|
هل توجد برامج في القرآن تلبي حاجات الإنسان
عدنان يوسف رجيب
الحوار المتمدن-العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 10:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة عامة:
تثير مسألة تطبيق الأفكار الإسلامية على نشاطات الحياة الإجتماعية للمجتمع إلى إشكالية كبيرة تتأتى من مدى حقيقة وجود الأساس الفعلي العملي لهذه الإمكانية في التطبيق. أي هل إن مجموعة الأفكار الإسلامية في القرآن كافية ومتكاملة وبنفس الوقت مفيدة وناجعة لتلبية متطلبات حاجات الناس في الحياة اليومية الآنية وفي تطوراتها المستقبلية. والذي إذا ما توفر ذلك فيمكن الإستناد على القرآن والسنة النبوية في تسيير حياة المجتمع للإيفاء بتلبية حاجاته الإنسانية المتنوعة.
هذا يعني البحث فيما إذا كانت هناك منظومة خطط متكاملة في نصوص آيات القرآن والسنة النبوية تقدم، حين تتبع تسلسلها، برامج لمشاريع ملموسة تلبي حاجات ونشاطات الفرد و المجتمع في الحياة، وبالتالي تفي بكل المتطلبات اليومية والمستقبلية. إن هذا هو المعنى الذي يذهب إليه رجال الدين والمفكرين الإسلاميين، فهم يؤكدون أن منظومة الفكر الإسلامي الموجود في نصوص آيات القرآن والسنة النبوية، فيها برامج متكاملة جاهزة للتطبيق تلبي كل الحاجات التي تتطلبها حياة الإنسان: معنى هذا إن المفكرين الإسلاميين يؤكدون إن هناك: برامج تلبي الحاجات الصحية والتطبيب، والقضايا الزراعية وإطعام الناس، و والمسائل الإقتصادية وتوزيع الثروات و المسائل الحقوقية وتفصيل القوانين، كما الحال في قضايا العلاقات الإجتماعية بين الإفراد ومع المجتمع، وكذلك فيما يتعلق بمسائل التربية والتعليم والناهج الدراسية، وكذلك في مسائل الأدب وتجلياتها والجغرافيا والفن بأنواعه وغيرها من الحاجات الأساسية للإنسان فيما يعيشه الفرد والمجتمع في يومه ومستقبله. لذا، كما يقول الإسلاميون، فإن القرآن يحتوي على مشاريع في برامج متكاملة للإنسان فيها كل شيئ يحتاجه الإنسان في حياته، بدون إشكالات ، وتسير الحياة، بعد التطبيق، هينة هنيئة سعيدة ويحظى المجتمع بالعيش كما يجب. وإذن، يتوجب تطبيق تعاليم الدين الإسلامي (القرآن) على الحياة، التي ستسير بدون أيه مشاكل.
ولنتفحص مدى وجود مثل ذلك في ما يحتويه الفكر الإسلامي لحياة الناس: إن المشاريع والخطط تعني وجود البرامج، ومن ثم القيام بالتطبيق في خطوات متسلسلة تكاملية حسب البرنامج، والتي حين يتم تتبعه يتم الوصول إلى الهدف المطلوب في المشروع وإنجازه
أي البرامج تفي بحاجات الإنسان اليومية: إن آيات القرآن ليست خافية على أحد وهي واضحة ومتوفرة للجميع، وعندما نتابعها نجد إنها تشتمل على شيئ من تفصيلات لمسائل و قضايا دينية شرعية عامة، و هناك آيات عن بعض جوانب لحياة الإنسان والعلاقات الإجتماعية ، ولكن بشكل أكثر عمومية. أي إن ما هو هام وأساسي في متطلبات و نشاطات حياة الفرد والمجتمع اليومية ليس فيه وله نصوص ملموسة واضحة لا في آيات القرآن أو في السنة النبوية. و بوضوح، أكثر، فإنه لا توجد أية منظومة فكرية واضحة لأية مشاريع أو خطط في أي جانب من جوانب نشطات حياة الناس الأنية وتطلعاتهم المستقبلية. فالقرآن والسنة النبوية لا يوجد فيهما إلا ما هو عام وأحيانا الأعم لكثير من مسائل الحياة الأساسية للإنسان.
وهنا لا بد لنا من طرح الحاجات الإنسانية اليومية والمستقبلية كأمثلة، ومن ثم طرح المقارنات بين مشاريع وبرامج الناس الإختصاصيين في المجتمعات البشرية وبين أفكار ما يقال عنها أنها مشروع وبرنامج فيما يتضمنه القرآن في نصوص آياته وكذلك وفي السنة النبوية.
أمثلة ملموسة عن حاجات الإنسان وبرامج تطبيقها:
نطرح هنا المهم من الحاجات الحياتية التي يتطلبها نشاط الإنسان اليومي الآني والمستقبلي، لنتبين فيما إذا كانت هناك برامج متكاملة لجوانب الحياة في مجموعة الأفكار الإسلامية.
في الجانب الصحي، مثلا، الهام في حياة الإنسان، يجب توفر منظومة واضحة للمستلزمات الطبية تكون ضمن مشروع لبرنامج مترابط متكامل يؤدي الهدف المطلوب منه حين تكامل خطواته. وهنا لا بد من ضرورة التفصيل في أساسيات هامة والتي منها، مثلا وليس حصرا، طرق معالجة المرضى من أمراض محددة معينة، عدد المستوصفات والمستشفيات التي يجب أن تشاد في القرية والمدينة، طرق إكتشاف أنواع الأمراض وكيفية صناعة الأدوية. إعداد الكادر الطبي، وغيرها من الأساسيات التي يجب أن تتوفر بالدقة أحيانا لإنجاز هذه المهمة الصحية الحياتية الأساسية في متطلبات المجتمع. إن كل ذلك منصوص عليه و بشكل ملموس في مشاريع برامج التجمعات البشرية الأخرى، وهم يطبقون برامجهم، هذه بما يخدم الجانب الصحي العام للمجتمع في التطبيب والعلاجات والعمليات والتخلص من والآلام والأمراض، على مئات الملايين من البشر . ولكننا عند المقارنة لا نجد شيئا من ذلك حتى البسيط منه موجودا في القرآن والسنة النبوية. فلا يوجد أي مشروع أو برنامج أو أفكار متسلسلة متكاملة في نصوص آيات القرآن أو في السنة النبوية كي يستند عليها المجتمع ليأخذ بها كونها التشريع الإسلامي الديني لإنجاز الجانب الطبي في المجتمع. فليست هناك آيات معينة نتتبعها واحدة بعد أخرى ونربط ما بينها من أفكار لنحصل من وراء ذلك على برنامج طبي نسير عليه لمعالجة الأمراض وصناعة الأدوية وتطوير الصحة العامة للفرد والمجتمع، بل لا نجد حتى إشارة له إلا من الناحية الأعم من العامة. وإذا كان هناك شيئ من الملموسية فينبغي أن يظهره رجال الدين على الملأ.
وفي هذا المضمار لا يمكن إعتبار دعوة القرآن والسنة النبوية للعناية بالصحة والإغتسال والنظافة العامة وما إليها في هذا المجال، (مع الصواب الكامل هذه التوجهات)، هي مشاريع وبرامج طبية يعتمدها الناس ليصونوا الجوانب الطبية الصحية والتخلص من الأمراض والآلام وتطبيب ما تشوه من أعضاء الجسم، وبالتالي تتطور البنية الصحية للمجتمع بكل تجلياتها. وتأسيسا على ذلك، فـ وفق أي من هذين الإتجاهين يستند المجتمع لإنجاز الجانب الطبي الصحي في حياته اليومية، هل بناء على برامج ومشاريع واضحة أثبتت فوائد نتائجها عمليا، أم وفق أفكار عامة وأكثر عمومية ليس فيها ملموسية تلك التي تأتي به آيات القرآن الكريم والسنة النبوية. فهل يحق لرجل الدين، إذن، أن يفتي أو يعطي رأيه بمسألة طبية ليس لديه فيها علم من خلال آيات القرآن أو في السنة النبوية. وهل ينبغي، إذن، على الآخرين الإستماع لرأيه في هذه الحالة.
كذلك فإن القرآن والسنة النبوية ليس فيهما مشاريع أو برنامج أو حتى بعض تفصيلات عن الموضوع الزراعي في كونه مشروع غذائي أساسي للإنسان. في وقت إن من الضروري جدا أن يشتمل الموضوع الزراعي على تفصيلات لمشاريع ونشاطات كثيرة ، تتضمن فيما في تتضمنه، شق الأنهار وإستصلاح الأراضي و مثلا، عن حق الفلاح في إستملاك الأرض وحدود هذه الملكية، وطرق الزراعة والسقي والتسميد وجني المحاصيل و بيعها وغيرها من الأمور الهامة الأساسية في حياة الفرد والمجتمع اليومية التي يجب تفصيل خطوات تطبيقها وأهداف كل منها بوضوح ، لكي تلبي الحاجات المتوخات منها. فالناس بخبراتهم وضعوا مثل هذه المشاريع المفصلة الملموسة في برامج زراعية واضحة والتي تظهر فوائدها المجدية التي تجد لها تطبقات بشكل يومي عند مئات الملايين من البشر. عليه مثلا لا يمكن إعتبار أن الآيات القرآنية التي تقول " وفي السماء رزقكم وما توعدون" أو " كلوا مما رزقناكم .." أو " وخلقنا لكم الأنعام والإبل فيها منافع ومنها تأكلون .." أو " الناس شركاء في الأرض والكلآ" و مشابهاتها وغيرها أن تعتبر هذه برامج للحياة الزراعية الغذائية للإنسان، وبمجرد معرفتها سيعني ذلك إن المجتمع سيتغذى و يفي بمتطلباته وحاجاته الزراعية ويعيش سعيدا آمنا على طعامه. أن هكذا آيات وأمثالها في القرآن هي مسائل أعم من العامة فيما تتطلبه حاجات المجتمع الغذائية. فلأي من الطريقتين، إذن، يتجه المجتمع الإنساني للسير وراءه، هل وراء البرامج والمشاريع الواضحة الملموسة التي أثبت صواب تطبيقها وفوائدها للناس، أم وراء أفكار عامة ليس فيها ملموسية أو توجه لأي تطبيق واضح. وهل يحق لرجل الدين، بما هو عليه كرجل دين، أن يفتي في المسائل الزراعية في حياة الإنسان.
كما ينسرح القول كذلك في إن القرآن والسنة النبوية ليس فيهما برنامج ولا حتى بعض من تفصيلات عن منظومة قانونية للمجتمع بشكل قوانين مدنية ووضعية في إدارة المجتمع والدولة، وهي مسائل جوهرية في العلاقات الحقوقية للمجتمع. و،مثلا وليس حصرا، تلك المنظومة التي تحدد بوضوح تفصيلات حقوق وواجبات الأفراد في المجتمع، ونوع السلطات في الدولة وعلاقاتها مع بعضها. وكذلك وضع القوانين لمفهوم العدالة ولأنواع الجرائم وفروق الحكم فيها. كما يجب أن تشمل المنظومة القانونية، مثلا، برنامج للوظائف والخدمات والمداخيل، وكيفية إعداد الحكام والمحامون وغيرهم. وكذلك، مثلا، القوانين التي تحكم علاقات الدول ببعضها البعض من حيث التجاوزات والحروب والتفاهم حول المشاكل بينها ..الخ. وفي وقت إن الناس قد وضعوا برامج لكل هذه التوجهات والمتطلبات وصاغوا لها قوانين مفصلة، فإننا لا نجد مقابل ذلك أي تشكيلة فكرية قانونية إجتماعية مترابطة في آيات القرآن أو في السنة النبوية. ولا تعتبر في هذا المجال الآيات " وأوفوا الكيل" أو " أعدلوا في الأحكام " أو " العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم" أو " من قتل نفسا بدون نفس فكأنما قتل الناس أجمعين" أو مثيلاتها وغيرها هي برامج محكمة متكاملة تفي بمتطلبات الحياة القانونية الحقوقية ليسير عليها المجتمع ومن ثم يتغلب على الصعاب القانونية وتسير حياته هينة سهلة.
وليس في القرآن والسنة النبوية برنامج أو حتى بعض تفصيلات عن النواحي الإقتصادية للفرد أو المجتمع والدولة، سواء كان ذلك، مثلا وليس حصرا، للإستفادة من الموارد الطبيعية أو كيفية توزيع الثروة الإجتماعية، أو عن مفهوم العمل ووظائف الأفراد أو الدخل المالي للعوائل. كما الأمر كذلك عن كل علاقات الدولة مع أبناءها أو مع الدول الأخرى. وهذه قضايا أساسية يجب أن تكون مفصلة ومحددة في العلاقات الإقتصادية للمجتمع. وفي الوقت الذي لا نجد هناك برنامج أو حتى أفكار شبه مترابطة في القرآن أو السنة النبوية لهذه العلاقات الإقتصادية الهامة. لكن البشر وضعوا البرامج والقوانين الواضحة المفصلة الملموسة في هذه المجالات. وفي هذا المجال، لا تعتبر الموضوعة الإسلامية في مسألة الخمس من قيمة وارد الأفراد أو الضريبة التصاعدية ومشابهاتها هي حاسمة للمجتمع لتسيير العملية الإقتصادية، الضخمة الأوجه والجوانب، و لبناء نظام إقتصادي إجتماعي واضح المعالم . إن بناء مثل هكذا أنظمة واضحة المعالم، تتواجد في تشكيلات إقتصادية عالمية تضع مشاريع مفصلة لبرامج في الجوانب المتعددة للموضوعة الإقتصادية في نشاط المجتمع . كما، كذلك، لا يمكن أن تعتبر برامج إقتصادية تلك ا الأفكار في آيات القرآن التي تحض على تحريم خزن الإفراد للذهب والفضة، وإلى العطف على الفقراء والمساكين، وإلى عدم التعسف في إعطاء الحقوق المالية، ومثيلاتها وغيرها (وهي لا شك رائعة فكريا في حياة المجتمع). إنها مجرد أفكار عامة لا ترتفع لأن تكون منظومة متصلة أو شيئ من قاعدة إقتصادية يمكن أن يسير عليها المجتمع لتنظيم حياته الإقتصادية. إن حقيقة وجود الكم الهائل من الجوانب المتعلقة بالإقتصاد في حياة الفرد والمجتمع والدولة تعني وجوب أن تدار العملية الإقتصادية ببرنامج فكري متكامل متماسك يحتوي على تفصيلات ممنهجة، تلك التي قامت التجمعات البشرية بوضع أسس تفصيلية لها.
وبالتالي فلا يوجد ما يدعى بنظام إقتصادي إسلامي بمعنى النظام، إنما هناك أفكار عامة على عدد محدد بسيط من القضايا العامة في المجتمع، والتي يتجه أكثرها لمخاطبة الناحية العاطفية والسلوكية بدل المنهج الإقتصادي: العطف على الفقراء والتبشير بالجنة، وعدم سرقة الأموال بالخوف من عقاب الله، والتبشير بالنار لمن يحرم الناس من عيشها، وحث الأثرياء لوضع أموال للسبيل العام، وغيرها من الأفكار. لذا قام بعض من رجال الدين أو المفكرين الإسلاميين بوضع دراسات في الإقتصاد أخذت أفكارها أساسا من الفلسفات والمناهج العالمية الأخرى، وحاولت أن تزاوج بينها وبين أفكار الإسلام العامة في المجالات الإقتصادية. من ذلك، مثلا، كتاب إقتصادنا، الذي ليس فيه شيئ عن منظومة إقتصادية متميزة يمكن أن نسميها إسلامية خاصة. وينسرح في مجال المنهج، كذلك، مسائل التربية والتعليم والمراحل الدراسية ومواضيع الدراسة لكل مرحلة دراسية، والأهداف النهائية المتوخاة من كل مرحلة، لكي تصل إلى ما ستؤديه للمجتمع من تطور علمي وثقافي وروحي وتقني، ولا شك إن هذا جانب هام أساسي في متطلبات ونشاط المجتمع يحب أن يؤديه بتفصيلات واضحة المعالم. كذلك بالإضافة لذلك، نقول، مثلا وليس حصرا، يعني الجانب التربوي كيفية تدريب وإعداد المدرسين وتشييد المدارس وأماكنها إنتشارها في القرية والمدينة. وغيرها من الأمور الهامة اليومية للمجتمع التي أولاها البشر في برامجهم الكثير من الإهتمام ومن ثم التطبيق النافع لمئات الملايين من البشر. لكن لا يوجد ثمة ما يمكن إعتباره برامج أو شبه مشاريع في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية لهذه الناحية التعليمية التربوية، فلا تشير آيات القرآن لأية خطوات أو منظومة متماسكة يمكن تتبعها بتسلسل واضح للإيفاء بمضمون عملية التربية والتعليم في المجتمع. ولا يمكن في هذا المضمار إعتبار إن افكارا مثل " أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد " أو " أطلبوا العلم ولو في الصين " أو " إنما يخشى الله من عباده العلماء" أو الآيات عن السماء وحركة الشمس والقمر، وعن نفوذ الإنسان للمحيط الخارجي بسلطان وأمثالهما هي مشاريع وبرامج للتربية والتعليم يمكن تتبعها ومن ثم يتم تلبية كافة متطلبات العملية التربوية بشكل مفيد نافع في المجتمع. فأي من الطرق، إذن، يختارها المجتمع للنشاط بإنجاز العملية التربوية، أفي عملية فيها مشاريع بخطوات علمية ملموسة وبرامج واضحة تطبيقية مفيدة، أم في طريقة فيها عموم العموميات تفتقر لأي ملموسية و تطبيق. وهل بالتالي يكون لرجل الدين حق في الإفتاء (من خلال آيات القرآن) عن النشاط التربوي التعليمي.
وكذلك فأن القرآن والسنة النبوية ليس فيهما مشاريع أو برامج أو بعض تفصيلات عن الكيفية الملموسة لإقامة العلاقات الإجتماعية في المجتمع. ومثلا وليس حصرا، في الإخاء الوطني والتسامح والسلم والعدالة والصدق في التعامل بين الناس ، وفي الحرية والحقوق العامة والثقافة والكثير غيرها. لكن، نعم، في هذا الخصوص توجد في نصوص آيات القرآن والسنة النبوية أفكار لكنها عامة تماما ليس فيها صيغة ممنهجة تكاملية ملموسة يسير عليها المجتمع بخطوات كي يطبقها للوصول للهدف، خصوصا في ظل تطور المجتمع خلال القرون الماضية. بينما على الجانب الآخر فأن هناك برامج للبشر، مثلا وليس حصرا، في علم الإجتماع البشري لتشخيص الأمراض والصحة الإجتماعية ، وفي طرق وسلوك علاقات الأفراد ببعضهم في المجتمع، وغيرها من الأمور الإجتماعية الحياتية التفصيلية للتجمعات البشرية. وعليه،إذن، كيف يجب أن يتوجه البشر، إلى البرامج والتشخيصات الملموسة أو إلى العموميات الموجودة في آيات القرآن والسنة النبوية. وفي هذا المجال لا تعتبر آيات مثل " البر بالوالدين ..." او " التوصية بالجار" أو " مساعدة اليتامى والأرامل " و "الصدق والأمانة والوفاء .." ،(وهي طبعا صائبة وصادقة ومفيدة)، هي برامج متماسكة متكاملة في بناء للمجتمع، أذا سار عليه توطدت وتحسنت وتطورت الحياة الإجتماعية بكل جوانبها (رغم جودة وصحة وفائدة مثل هذه الأفكار). إنا هذه وغيرها كما نرى هي قضايا وأحكام عامة، بل عمومية جدا، في وقت إن في الحياة الكم الكثير الهائل من المسئل مما يعدو على عمومية مثل هذه الأفكار في الإشكالات الإجتماعية، والتي وضع لها البشر البرامج والتفصيلات الضرورية.
والقرآن والسنة النبوية ليس فيهما برنامج عن الصناعة لتحديد الحاجات الصناعية اليومية والمستقبلية للإنسان التي هي متطلبات أساسية لحياة الإنسان. إضافة لأهمية المشاريع الصناعية في برامج تعنى، مثلا وليس حصرا، بعملية تشييد المعامل و إعداد المهندسين والعمال المهرة. كذلك عن إدارة العملية الصناعية عموما وحق العامل في الأجور. كذلك مثلا، التخطيط للإرتقاء التقني بالمجتمع صناعيا مستقبليا. والبشر وضعوا برامجهم الناجعة والنافعة والملموسة المفيدة في تحديد هذه المتطلبات والحاجات اليومية والمستقبلية للإنسان وهم يطبقونها ويستفيد مئات الملايين منهم منها. فهل يمكن أن تطبق ما هو غير ملموس في القرآن ونترك التفصيلات المجدية النافعة فيما وضعه للإنسان من برامج ومشاريع للحياة الصناعية. وهل لرجل الدين من دور في قبول أو رفض مثل هكذا مسالة هامة في نشاط الإنسان. والقرآن والسنة النبوية ليس فيهما برنامج أو حتى بعض تفصيلات عن الحالة الثقافية للناس من حيث الأدب بتجلياته والتعليم الثقافي وغيرها من النواحي وأثرهما الحسي الذوقي والعاطفي الهام عند الإنسان. وليس هناك في القرآن والسنة النبوية لمنظومة عن تلك الآثار الحسية الفنية الأخرى كالموسيقى والتمثيل والرسم والنحت وغيرها التي تلهم الإنسان وتطور ذوقه وحسه. في حين إن البشر يطورون هذه الجوانب الذوقية والحسية والعاطفية في مجالات شتى مفيدة أثبتت فاعليتها في تطور إجتماعي صحي نافع للمجتمع على أصعدة حياتية يومية عديدة.
والقرآن والسنة النبوية ليس فيهما برنامج ولا حتى بعض من تفصيلات عن ... وعن .. من أمور الحياة الإنسانية بشكلها الواسع المتطلب للعيش. إنما، كما يتبين فهناك قضايا عامة واسعة في عموميتها لا تشتمل على الحياة التفصيلية الضرورية للإنسان. وأفكار القرآن في أكثرها تهتم بنواحي التشريع الديني المحض.
عمومية القرآن منسجمة مع هدفه العام:
لا بد هنا من تبيان قضية هامة أساسية، وهي إن عمومية ما تحتويه أفكار آيات القرآن والسنة النبوية ليست نقصا أبدا في القرآن، إنما تلك العمومية جاءت إنسجاما مع الهدف العام المطلوب من القرآن والسنة النبوية في هذه العمومية. فليس مطلوبا من أي منهما أن يكون سفرا يحمل كل الصغائر والكبائر. إنما الهدف من القرآن والسنة النبوية أن يكونا بمثابة التوجهات العامة في المجتمع، وتبقى التفصيلات الآنية اليومية وما يتجدد في الحياة المستقبلية متروك لما يقوم به البشر أنفسهم لأنفسهم في وضع البرامج والمشاريع لتسيير وتيسير حياتهم. أي في هذا المجال تكون عمومية أفكار آيات القرآن والسنة النبوية هامة ومطلوبة.
خطل تصورات رجال الدين: إن المستوى البسط لإعتقاد كثير من رجال الدين الإسلامي لأهداف القرآن يظهر خطأهم حين يفترضون إن القرآن كتاب متكامل فيه كل شيئ لمسيرة وتلبية حاجات حياة الإنسان، كبائر الأمور وصغائرها ، المهم منها والثانوي، المفيد والمضر، القريب والبعيد، المفسر وغير المفسر ..الخ. فمن هنا يأتي النقص والتناقض الفكري عند تفسيرات رجال الدين، (سلفيين أو أخوان مسلمين أو فقهاء أو مسؤولي أحزاب دينية)، للظواهر، فهم يتصورون إن عليهم أن يفسروا أي ظاهرة ،(مهما كانت)، في الحياة وأي تصرف (مهما كان) من فرد، وفق آية (أو آيات)، في القرآن أو في السنة النبوية، فإذا لم يجدوا تلك الآية أو السنة يفسرون عليها الظواهر، إلتجأوا إلى وضع فتوى لعلهم بها يفسرون هذه الظواهر والتصرفات، ومن ثم يلصقون فتواهم هذه وفق آية في القرآن أو في سنة من السنن النبوية.
هكذا تصور بسيط وتصرف خاطئ من قبل رجال الدين، وضع ويضع رجال الدين والمجتمع في حالة ليست صحية إجتماعيا لا تخدم الدين الإسلامي ولا رجال الدين ولا المجتمع، وتضع (كما وضعت سابقا) العراقيل الجمة أمام قيام المجتمع والفرد بممارسة نشاطه في حياته اليومية بشكل طبيعي و لممارسة النشاط الإبداعي في الحياة بالشكل المطور المفيد. فإن رجال الدين يضعوا العراقيل أمام الإنسان من حيث هو يأكل ويتعلم ويتطبب و يتثقف ويتطور ويمارس حياته العامة كما يجب.
تناقض أحكام القضاة: وتصل التصورات البسيطة والأحكام الخاطئة لدرجة إن هناك أحكاما لقضاة إسلاميين لقضية شرعية واحدة هي أحكام متناقضة أو مزاجية، فكل قاض يحكم بشكل متناقض لحكم القاضي الآخر على هذه القضية الواحدة. ومثل هذا يحصل اليوم في دول إسلامية وعربية، حيث يتم الحكم لمشكلة واحدة بذاتها بين زوجين بشكل متناقض من قبل قاضيين إسلاميين شرعيين. ومثلها أحكام تسرح على أمثلة عديدة. إن هذا يدل على أحد شيئين أما إن الحكم في النص الشرعي غير واضح وغير جلي تماما للإعتماد عليه لتفسير الوقائع، أو إن القضاة لا يفهمون كيف يطبقون الحكم الشرعي وفق الآيات المنصوص عليها وأما إنهم يحكمون وفق أهوائهم الشخصية لفوائد معينة ينتظرونها، ويدعون بعد ذلك إنهم يطبقون الشريعة الإسلامية. وفي كل الحالات تبقى نصية وشرعية الآيات القرآنية يمكن التلاعب بها ومن قبل القضاة المسلمين أنفسهم.
نجاعة البرامج البشرية:
إننا نجد وبوضوح أن الكثير من الحاجات والمتطلبات الإنسانية اليومية والمستقبلية يجري تلبيتها في ما أبدعه المجتمع للحياة، وهي تدخل في إن الإنسان وضع برامج ملموسة واضحة المعالم في قضايا الزراعة والإقتصاد والقانون والطب والصناعة والتربية والتعليم والعلاقات الإجتماعية والآداب والفنون وغيرها. ومن يسير على خطوات تطبيق مشاريع هذه البرامج يصل إلى النتائج التي في أكثرها مفيدة ونافعة ومجدية، وهو ما يشهده مئات ملايين البشر في المجتمع. ورغم وجود نواقص في برامج ومشاريع البشر وفي تطبيقاتها كذلك، إلا أنها يمكن محاججتها بالبينة البرنامجية ووضوح النص وجلاءه، وفي عدم الخوف والرهبة من القدسية، تلك التي يتمثل بها القاضي الإسلامي. الذي هو (أي الإسلامي) أصلا ليس لديه برنامج ومشروع واضح متكامل.
لذا فـ في ضوء عدم وجود برنامج لنشاطات الحياة في آيات القرآن وفي السنة النبوية فلا يمكن، بأي حال، الركون إلى القرآن والسنة النبوية للتعبير ولتسيير حياة الناس اليومية والمستقبلية في أي من جوانب الحياة الكثيرة جدا. فالركون الناجع المنطقي هو للناس أنفسهم ولبرامجهم الملموسة، أي الركون لنا نحن أبناء المجتمع، في ضرورة وضع البرامج والتفصيلات والخطوات الملموسة لحل المشاكل و لتسيير وتيسير حياتنا الإجتماعية والصحية الثقافية التعليمية والإقتصادية والحسية والنفسية والتجارية والصناعية وغيرها من الأمور اليومية و المستقبلية.
الشريعة هي علم رجال الدين المسلمين، وهي وظيفتهم الأساسية في الحياة:
وعليه، فإذا ما ألزم رجل الدين الإسلامي نفسه بالنص القرآني والسنة النبوية، فيكون لديه فقط أمور الشريعة: الصلاة والصوم والحج والزكاة والعبادة وما إليهما في أمور وبضمها الأخلاق العامة. وجوانب الشريعة هذه فعلا موجودة بشيئ من التفصيل في النصوص القرآنية والسنة النبوية، ورجال الدين (في أسس واجباتهم) هم من يفهمون الشريعة بشكل جيد وهم الأجدر بتطبيقها، وهنا عليهم أن يكونوا جاهزين لتطبيقها على أنفسهم و لتوضيحها للناس متى ما أراد الناس ذلك. وفي هذا المضمار ينبغي أن تكون ثمة موضوعتين واضحتين أمام رجال الدين، وهي:
أولا، أن أقصى ما يقدموه للناس هو النصيحة فقط، وبعد النصيحة يلتزمون الصمت، أي لا يفرضون نصيحتهم على الناس بأي شكل من الأشكال. وثانيا أن يكون مقرهم في جوامعهم و مساجدهم، وليس في الشوارع والأماكن يفرضون منها على الناس فتاواهم و أوامرهم بأنفسهم وعن طريق مريديهم.
وعليه ، فالأمر الهام هو لا ينبغي لرجال الدين أن يتدخلوا في حياة الناس وفي أي جانب من جوانبها، لأن رجال الدين هؤلاء (من كينونتهم كرجال دين) لا يعرفون من أمور الحياة سوى ما جاء في دينهم، ودينهم لا يعطيهم تفصيلات سوى في أمور الشريعة الإسلامية المبينة في نصوص في آيات القرآن وفي السنة النبوية. وبالتالي فإن رجال الدين المسلمين لا يعرفون سوى القليل عن مسيرة ونشاط حياة الناس الأخرى. فهل مثل هذه المعرفة البسيطة تؤهل رجال الدين، منطقيا، لأن يعمدوا للسيطرة على مقدرات وأهداف وأحاسيس وحياة ومستقبل الناس؟! هل يحق لهم أن يصدروا الفتاوى في الحقوق والطب والصناعة والزراعة والتعليم والفن والأدب والجغرافيا والإقتصاد وغيرها (ودينهم لم يفصل فيها).
إن الواجب الديني يقتضي من رجال الدين المسلمين أن يكونوا واضحين على قدرة ما لديهم من علم. ويقتضي ذلك أن يبينوا بصدق للناس إنهم لا يعرفون سوى في شريعة الدين الإسلامي وإنها هي عماد نشاطهم. وبالتالي، على رجال الدين أن يكفوا عن ملاحقة الناس ومحاولة السيطرة على حركة حياتهم. هذا هو الدين والعدل، وبغيرها سيكون رجال الدين بعيدون عن وظيفتهم الدينية الأساسية، وهو فعلا ما يقوم به كثير من رجال الدين في دول عديدة.
لذا فإننا حين نكون أمام إشكالية عملية تطبيق الأفكار الإسلامية على نشاطات الحياة الإنسانية الذي ينادي بها الإسلاميون، نقول هل ذلك التطبيق ممكن، إذن: لنقف أمام رجال الدين ونقول لهم: وفق أي منهج او مشروع إسلامي ستطبقون نشاط الإنسان على الحياة. أظهروا لنا آيات القرآن أو السنة النبوية التطبيقية لكي نطبق ذلك على نشاطات حياة الإنسان اليومية. ونقف لنتساءل: ما هي تلك المهام التي قمتم وقمنا بها في نشاطنا اليومي العام لكي نقول إننا طبقنا فيها الفكر الإسلامي على الحياة. إذن لنتتبع حالة عامة يومية بسيطة جدا ولنرى: إذا أخذنا أي إنسان مثلا لكي نتتبع نشاطه اليومي منذ إستيقاظه صباحا لحين عودته للفراش مرة أخرى ليلا. فكل النشاطات التي يقوم بها تتم بدون الإستناد إلى أي من آيات القرآن. فالإنسان يأكل فطوره، ويلبس ملابس العمل، ليذهب إلى عملة ثم ينجز ما يقوم به ويتحاور مع زملاءه ويحل هذه المشكلة أو تلك ويتزود بالأخبار ويعود لبيته ليرتاح ثم لينام إستقبالا ليومه الآخر. فهل في أي هذه الأمور هو بحاجة للآيات القرآنية يعتمد عليها وبدونها لا يستقيم نشاطه اليومي، كلا .. لا يوجد شيئا من هذه. لكن برامج البشر موجود في كل النشاط اليومي للإنسان. فطعامه حصل وفق أصول المشروع الزراعي، وملابسه تم صنعها وفق مشاريع الصناعة، وواسطة النقل التي ذهب بها لعمله مشروعها وصنعها وفق برنامج التقنية الصناعية ، وراتبه إستلمه وفق برنامج إقتصادي محددة والمشكلة تم حلها وفق قانونية محددة، .. الخ.
فالإنسان لم يحتاج لآيات الدين للنشاط في يومه، بل إحتاج كل المشاريع الإنسانية لكي يطبقها مباشرة وبشكل غير مباشر. هذه حقيقة يومية يعرفها البشر، وعلى رجال الدين معرفتها وفهمها. كما يجب معرفه مسالة هامة وهي: إن الدين جاء لخدمة الناس وليس الناس لخدمة الدين. وإذا كان الدين يحول دون سعادة الناس وإستمتاعهم بالحياة وتطوير حياتهم للأفضل والأنفع دائما، فلا يحتاج الناس للدين.
مساهمة رجل الدين في حياة الإنسان بدون عباءته الدينية:
إن الكينونة الأساسية لنشاط رجال الدين هي إنهم متخصصون في قضايا الدين الإسلامي الشرعية دون الدنيوية الأخرى، (وهم أرادوا وإرتضوا ذلك ومارسوه عن قناعة، كما يبينون دائما)، وذلك من حقيقة إن الدين ليس فيه برامج أو مشاريع ملموسة واضحة لنشاطات الحياة الإنسانية التنوعة. لكن مع ذلك يمكن أن يكون هناك حق لنشاط آخر لرجل الدين من كونه إنسانا في المجتمع. حق رجل الدين أن يدلي برأيه في الأحداث الإجتماععية و الإقتصادية والزراعية والتربوية وغيرها جميعا، لكن عليه: أن يلقي عباءته الدينية جانبا كي يعطي هذا الرأي. أي، وبوضوح، عليه أن لا يفرض رأيه أو فتواه على المجتمع بإسم الدين (لأن نصوص دينه الإسلامي لا تبيح له ذلك، فهي ليست فيها مشاريع وبرامج واضحة للحاجات الحياتية).
نعم، يمكن، بل من حق، رجل الدين أن يفتي في جميع جوانب الحياة للمجتمع، لكن مثل هكذا رأي يجب أن ينبع من معرفة، مثلا، كأن يكون عالم الدين أو صاحب الفتوى الدينية كان قد درس القانون منهجيا في معهد علمي أو درس الموضوع الزراعي منهجيا على الأرض أو في جامعة، وهو من خلال دراسته الأكاديمية الممنهجة (أو معرفته الشخصية التجريبية) يستطيع أن يدلي برأيه، مثلا، في موضوع الطب أو الإقتصاد أو الجغرافيا أو غيرها.
فهنا، طبعا، مثل هذا الرأي سوف لا يكون مستندا إلى أساس ديني أو وفق آيات قرآنية معينة أو سنة نبوية معينة (لأن رجل الدين يعرف إن آيات القرآن والسنة النبوية ليست فيهما مثل هذه المناهج للحياة). في هذه المضمار نجد تطبيقا لمثل هذا الإتجاه، وهو في اللاهوت المسيحي حيث هناك رجال دين مسيحيين يدرسون أكاديميا في جامعات مواضيع علمية أخرى، طبية أو إجتماعية أو فلسفية، وبعد تخرجهم يعودون للكنيسة يقدمون الخدمات لها في مواضيع إختصصهم الأكاديمي.
فرجل الدين الإسلامي الذي درس علما معينا في معهد علمي خارج مؤسسته الدينية، يكون، الآن، أكاديمي مختص، مثله مثل أي شخص آخر ذو إختصاص. نعم، إنه رجل دين لكنه رأيه في إختصاصه الأكاديمي الحالي ليس مستندا إلى آيات دينية، إنما وفق علم آخر درسه، أو من من تجارب شخصية خاصة يعرفها. وبالتالي بحق له أن يدلي بدلوه في مواضيع الحياة و محاججة ومناقشة الآخرين في موضوعه العلمي الإختصاصي. ولكن مثل هذا الرأي، بالتالي، يبقى هو رأي شخصي غير ملزم للغير بأي شكل من الأشكال.
خطل تقديس فتوى وآراء رجال الدين:
إن رأي رجل الدين في أمور الشريعة أو في أي من أمور الحياة الأخرى، ومهما كان متمتعا بالحكمة وعمق المعرفة، فإن رأيه في فتوى معينة لا يعدو عن كونه مجرد رأي شخصي ليس فيه خصوصية دينية تقترب من القرآن أو السنة النبوية. وليس لقوله أي قدسية، فلم يرسل الله نبيا بعد النبي محمد، ولم يعلن النبي محمدا أي سلسلة لخلفاء أو تابعين له من بعده إلى يوم الدين ليكون رجل الدين هذا أو المفتي ذلك هو احدهم في هذه السلسلة. فعلى رجل الدين أو المفكر الإسلامي أن لا يعطي مطلقا لفتواه صفة قدسية أو قوة الفرض على الآخرين بأي شكل من الأشكال. فالرأي الشخصي دائما وأبدا غير ملزم للغير، ولا يتمتع أي رجل دين بغير ذلك. لكن ما نراه على الواقع هو إن بعض من رجال الدين يفرضون آرائهم (وفتواهم) على الآخرين بالقوة وبواسطة مريديهم وأزلامهم، وإذا رفض الناس آراءهم يقوم هذا البعض من رجال الدين بتهديد الناس بالقتل مثلا أو المحاربة بالرزق أو الطعن أو.. أو ..
ولا بد من الإشارة كذلك إلى إن من المثير للإنتباه والمستغرب، إن نجد إن هناك رجل دين إسلامي يعطي رأيه في كل شيئ في الحياة (؟!). فهو لا يمنع نفسه من أن يعطي رأيه ويفتي في الزراعة وفي الحقوق وفي الإقتصاد وفي التعليم و... و .. فيدعي إنه عالم في كل شيئ. وهنا إذا ما تصور رجل الدين علمه بكل شيئ فهو أما أن يكون بدون صدقية دينية وإجتماعية أو إنه على بساطة مسرفة في التفكير لحد أنه لا يعلم إنه لا يعلم.
ضرورة إلتزام رجل الدين بالنص القرآني:
إن مسألة النص القرآني هامة أساسية في الدين. إن رجل الدين الإسلامي أو المفتي الإسلامي أو المفسر للدين، قد ألزم كل منهم نفسه (وحسب وظيفته الدينية) بالنص القرآني وبالسنة النبوية. عليه فإن أي تفسير أو فتوى للتطبيق في الحياة من قبل المسؤول الديني يجب أن يكون ذلك بناء على نص واضح في آية معينة (والآية لا تحتما التأويل) ويستطيع رجل الدين أن يشير إليها بوضوح. وبغير ذلك يكون رجل الدين قد أتى بهذه الفكرة أو التطبيق أو السلوك من عندياته تماما، وبذا يكون خارجا عن جوهر عمله الديني وإلتزامه الديني في تطبيق ما يريده على المجتمع.
إن الناس لا نعترض مطلقا على رجل الدين حين يأتي بأفكار من عندياته وأن يطور الآراء والتطبيقات لما تتطلبه حاجة المجتمع المتطور دائما، و لكن مثل هذا التطور الإجتماعي لابد إنه سيكون خارجا عما هو في القرآن أو ما كانت عليه الحياة في زمن الرسول محمد. فالتطور والتغيير عما كان عليه المجتمع قبل ألف واربعمائة سنه شيئ صحيح ومنطقي ومفيد ونافع جدا وينبغي أن يحصل دائما، كون سنة المجتمع هي التطور وليس السكون. وسنشد على أيدي رجال الدين المطورون للأفضل. أما بالنسبة للتجمعات الإنسانية الأخرى، فليس غريبا عليهم تغيير خططهم وأفكارهم إذا ما وجدوا إن هناك نقصا أو خطا في أفكار وتوجهات سابقة، فالتغيير للأفضل هو ضمن فلسفتهم في الحياة، وهو ما يعني صلاح تغيير أفكارهم إذا ما وجدوا إن ذلك صحيحا نافعا. وهذا ما يتناقض معه رجل الدين الإسلامي الملتزم بنص الآيات القرآنية وسنة الرسول محمد. لذا يمكن إعتبار رجل الدين الإسلامي إنه يتبنى سلوكا متناقضا إذا أقحم أفكاره الشخصية وأعطاها رداء دينيا، ذلك لأن هكذا أفكار هي أفكاره الشخصية، وبالتالي ليس لها علاقة بالقرآن والسنة النبوية. فهو من ناحية ملتزم بالنص القرآني حرفيا ولا يخرج عنه، و ولكنه في الواقع يطبق أفكاره، أي هو ملتزم وغير ملتزم بالدين في نفس الوقت، حسب مصلحته الذاتية وبما تمليه عليه المنافع. وبالتالي يحصل ضرر على المجتمع كله، يحب إيقافه.
ينبغي إنسجام رجل الدين مع الدين:
إن رجل الدين (كما قيل أعلاه ) هو من عرف أمور الشريعة وبطبقها وينصح بها الناس بالطرق الأصولية الطيبة، وهذه وظيفته. وكي يكون رجال الدين، كذلك، منسجمين مع دينهم، عليهم:
أن لا يدعوا (بدون حق) إنهم وسطاء بين الله والناس. فلم يخولهم أحدا بهذه الوساطة. إن الله جعل النبي محمدا آخر الرسل والأنبياء، والنبي محمد لم يشير إلى خلفاء من بعده إلى أبد الآبدين. لذا لا يحق مطلقا لأي رجل دين او أي سلفي أو أي فرد من الإخوان المسلمين او أي مفتي أو أي آخر أن يجعل من نفسه وسيطا بين الله و بين الناس ، لا في الصلاة ولا في الصوم ولا في الأخلاق والسلوك ولا في أي ناحية من نواحي الشريعة أو الحياة. ورجل الدين الذي يفرض نفسه وسيطا فإنما يكفر جهرا بالله وبالإسلام ويكون جائرا على المجتمع وظالما له.
وعليه، كذلك، فإن على رجال الدين والسلفيون والإخوان المسلمين وغيرهم أن يبتعدوا عن الحياة السياسية المدنية للمجتمع، وينشغلوا بإهتماماتهم ووظائفهم الدينية الشرعية فقط في الجوامع والمساجد. أن يتركوا الحياة الإجتماعية والعلمية والسياسية وغيرها للناس، لتسيير أمور الناس بالناس أنفسهم الذين وضعوا البرامج لحياتهم.
#عدنان_يوسف_رجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحضارات والتطرف القومي
-
مظاهرات الحكام
-
فاقد الشيئ لا يعطيه: الحكام العرب يفتقدون للوعي والمصداقية
-
تغيير في مسيرة الشعب المصري
-
الأوضاع العربية الحالية ومؤتمر القمة القادم في بغداد
-
وسقط نظام بن علي الدكتاتوري الهش
-
ملاحظات حول مبادرة السعودية في الشأن العراقي
-
قيمة الإنسان في شيلي وفي منطقتنا العربية والإسلامية
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|