب العالم
-
الإدارة الأمريكية: والتباكي على الدستور اللبناني
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|