|
الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 20:04
المحور:
مقابلات و حوارات
الحزب الشيوعي وتشكيل الجبهة
حوار مع الأكاديمي والمفكر الدكتور عبد الحسين شعبان -11 أجراه: توفيق التميمي
(القسم 11) نظام عارف لم يكن بإمكان نظام عارف إجراء تحولات سياسية، كإجراء انتخابات (مع وعود البزاز بذلك) وتأسيس مجلس وطني (برلمان) والانتقال إلى الحياة المدنية وإجازة الأحزاب، مع أنه تم غضّ الطرف عن بعض نشاطاتها وحتى بعض ما تنشره أحياناً في الصحافة الرسمية. وأتذكّر أنني حضرت الاحتفال الكبير لتأبين كامل الجادرجي في حدائق قاعة الخلد ببغداد، وعندما جاء دور د. صفاء الحافظ (المختفي قسرياً منذ شباط/فبراير العام 1980بعد اعتقاله أكثر من مرة من قبل سلطة البعث) لإلقاء كلمة، قال الجميع إنها كلمة الحزب الشيوعي، كما استمعنا من يتحدث بإسم البارزاني. وبالمناسبة عند اغتيال محمد الخضري في بغداد (آذار/مارس/العام 1970) وأقيمت مراسيم الفاتحة في داره في محلّة القاهرة ببغداد في اليوم الثالث ألقى د. صفاء الحافظ كلمة بالمناسبة، كما ألقى عبد الرزاق الصافي كلمة أخرى، وألقى عبد الحسين شعبان كلمة ثالثة تنديداً بالقتلة واستحضاراً لمزايا الشهيد. كان نظام عارف الأقل دموية في الحكومات الجمهورية 1966-1968 وإذا ما احتسبنا فترة عبد السلام عارف فيمكن القول أنه من 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 ولغاية 1968، فستكون تلك الفترة على الرغم من جميع ثغراتها وعيوبها هي الأقل سوءاً، مع جميع اعتراضاتنا على موقف الحزب الشيوعي الذي قيّم نظام عارف إيجابياً، وأقمنا الدنيا ولم نقعدها يوم شطب شعار إسقاط السلطة من برامجنا، وإنني إذْ أتذكّر موقفي العام 1964 أشعر بقصور نظري وقلة تجربتي آنذاك، ولعل هذا الموقف كان سبباً في فتور علاقتي مع الحزب الشيوعي، لاسيما ما بعد خط آب (أغسطس) 1964، ولعل الأكثر تطرفاً كان مجموعة عزيز الحاج التي كنّا نميل إلى أطروحاتها، مع أن الكثير منّا كان لديه تحفظ حول ممارساتها مع جناح اللجنة المركزية التي كنّا نشعر هو الأقرب لنا تنظيمياً، وقد رفع جناح القيادة المركزية في إحدى التظاهرات العام 1968 شعار: يا فاشي شيل إيدك كل الشعب ما يريدك. وخلال فترة العارفين قاد عارف عبد الرزاق انقلابين، وفي المرتين فشل، لكنه بقي حيّاً وهو ما لم يحصل في السابق أو اللاحق، ولعل ذلك دليل على تسامح الحكم العارفي على الرغم عن كل ما قيل عنه. وعندما سألت عارف عبد الرزاق في صلاح الدين(إربيل) عندما كنّا نحضر اجتماعات المعارضة (المؤتمر الوطني الذي انعقد في تشرين الثاني/نوفمبر 1992) كيف كنت تنظّم انقلاباً هل هناك وصفة: قال بكل بساطة، فقد كنت أعرف من أين أبدأ، لكن بعض الأخطاء الفنية كانت تحدث أو يتقاعس البعض في التنفيذ فنفشل. وقد أطلق الحكم العارفي سراح أحمد حسن البكر وعدد من رفاقه الذين اتهموا بمؤامرة 5 أيلول (سبتمبر) 1964، ولعلي بمراجعة هذه الفترة وأحداثها أستطيع القول أنها كانت أقل الفترات الجمهورية دموية، بل شهدت صراعاً سلمياً ومدنياً وإن كان كبت الحريات سائداً وتحريم الأحزاب والحزبية باستثناء الاتحاد الاشتراكي العربي، ولعل تلك الفترة كانت ارهاصاً مثلما أراد البزاز، لكي تتحول دفّة البلاد من العسكر إلى المدنيين، على الرغم من أن غالبية القوى لم تكن تؤمن بذلك. وكان البزاز شخصية متوازنة، أكاديمية ووطنية، واثقاً بنفسه، لكن حظّه من الاستمرار كان ضعيفاً، لاسيما وأن أولى محاولات بناء حياة مدنية طوّقها العسكر، بالاتيان بعارف (الثاني) رئيساً كما كان إلغاء نتائج انتخابات الطلاب في اليوم الثاني بعد فوز اتحاد الطلبة إشارة صريحة ووأضحة أن مشروع البزاز ليس للتطبيق، وقد كتبت إحدى الصحف، أن القوى "الشعوبية" بدأت ترفع رأسها من جديد. وإذا كانت بعض إجراءات النظام قد أثارت ردود فعل مثل التأميمات لبعض المرافق الصناعية والاقتصادية والمصرفية العراقية، فإن مثل تلك الاجراءات كانت نسخة مستنسخة للتجربة المصرية، وفي حين تضرر تجار الشورجة الذين تعود أصول الكثيرين منهم إلى الطائفة الشيعية، اعتبرت بعض القوى الدينية والمرجعيات تصريحاً أو تلميحاً بأن التأميم كان إجراءً مقصوداً وهو ما عزفت عليه بعض التيارات الدينية لاحقاً، مثلما وقفت ضد قانون الاصلاح الزراعي الصادر في 30 أيلول (سبتمبر) العام 1958، ولعلها استغلّت بعض الاجراءات التمييزية في تلك الفترة بما فيها تسفير الآلاف من الأكراد الفيلية باعتبارهم من "التبعية الإيرانية"! وهي إجراءات سيئة ومدانة لمنافاتها لشرعة حقوق الإنسان الدولية، وبعضها يعود إلى فترة اشتداد الحرب في كردستان وقبل بيان 29 حزيران (يونيو) 1966، الأمر الذي روّج كثيراً لقصيدة الشاعر عباس ناجي الشهيرة، وإن كنّا نأخذها بما تركت شعبياً أحياناً من ردود فعل: يقول فيها: لو عندي ذرّة من العقل جا سجلت تكريتي، حيث ساد لقب التكريتي والعاني والراوي والدليمي، مثلما تسود اليوم ألقاب من الموسوي والحسيني وغيرها، بما لكل من دلالة وصفة. التحالف مع البعث * كيف تقارن ذلك مع سنوات حكم أحمد حسن البكر؟ هل كانت سنوات رخاء ووفرة نفطية أي " سنوات خير" كيف تنظر إلى ذلك الآن؟ - حاول حزب البعث بُعيد وصوله للسلطة ، الزعم بأن ثورته هذه المرّة بيضاء، في مقارنة بحمامات الدم التي انتشرت في العام 1963، لكنه سرعان ما انكشفت الأساليب التي إتّبعها، لاسيما في البداية ضد عدد من الأحزاب والشخصيات القومية والناصرية، حين قام باعتقال العشرات منها، وقد روى الصديق أحمد الحبوبي القطب الناصري العروبي في كرّاسه " ليلة الهرير" محنة السياسي الأعزل في مواجهة سلطة عاتية لا تحدّها حدود. بدأ الأمر على الناعم كما يُقال، فقد انفضّ التحالف الهش بين حزب البعث وعبد الرزاق النايف الذي أصبح رئيساً للوزراء لمدة 13 يوماً بانقلاب داخل الانقلاب يوم 30 تموز (يوليو) 1968، وكذلك أعفي الجنرال ابراهيم الداود من منصبه واغتيل ناصر الحاني وزير الخارجية، وطالت الحملة حردان التكريتي لاحقاً ووصلت إلى صلاح عمر العلي وزير الاعلام وأحد زعامات البعث آنذاك، مثلما ترافقت مع مذبحة جماعة القيادة المركزية، خصوصاً بعد انهيار عزيز الحاج وخروجه على شاشة تلفزيون بغداد محاوراً مدير الاذاعة والتفزيون محمد سعيد الصحاف، في 3 نيسان (ابريل) 1969 وقتل تحت التعذيب عدد من شخصيات القيادة المركزية وردت أسماؤهم في سؤال آخر من هذا الحوار. كما اختفى قسرياً الكادر العمالي الشيوعي عبد الأمير سعيد واغتيل ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العام 1969 وبعدها اغتيل محمد الخضري 1970، كل ذلك لم يمنع الحوارات والمفاوضات مع حزب البعث، الذي حاول قمع تظاهرة ساحة السباع وقمع الاضراب العمالي لعمال الزيوت بالرصاص، وكذلك قمع التظاهرات المرحّبة باتفاقية 11 آذار (مارس) العام 1970 ، وهو اتفاق تاريخي حظي بتأييد شعبي. وكان للديماغوجيا دور في القمع والتضليل فإبتدع حزب البعث الحوار المباشر مع الجمهور تحت عنوان "أنت تسأل والحزب يجيب"، ولاسيما في المناطق الشعبية، خصوصاً في مدينة الثورة (صدام لاحقاً وفيما بعد مدينة الصدر). لكن تلك الاجراءات القمعية وما أعقبها من حملة ضد الحزب الشيوعي لاحقاً، ترافقت أيضاً مع إجراءات إيجابية سياسية واجتماعية واقتصادية، ولعل أهمها إطلاق سراح المعتقلين الشيوعيين وغيرهم بعد 17 تموز (يوليو) 1968 وإعادة المفصولين إلى وظائفهم وبدء حوار مع الحزب الشيوعي وبعض القوى الوطنية والوعد بانفراجات سياسية، ثم الاعتراف بألمانيا الديمقراطية، وإصدار قانون إصلاح زراعي لسنة 1969 وهو قانون أكثر جذرية وأقل عيوباً من القانون القديم، وأقرب إلى مصالح الفلاحين، وسنّ قانون جديد للعمل يعتبر متقدماً لصالح العمّال في حينه، وكذلك قانون للضمان الاجتماعي فيه الكثير من الايجابيات وإقامة علاقات وطيدة مع الدول الاشتراكية ومساعدة بعض الحركات التحررية. وعلى الرغم من أن الطريق كان شائكاً للوصول إلى تحالف شيوعي – بعثي، ليس بسبب الماضي المأساوي، بل بسبب "الحاضر" آنذاك، فلم تسلم منظمات الحزب الشيوعي من الحملات المستمرة، مع استمرار صدور "مجلة الثقافة الجديدة"، التي أعيد الترخيص لصدورها. وكان حزب البعث يعوّل على مؤتمر الحزب الثاني (1970) للوصول إلى اتفاق. ومع أن المؤتمر لم يرفع شعار إسقاط السلطة، لكنه أعلى من نبرته الانتقادية وشدّد من لهجته إزاء الانتهاكات وهو ما عكسته جريدة طريق الشعب السرية، ولعل ضغوطاً كثيرة مارسها حزب البعث للوصول إلى صيغة اتفاق، وذلك حين طرح مسوّدة مشروع ميثاق عمل للجبهة الوطنية، في أواخر العام 1971، واحتوى المشروع على نقاط اعتبرتها قيادة الحزب صالحة للحوار والتفاهم، ولم يكن بعيداً عن هذه الضغوط، ضغط الرفاق السوفييت، الذين كانوا يشيرون على رفاقنا الأخذ بالتحالف وهو ينسجم مع أطروحاتهم حول "الديمقراطيين الثوريين" و"طريق التطور الرأسمالي"، ولعل الرفيق باقر ابراهيم عضو المكتب السياسي كان صريحاً في حينها خلال جولة إشراف له، وهو ما جرى نقاش وحوار معه وبعده، لاسيما في الاجتماع الذي دعا اليه د. مهدي الحافظ وكان قد أصبح عضواً للجنة المركزية وبحضور د. صفاء الحافظ وسعيد اصطيفان وكريم حسين وعلي حنوش وهناء أدور بوشه وحميد بخش وحميد برتو ونوزاد نوري وسهيلة البرّاك وخليل الجزائري وسعدون صادق وجوهر شاويس وخالد السلام وعبد الحسين شعبان وآخرين لا تحضرني أسماؤهم في هذه العجالة. في 15 نيسان (ابريل) العام 1972 قبل الحزب المشاركة بالوزارة بترشيح عامر عبدالله ود. مكرم الطالباني بعد أن كان قد تنصل عن استيزار عزيز شريف العام 1969، وكانت خطوة قبول الوزارة وصدور جريدة الفكر الجديد (بيرنوى) الاسبوعية أرضية للوصول إلى التحالف المنشود، لكن الخطوة التي لم يعد الحزب يقاوم اغراءها ، حتى وإن كان متحفظاً، هي تأميم النفط في 1 حزيران (يونيو) العام 1972، وعلى الرغم من تعثر المفاوضات، لكن حركة ناظم كراز في 30 حزيران (يونيو) العام 1973 جددت الحوار خصوصاً بعد الاعلان عن إغلاق قصر النهاية السيء الصيت وعجّلت في إعلان ميثاق الجبهة الوطنية وحلّ بعض الاشكالات العالقة. لا تنسى أن الحزب الشيوعي كان منهكاً، فالجسم الأساسي من الحزب كان مع القيادة المركزية، وقد تعرّض الحزب إلى هجوم عنيف قبيل وبُعيد آذار (مارس) العام 1970، ومع أن مؤتمره قرر التعاون، مع بعض التحفظات التي اشترطها، تلك التي سرعان تبخّرت مع مرور الايام، لاسيما عندما تم طرح مشروع ميثاق العمل الوطني للجبهة. وأظن أن الحزب لو بقي على موقفه الذي قرره المؤتمر الثاني لكان أكثر انسجاماً مع نفسه، لكن نوري عبد الرزاق وعامر عبدالله رويا لي أن صدام حسين في إحدى اللقاءات وبمكتب عبد الخالق السامرائي، خاطبهما: نحن نريد تحالفاً ستراتيجياً ولا نقبل بأقل منه ولا نريد منكم أن تؤيدونا على هذا الموقف وتعارضونا على غيره فإما أن تتحالفوا معنا وتتحملوا المسؤولية، والاّ فلا حاجة لنا بالجبهة ولا نريد أن نضيع الوقت بالمفاوضات. وكان ذلك يعني: إما الرضوخ والتخلي عن الاستقلالية مقابل بعض المكاسب، أو سيكون لكل حادث حديث كما يُقال، وبهذا المعنى عليكم الانتقال إلى المعارضة وتحمّل تبعات ذلك، وهو يعرف أن الحزب وقيادته ليسا في وارد المجابهة لاعتبارات كثيرة. ولعلي كنت قد أشرت في وقت سابق وفي كتابات عديدة ومنذ سنوات إلى مفارقة حقيقية، وهي أن الحزب الشيوعي الذي تخلّى عن موضوع استلام السلطة، ظلّ لعابه يسيل إزاء أي سلطة، منذ عهد قاسم وفيما بعد في عهد عارف والمحاولات للقاء أو حتى للاندماج مع الاتحاد الاشتراكي العربي، وخلال سلطة البعث، وفيما بعد مع الحركة الكردية وحتى عندما افترق الاتحاد الوطني الكردستاني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني وتم تشكيل حكومتين، كان له وزيراً في كليهما وكان يحصل على دعمهما، ولم يتردد من قبول الانضمام إلى مجلس الحكم الانتقالي والمشاركة في وزارات ما بعد الاحتلال، وحتى اليوم فإن عينه على المناصب الحكومية، ولذلك تبريرات وذرائع مختلفة. ولعل رصيد الفرد يزداد لديهم كلّما كان قريباً من مركز حكومي، وقد كان عامر عبدالله يتحدث بحسرة قائلاً: أترى كل هؤلاء المنتقدين والمسيئين لي، فقد كانوا أكثر من غيرهم يقدّمون الولاء لي، بل يتبارون بالحديث عن فضائلي ويسعون بالدور، للقاء بي لحل قضاياهم أو الحصول على امتيازات أو تسهيل مهمات أو غير ذلك. ومثل هذا الأمر قد يلمسه الانسان في أي موقع يكون، وهو ما دعا صلاح عمر العلي للقول: إنّ من يخبّلك ليس السلطة، بل من يمجّدونك خلال وجودك فيها أو قريباً منها. وقد لمست شخصياً كيف جرى الحديث عن فضائل البعض عندما أصبحوا قريبين من السلطة، بعد أن كان الحديث الغالب عن مساوئهم، والأغرب من ذلك هو من جانب نفس الأشخاص الذين يتطرفون في الحديث عن المفاسد فيقبلون في الحديث عن المحاسن، ويراهنون على صدأ الذاكرة. ومع أن المزاج الداخلي لم يكن مع تشكيل الجبهة، لكن هذا المزاج ليس هو المقرر والقيادة هي دائماً التي تنفرد بمثل هذه القرارات المصيرية، ومع الطريق الآخر أي غير التحالف كان يتطلب استعداداً لم يكن الحزب مستعداً له، ولكن كان يقضي الأمر الاستعداد للتحالف إن كان خياراً، وحتى بعض المترددين أو غير المشجعين للتحالف، اندفعوا بعده حتى وإن انقلبوا عليه لاحقاً فمارسوا ذات الأساليب " للإقناع" ولكن على الطريقة الستالينية. جاءت ثورة النفط بالمليارات ولم يدر بخلد أحد أنها ستستخدم بالمقلوب بعد بحبوحة أولى: مؤسسات تعليمية وتربوية وبعثات دراسية وخدمات صحية وبنى تحتية ومشاريع اقتصادية، لكن آلة القمع وأدوات التعذيب زادت فتكاً واستخدمت كل وسائل " الحداثة" لتشغيلها، ولم يكن ذلك بمعزل عن أصدقاء واشتراكيين مثل " جمهورية ألمانيا الديمقراطية" وكانت فرق التدريب تذهب وتأتي مثل كتلة النحل وهي تلاحق " الملكة" لتلقيحها، وهذه الفرق بمن فيهم بعض الأساتذة الذين كانوا يدرّسون في معاهد الأمن والمخابرات، من لاحق الشيوعيين وكتبوا التقارير عنهم، ولكن بعضهم انتقل إلى المعارضة لاحقاً وبكى كثيراً، لأنه كان مُجبراً، لكنه عاد ومارس ذات الأعمال بالتعاون مع وكالات خارجية هذه المرّة وبغطاء من بعض القوى السياسية. كل اراد مخرجا * العام 1979 كان عاماً فاصلاً لعلاقات القوى السياسية بعضها مع البعض الآخر، لاسيما بعد اغتصاب صدام حسين للسلطة وإزاحة البكر... كيف تنظر وتفسّر سسيولوجيا الامتداد الاسلامي في هذا المقطع الزمني الهش والمرتبك من تاريخ العراق، خصوصاً بعد نجاح الثورة الاسلامية في إيران؟ وكيف يمكن قراءة المشهد من وجهة نظرك كخبير في ميدان حقوق الانسان، خصوصاً إعدام العديد من الزعامات الدينية والمئات بل الآلاف من المتدينين باسم الانتماء إلى حزب الدعوة؟ - حقاً كان العام 1979 فاصلاً بين مرحلتين من تاريخ حكم حزب البعث في العراق، وإذا كان للمرحلة الأولى سلبيات كثيرة، فإن لها بعض الإيجابيات التي لا يمكن للباحث المتجرّد أن يتجاهلها، لاسيما بوادر النهضة العلمية التي شهدها العراق وارتفاع معدّلات الأجور وبعض حقوق المرأة وزيادة نسبة الاناث، لاسيما في المجالات التعليمية والادارية وانخفاض مستوى الأمية إلى درجة كبيرة باعتراف منظمة اليونسكو، وخصوصاً بين من هم في سني الدراسة، وبناء مشاريع ومرافق حيوية في ظل بنية تحتية جرى العمل على تحديثها وتعزيزها. لكن خط التطور التدريجي هذا انقطع منذ أن استلم صدام حسين دفة الأمور، وسارت البلاد في حروب ومغامرات داخلية وخارجية بدءًا من مجزرة البعثيين في المؤامرة العام 1979 وذلك عشية استلامه السلطة ومروراً بالحرب العراقية- الإيرانية وغزو الكويت وتجرّع الشعب العراقي مأساة الحصار وصولاً إلى وقوعه تحت الاحتلال. كما كانت تتويجاً للحملة التي ابتدأت في أواخر عهد البكر في العام 1978 والعام 1979 ضد الحزب الشيوعي، وشملت حملات التوقيع على المادة 200 نحو ربع مليون مواطن عراقي، اضطروا على وضع إمضائهم على تعهدات بعدم العمل في أي حزب سياسي باستثناء حزب البعث والاّ فإنهم يعرضون أنفسهم للإعدام، وحدّدت قيادة البعث بافتخار أن لا يمرّ العام 1980 الاّ ويكون قد تم القضاء على الحزب الشيوعي، التي اضطرّت قياداته وكوادره إلى مغادرة البلاد إلى المنفى، وشمل عدد الذين كانوا على ملاك الحزب في الخارج ما يزيد عن 9 آلاف شخص جلّهم من الاختصاصيين والكوادر العلمية وحملة الشهادات العليا، فضلاً عن توجه العديد من الرفاق إلى كردستان ولاحقاً افتتاح مقرّات للحزب في الجبال وانتقال أعداد غير قليلة إلى العمل في قوات الأنصار الشيوعية (وبلغ أكثر الأرقام حضوراً نحو 2000 شيوعياً). ولكن لماذا حدث التحالف ولماذا انفضّ وهو سؤال لا يزال حاضراً؟. كان حزب البعث يحتاج بعد سلسلة من الاجراءات القمعية والإيجابية إلى تحالف يخرج به من المحلية إلى العربية، ومن العربية إلى العالمية، ولم يكن يجد عوناً له في تلك المرحلة غير الحزب الشيوعي، لاسيما وكانت علاقاته تتصدع مع الأكراد داخلياً ويستمر التنافر والتنافس بينه وبين سوريا بعد علاقة محمومة مع حكم الرئيس جمال عبد الناصر الذي توفي في 28 أيلول (سبتمبر) العام 1970. وعلى الرغم من علاقات جيدة مع الاتحاد السوفيتي والقوى الاشتراكية، لكن تأميم النفط المحطة المهمة لرفع درجة العلاقات ، إضافة إلى شراء كميات ضخمة من الأسلحة السوفيتية. من جهة أخرى كانت قيادة الحزب الشيوعي تحتاج إلى مثل هذا التحالف، فقد ظلّت منهكة بين العمل السري والعمل شبه العلني، لاسيما بعد صراع محموم مع القيادة المركزية، وبعد ذلك تعرضت إلى حملة دموية من حزب البعث الحليف المفترض، الذي أراد أن يتحالف مع الحزب الشيوعي وهو في أضعف حال. وهكذا كان التحالف مشوباً بعناصر الشك من اللحظات الأولى، واشترط حزب البعث بعض الاشتراطات التي وافق عليها الحزب الشيوعي، منها تحريم العمل في الجيش، وقيادته للجبهة والدولة والمجتمع حيث يلعب دوراً متميّزاً باعتباره هو الذي فجّر ثورة 17-30 تموز(يوليو) التي أصبحت ثورة بقدرة قادر. وغيّرت قيادة الحزب الشيوعي تقويمها ثلاث مرّات، فمن وصفه للحركة التي جرت في 17 تموز (يوليو) بالانقلاب، إلى التغيير الثوري ومنه إلى ثورة، ولم تكتفِ قيادة الحزب بذلك، بل أضفت عليها مواصفات الثورة المتميّزة وطليعة العالم الثالث، وذهب التثقيف الداخلي إلى وصف صدام حسين باعتباره كاسترو العراق، واليساري والمجدد في حزب البعث وابن العائلة الكادحة مشيدة بجذوره الطبقية، حتى أن قيادة الحزب الشيوعي عند اصطدامها بالحزب الديمقراطي الكردستاني، دفعت أنصارها إلى حمل السلاح ضد الحركة الكردية وقاتلت ما سمي " بالجيب العميل" وعند الانتهاء تم تسليم أسلحة الأنصار الشيوعيين إلى الحكومة، ولاسيما بعد اختفاء 12 رفيقاً قسرياً كانوا عائدين من الدراسة في موسكو، وقيل أن عيسى سوار من قام بتصفيتهم، بينهم أحد أصدقائي شيروان جميل بالطه، الذي كان ضمن تنظيماتنا في الستينات في الثانويات،. وظلّت قيادة الحزب بلا أجوبة إزاء موقفها الممالئ والمنحاز إلى قيادة حزب البعث عند التوقيع على اتفاقية 6 آذار (مارس) التي فرّطت بحقوق العراق في المياه واليابسة، لاسيما بشط العرب، ناهيكم عن تبعاتها السياسية فيما يتعلق بتسليم المعارضين في كلا البلدين إلى حكومتيهما وصولاً إلى المساومة على ثورة ظفار وكذلك على الجزر العربية الثلاث (أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) التي ما انفكّ النظام العراقي السابق يملأ الصفحات ويسدّ الأذان بالحديث عنها، لكنه سكت عنها عند توقيع اتفاقية الجزائر بين صدام حسين نائب الرئيس وشاه إيران محمد رضا بهلوي.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معارضة الحصار
-
في بشتاشان
-
كلمة تحية بمناسبة تكريم الدكتور سليم الحص
-
كلمة الدكتور شعبان في تكريم الاستاذ عزالدين الأصبحي
-
الأكراد في النجف
-
الحركة الطلابية
-
من هو العراقي؟
-
الحركة الوطنية بقضّها وقضيضها لم تكن ناضجة
-
ماذا بعد الربيع العربي!
-
قراءتنا للماركسية كانت أقرب إلى -المحفوظات-
-
المساءلة: عدالة أم انتقام؟
-
الماركسية تحررت واستعادت عافيتها بعد تخلّصها من البطريركية (
...
-
حلبجة: العين والمخرز! - شهادة عربية حول حلبجة والأنفال
-
“إسرائيل” . . من حل الصراع إلى إدارته
-
البارزاني في ذكرى رحيله الثالثة والثلاثين..الكاريزما الشخصية
...
-
الأمن أولا والحرية أخيراً.. والعنف بينهما
-
العدالة وإرث الماضي
-
الجنادرية والروح الجامعة
-
العدالة الانتقالية وخصوصيات المنطقة العربية
-
العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|