ميسون البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 10:35
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مع إشتداد الهجمة الطائفية في المنطقة العربيه وإتساع رقعتها بفعل تغذية إستعماريه لكلا طرفيها المتنازعين في عملية ( إحتواء مزدوج ) من نوع جديد , نقف نحن العرب من مسلمين لا نريد أن نتحزب مع هذه الطائفة ضد تلك لأننا نؤمن أننا مسلمون قبل أن نكون سنة أو شيعه . ومثلنا عرب مسيحيون أو صابئه أو علمانيون أو ملحدون قدرنا جميعاً فرض علينا الحياة وسط أمة مسلمة تقاتل بعضها ولا بد أن يصيبنا من قتالها الضرر . ولهذا فنحن أحوج ما نكون الى فهم الحقائق التاريخيه التي أدت الى هذا الصراع دون أدنى ميل الى تفضيل فئة على اخرى من الفئتين المتقاتلتين على الإطلاق .
في عهد الرسول تم تدمير حصن خيبر , وكان علي بن أبي طالب بطل تلك المعركه , فحمل اليهود عليه حقداً دفيناً معتزمين تدميره بكل ما يملكون من قوه .
وفي عهد عمر بن الخطاب بدأت الفتوحات الأسلاميه فتم تدمير ايوان كسرى وأطفئت نار المجوس فحمل الفرس الحقد على عمر وقرروا تدميره بكل ما لديهم من قوه . ومنذ ذلك التاريخ كان الحلف اليهودي الفارسي الخفي لتدمير الإسلام بضرب رموز الإسلام واحدهم بالآخر .
إنشغال رجال المسلمين بالقتال في الحروب عطل مصالح المسلمين وبذلك ضاعت تجارتهم وزراعتهم فجاع المسلمون وصارت أحوالهم في ضنك شديد , ولذلك فحال وصول أموال الخراج أمر عمر بن الخطاب بتخصيص مبلغ درهم يومياً من بيت المال لكل مسلم ليعينه على تدارك ذلك الضنك . لكن هذا الدرهم زاد الطين بله ... اذ رغم شحة السلعه ... بزيادة ذلك الدرهم .. زادت أسعار جميع السلع فجعلت حياة المسلمين في ضنك أشد .
أبو لؤلؤه فيروز كان فارسياً مجوسياً جلب سبياً الى ديار المسلمين بعد هدم طيسفون عاصمة الفرس , وكان صانعاً ماهراً يكسب الكثير من مهارة صنعته ولذلك كان عليه أن يدفع ضريبة كبيرة عن أرباحه الى بيت مال المسلمين . إشتكى الى عمر بن الخطاب طالباً تقليل تلك الضريبه , وحين رفض عمر ... قام أبو لؤلؤه فيروز بقتل عمر .
حال وصول الخلافة الى عثمان بن عفان وكان يدرك أن ضنك العيش هو الذي يؤدي الى هذا الغليان , قام على الفور بزيادة عطاء المسلم من درهم واحد في اليوم الى درهمين .. مما أدى الى مزيد من الشحة في البضاعه والمزيد من إرتفاع أسعارها .
ليس من باب الترف بل من شدة المعاناة يسجل لنا التاريخ قول علي بن أبي طالب (( لو كان الفقر رجلاً لقتلته )) مثلما يسجل لنا التاريخ قول أبي ذر الغفاري ((عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه )) .
طالت فترة حكم عثمان بن عفان 14 سنه عانت فيها الناس ما عانت من الجوع وفي خضم ذلك الغليان ظهر عبد الله بن سبأ يهودي من أهل اليمن , إنتقل الى المدينة داعيا ً الى إزاحة عثمان والمطالبة بحكم علي بن أبي طالب .. لا حبا ً في علي ولا كرهاً بعثمان .. لكن الغرض هو تدمير دولة الإسلام التي حاربت اليهود والفرس وقوضت ملكهم .
تم طرده من المدينه فذهب الى البصره , وعند طرده منها ذهب الى الكوفه , وعند طرده منها ذهب الى الشام , وعند طرده من الشام ذهب الى مصر .. وفي كل خطوة يخطوها كان يجمع حوله الناقمين على عثمان بسبب تردي الأوضاع المعيشيه الى أن نجح هو وأتباعه في قتل عثمان ثم أجبروا الناس بالقوه على مبايعة علي .
رغم الإشارات الكثيره والواضحه في كتب الشيعه قبل كتب السنه الى شخصية عبد الله بن سبأ , هناك اليوم من ينكر وجود هذا الشخص ويعتبره شخصية وهميه .. ولكل منكر سببه الخاص .. تعددت الأسباب لكن الإنكار واحد .
جميع الذين تولوا خلافة المسلمين بعد النبي كانوا من أصهاره . أبو بكر والد عائشه , عمر والد حفصه , عثمان زوج رقيه وأم كلثوم , وعلي زوج فاطمه . شخص آخر كان يُمنّي نفسه بالخلافه لأنه صهر النبي هو معاويه بن أبي سفيان , فأم المؤمنين رمله بنت ابي سفيان ( أم حبيبه ) هي أخت معاويه , وكانت تاجرة ثريه من أوائل المسلمين الذين هاجروا الى الحبشه , وعند زواجها من النبي جهزها لذلك الزواج النجاشي ملك الحبشه وبعث معها الكنوز والنفائس الى محمد معتبراً إياها ( أي رمله بنت ابو سفيان ) سفيرته عند محمد , وبهذا الزواج يعتبر معاويه نفسه صهراً للنبي ولا يقل عن أي واحد من بقية أصهار النبي .
في عهد الخليفه أبو بكر الصديق كان ( يزيد بن أبي سفيان ) والياً على الشام وبعد وفاة يزيد قام عمر بن الخطاب بإرسال معاوية أخي يزيد ليحل محله والياً على الشام . عند مقتل عثمان بن عفان وتولي علي بن أبي طالب للخلافه تمت مطالبة معاويه بالبيعة لعلي , لكن معاويه إشترط مقابل البيعه .. محاكمه قتلة إبن عمه عثمان .. فكان الرد عليه بأن الأوضاع غير مستقره , ومحاكمة القتله قد تزيد من عدم الإستقرار ... فإستغل هو ذلك حجة لإعلان إستقلاله عن دولة الخلافه .
بقي المسلمون بعد مقتل عثمان حوالي أسبوع دون خليفة يسيِّر أمورهم , فيما قام الثائرون بإعطاء بيعتهم الى علي بن أبي طالب .
الحسن بن علي كان رجلاً حكيماً فقد نصح والده أن يعتزل الأمر حتى يتبين الناس حقيقة هؤلاء الثائرين , عندها قال علي للثائرين أنه لا يقبل بيعتهم إلا أذا قبلها الناس .. فبايعت الناس علياً خوفاً من الثائرين .
وهكذا تسلم علي بن أبي طالب حكم دولة ساقطة أصلاً يتجلى سقوطها في عدم الطاعة والفوضى التي يسببها المحسوبون على علي قبل أعدائه , فهاهم المحسوبون عليه ينجحون في إشعال حرب الجمل بعد أن تمكن الخليفة بحكمته من التفاهم مع طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام على حل خلافهم ودياً .
وبعد معركة الجمل أفسد عليه أصحابه رأيه فلا يدري ما يفعل , كان واحداً من الأسباب التي أخذت على عثمان بن عفان سبباً لقتله أنه عين الولاة من أقاربه وأسرته , حين عين الخليفة علي أولاد عمه العباس ولاة جدد .. ثار عليه قائده مالك الأشتر قائلاً له (( فيم قتلنا الشيخ إذن ؟ عبد الله على البصرة وعبيد الله على اليمن وقثم على مكة وكلهم من بني العباس )) ثم غضب ورحل عن البصرة فأمر علي بالرحيل وراءه مخافة أن يحدث إنشقاقاً أو عصياناً في الكوفة .
الإنشقاق الخطير الآخر الذي قام به أتباع علي كان عند مسألة التحكيم التي تمت فبركتها من قبل معاوية وجماعته قبيل نهاية معركة صفين , إندفع عدد كبير من مقاتلي علي الى التوقف عن القتال بدون امر من قائدهم , ثم إنشقوا عليه وتمت تسميتهم بالخوارج حيث أضطر الخليفة علي الى قتالهم في معركة النهروان سنة 39 هجرية .
في شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة يندفع الفارسي الخارجي عبد الرحمن بن ملجم فيضرب بسيفه خليفة المسلمين علي بن أبي طالب في رأسه , إنتقاماً لقتلاه في النهروان فيقتله .
بعد مقتل علي مُباشرة بايع أهل العراق ابنه الحسن على الخلافة عندها حشد معاوية جيوشه وسار إلى الحسن , غير أن الحسن رفضَ القتال وطلب الصلح الذي وافق عليه معاويه وعُقد الصلح في شهر ربيع الثاني سنة 41 هجريه وهكذا تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية مقابل عدد من الشروط من أهمها أن يكون الحسن ولياً لعهد معاويه يليه أخيه الحسين . وسُمّي ذلك العام بعام الجماعة لأن المسلمين اتفقوا فيه على خليفة لهم بعد خلاف طويل بدأ منذ يوم وفاة النبي .
حين حسمت الخلافات الداخليه بهذه الطريقه تفرغ معاويه للفتوحات الإسلاميه التي كانت قد توقفت منذ مقتل عثمان , كما قام بنقل عاصمة الخلافه من الكوفه الى دمشق , وقام بتحديث ديوان البريد وتقوية جهاز الشرطه .
شاءت إرادة الله أن يموت الحسن بن علي ولي عهد معاويه في العام 50 هجريه , عندها وجد معاويه نفسه في حل من العهد الذي ألزم نفسه به إتجاه الحسن , عندها جعل أهل الشام يبايعون إبنه يزيد ولياً جديداً لعهده .
ما يثير الدهشة والتساؤل الذي لا جواب شافي له : لماذا لم يعلن الحسين الحرب على معاويه وهو يراه يسلبه حقه في ولاية العهد ويأخذ البيعة من القبائل لإبنه يزيد بدلاً عنه ؟
لماذا إنتظر الى أن مات معاويه بعد ذلك بعشر سنوات في سنة 60 هجريه .. وإنتظر الى أن جلس يزيد على العرش أمراً واقعاً ليعلن ثورته ؟
رجل بمبدأية الحسين الذي يستشهد مع إخوته وأطفاله وهم ليسوا أكثر من 70 رجل _ على يد جيش يفوقهم عدداً 50 مره _ لأجل أن لا يضيع حق الله .. لماذا تأخر عشر سنوات لإعلان الثوره ضد الظلم ؟؟ سؤال محير فعلاً يسوق الى الأذهان الكثير من التكهنات .
( سليمان بن صرد الخزاعي ) صحابي أشترك مع الإمام علي في جميع حروبه وكان أحد الأمراء البارزين في معركة صفين قتل فيها ( حوشب ذو طيلم ) أحد أبرز قادة جيوش معاوية بن أبي سفيان , ولهذا ضيّق عليه معاوية كثيراً , بمجرد موت معاويه وقدوم ابنه يزيد الى الحكم قام سليمان وثلاثه من أصحابه وهم حبيب بن مظاهر الأسدي , والمسيب بن نجبه , ورفاعه بن شداد , بمراسلة الحسين بن علي يطلبون منه القدوم الى الكوفه لمبايعته حاكماً عليهم .
عبد الله ابن عباس ابن عم الحسين حذره من هذه الدعوه , لأن أهل الكوفة لا أمان لهم ونصحه بعدم الإستجابة لهم . لكن عبد الله بن الزبير الذي تربطه صلة نسب بالحسين بن علي , لأن أخاه مصعب بن الزبير كان متزوجاً من سكينه بنت الحسين , عبد الله كان يطمع في الخلافه وكان يريد إبعاد الحسين عن الحجاز لكي يكون حراً فيما يفعله فيها .. لذلك نصحه وألح عليه بقبول دعوة أهل الكوفه .
إقتنع الحسين بم أشار به عليه عبد الله , فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفه حيث أخذ البيعة مما يزيد على 10 آلف رجل من أهل الكوفه . وعندما علمَ يزيد بذلك عزلَ النعمان بن بشير عن ولايتها وعيَّن مكانه عبيد الله بن زياد .... الخوف سيد الرجال ولهذا ترك أهل الكوفه مسلم بن عقيل لمصيره حيث تم إلقاء القبض عليه وقتله من قبل عبيد الله بن زياد .
وصلت هذه الأخبار إلى الحسين وهوَ في طريقه الى الكوفه فأصر رجاله - وعددهم 70 – على الثأر لمسلم . والتقى هؤلاء قربَ كربلاء بجيش يفوقهم 50 ضعفاً بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص فوقعت معركة كربلاء في 10 محرم سنة 61 هجريه قُتلَ فيها الحسين وكل من كان معه , لتستمر الخصومة حول ذلك حتى يومنا هذا .
كلهم من آل النبي وصحابته وتابعيه تقاتلوا فيما بينهم , ولنفترض أننا من أحفاد القتلة أو من أحفاد المقتولين , هل يحق لنا أن ننكل اليوم ببعضنا وبعد ما يزيد على 14 قرن على ذلك القتال , رغم أن كتاب الله يقول (( ولا تز وازرة وزر أخرى )) أم هو الطمع السياسي الذي يغذيه الإستعمار لتفرقتنا بما يسهل له السيطرة علينا ؟؟ أسفي على دعاة ثقافة ووعي وحملة شهادات وتخصصات الى الوقوع في هذه المسالك الزلقه , ليتقولوا على المعتدلين منا وغير المتحيزين بكلام مبطن ومكشوف ينم عن دواخلهم الطائفيه ... أسفي .
بعد مقتل الحسين صفا الجو لعبد الله بن الزبير ليطالب بالحكم لنفسه فبدأ بالتحريض ضد يزيد فبايعه أهل الجحاز ومصر فأرسل له يزيد جيشاً بقيادة مسلم بن عقبه فكانت موقعة ( الحره ) سنة 61 هجريه قتل فيها الكثير من أهل مكه .
مات مسلم بن عقبه فتولى قيادة الجيش ( الصحين بن نمير ) الذي وجد عبد الله بن الزبير وجماعته معتصمين بالكعبه فقصف الكعبة بالمنجنيق , وهنا وصلت أخبار وفاة يزيد بن معاويه في الشام فعاد الجيش الى الشام دون إنهاء القتال وكان ذلك عام 64 هجريه .
ورث الحكم ( معاويه بن يزيد ) لكنه كان أعقل من أن يدخل نفسه في هذه المعمعه , لذلك تنازل عن الحكم الذي تسلمه ( مروان بن الحكم ) , في نفس الوقت الذي أعلن فيه عبد الله بن الزبير نفسه حاكماً على العراق ومصر وبعض من بلاد الشام فسار إليه مروان بن الحكم بنفسه ووقعت معركة ( مرج راهط ) .
مات مروان بن الحكم .. فخلفه إبنه عبد الملك بن مروان حيث نجح مع قادته في السيطره على الكوفه وقضى على ( الزبيريين ) ومعارضة بقية الأمصار حتى عام 73 هجريه حيث تمت محاصرة وضرب الكعبه بالمنجنيق مرة ثانيه بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي , وهكذا عاد الهدوء الى الدوله بعد حوالي 15 سنه من الصراعات الداخليه .
بعض من دعاة الدس لو ينظرون الى التاريخ بحياديه لهدأت خواطرهم ولما دعوا الناس الى التحزب لهذا أو ذاك ... ولكن هيهات ويد المستعمر تملآ جيوبهم بالمال .. فتجعل ألسنتهم تنطق ببعض الحق وليس كله ... تنطق فقط بالحق الذي يراد به باطل .
#ميسون_البياتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟