|
رؤية وطنية لمناهضة الانفلات الرأسمالي ( * )
لطفي حاتم
الحوار المتمدن-العدد: 1086 - 2005 / 1 / 22 - 10:38
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
قراءة متأنية للبرنامج الاقتصادي الذي أقره الكونفرس السابع للحزب الشيوعي العراقي تبيح لنا تحديد العديد من الموضوعات الفكرية / السياسية التي تشكل منطلقات أساسية نستطيع على أساسها مواصلة الحوار بروح هادفة إلى المساهمة في تأشير ملامح مستقبل التشكيلة الوطنية العراقية وآفاق تطورها الاقتصادي في الظروف المعقدة والمتحركة في آن. بدأً أقول وحسب قراءتي أن رؤية ( البرنامج ) تحاول الاستناد الى ثلاث موضوعات أساسية يمكن تلخيصها في:ــ الموضوعة الأولى: ــ أن هدف بناء الاشتراكية بات قضية تاريخية لها شروطها المادية / السياسية، وبهذا السياق فان تأكيد البرنامج على أن ( إنضاج شروط تحقيق الاشتراكية لابد أن يبقى صيرورة نضالية طويلة الأمد ) يأتي في إطار تأكيد الهوية الفكرية للحزب المتمثلة بخياره الاشتراكي المستقبلي. ورغم ذلك التأكيد فان الاشتراكية لم تعد قضية وطنية بل أمست مهمة أممية تاريخية بسبب العولمة الرأسمالية وانقسام العالم إلى تكتلات اقتصادية قارية / إقليمية وما ينتج عن ذلك من إرساء العلاقات الدولية على أساس تطور العلاقات الاقتصادية المتجاوبة ومصالح التكتلات الاقتصادية الناهضة على المستوى العالمي. بكلام آخر أن الحديث عن الاشتراكية وبناءها في إطار وطني وفي بلد ضعيف التطور الاقتصادي تصبح رغبة ارادوية إن لم نقل وهماً أيديولوجياً. الموضوعة الثانية: ــ استناداً إلى اعتبار الاشتراكية هدفاً مستقبلياً ينطلق ( البرنامج ) من واقع راهن يتلخص مضمونه في أن تطور العراق اللاحق سيكون تطوراً رأسماليا استناداً إلى عوامل عدة منها: ــ ـــ المساعدات المالية الأمريكية / الأجنبية وما تتضمنه من اشتراطات تمس بنية التطور الاقتصادي واتجاهات تطوره . ـــ انهيار خيار التنمية الاقتصادية المستقلة بسبب الخراب الاقتصادي وديون العراق الخارجية . ـــ ازدواجية الهيمنة الوطنية / الأجنبية الناهضة في التشكيلة العراقية. إن الإقرار الواقعي بوجهة التطور الرأسمالي في العراق تطرح جملة من التناقضات السياسية / الاقتصادية والتي تتطلب المعاينة والتشخيص بهدف حصر آثارها على بناء وتطور التشكيلة العراقية ومنظومتها السياسية والتي أراها في: ـ أولاً: ــ إن الصراع في العراق وفي تخومه الانتقالية هو صراع بين مرحلتين من التطور الرأسمالي التابع . ( أ ) تطور رأسمالي متوحش تشترطه العولمة الرأسمالية المتمثلة في نهج المحافظين الجدد وأيديولوجيتهم الليبرالية المستندة إلى الخصخصة وإلغاء / إضعاف دور الدولة في الحياة الاقتصادية / الاجتماعية وما ينتج عن ذلك من انفلات تخريبي لقانون الاستقطاب الرأسمالي الذي يعمل في ثلاث اتجاهات: ــ تحويل سلطة الدولة العراقية إلى حارس مسلح لحماية مصالح الاحتكارات الدولية والقوى الوطنية المتحالفة معها، الأمر الذي يعني إعادة إنتاجها كسلطة قمعية. ــ إقصاء متزايد لشرائح وقوى اجتماعية من حلبة السوق الوطنية وتحويلها إلى قوى هامشية وما يحمله ذلك من اضطرا بات اجتماعية متزايدة. ــ تطور جغرافي / سكاني شديد ألتفاوت في التشكيلة العراقية وما ينتج عن ذلك من نشوء ونمو مناطق سكانية تشكل أحزمة للفقر تتحول تدريجياً إلى مرتعاً للعنف والإرهاب وأخرى غنية محاطة بحراسة حكومية. إن مفاعيل قانون الاستقطاب الرأسمالي المنفلت تؤدي إلى تأسيس نمطاً رأسمالياً مشوهاً يفتقد العراق فيه الحد الأدنى من توازن المصالح الوطنية / الدولية وما يشترطه ذلك من ضياع سيادة الدولة الوطنية. ( ب ): إن رفض خيار الليبرالية الجديدة والحد من تأثير قانون الاستقطاب الرأسمالي المدمر الذي ( يجنب شعبنا مصاعب رأسمالية متوحشة تقودها قوى السوق المنفلتة ).يشترط العمل على تحقيق تطوراً رأسمالياً متوازناً يعتمد ( السوق الاجتماعي ) الضامن لحقوق ومصالح قوى التشكيلة العراقية المتمثلة بطرفيها قوة العمل ورأس المال الوطني والوافد. وما يعنيه ذلك من : ـــ اعتماد آليات السوق الاجتماعي المستندة على الضمانات الاجتماعية / القانونية التي ترعاها الدولة . ـــ تطوير فاعلية التجمعات العمالية والمهنية عبر الاتفاقات والمساومات الهادفة إلى عدم الإخلال بالتوازنات الاجتماعية. ـــ استقلال الدولة العراقية بتقرير اتجاهات تطورها الاقتصادي بعيداً عن تدخل القوى والمؤسسات الخارجية . إن الانحياز إلى خيار التطور الرأسمالي المتوازن المرتكز على ( السوق الاجتماعي ) والدعوة إلى اعتماده بهدف رعاية المصالح الطبقية المختلفة في الظروف التاريخية المعقدة يصطدم بطبيعة الدولة العراقية ونمط بناءها في المرحلة الانتقالية إذن دعونا نتوقف عند رؤية ( البرنامج ) لهذه القضية الإشكالية . الموضوعة الثالثة: ــ تتلخص الموضوعة الأخيرة في تصور ( البرنامج ) لدور الدولة، مواقعها وفعاليتها في العملية الاجتماعية / السياسية انطلاقاً من تأكيده ــ البرنامج ــ على ( توظيف قدرات الدولة لمعافاة وتنمية الاقتصاد الوطني ) وبهذا السياق ورغم أهمية التقدير المشار إليه إلا أن البرنامج ينطلق من الموضوعة القائلة ( بعلوية السياسة على الاقتصاد ) وهذا التقدير بات غير واقعياً ولا يتلائم والكولنيالية الجديدة المرتكزة على ازدواجية الهيمنة التي تلعب فيها الشركات الاحتكارية ومصالحها الكونية الموجة الفعلي للسياسة الدولية / الوطنية . لغرض تقدير طبيعة دور الدولة العراقية ومواقعها في الحياة الاقتصادية / الاجتماعية لابد من تحديد القوى الفاعلة في التشكيلة العراقية ورؤيتها لدور الدولة في الحياة الاقتصادية عليه اقترح إعارة الاهتمام للتقديرات التالية: ــ 1: ــ يعاد بناء المفاصل السيادية للدولة العراقية بمشاركة أمريكية ، الأمر الذي يشترط تحديد مواقع الدولة العراقية ضمن المساعي الأمريكية الهادفة إلى بناء تكتل اقتصادي / سياسي إقليمي تحدد الشركات الأمريكية توجهاته التنموية وآفاقه المستقبلية. 2: ــ تشترط المشاركة الأمريكية بناء المفصل الاقتصادي على أساس الليبرالية الجديدة وجوهرها الخصخصة المرتكزة على إضعاف دور الدولة في الحياة الاقتصادية / الاجتماعية الأمر الذي يعني تنامي فعالية مؤسستين أساسيتين : ــ أ : ــ الشركات الاحتكارية الوافدة بموافقة وحماية الحليف الداخلي. ب : ــ القطاع الخاص الوطني / العربي الذي ينمو ويتطور من مصادر مختلفة. 3 : ـــ يفضي غياب سيطرة الدولة على مسار تطور الاقتصاد الوطني تدريجياً إلى إخضاع قطاعها الاقتصادي لحركة الرساميل الاحتكارية وميولها الاندماجية. إن الإشارة إلى هذه التقديرات تحلينا إلى تشخيص هوية القوى الاقتصادية الرئيسية المفترض تحكمها بمستقبل العراق السياسي / الاقتصادي والتي أراها في: ــ أ: ــ الشركات الأمريكية الاحتكارية والتشكيلات الاقتصادية المتعاونة معها خاصة الإسرائيلية منها. ب: ــ البرجوازية العربية بقطاعيها الخدمي / المالي والمتحالفة مع الشركات الأمريكية والأجنبية الوافدة إلى العراق. ج: ــ القوى الطبقية الناهضة في التشكيلة العراقية والمتحالفة مع الشركاء ( المحررين ). 4: ــ إن سلطة الدولة التي يعاد بناء ركائزها الدستورية وتشكيلاتها الإدارية تتشكل من قوى وأحزاب سياسية عراقية تتنافس بدورها على احتلال المواقع الأساسية بهدف توظيفها لخدمة أهدافها المستقبلية. بمعنى آخر أن الأحزاب السياسية بمختلف تلاوينها تعتبرفي الظروف التاريخية حواضن اجتماعية لإعادة تشكل البنية الطبقية في التشكيلة العراقية، الأمر الذي أفضي إلى نتائج بالغة الخطورة تتمثل في: ــ * اتساع عمليات النهب والاستيلاء على الممتلكات الحكومية فضلاً عن الرشوة والفساد والمحسوبية المرافقة لعملية البناء الإداري. ** تحول الأحزاب السياسية تدريجياً إلى أغطية سياسية لبنى وتشكيلات طبقية ذات أطر طائفية / قومية وما يعنيه ذلك من تأخر بناء هوية وطنية تساهم في إعادة بناء التشكيلة العراقية على أساس التضامن الاجتماعي. *** تؤدي الفرضية المشار إليها إلى استقطاب طائفي / قومي سمته الأبرز تتحدد بظهور طبقة برجوازية طفيلية كسموبولوتيه تسعى إلى المساومة والتحالف مع الشركات الأجنبية بهدف كسب مصالح أنية بعيدة عن المصلحة الوطنية.
مقترحات عامة سياسية / فكرية
إن المشاريع الواقعية مهما كانت منطلقاتها الفكرية تتطلب العمل على تنفيذها وهذا الواقع يشترط تحشيد القوى والتيارات السياسية / الاجتماعية المنحازة للبرنامج ومرجعيته الوطنية، وبهذا السياق اقترح الرؤية التالية:ــ أولاً: ــ شطر البرنامج الاقتصادي إلى قسمين : ــ 1: ــ تأكيد منطلقاته الفكرية / السياسية بصياغات عامة مكثفة مثل الموقف من، الدولة ودورها في مسارات التنمية الوطنية، مساهمتها في ضبط التوازنات الطبقية، الخصخصة، التخطيط، الموقف من الليبرالية الجديدة....... الخ من الموضوعات الفكرية المرتبطة بهوية الحزب اليسارية / الديمقراطية. 2 : ــ التركيز على المطالب الآنية والحاجات الواقعية لقوى التشكيلة العراقية المتضررة من التخريب والإرهاب والتأكيد على تطوير البيئة الاقتصادية / الاجتماعية الضامنة لوقف دوامة العنف والإرهاب. ثانياً: ــ وضع المطالب الآنية والحاجات الواقعية لقوى التشكيلة العراقية ضمن برنامج مرحلي والعمل على تحشيد القوى الاجتماعية / السياسية الراغبة في تبني مفاصله الأساسية والقادرة على الدفاع عنه.
إن طبيعة التحليل والأفكار المتلازمة معه تسمح لنا بالاستنتاج التالي: ــ يشكل البرنامج الاقتصادي في موضوعاته ومنطلقاته الفكرية / السياسية رؤية وطنية / ديمقراطية عامة تنهض على أساس طبيعة المخاطر التي تواجه بلاد الرافدين ولكنها ــ رؤية البرنامج ــ تختزل الصراع الاجتماعي / الوطني بعيداً العولمة الرأسمالية وطبيعة الكولونيالية الجديدة المرتكزة على ازدواجية الهيمنة السياسية / الاقتصادية . ملاحظات عامة
*: الرؤية الواردة في التحليل تدور حول الموضوعات الفكرية / الاقتصادية للبرنامج الاقتصادي الحزب الشيوعي العراقي. 1 : ــ إن الآراء الهادفة إلى تطوير البرنامج الاقتصادي وإثرائه ترتبط بطبيعة الاستقرار السياسي/ الاجتماعي وتجاوز مخاطر المرحلة الانتقالية وما يرافقها من صراعات مفتوحة على اتجاهات عدة . 2 : ــ الجمل الموضوعة بين مزدوجين مستلة من البرنامج الاقتصادي . 3 : ــ كلمة البرنامج الواردة في متن المقالة المقصود بها البرنامج الاقتصادي . الخميس، 23 أيلول، 2004
#لطفي_حاتم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازدواجية الهيمنة وحركة التغيير الديمقراطية
-
نظرة على التشكيلة العراقية وبنيتها السياسية
-
الاستقطاب الرأسمالي وخراب الدولة القطرية
-
الهوية الفكرية لليسار الديمقراطي وبنيته التنظيمية
-
الوحدة الفكرية بين النظرية وفعالية الممارسة السياسية
-
التداخلات الدولية وتشكيلة العراق السياسية
-
*الروح العسكرية والجذور الفكرية للمحافظين الجدد
-
ـ التحالف الكبيرـ بديلاً عن الهيمنة والتفرد
-
الليبرالية الجديدة ( شعارات إنسانية ) وسياسة بربرية
-
النهضة الصينية وأثرها على تطور السياسة الدولية
-
تدويل الوظائف الهجومية لجيوش المراكز الرأسمالية
-
الرأسمالية وفعالية اليسار العربي
-
الاصلاحات العربية وحرب الافكار
-
اليسار الديمقراطي ومهام المرحلة الانتقالية
-
العولمة الرأسمالية وتدويل الوظيفة الأمنيه
-
إنحسار الفكر الاشتراكي والمنظومة السياسية لليسار الديمقراطي
-
النزعة الإرهابية وسماتها التاريخية
-
الإرهاب وتغيرات السياسة الأمريكية
-
انتقال السلطة وازدواجية الهيمنة في العراق
-
أفكار حول انتقال السطة ومهام اليسار الديمقراطي
المزيد.....
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
-
انتهاء إضراب “النساجون الشرقيون”.. وهيكلة المرتبات خلال 15 ي
...
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|