أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - مائدة الكتابة














المزيد.....


مائدة الكتابة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3696 - 2012 / 4 / 12 - 20:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لكل الكُتاب وقتٌ محدد للكتابة وبأجواء خاصة تليق بذوق ومزاج كل كاتب والأغلبية لا يكتبون إلا في أجواء هادئة تحت أضواء هادئة,إلا أنا أكتب في كل الظروف حتى لو كنت في زحمة عرس أو مأتم أو حتى إن كنت أركب سيارة أو صاروخاً, وكل الناس المجاورين الذين كانوا يقطنون في نفس الشارع الذي يسكن به الروائي الكبير الراحل (نجيب محفوظ) كانوا يعرفون بأنه يوميا ينهض من نومه في تمام الساعة الثانية عشر ليمارس شهوة الكتابة,وكل شخص من هؤلاء إذا كانت ساعته غير مضبوطة فإنه على الأغلب يضبطها على إشعال نور غرفة المكتب حين ينيرها نجيب محفوظ ليبدأ بالكتابة,وأنا أشعرُ بالكتابة كما يشعر غيري بالجوع,فمن الممكن أن أشعر بالكتابة فجأة ومن الممكن أن تمر عليّ ليلة كاملة دون أن أشعر بالجوع ومن الممكن أن أشعر بالجوع في كل وقت من أوقات الليل والنهار.

وكل وقتي وكل جهدي يذهب للكتابة فأنا أشعر بجوع الكتابة وأرتجفُ منه ارتجافا فلا أستطيع التوقف عن أكل الكلمات والأحرف,حتى وأنا على مائدة الطعام العادية تأتيني فكرة للكتابة فأشعر بالجوع وأذهب إلى صومعتي من أجل أن أتزود بطاقة الكتابة,وحين يشبع الإنسان يكف يده عن الطعام لأن معدته تمتلئ وعروقه ترتوي بعد الجفاف,إلا عروقي أنا فهي دائما جافة وأنا دائم الإحساس بالجوع الحار,ومن النادر أن أبقى يوما كاملا دون أن أشعر بحرارة الجوع فأستعين بالكتابة لكي أقضي على الحزن الذي يعتملُ في قلبي وفي صدري,وبقدر ما أشعر بالألم أشعرُ بالكتابة وبقدر ما أحزن أكتب,فكلما حزنت أكثر كلما كتبت أكثر لأطرد حالات الاكتئاب والبؤس,ولا شيء يرضيني على الإطلاق لأن إحساسي بالعالم من حولي كبير جدا وأشعر بألم الآخرين وكأنه ألمي ولم أسمع عن أي مشكلة إلا وأعتبرها مشكلتي الشخصية ولي بها كل الدخل,فكل مشاكل الناس مشاكلي وكل هموم الناس همومي, ومن حقي أن أتدخل في المشكلة من خلال الكتابة,وأنا أجوع فجأة ففي بعض الأحيان أشعر بجوع الكتابة وأنا نائم فأنهض من نومي وكأن أحداً من الناس ضربني على رأسي فأقوم منتفضا مثل المجنون للكتابة لكي أنقذ نفسي من الموت المحدق فإن لم أكتب فإنني سأموت من شدة الجوع فالكتابة بالنسبة لي هي زادي وزوادي,وحين يشبع الإنسان من اللعب يكف كل أطرافه عن اللعب,ولا يعود الإنسان إلى الطعام إلا إذا أحس بالجوع,وأنا إنسان جائع كتابةً ولا أستطيع أن أملي بطني ورأسي من الكتابة على طول الوقت,ففي كل لحظة أحس بالجوع وفي كل لحظة أحس بالعطش وفي كل لحظة شهيتي مفتوحة للكتابة ولا شيء يملئ معدتي أبداً,وطموحي ليس له حدود فطموحي هو أن أسكن في قلوب القراء وبأن يتذكروني في كل الأوقات وبأن يشعروا بالجوع الحار الذي أشعر به,ففي الصباح الباكر أكون جائعاً جدا وحينما أكتب مقالا يكون لدي اعتقادٌ بأن معدتي امتلأت من الكتابة وأهدأ قليلا ولكن لا تمضي عليّ ساعة أو أربع ساعات أو أقل من ذلك إلا ويتعاظمُ إحساسي بالجوع مرة أخرى ويتجدد إحساسي بالجوع الحار للكتابة فأعود للكتابة لكي أملأ رأسي ومعدتي ومع هذا أبقى في حالة جوعٍ شديد جدا وليس هنالك من وجبة تستطيع أن تسد جوعي وعطشي للكتابة,ففي كل اللحظات أتضور جوعا وبين الفينة والأخرى أشعر بالعطش الشديد للكتابة ولا أظن بأن هنالك موضوعا أو موضوعين يستطيعان أن يملئا معدتي ورأسي حتى حين أنهض عن مائدة الكتابة أنهضُ وما زال بنفسي منها بقية,وكل يوم أعد لنفسي طبخة فكرية لذيذة لكي أستلذ بها أنا والقراء.. وأنا أعتبرُ نفسي صاحب مطعم وقرائي هم زبائن جائعون مثلي لا شيء يروي عطشهم وحبهم للكتابة فهم مثلي يتضورون جوعا ولا يكفون أيديهم وعيونهم عن اشتمام روائح العناوين وهي تنبعث من مخيلتي,الكل في حالة جوع حار وشديد ولو شبع زبائني من طعامي لَما شاهدتموهم وهم مكفكفو الأيدي وأصابع يديهم العشرة مغموسة في طعامي وعيونهم تترقب نوع الطعام أو وهم ينتظرون كل يوم طبخة جديدة من مطعمي أو مصنعي ويبدو أن طعامي حلو المذاق ويبدو أنني طباخ ماهر قد احترفت مهنة الطبخ والأكل معا غير أن هنالك عادة أخرى يمتاز بها شعوري وشعور القراء وهو أننا جميعنا لا نشبع أبدا من القراءة ومن الكتابة.
شعوري بالجوع الحار للكتابة هي ميزة أصبحت هدفي الأول والأخير فلو يمتلئ بطني من الكتابة فإنني سأموت من شدة الشبع وسأتوقف عن الكتابة ولكن الفضل كل الفضل لحاسة الجوع التي تلهب رأسي وأذني وعيني ففي كل الحالات أنا أتلمظ على العناوين وأتلذذ بطعم الكلمات وهي تخرج من قلبي ولساني,وحين أشبع سأكفُ يدي عن الكتابة أو حين أموت سأكف يدي عن الكتابة ولكن طالما أنا جائع طالما أنا أكتب.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحيوانات في السينما
- عذاب النار
- رائحة الطعام
- غوايتي
- الحديث النبوي مرفوض نحويا
- اكتشاف النجوم
- لآدم زوجة واحدة
- الاسلام والمسلمون
- باسم الله اقبل تحية حسن الصباح
- لمن تستمع فيرز في ساعات الصباح؟
- كل شيء نافع وضار
- الخالق والمخلوق
- ليلتي وحلم حياتي
- البدانة هي العدو الدائم
- عيد ميلاد بتول الأول
- نحن أغبياء جدا
- الولد الشقي
- حديث نبوي شغل اهتمامي
- رغيف الخبز
- فلسطين عربية


المزيد.....




- فيديو يُظهر نائب الرئيس الأمريكي يتعرض لصيحات استهجان في حفل ...
- حماس تُعلن استعدادها للإفراج عن رهينة أمريكي-إسرائيلي وجثث أ ...
- تفاعل واسع على مواقع التواصل بـ -قطايف- سامح حسين
- مصارع مصري يدخل موسوعة -غينيس- بعد أن سحب بأسنانه قطارا يزن ...
- فيضانات وسيول في بوليفيا تؤدي إلى تدمير المنازل والمحاصيل وا ...
- -هولي-... مهرجان الألوان الهندوسي يجذب الملايين
- لأول مرة.. وفد ديني درزي من سوريا في إسرائيل
- وزير الخارجية السوري يصل إلى بغداد في زيارة رسمية
- وزير عراقي يروي تفاصيل عملية لاغتيال صدام حسين كان طرفا فيها ...
- أوكرانيا تعلن -بدء تشكيل فريق لمراقبة وقف إطلاق النار-


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - مائدة الكتابة