|
مقدمة جدية في تحليل جذور شخصية ابراهيم عرب
عبدالله الداخل
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 18:01
المحور:
الادب والفن
1 إسمه: لا بد أن السيد عرب كان رجلاً ذكياً جداً عندما أطلق إسم "إبراهيم" على خيرة أبنائه الذي لم يكن يملك مقهى انترنت ولا حتى "موقع" انترنت، بل مقهى عادياً: "كرويتات" وحصران وشاي يوضع على مناضد قديمة ربما ثـُبِّتتْ عليها بالمسامير منافضٌ مصنوعة من "الفافون"! وربما كانت هناك نركيلة أواثنتان. وما هو مؤكد طبعاً أن السيد ابراهيم كان يروي لزبائنه قصصاً صادقة مليئة بالحكمة، مع اعتذاري لمن جاء من نسل "النبي إبراهيم"، جَدّ كثيرٍ من الأنبياء والأذكياء والأغبياء والمفكرين بأنواعهم واللامفكرين بأنواعهم، الأب العاقل، المفكر العظيم الذي أثبت حكمتـَه عندما أخذ إبنه الوحيد اسماعيل الذي يُقال انه كان إبناً مطي عاً، الى مكان ناءٍ كي يذبحه قرباناً لله فهذا ما أمره الله به لاختباره وعندما همّ بذبحه والسكين بيده على رقبة الشاب وضع الله له كبشاً ذا قرون طويلة على مقربة منه (أرسله له من الجنة، والواقع اني لم أكن متأكداً من وجود أكباش في الجنة لأني لم أكن قد تعمقتُ في دراسة اللاهوت، كي أعرف أن الأكباش لا بد أن تكون في الأصل بشراً من الملحدين أو الزنادقة أو الكفرة أو الهراطقة من بقايا أتباع أديان مختلفة، أولئك الذين مسخهم الله أكباشاً ليذبحهم المؤمنون مرة أخرى هناك في الأعالي!) ومن حسن حظ اسماعيل في هذه الدنيا أن الكبش كان "يمعمع" ولهذا انتبه الأب، وهو رجلٌ دقيق الملاحظة، لوجود الكبش وشكر الله على هديته في اللحظة الحاسمة، وإلا لحدثت مصيبة كسائر المصائب التي مرت (وما زالت تمر في كل مكان خاصة في العراق) دون أن يدري بها أحدٌ بأي شكل، فكم مرة في التاريخ نـُحِرَ الانسانُ الذي يُكثر من التساؤل (يتساءل حتى بعد تحذيره) كالخروف، أو الذي آمن بالله لكنه كان موحِّداً بشكل مختلف؛ ولم يُتِح الله الفرصة لمن يقوم بالتحليل الصحيح ووضع النقاط على الحروف إلاَ بعد قرون طويلة دونها قرون ذلك الكبش! لأن ما زادَ من طول القرون هو سر عظيم: إنها العقلية التي يتمتع بها من يصل الى قمة المجتمع كما وصل محمود بن الحولة الى قمة المجتمع العراقي في السابع عشر وفي الثلاثين من تموز 1968، ثم إزاحته لخصومه في تموز المبارك من عام 1979 قائلاً لهم: "كلكم غنم".
وُلِدَ اسماعيل عندما كان ابراهيم في السادسة والثمانين، وعندما نضيف لها عشرين عاماً، أو نحوها، وهو عمر اسماعيل يوم قرر أبوه ذبحَه، يُصبح عمر ابراهيم عند الحدث المقدس هذا، المحاولة الجدية في إثبات الايمان هذه، مائة وستة أعوام! وهو أمرٌ وعمرٌ عادي لأنبياء تلك الأيام التي كان باقي الرجال المحظوظين فيها يظلون على قيد الحياة حتى الأربعين أو الخمسين، أو أكثر في بعض الحالات النادرة، فالنبي نوح، سلامنا عليه، عاش أقل بقليل من ألف سنة.
وبسبب هذا النوع من الحكمة التي ما زالت سائدة في عالمنا، بل تتجسد أوضح فأوضح منذ أكثر من عشرين عاماً، يسمي كثيرٌ من الرجال أولادَهم باسم ابراهيم، نبي الجميع، ويُعتبر جد الجميع، عاقلين ومجانين، في الأرض "المقدسة" التي أنجبت لنا ثلاثة من أروع الأديان في تاريخ الفكر البشري حيث ما زال الناس، وأعدادهم بالبلايين من المؤمنين بها، يعيشون سعادة غامرة وحيث مستقبل البشرية يلمع في الأفق بمزيد من السعادة المتمثلة (مع تضاعف سكان العالم) بالمساواة بأنواعها خاصة مساواة النصف الضعيف من المجتمع بنصفه القوي.
و"إبراهيم" هو إسمٌ له أشكال كثيرة تختلف باختلاف اللغات والأديان وألوان البشر، وهذه نماذج منها فقط: إبراهيم، براهم، أيْـبْـرَهَمْ (Abraham)، أبراهام، برهوم، ابرام، وأخيراً وليس آخراً: بهرم، وهو مقلوب على طريقة بعض الآسيويين في الولايات المتحدة وبريطانيا (من شبه القارة الهندية والصين وما بينهما) فيقولون، مثلاً: I will ax him. أي سأقتله (أستأصله) بالفأس! بدلاً من: I will ask him.
أو على طريقة اخواننا الكورد، أي مثلما يُقال "رُعْب" بمعنى "رُبْع"! و"بهرم" هو اسم مسؤول اقليمي مهم ومؤسس جامعات مهمة وقد يكون له مستقبلٌ شديد الاشراق في تاريخ العراق، خلال الـ"رُعْبِ" الأول من القرن الحادي والعشرين، الحالي!
أما اسم اسماعيل فقد عجزتُ عن إحصاء أشكال اسمه: من "إشمايل Ishmael" في الانكليزية (وهو في الجملة الأولى من رواية "موبي دِك" لهرمَن ملفل: Call me Ishmael لكي يوحي الروائي بكل احتمالات البراءة المقدسة) الى شميّل في جنوب العراق وبينهما أسماء كثيرة، معظمها يعود الى شعب الله المختار!
لكن الملاحظة المهمة التي لفتت انتباهي هي في الطريقة التي يدرب بها البط فرخه على العوم والغطس تحت سطح الأوامر الواردة من العقل الكامن عند سيطرته التامة على الأب خارج ساعات النوم (أو السكر الشديد) لكنه يقول أن هذه الاوامر قد جاءته في ساعة نوم. إذن فعبقرية ابراهيم تكمن في إدراكه (قبل فرويد ومن لف لفه بآلاف السنين) هذا الفرق بين طبيعتـَيْ ما يمكن أن يحصل لرجل "عاقل" في ساعات النوم وما يحصل له في ساعات الجنون!
إذن فإذا صحّت اسطورة ابراهيم في الشروع في جريمة قتل ابنه الوحيد واذا صح القول أن أنبياء وسادة البشر الذين جاؤوا من الأرض "المقدسة" وحملوا لنا ثلاثة أديان كبيرة ما زال يؤمن بها أكثر من نصف سكان كوكبنا، هم من نسل هذا الرجل، إذن فما جرى في معظم "التاريخ" الذي نعرفه، وما يجري اليوم، هو أمرٌ طبيعي جداً ولا يدعو للدهشة أو الاحتجاج! وهذا ما يجب فهمه بحذافيره من قبل الأب والأم اللذين ينتظران في باب مبنى الطب العدلي في بغداد في إحدى محاولاتهما الكثيرة وزياراتهما الغفيرة لأماكن أخرى أيضاً مشابهة للطب العدلي في وظيفتها. هذا ما يحصل في الشرق أما في الغرب فإن العائلة الصغيرة سوف تفهم المعنى الحقيقي لكلمة "شتات" عندما تقلد العوائل الأخرى في مختلف بلدان "الشتات"-"المتحضرة" وتدرك سبب غياب التفاهم Lack of Communication بين أفراد العائلة، حيث الأولاد لا يريدون إنفاق خمس دقائق في سماع خلاصة خبرة أبوين تعلماها في خمسة عقود، وأن هذا السبب يعود إلى إبراهيم نفسه!
كما أن هناك ملاحظة مهمة أخرى وهي دقة الفرق بين طاعة الجندي العراقي وطاعة الشرطي العراقي التي شخـّصها العراقيون فسمّوا الجندي "أبو خليل" والشرطي "أبو اسماعيل"! وكلاهما يعود الى نفس الرجل العظيم ذاك.
و"الخليل" هو إبراهيم العاقل نفسه، لأنه كان "خليل الله"، أي كان يأكل ويشرب معه، وكانا يقضيان الوقت سوية! لكن هذه العلاقة الخليلية التي أنتجت كل تلك الحكمة لم تكن متكافئة كما ينبغي أن تكون لأن شخصية الله كانت هي الطاغية، فكان ابراهيم هو الذي يصغي لما يقوله الله، بل كان يطيعه طاعة عمياء، وهذا هو سر طاعة الجنود! العلاقة الخليلية، أو ما يشبهها، تربط حوارَنا الذي يبدو متمدناً أكثر من غيره، بالله الذي يدخل في كل شيء: فأنت ستقرأ إعلاناً يُحيط بهذا الموضوع، بالاضافة الى إعلانات بريئة عن SEXY ARAB GIRLS، وغيرهن من مختلف الجنسيات، إعلاناً يقول: "هل قرأت الانجيل يوماً؟ القرآن يأمرك بقراءته في سورة يونس 94، أطلب الانجيل مجاناً"!
ملاحظة أخرى مهمة: بما أن إسماعيل هو إبن إبراهيم، حيث تطورت طاعة اسماعيل الموروثة من أبيه الى درجة غير معقولة وهي درجة الاستسلام للموت، وهي حقيقة أخرى أدركها العراقيون عند تسميتهم للشرطي، فهذا انما يعكس حقيقة مهمة عن طبيعة الشرطة ("الأصدقاء الأوفياء" لرجال البزنس الكبار جداً Men’s best friends، الى جانب رجال الدين) خاصة إذا كان الشرطة بنوعيهم: العلني الشبيه بالجنود، رغم اختلاف لون الملابس، وغير العلني من أصحاب "القلم" ورُعاته ودعاته وحُماته وقضاته وشـُقاته! وبشكل أخص عندما يكتب الشرطي بالـ"تفصيل" عن المثقفين، كما رأينا في حالة "الدكتور" أكرم المشهداني! لأن ما يُقابل هذا الـ"تفصيل" هو "الخبن" وهو كتابة رسائل قصيرة تمتاز بالتركيز وتؤدي في أغلب الأحوال، كما هو معروف، إلى الاعتقال الذي كان يُطلـَق عليه قديماً "إلقاء القبض"! أي كما تـُلقى الشبكة نيابة ًعن الله في تسهيل عملية "القبض" عندما يقرر الله أن يصطفي الى جواره خليلاً له فيقوم أبو اسماعيل بالخطوة القلمية الأولى التي تمهد لارسال ملاك على هيئة رجل يحمل سكيناً أو مسدساً (أو ما شابه)، وهذا الملاك قد ينشطر في الطريق ويتحول الى عدة ملائكة مدججين بأحدث الأسلحة يحتلون نقطة من نقاط طريق عام (أحدهم يحمل صنارة بحجم رأس رجل خاصة بسحب الانسان من أحد عظام جسده، وهي صنارة مهيبة مصنوعة في الأرض المقدسة) لايقاف من يقع اصطفاء الله عليه في ساعة مباركة، فيُسرعون في إيصاله الى جواره الى درجة انهم لا يمنحونه الفرصة الكافية لاعلان طاعته المطلقة الأخيرة بصوت مسموع فيأتي هذا الاعلان بشكل منقوص فيُسمع الـ"رُعْب" الأول منه فقط ("أشهد أنْ لا إله...")، إذ تتكون جملة الطاعة المطلقة الختامية من أربعة أقسام أساسية، وعندذاك، في ذلك الجزء من الثانية بالذات، تمر السكين، وما إليها، بسرعة البرق، أو "يُدفر" الكرسي الذي يقف عليه "المصطفى" أو تهبط المنصة بسرعة خاطفة كما حصل في آخر لحظة من حياة عبدالله المؤمن الذي لم يَقــُلْ، في كل حياته الطويلة منذ ما قبل الأيام الطويلة، شيئاً صادقاً واحداً، ذا معنى، سوى ذلك القسم الأساسي الأول، ذلك "الرعب"، تلك العبارة، المتكاملة، الأخيرة، في طريقه إلى الآخرة!
#عبدالله_الداخل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين والجنون - 4 المدينة - 2
-
هل صحيح أن الخطر على القطيع يأتي منه وليس من الذئاب حوله؟
-
مختارات من -الوصايا-
-
أسماك الزينة - إلى كتّاب الإنترنت
-
لماذا وقعت زوجة القس في حب ملحد (قصة مملة!)
-
مقدمة في -سودونية- أحمد شوقي
-
ملاحظات في العلمزيف 2 Notes on Pseudoscience
-
القصيدة
-
أربع كلمات غير قابلة للقراءة
-
ملاحظات في العلمزيف Notes on Pseudoscience
-
التفتيش
-
الدين والجنون 3- زفاف الغراب - نسخة عادية للإستهلاك المحلي
-
-قدر- الشعب العربي
-
ومَضاتٌ في ظلام الذاكرة
-
الدجل في نقد الدجل
-
الدين والجنون -2- المدينة
-
في الله والعلم
-
الدين والجنون - زفاف الأمير – مختارات من النسخة الخاصة التي
...
-
غربان البي بي سي والقطط وقطعة الجبن
-
مقاطع غير صالحة للنشر من الوصية الثالثة -4-
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|