|
نظرات في القصة القصيرة (2)
طالب عباس الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 3698 - 2012 / 4 / 14 - 11:16
المحور:
الادب والفن
القصة القصيرة ربما لا تتعدى كونها قصة اللا قصة وحكاية اللا حكاية ولعلها واقع اللا واقع ببعديه الزمني والمكاني، وان توسلت بمثاليتها السرد بالمنظور الحكائي، واستندت على المعاش بالصوت والصورة، برصدها انفعالات الشخصية في الصراع الداخلي أو الخارجي، وردود أفعالها إزاء الحدث القصصي، وحسب تأثيره في الواقع .. إذ لا يمكن أن تقوم قصة من دونه، فالحدث مرتكز مهم في كيان القص، يمنحه قوة الشد الدرامي المطلوب، للدفع إلى الأمام .. مسقلاً أجنحة الخيال في كل ذلك، لكهربة اللفظ بشحنات عارمة من طاقة الشعور، وإدامة زخمه حتى النهاية ، من اجل كسر سكون وحدة الصور المكانية، وتحطيم التأطير المحكم بثالوث الزمن .. بسير وحداته الرتيب من الماضي نحو الحاضر فالمستقبل، منذ خلق الإنسان وكان هذا الوجود . إذ إن القصة تنطلق من صوت الراوي، إلا إنها سرعان ما تتوغل في ضمير الأشخاص والأحداث، فتخلق أكثر من زاوية للرصد، وعدة ضمائر للروي، وفي أحيان أخرى تستنطق حتى الأشياء الجامدة بلغة الإحساس .. فتهتز وتتحرك .. متفاعلة في الحدث والصورة . غير إن الرؤية الواقعية لأبعاد الحياة المألوفة، عبر وحدتي الزمن والمكان العاديين لسوف تحدّ من حركتها، وهو ما يؤخذ على الاتجاه الكلاسيكي، بالمنحى الواقعي في الكتابة القصصية.. بنسقه التقريري، وعود على بدء بالتسجيل الجامد لحركة الكون والحياة والإنسان، وتقليده الواقع بأبرز خصوصياته رغم إعلان التمرد عليه منذ البداية . فأن لم يكن الفن بصورة عامة، والقصة منه على وجه الخصوص؛ ثورة على آلية مثل ذلك الواقع .. فأي شيء هي إذن، بل وما الداعي لتدوين ما نراه ونحن نعيشه؟ وهل من الإبداع في شيء .. رفض جمود الواقع، ولكن بالنقل له فوتوغرافيا، مع إضافة أي رتوش أو تحسينات عليه. لعلل التطرف في الرؤية والأحكام، غالباً ما يؤدي إلى ردود أفعال معاكسة، يدنيها من التطرف أيضاً .. من جهات مقابلة، معتقدة بأنه سبيلها الوحيد للإصلاح والموازنة، وهو ما يمكن ملاحظة آثاره من خلال الاتجاهات الجديدة في الكتابة القصصية، وخروجها على جميع القيود، وتمردها على كل ما هو مألوف .. من حيث كونه مألوفاً، دون الالتفات لما قد ينطوي عليه من حسنات وركائز للتأسيس، لا يمكن تجاوزها، وهو بالطبع لا يخلو ولن يخلو منها قطعا، إذ كيف يمكن تخيل قصة قصيرة من دون شخصية، وبلا حدث أو بلا حبكة وبلا زمان ومكان، كما يحدث في بعض أطروحات النصوص الآن، بالتجاوز على مثل تلك المفردات الأساسية أو على بعضها .. عبر التوغل المحموم في تيار الإبهام، والمجانية والغرائبية الذاتية، أو الفوضى أحياناً بالانسياق خلف إغراءات الأوهام الذاتية .. بالتداعي المنفلت مع التجارب الخاصة، وإسقاطاتها على ذات التجربة في عموميتها، مستغلة فضاءات الافتقاد الكلي للنظرية الاجناسية، لكبح نزقها، وكذلك الحال في عملية تلقي القصة ومحاولة التقييم لها نقديا، مع وجود الاستثناءات دائما، بسبب كون الذائقة الفردية ومهما اتصفت به من الحصافة؛ فأن بعض جوانب حكمها لابد وأن تظل قاصرة، فلا تمثل حقيقة التقييم بكليته، لأن أحكامها ليست نهائية، لعدم استنادها على ثوابت النظرية من جهة، والافتقار لنوع عميق من التجرد الموضوعي من الجهة الأكثر أهمية .. بحيادية التلقي والتقديم . لذلك فإن كثيرا مما تطرحه الساحة الثقافية، وتحتفي به من نماذج القصة القصيرة - مع الأسف الشديد - لا يمت بصلة لهذا الفن الإبداعي، نتيجة التأثر بتراكمات الموجة السائدة، باستحكام أسباب التقليد، بيد إن هذا لا يلغي كونها صادقة مع ذاتها، وحقيقية في دوافعها الشعورية، لكنها ستضل أسيرة مثل تلك الاتجاهات، وتيارات الارتجال، وانسياقات الوهم اللذيذ، فتتقاذفها الرغائب والأمزجة، ولكن هل يا ترى يكفي الصدق مع النفس وحده للنجاح في طرح التجربة، واعتماد الإبداع من دون امتلاك الأسباب؟ لهذا سيظل الأفذاذ، ويتناوبوا بالتبجح بحمل رايتها، أولائك من ذوي الريادة .. بالهالات الإعلامية أو الإعلانية الجوفاء، ومن خلال استمرار منهج تلميع الأسماء، التي ديدنه إثارة الغبار والضجيج من حولها، أنى حلت، ومتى ما طلعت بفتوحاتها الإبداعية، لينفخ في جوفها الفارغ، حفنة كتاب لم يألفوا للقلم من مهمة، سوى الانضمام لجوقة التطبيل والتزمير .. إن أمام الأسماء، أو الأشخاص ذات البريق، لغاية من الغايات أو لحشر أسمائهم بمرادفة تلك الأسماء ، أو بمحاذاة تلك الأسماء .. لاعتقادهم بأنه سبيل وحيد للشهرة، ولمعان أسمائهم بين الأسماء في دنيا الأدب والثقافة، وزرع بصمتهم في حقل الإبداع. [email protected]
#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نظرات في القصة القصيرة
-
العمليات الحسابية والسياسة
-
حيرة - ق ق ج
-
خطأ - ق ق ج
-
ثلاث قصص قصيرة جداً
-
وداع
-
زائر نحن في حضرته الضيوف!
-
تراتيل
-
أرجوحة الموت
-
فوق المطر... تحت المطر
-
-ترانيم صباحية-
-
تسع قصص قصيرة جداً
-
عذراً يا عراق (رسالة من مسؤول إلى شعبه)
-
الزنزانة
-
الشيء...!!
-
نداءات الوهم
-
الحصان العجوز
-
- طعنة -
-
القارب الورقي
-
قصتنا اليوم - التركيب السردي وانفتاح النص
المزيد.....
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|