|
الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية والصهيونية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3695 - 2012 / 4 / 11 - 18:23
المحور:
مقابلات و حوارات
الحرب العراقية – الإيرانية عبثية ، خدمت القوى الإمبريالية والصهيونية
حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان -12 أجراه: توفيق التميمي
(القسم12) الافتراق عاد صدام حسين بعد الثورة الإيرانية لنسف كل ما وقّع عليه عند تمزيق الاتفاقية في 17 أيلول (سبتمبر) العام 1980 واصلاً إلى الحرب دفعة واحدة، لكنه بعد حرب ضروس دامت 8 سنوات وخسر العراق فيها مئات الالاف من البشر واحتياطه من العملات البالغ 37 مليار دولار، إضافة إلى نحو 100 مليار دولار ديناً، عاد إلى قبول شروط الاتفاقية التي مزّقها قبل سنوات في رسالة الرئيس السابق صدام حسين إلى هاشمي رفسنجاني في 15 تشرين الأول (اكتوبر) العام 1990 بعد تورطه بغزو الكويت. لم تستطع قيادة الحزب الشيوعي أن تبرر موقفها من الاتفاقية، وكذلك موقفها من الهجوم على حركة خان النص (شباط/فبراير) العام 1977، التي هي عبارة عن هبّة شعبية في النجف وكربلاء، خلال شهر صفر بمناسبة دينية، بسبب الاحتقان الطائفي والشعور بالاضطهاد، بل إنه كان يشارك حزب البعث في الخفارات لصيد " المتآمرين" و" المشبوهين" والرجعيين، وهو ما كانت تشير إليه نشرة داخلية للحزب، فضلاً عن ما نشرته جريدته العلنية "طريق الشعب" وهو ما تمت الاشارة إليه، وحجب أي صوت معارض أومخالف لتوجهات الحزب تلك، بل كان المنتقد يتهم أحياناً بالتوجّهات البرجوازية الصغيرة أو عدم التشبّع بسياسة الحزب أو عدم الإيمان بالجبهة وتلك تهمة كبرى، لاسيما في ظل أوضاع اتّسمت بالملاحقات والمتابعات الأمنية. ولم يكن إجراء قيادة الحزب بالمستوى المطلوب إزاء طلب الحكومة حلّ المنظمات الجماهيرية التابعة للحزب: اتحاد الطلبة ورابطة المرأة واتحاد الشبيبة، خصوصاً وقد صدر قرار من مجلس قيادة الثورة يصل حكمه إلى 15 عاماً لكل من يدرس في الخارج ولا يبلّغ عن الجهة التي قامت بمنحه الزمالة الدراسية، كما لا يُعترف بشهادته، وتم الايقاع بالكثيرين بسبب تلك الإجراءات الغليظة. كل الدلائل كانت تتجه إلى الافتراق ومازاد عليها أن قيادة الحزب اجتمعت في آذار (مارس) 1978 وأصدرت تقريراً تضمن بعض الانتقادات ضد ممارسات الأجهزة الأمنية وسلوك البعث إزاء حليفه، الأمر الذي ولّد ردود فعل عنيفة، فبادرت السلطات الحاكمة إلى إعدام 30 شيوعياً قيل أن لديهم تنظيمات في الجيش، وهو من قبيل العمل المحرّم والممنوع ويلقى أقصى العقوبات، التي كان حزب البعث قد ضمّنها ميثاق الجبهة كسلاح ذو حدّين يستهدف ردع وتخويف أي عمل محتمل، وزاد الأمر تعقيداً أن واردات النفط، لاسيما الحصة المقتطعة 5% بإسم كولبنكيان، بدأت تذهب إلى حزب البعث، الذي انتفخ على نحو شديد، خصوصاً وقد تماهت العائلة الحاكمة وحواشيها مع الدولة في أجهزتها الأمنية والاعلامية والثقافية، ناهيكم عن التجارة والاستيراد والتصدير، والاقتصاد والسياحة والرياضة، كلها أصبحت بيد العائلة، حتى أن عدي صدام حسين، حمل لاحقاً الهوية رقم (1) في نقابة الصحفيين، وهي الهوية التي كان يحملها الجواهري الكبير. جدير بالذكر أن الرفيق كمال شاكر أمين عام الحزب في كردستان كان قد حكم عليه بالإعدام، لكنه أطلق سراحه قبل هذه الفترة وأرسل إلى الدراسة الحزبية في ألمانيا الديمقراطية ولاحقاً إلى موسكو. لم تنفع كل المحاولات لوقف التداعي حسب نشرة داخلية شيوعية، كما لم تنفع الوساطات، وكان صدام حسين قد قرر الإيقاع بالحزب ورميه أرضاً والاجهاز عليه، الأمر الذي اضطرت قياداته وكوادره والآلاف من أعضائه إلى ترك البلاد نحو المنفى في رحلة مضنية. من جهة أخرى تعززت نزعات الانفراد والاستئثار في جميع المجالات، لاسيما في النقابات والاتحادات المهنية، وشنّ الحكم حملة شعواء ضد الحركة الدينية، التي استمرت بشكل واسع بعد حركة خان النص، لاسيما بعد الثورة الإيرانية. وباستثناء حملة اعدامات شملت عارف البصري ورفاقه في أوائل السبعينات، فقد كانت الحركة الدينية تتسع وتكبر خصوصاً انشغال الحكم بملاحقة حلفائه من الكرد والشيوعيين. وقد تكثفت الحملة بعد نجاح الثورة الايرانية وانتقال بعض أجزاء الحركة الدينية نحو المواجهة بدلاً من التبشير واللقاءات في الجوامع والمساجد، الأمر الذي اعتبره بعض المراقبين حرقاً للمراحل، ولكن الأساس في ذلك هو التهيئة لشن الحرب ضد إيران، خصوصاً بعد صدور عدد من القرارات من مجلس قيادة الثورة، لاسيما القرار 666 في 7 أيار (مايو)1980 القاضي بتهجير من هم من التبعية الايرانية أو غير الموالين للحزب والثورة، في إجراء طائفي وغير مسبوق بهذه الكثافة وتحت هذه التبريرات، وشملت الحملة في الفترة من 1980-1988 نحو نصف مليون عراقي، جلّهم ولدوا هو وآباؤهم وأجدادهم في العراق، وبعضهم من آرومة عربية معروفة، كما تمت الاشارة ، حتى إن عائلة الجواهري الكبير تم شمولها بالتهجير، حيث هجّر عدد من أقاربه، وهو المفضال ليس على اللغة والأدب العربيين، بل على الأمة العربية، بما قدّمه لها من إنجازات يفتخر بها أي عربي. وفي 31 آذار (مارس) 1980 صدر قرار بأثر رجعي من مجلس قيادة الثورة يقضي بتحريم "حزب الدعوة العميل" ومعاقبة المنتمين إليه ممن لا يبلّغون عن ذلك بالإعدام. وهكذا كان التحريم والعزل يشمل الجميع: الأحزاب الكردية والأحزاب القومية التي هاجرت قياداتها، الحزب الشيوعي والأحزاب الدينية، لاسيما حزب الدعوة، وظل حزب البعث لوحده يعمل بسلطة تكاد تكون مطلقة، حيث يتربع على عرشها زعيم أطلق عليه ميشيل عفلق منظر الحزب " القائد الضرورة" بل هو هبة السماء إلى البعث وهبة العراق إلى الأمة. وقضى صدام حسين على آخر ما تبقى من حزب البعث وهوامشه، التي أصبحت كلّها تغني وتهتف له وتمجّد شخصه، مندفعاً في شراء ذمم كثيرين داخل العراق وخارجه، بمن فيهم بعض المثقفين العرب، بل إنه حتى وهو تحت الحصار، راح يعرض إغراءاته التي كان يسيل لها لعاب الكثيرين، وأعني بذلك كوبونات النفط، وكان العراق ينزف بسبب العقوبات الجائرة ويموت الأطفال والشيوخ والنساء جرّاء القرارات الدولية الظالمة، لكنه غير مكترث وكأنه خارج التاريخ في إهتيام وشرود أخذ يكبر بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت العام 1991، حيث انشغل ببناء وتشييد القصورعلى نحو جنوني وغير مسبوق.
ماذا لو؟ * لو نتصور أن الأحداث بعد نجاح انقلاب 17 تموز (يوليو) 1968 سارت باتجاه آخر بحيث يمكن حذف: 1- قصر النهاية 2- إلغاء مقتل فؤاد الركابي بسكين قاتل مأجور في سجن بعقوبة 3- عدم إعدام المفكر البعثي عبد الخالق السامرائي العام 1979، 4- تعزيز الجبهة لتصبح حقيقية بين البعث واليسار 5- لم يعتدِ العراق على إيران ولم تحدث حرب الثماني سنوات؟ - أعتقد أن فرضيات من هذا النوع المتخيّل منشطة للذاكرة. لقد قامت سلطة البعث على أربعة أركان هي: 1- جهاز أمن ومخابرات ضارب ومطلق الصلاحيات، أيام ناظم كزار وسعدون شاكر وبرزان التكريتي وفاضل البرّاك وغيرهم. 2- إعلام ديماغوجي مضلل، ويروي الكاتب والمنظر البعثي السابق حسن العلوي أنهم كانوا يرسلون ما يريدون نشره إلى بيروت وفي اليوم التالي ينقلون عن الصحافة "اللبنانية" ما يريدون أن يضخّوه للقارئ العراقي، وهم بالأساس وراء الخبر، بما فيه الاساءة إلى شخصيات أو تشويه سمعة أو غير ذلك، وفي مطالعة خاصة عن القيادي الشيوعي ثابت حبيب العاني رويت كيف تم صناعة الخبر عنه، عند اعتقاله، ثم بعد إطلاق سراحه، ثم بعد محاولة الايقاع به، وبعد ذلك كيف كان للأجهزة الخارجية دور في ذلك. 3- أموال طائلة، لاسيما بعد فترة الفورة النفطية، بحيث عملوا على شراء ذمم الكثيرين، ووظّفوهم لصالحهم، لاسيما في أوساط المثقفين، ولو راجعت اليوم من كتب في مدح حزب البعث وصدام حسين سترى الكثير من الأسماء، وإذ أقدّر من هو قناعة أو بانسجام مع أطروحاته، إلاّ أن الأمر كان يتجاوز ذلك في الغالب الأعم. 4- تحالفات عربية ودولية واسعة، شملت الدول المتحررة والمحافظة، والشرقية والغربية لاحقاً (أي الاشتراكية والرأسمالية)، وكان لدى العراق لوبيات كثيرة في عدد من العواصم ومراكز الأبحاث والدراسات ولجان التضامن والسلم والمنظمات الدولية، ليس بما حققه حسب، بل بما كان يوفّره لمنتسبي هذه المؤسسات من إغراءات، بحيث أصبح هناك نوعاً من التهالك للسفر إلى العراق، وكان لديه عرّابون من القوى العربية. وإنني إذْ أذكر ذلك لا أتهم أحداً، فلعل طبيعة الاصطفافات والاستقطابات كانت تقوم على ذلك، فقد كانت الحركة الوطنية اللبنانية تتقاضى مساعدات مالية مجزية من السلطة في العراق، حتى أن أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي عندما انتقده لاحقاً أحد الشيوعيين العراقيين: كيف كنتم تستلمون المبالغ من صدام حسين وكان رفاقنا يقتلون، أجاب في حوار مع غسان شربل (في مجلة الوسط): لقد كنّا ندفع بعضها لقيادة الحزب الشيوعي، واعترف أحد الذين كان على مقربة من القيادة والمتحكّم بأموالها أنه استلم 50 ألف دولار فقط. وقصة المبالغ لا تنتهي ولكن ينبغي أن نخضعها لسياقها وليس لتوجيه الاتهامات، فقد ذكر شوكت خزندار في كتابه أن قيادة الحزب الشيوعي كانت تستلم مساعدة مالية (150 الف دينار في الشهر)، وأن الرفيق الأمين العام عزيز محمد كان يستلم عشرة آلاف دينار شهرياً، كان يرسلها إلى مالية الحزب، لكن الرفيق باقر ابراهيم نفى ذلك وقال استلمنا شيك بالمبلغ المذكور لغرض بناء مقر للحزب، لكن خيرالله طلفاح (خال الرئيس السابق) صادر الأرض ومنعنا من ذلك، ثم أعدنا الشيك. أعتقد أن الذّمة المالية لقيادة الحزب الشيوعي سواءً في تلك الفترة أو ما بعدها كانت سليمة ولا يمكن الطعن أو التشكيك بها، وقد ينحصر الأمر باستثناءات محدودة ومعروفة، وربما حصل بعضها بتوظيف خارج الحزب ليس المجال لذكرها، وإذْ أضع يدي على ضميري فإنني أعرف الغالبية الساحقة من قيادة الحزب ومن كوادره الأساسية منذ الستينيات وأعرف ظروفهم في المنافي القريبة حيث كانت صعبة للغاية، وكذلك في المنافي البعيدة. وجلّهم مكافحون وعصاميون وعانوا ظروفاً قاسية، بل إن غالبيتهم باستثناءات محدودة، لم يكن لديهم عمل يُذكر سوى النضال، وهو ما وصفت به أحد أبرز المناضلين البارزين وأعني به صاحب الحكيم الذي عانى كثيراً معاناة مزدوجة ومركّبة، وأسيئ إليه . بعد هزيمة العراق بسبب مغامرة احتلال الكويت وتدمير بنيانه التحتي ومرافقه الحيوية ، فقد انتهى دور حلفائه الغربيين والشرقيين وضعف دور الاعلام والديماغوجيا، وشحّ كيس النقود، لكن جهاز القمع ظل وحده هو الفاعل، ومع انه تدريجياً أيضاً بدأ بالتفكك، لكن المعارضة كانت ضعيفة وتم اختراقها، حتى أن أديب الجادر أحد الشخصيات الناصرية المستقلة كان قد وصف المعارضة الرسمية بأنها الحليف الطبيعي لصدام حسين، بعد أن خسر حلفاءه وذلك في إشارة إلى مراهناتها على القوى الخارجية وسياساتها الخاطئة، والمقصود هنا المشهد السياسي المعارض والمدعوم دولياً. لو لم يحصل ما تفضّلت به، لكان العراق يعيش في بحبوحة ويتحكّم بموارده ولربما كان إقتصاده أفضل من اليونان والبرتغال وحتى إسبانيا، وهذه البلدان الثلاثة كانت في السبعينيات قد خرجت من معطف الدكتاتوريات واتجهت إلى طريق التوجه الديمقراطي، وأظن أن في العراق طاقات وعلماء وعقول كان يمكن بواسطتها رفد العالم العربي والمساهمة في نهضته وتنميته لو اتبعنا العلاقات السلمية والودية. دعني أقول لك أنني خلال زيارتي للجزائر العام 1981 سألت أحد المسؤولين عن عدد أساتذة الجامعة لديهم من العراقيين، فأجابني أن أكثر من 80 أستاذاً عراقياً "شيوعياً"، وهم يستفيدون منهم استفادة جمّة، وهؤلاء يكفون لثلاث جامعات، ناهيكم عن مراكز أبحاث، فما بالك بمن ذهب إلى اليمن والخليج والأردن وإلى أوروبا التي ضمّت المئات من خيرة الكفاءات، لاسيما في عقد التسعينيات حيث انتقلت إليها نخبة متميّزة من المثقفين العراقيين.أعتقد أن أفضل من عرّف بالعلماء العراقيين هو الصحافي والكاتب محمد كامل عارف طيلة العقدين ونيّف الماضيين. لعل من سوء حظ العراق أن تتسلط عليه قيادات من ذلك النوع الآحادي التفكير، المحدود، والتي تريد سلطات مطلقة، ودائمة ، ولا يخرج منها الحاكم الاّ إلى القبر. الحرب * كتبت كثيراً من الكتب والدراسات والأبحاث، فهل لديك مشروع توثيقي للحرب العراقية – الإيرانية، تقدّمه للأجيال التي لم تتلوث بسخام ودماء هذه الحرب والمآسي التي عاشها شعبي البلدين؟ - عندما اندلعت الحرب كنت قد وصلت لتوّي إلى دمشق – بيروت، وكان بعضنا يعتقد أن الحرب ستنتهي بعد أسبوع واحد أو ربما ثلاثة أسابيع أو حتى شهر. كان الرفيق جاسم الحلوائي عضو اللجنة المركزية يقول وكنت أؤيده: أنتم لا تعرفون الإيرانيين، فهم حتى لو انسحب صدام حسين من إيران، فهم لن يتركوه وهم " لزكَة جونسون" فإذا تناقشوا حول مسألة فقهية أو لغوية، فقد تدوم ستة أشهر وقد يضطرّون بعدها للعراك، وقد يعودون إليها بعد أعوام، فما بالكم وأن صدام حسين إعتدى عليهم! ولا تنسوا انهم ما زالوا في ربيع الثورة وفي حالة وطنية من التلاحم. ولعل الثورة أية ثورة تخلق مثل هذه الحالة وهو ما شاهدناه في انتفاضة الياسمين في تونس وانتفاضة النيل في مصر وغيرها من الحركات الاحتجاجية الشعبية ، ولكنني لا أخفيك سرّاً لم أكن أتوقع أن الحرب ستطول ثمانية أعوام بالكمال والتمام. لقد كتبت دراسات بُعيد الحرب مباشرة ونشرتها في بعض الصحف العربية، ثم أصدرت كرّاساً بعنوان " النزاع العراقي- الإيراني- ملاحظات وآراء في ضوء القانون الدولي" وصدر في بيروت أوائل العام 1981، وقامت المخابرات العراقية بجمعه من المكتبات على الرغم من دفاعه عن حقوق العراق التاريخية في المياه واليابسة ورفضه المشروع والبديل الإيراني، لكنه أدان الحرب التي شنّها صدام حسين ودعا إلى تقديمه للقضاء الدولي، وألقيت محاضرات عديدة عن الحرب وآفاقها، لاسيما بعد أن انتقلت الحرب لاحقاً إلى الأراضي العراقية، والمخاطر والتحدّيات المحتملة خارجياً وداخلياً، وكتبت عدداً من الدراسات في مجلة الهدف ومجلة الحرية وجريدة السفير وجريدة الحقيقة وجريدة تشرين وجريدة أنوال وغيرها، ناهيكم عن ملفّات خاصة عن حرب المدن وحرب الناقلات، وعن أوضاع الأسرى العراقيين والإيرانيين في ضوء الشريعة والقانون الدولي، وعن الحرب والنفط والحرب والقضية الكردية والحرب والصراع العربي- الإسرائيلي وبانوراما الحرب والحرب والحسم العسكري وغيرها...الخ وآمل أن أتفرّغ لجمع تلك المواد وتأطيرها وتعزيزها لتصدر كموسوعة خاصة في الحرب العراقية – الإيرانية، بعضها كُتب خلالها وبعضها بعد مرور سنوات عليها لاسيما تقييماتها، أو أن يتفرّغ أحد الباحثين للقيام بهذه المهمة، خصوصاً لتوثيق مواقف القوى والشخصيات العراقية. وسعيت بكل ما أستطيع في المحافل الدولية والعربية للترويج لفكرة أن هذه الحرب عبثية، ولن تخدم سوى القوى الامبريالية والصهيونية، وأن الجهود ينبغي أن تنصرف لوقفها دون تحقيق مكاسب منها، وأنها مدانة عندما بدأها الحكم في العراق في 22 أيلول (سبتمبر) العام 1980 وعندما أصرّت إيران على مواصلتها منذ انسحاب الجيش العراقي من الأراضي الإيرانية، بعد معركة المحمّرة (خورمشهر) العام 1982، وهي حرب تدميرية لطاقات الشعبين، وأن الحل المناسب هو الجلوس إلى طاولة مفاوضات طبقاً لقواعد القانون الدولي، دون نسيان حقوق العراق التاريخية والتي تم التنازل عنها في اتفاقيات سابقة، لاسيما اتفاقية 6 آذار (مارس) العام 1975، لكن الأمر يحتاج إلى وسائل سلمية لتسوية الخلافات. وكان رأيي ولا يزال أنه كلما كان العراق ضعيفاً، كلّما تمدّدت إيران داخله، والعكس صحيح. وكان العراق ولا يزال يحتاج إلى علاقات متوازنة ومتكافئة وإلى صداقة وحسن جوار ومشترك إنساني بين الشعبين على أساس حق تقرير المصير واحترام الخصوصية والسيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. نحن نحتاج لتغيير موقع إيران إلى صديق محتمل وليس عدواً قائماً وذلك لن يتم بالحرب أو بالوسائل العسكرية، بل بالعمل والتعاون على أساس المصالح، ولعل الكثير من المشتركات التاريخية والدينية تجمع إيران بالعراق، والأهم من ذلك هو المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، التي تحتاج إلى توافر بيئة سلمية ومدنية لكي تزدهر وتتعمق. أما الحديث عن عداء أبدي ونزعات ثأر وكيدية من الطرفين، أو محاولة هيمنة وتسيّد، فهذا لن يجلب سوى البغضاء والكراهية، وسنكون عندها أسرى للتاريخ، أكثر من التفكّر بالحاضر ورؤية استشرافية للمستقبل. لقد كانت رؤية معظم قوى المعارضة العراقية الرسمية مختلفة عن هذا التصوّر، فبعضها لاسيما القوى الدينية كانت تدعو إلى "استمرار الحرب حتى النصر" وهو ما ينسجم مع المشروع الإيراني. أما القوى الكردية فقد كانت أقرب إلى الرؤية الإيرانية آنذاك، في حين أن بعض المجموعات المحسوبة على سوريا كانت تدعو إلى "عدم توسيع رقعة الحرب". أما الحزب الشيوعي وبعد جهد جهيد وصراع داخلي حاد وانشقاقات ، فقد قدّم شعار وقف الحرب والإطاحة بالدكتاتورية، بعد أن كان الشعار بالمقلوب. كان يخيّل لي أن الحرب العراقية- الإيرانية بفعل استمرارها ووحشيتها واحتمالات إتّساع دائرتها كأنها مصارعة على الطريقة الرومانية القديمة، التي لا تنتهي الاّ بمقتل أحد الطرفين المتصارعين وإعياء وإنهاك الطرف الآخر حد الموت أحياناً، وهو ما كتبته في جريدة الحقيقة اللبنانية قبل انتهاء الحرب بعام واحد (تموز/يوليو/1987 وقبيل صدور قرار مجلس الأمن 598). وكانت الحرب التي امتدت 2906 (ألفان وتسعمائة وستة أيام) حدثاً من أخطر الأحداث والمنعطفات المأسوية الخطيرة التي مرّت بالمنطقة في تاريخها المعاصر، خصوصاً في حياة الشعبين العراقي والإيراني. ويمكن القول أنها كارثة شاملة من نمط الكوارث التي سيخصص لهاالتاريخ على مدى قرون مكاناً مهماً وحيّزاً كبيراً، خصوصاً ما أعقبها من سلسلة كوارث بدءًا بمغامرة غزو الكويت ومروراً بالحصار الدولي وانتهاءً بوقوع العراق تحت الاحتلال العام 2003. لقد بلغت الحرب العراقية – الإيرانية حدًّا من الشراسة والعنف قلّ نظيره وزادت مدّتها على الحرب العالمية الثانية. وشهدت تصعيداً خطيراً شمل المدنيين سواءً بحرب الناقلات وحرب المدن، واستخدم فيها السلاح المحرّم دولياً. وإذا كان العراق بعد " تحرير الفاو" واستعادتها من الإيرانيين قد وسّع من قصف المناطق الكردية ولاسيما قصف حلبجة بالسلاح الكيمياوي ليلة 16-17 آذار (مارس) 1988 وقام بدوره بقصف المدن والمناطق المأهولة بالسكان بصورة عشوائية واستمرّ بحرب الناقلات وهدد بمواصلتها ما لم تستجب إيران لنداءات السلام، وأقدم على ضرب الفرقاطة الأمريكية ستارك وسفينة تركية، فإن إيران التي رفضت قرار مجلس الأمن 598 الصادر في تموز (يوليو) 1987 واضطرّت إلى الموافقة عليه بعد عام واحد، أقدمت هي الأخرى على تصعيد لغة التهديد الحربي ولوّحت بإغلاق مضيق هرمز وحدد هاشمي رفسنجاني رئيس البرلمان أن المعركة الحاسمة ستتم خلال ثلاثة أشهر، بعد أن انتهى عام الحسم الإيراني، وقامت إيران بتصعيد قصفها للمناطق الحدودية أو قصف بغداد بصواريخ أرض – أرض وباحتلال المزيد من الأراضي العراقية في هجوم كربلاء (أواخر العام 1986) والتوجه لاحتلال جزيرة أم الرصاص في شط العرب والتوجه نحو البصرة وكذلك لاحتلال جزيرة الأسماك في هجوم نصر 4 (26 حزيران /يونيو/1987) كما احتلت نحو 20 كيلومتراً من كردستان. والأهم من ذلك أنها كانت ترفض أي حديث عن وقف الحرب، إلى أن أعلن الإمام الخميني موافقة إيران على قرار مجلس الأمن 598 حيث اضطر إلى تجرّع كأس السمّ كما قال، وهكذا توقفت الحرب في 8/8/1988. وإذا كانت الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل عنفية على حد تعبير العالم الستراتيجي كلاوزفيتز فإن الحرب العراقية- الإيرانية هي تطبيق عملي لهذا القول النظري المأثور، لاسيما ما عكسته سياسة البلدين، ولهذا صحّ عليهما أيضاً ما قاله السياسي البريطاني المعروف غلادستون من أن الحكومة قادرة على المبادرة في الحرب، لأنها خلال الأزمات الوطنية تتمتع بتأييد الشعب لمدة ثمانية عشر شهراً على الأقل، فإن هذا الأمر تم تجاوزه من الطرفين، وفقد شرعيته، خصوصاً في محاولة التوغل في أراضي الغير، في حين كان الحسم العسكري غير ممكن. فالقوات العراقية التي احتلت أراضي إيرانية اضطرت إلى التقهقر والتراجع، لإن إيران كانت تدافع عن أراضيها في حين أن القوات العراقية تحارب فوق أراض أجنبية وبدوافع غير عادلة وغير قانونية، وهو المصير ذاته الذي تعرّضت له القوات الإيرانية الغازية، التي لم تتمكن من تنفيذ مشروعها الحربي والسياسي. ولعلها أدركت ذلك منذ معارك شرقي البصرة في تموز (يوليو) 1982 التي راح ضحيتها 30 ألف جندي إيراني، لهذا غيّرت إيران تكتيكاتها فبدلاً من الموجات البشرية وقذف الألوف في أتون الحرب، أخذت تفكّر بسياسة القضم التدريجي.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الميثاق الاجتماعي العربي: تنازع شرعيتين
-
الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
-
معارضة الحصار
-
في بشتاشان
-
كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص
-
كلمة الدكتور شعبان في تكريم الاستاذ عزالدين الأصبحي
-
الأكراد في النجف
-
الحركة الطلابية
-
من هو العراقي؟
-
الحركة الوطنية بقضّها وقضيضها لم تكن ناضجة
-
ماذا بعد الربيع العربي!
-
قراءتنا للماركسية كانت أقرب إلى -المحفوظات-
-
المساءلة: عدالة أم انتقام؟
-
الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية (
...
-
حلبجة: العين والمخرز! - شهادة عربية حول حلبجة والأنفال
-
“إسرائيل” . . من حل الصراع إلى إدارته
-
البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية
...
-
الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما
-
العدالة وإرث الماضي
-
الجنادرية والروح الجامعة
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|