|
الديالكتيكية و التنوير .. عملية خداع شاملة؟!
سيف البصري
الحوار المتمدن-العدد: 3695 - 2012 / 4 / 11 - 23:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تحية إنسانية مجيدة،
الديالكتيكية و التنوير .. عملية خداع شاملة؟!
لّخص هوركهايمر و أدورنو في النصف الأول من القرن العشرين فشل و عجز البشرية من الولوج و الإرتقاء إلى مرحلة الإنسان الحقيقي. إلى جانب مشروعهم النقدي، الذي يُعتبر القاعدة التي أستندت عليها مدرسة فرانكفورت في نهايات العقد الثالث من القرن العشرين، ناقشا الإثنان إذا ما كان الإيمان العقلاني الذي يتجسّد في صورة عقلية غرضية هو سبب الوهم الذي ألقى بظلالهِ على موضوعات التفكير المُعاصر.
فمنذُ أمدٍ بعيد و التنوير بماهيته الفكرية التقدّمية يتّبع هدفاً جوهرياً يسلب الخوف من الناس و يضعهم في مراكز سيادية بكونهم أسياد عقولِهم مُتحررين من فكرة العبودية و التبعية. لكن الأرض المُستنيرة كما يراها أدورنو و هوركهايمر تَشُع إنتصار الكارثة ! فبرنامج التنوير بالنسبة لهما كان خيبة أمل العالم. كان من المُفترض من التنوير حل الأساطير و إسقاط الخيال من خلال المعرفة. لكن الواقع له صورةٌ أخرى، فقد أصبح من الظاهر بأن هذا العالم المُستنير مُتفوّق على العالم الأُسطوري، لكن في الحقيقة، هذين النهجين مُرتبطين مع بعضهما بشكل وثيق!
هنا نُلاحظ موقفاً واضحاً لدور النظرية النقدية التي تبناها الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت. موقف يلقي باللوّم على برنامج التنوير نفسه كونه فشل في تحقيق أهدافه، وهذا ما دفع أو ولّد ضرورة لمحاولة إستباق الأُمور و إنقاذ مشروع الحداثة و تعديل مسير التنوير.
فالمثال الأعلى و جوهر التنوير هو التفسير العقلاني للعالم و لظواهر الطبيعة، الشيء الذي يُسهّل السيطرة على الطبيعة نفسها. و المُشكلة التي يُراد تسليط الضوء عليها هي أنه من خلال الجدلية الدفاعية عن التفسير الأُسطوري للعالم، يتم تلقائياً الإعتراف بعقلانية التنوير. و لربما تتسآئل الآن عزيزي القارئ أين تكمُن المشكلة إذاً؟
هذه الجدلية تُعزز من موقف التنوير وتجعله يزداد قوة في كل نزاع فكري، "الوجود و الحدث يتم الإعتراف به من قبل التنوير، فقط عندما يكون قابلاً للتعريف وِفق وحدة تعريفية تنطّلق من مفهوم تنظيمي علموي مُبرمَج من خلاله يتبع كُل شيء" ¹. جميع الآلهة و الصفات الميثيولوجية لابُد أن تُحطّم! في نفس الوقت يتجاهل التنوير أن الأساطير هي نتاج التنوير نفسه و كلاهما يمتلك نفس الجذور، "كمُتسلّط على الطبيعة، يتعادل ذلك الإله الخالق مع ذلك العقل المُنظِِّم" ² و بالتالي هذا الإنسان نفسه هو الأسطورة التي تُحاول تفسير كل شيء وِفق مِعيار مُبرمَج يُمكّنه من شرعَنة سياسته، مُقصياً العقل النقدي من دوره في مُحاولة لتفسير هذا العالم بأي طريقة تظهر لنا نحنُ البشر بصورة منطقية. وفقاً لأدورنو و هوركهايمر، فأن التجريد أو العقلية التجريدية هي الأداة التي بواسطتها يتم فصل المنطق و تجريده عن كُتلة الأشياء. حيثُ توضع الكمية التعدُّدية تحت وِحدة مُجرّدة من أجل التحكّم بها و الرمزية في الصيغة يتحلل تعقيدها. من خلال هذا التحليل يصبح كل شيء قابل للتنبؤ و الحساب و بالتالي يخضع للإطار النفعي الغرضي و يصبح مُتوفر و خاضع للتلاعُب. و عليهِ يصبح هذا المعيار التنبؤي التحليلي هو النظام المُتبّع لتفسير العالم، و أي فِكر أو مُحاولة تفسيرية لا تخضع للعقلية الغرضية ، يُنظر لها من باب الخُرافة!
لكن هذا المنطق هو منطق الفرد الذي يخضع لسلطوية التحكّم بالطبيعة و يَعمل تحت شعار الهيمنة عليها. هذه السُلطوية بدورها تُمثّل لهذا الفرد العقلية التي تُنظم الوعي و الرأي العام، و هذا التوحيد الشمولي في الفِكر المُستخدَم على البشر، يجعل من هؤلاء الأفراد منظومة جماعية قابلة للإحتكار و التلاعب بعقولها!
السُلطة العِلمية تواجه الأفراد المُفكّرة و تُجسّد الإنسان في الإقتصاد، في الصناعة و في تنظيم و تقسيم العمل بصورة أداتية غرضية. حيث العام يواجه الأفراد كسُلطة شمولية نظامية تتعامل معهم وِفق مقاييسهم. التقدّم يصبح مُدمّر! و بدل التحرر من قيود الطبيعة الساحقة، يصبح التكيُّف مع تطور التكنولوجيا و السوق هو الهدف. أي أن المصالح الإقتصادية و السياسية للتلاعُب في عُقول الناس تحِل مَحلّ التنوير الذي من المُفترض أن يُدافع عن تحرّر الأفراد من عدم النُضج و إدراكهم لضرورة وعي الفرد من أجل التخلّص من العُبودية. وبالتالي يصبح التنوير عملية خِداع شاملة!
¹ انظر ماكس هوركهايمر: كتابات مجمعة. مُؤلّف 5، جدلية التنوير 1940-1950، فيشر، فرانكفورت 1987، p.29 ² انظر ماكس هوركهايمر: كتابات مجمعة. مُؤلّف 5، جدلية التنوير 1940-1950، فيشر، فرانكفورت 1987، p.30
#سيف_البصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كُلما كان الطرح العِلمي بَسيط و سَلِس، كُلما زادت حُظوظه عند
...
-
»عليك بإحترام دين الآخر ولكن ليس اكثر من إحترامك لإعتقادهِ ب
...
-
الحُرية والعدالة بين المثالية والوهم وبين الواقعية والداروين
...
المزيد.....
-
جوائز غرامي الـ67.. قائمة بأبرز الفائزين
-
الشرع يغادر المملكة العربية السعودية.. ماذا دار في حديثه مع
...
-
تصعيد عسكري في جنين ومجموع القتلى بغزة يصل 61 ألفا ونتنياهو
...
-
مهرجان -بامبلونادا ريمنسي- يحاكي سباق الثيران الإسباني في لي
...
-
إجلاء أطفال مرضى من غزة بعد إعادة فتح معبر رفح
-
مذيعة سورية تجهش بالبكاء وتناشد الشرع المساعدة في الكشف عن م
...
-
القوات الروسية تواصل تقدمها وتكبّد قوات كييف خسائر فادحة
-
قادة الاتحاد الأوروبي يجتمعون مع ستارمر وروته لبحث تحديات ال
...
-
بيسكوف: الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي
...
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل تعزيرا في مواطن بتهمة -تهريب المخ
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|