|
اغتيال الثورة السورية
هيفيدار ملّا
الحوار المتمدن-العدد: 3692 - 2012 / 4 / 8 - 00:08
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
باتت الثورة السورية قاب قوسين أو أدنى في دخول مرحلة جديدة من خط النهاية بعد أن استخدمت كافة السبل لإيقافها من قبل النظام من جهة، و اسقاطه على يد الشعب من جهة أخرى، فلا النظام حسم أمره ولا الشعب استطاع فك شيفرة اسقاطه حتى الأن، وهذا لا يعود لقلة الحراك و الثورة بل إلى الآلية الفاعلة في اسقاط النظام خاصةً أن ما مفاتيح الحلول مازالت بيد العالم الغربي الذي لم يلبي مطالب الشعب ولا يسانده بشكل جدي في ثورته. ما بين الواقع والمنطق تحذوا بنا أمور جمّة نحو الصوابية في تحليل الأمور وعدم الاجترار خلف العواطف الجياشة و التأملات الشائبة، ليس عنوان الاغتيال سوى مقاربة لواقع ملموس بات يتخطى بثوابته نحو الثورة السورية المباركة، أثبتت لنا النظرية أن ما يصنعه الأطفال والشباب في كوكبنا على الأقل مازال يتحكم فيه الشيوخ الكهلة. ذاك "المانشيت" الجزئي يعبر في كلماته المثل القائل "خير الكلام ما قل ودلّ"، فلا يحتكم لعبارات فضفاضة تجعلنا نتيه احياناً في مجهول السياسة العميق وهو ينافي قيم الاخلاق، مجتازاً حدود الضمائر في معالجة الأمور وبنظرة غير إنسانية. لقد بدأت الثورة السورية على يد براعمها وهم في مقتبل العمر حيث تتفتح الزهور في ربيعها لتلاقي واقع تسونامي والربيع القادم نحو الشرق، عفوية الأطفال في بزوغ شمس الثورة كللّتها دماء الشباب الذين سطروا بها اسمى آيات البطولة والفداء، ولن ابالغ إن وصفتها بملحمة القرن، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، يبدو أن ثورة الشباب لم يحتملها عقل القوى العالمية المصاب بداء الزهايمر وهو يقف عاجزاً عن إخراج هذا الشعب من محنته القاسية. تتركه وحده يجابه عصا القتل والبطش والتنكيل دونما مواربة من نظام باتت الدموية صفته المتلازمة. مرّ على الثورة السورية ثلاثة عشر شهراً وانتقلت من مرحلة لأخرى، بدأت بالسلمية فانقض النظام كذئب جائع على براثن الشعب يقتل ولا يجد رقيب، منتكهاً كافة التشريعات العالمية والدولية، ليكتفي الشعب بالصمت الصارخ والصدور العارية أمام ترسانة القتل والبطش. هنيهةً.. بات أبناء الجيش الشرفاء يستعيدون ذاكرة قسمهم في الدفاع عن أبناء شعبهم. فكانت بداية مرحلة جديدة من الانقسامات العسكرية زرعت التفاؤل على وجوه الشعب الأعزل، استغل النظام الصمت العالمي وحديثه الرائج عن وجود اوكار مسلحة يجب بتّرها بات المنشق مصنفاً فيها حسب قاموس النظام بخانة المسلّح الفّار الذي يجب القضاء عليه، إن الهجمة الشرسة لقوات النظام على المدن والقرى الملتهبة أدت لهيجان وبركان شعبي حتى تساوى لدى الثوار مفهومي الموت والحياة وهو لا يبرح إلا أن يكمل مسيرة الثورة واسقاط هذا النظام تحت شعار "الموت ولا المذلة". إن التحرك العالمي البطيء اتجاه القضية السورية على عكس باقي ثورات الربيع العربي ومناطقها. شكل حالة من الانقسام العالمي، ومنعطفاً جديداً لتشتيت القوى في حل المسألة السورية، ما شكل دافعاً قوياً لدى النظام في اكمال مهمته بالقتل والقصف والتشريد للأهالي من أماكن تواجدهم، في حين أن كل المهل والفرص التي منحت للنظام أفشلت مخططه في وقف الثورة السورية وبقي الشعب صامداً غير أبهٍ لكل ذاك العنف في وقف تظاهراته وهذا ما أجبر العالم على العمل بجدية في اتخاذ قرار يضمن حرية وكرامة الشعب، خاصةً أن المنطقة باتت على شفير حرب أهلية كان للنظام دور كبير في اشعالها. إن النظام العالمي كله بات شريك اساسي في قتل أبناء الشعب السوري، لأنه لم يحقق ما يبتغيه هذا الشعب وكأن القوى العالمية مصابة بداء الشيزوفريينا في عدم الوصول لحل جذري للقضية السورية، خاصة أن سوريا دولة ذات موقع استراتيجي في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة. أمام كل هذه التحديات والمراحل والتقدم الجزئي في رؤية القوة اتجاه الثورة السورية بالآونة الأخيرة، بتنا أمام البوابة النهائية للوصول لحلٍ ينهي هذه الازمة بعد تعين المندوب الأممي "كوفي أنان" الذي وضع نقاطه الست أمام النظام تضمنت الوصول لحل جذري الحل الذي لاقى موافقة البيت الأبيض والكرملين ولو شفهياً، أحد الشروط تتمثل في إعادة الجيش للثكنات والسماح بالتظاهرات السلمية وهذا يعتبر في قاموس النظام نهايته، لذا مازالت هناك شكوك بتطبيق النظام لهذه النقاط، هنا ربما بات النظام بين فكي كماشة إما قبول خطة "أنان" والعمل عليها أو أنه سيكون للعالم خيارات أخرى لم تتضح بعد!!. التراخي المتأخر في الموقف الروسي اتجاه القضية السورية واعترافه بارتكاب النظام اعمال عسكرية ضد المدنيين مع موافقته على خطة "أنان" يدل على أن روسيا والغرب وصلوا لصيغة معينة ولو من خلف الكواليس، وأن المستقبل السوري قد خرج من البوابة العربية على لسان "زيباري" في القمة العربية وبات الحل بيد الدول الغربية التي ستتحكم في مجريات الأمور. تطفح على السطح اشارات بأن الحلول قادمة على تسوية بين طرفي النظام والمعارضة، خاصةً أن الغرب وأمريكا باتّا يدركان أنه ليس من بديل حقيقي موجود يستلم زمام الأمور بعد النظام، كما أن هذا النظام غير قاد على قيادة الشعب. إن حل التسوية في حال وافق النظام والمعارضة عليه سيكون حلاً بعدم انجرار سوريا لحرب أهلية، كما يحافظ على البنية المؤسساتية والتحتية للدولة، رغم أن هذا الحل سيلاقي غضب جماهيري وثوري واسع إلا في حال رافقه نقل للسلطة ورحيل الأسد. من الناحية الإنسانية الكل بات يعلم أن الثورة السورية كانت ثورة حقيقية بكل ما تملكه الكلمة من معنى. ثورة شعب بامتياز، لكن للأسف المستوى السياسي المتمثل في المعارضة لم يرتقي لذاك المستوى الشعبي الذي أثبت خلاله الشعب السوري أنه يستحق الحرية والكرامة وتقرير مصيره بنفسه، لكن التوازنات الدولية والتغيرات الحاصلة جعلت كل التكهنات والعمل الأخلاقي خلف اعتابها، ولم يبقى للشعب السوري إلا "الله" يعينه في نكبته على مرّ شهور الثورة وهو يدرك أن كل العالم خذله ووقف صامتاً ويشاهد جرائم النظام الدموية، لكن الشعب السوري بات يتمثل بحكمة ووعي أكثر، ما أن تنتهي محنته ويرحل هذا النظام سيعيد كل حساباته في بناء سوريا الجديدة وعدم السماح بالعودة لعهود الاستبداد والظلم. بات جلياً أن الشعب السوري أصبح رمزاً للبطولة في كل أرجاء المعمورة بشيبه وشبابه وأطفاله ونساءه، وأنه انجز ملحمة اسطورية ضد اعتى الأنظمة ظلماً وتنكيلاً عندما كسر جدار الصمت والخوف المدقع الذي عاشه طيلة أربعة عقود، الثورة السورية باتت على مفترق طريقين ترسم خارطته دول الغرب. خاصة بعد أن تم التأكد بأن الحل العسكري مستحيل وهذا ما بدت بوادره واضحة في زيارة كلنتون للسعودية والضغط على قطر لتتراجع كلتا الدولتان الخليجيتان عن تصريحاتهم بدعم الجيش الحر وتدخل عسكري عربي أو أممي. إن ما يهم الشعب السوري في نهاية المطاف هو العيش الرغيد و والوصول لأمانيه في الحرية والكرامة. والأهم من هذا وذاك هو اسقاط النظام ورحيله بشتى الوسائل حتى لو كلفهم هذا ثمناً باهظاً بضعف ما دفعوه حتى الأن من شهداء ومعتقلين ومفقودين ومهجرين، التسوية القادمة لا تقارن بالدماء التي سفكت البتّة، لكن الشعب السوري واعٍ وبات يدرك أن العالم سيبقى صامت اتجاهه، إلا أن رحيل النظام بكل تركيبته سيفتح آفاق جديدة وانتصار هام للشعب السوري الذي لم ولن ينسى سكوت العالم أجمع اتجاه ثورته المغتالة في نهاية المطاف.
#هيفيدار_ملّا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة السورية... ورهان المرحلة
المزيد.....
-
صوفيا ملك// لنبدأ بإعطاء القيمة والوزن للأفعال وليس للأقوال
...
-
الليبراليون في كندا يحددون خليفة لترودو في حال استقالته
-
الشيوعي العراقي: نحو تعزيز حركة السلم والتضامن
-
كلمة الرفيق جمال براجع الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي ال
...
-
الفصائل الفلسطينية تخوض اشتباكات ضارية من مسافة صفر وسط مخيم
...
-
الجيش اللبناني: تسلمنا مواقع عسكرية من الفصائل الفلسطينية
-
مباشر: حزب النهج الديمقراطي العمالي يخلد ذكرى شهداء الشعب ال
...
-
مظلوم عبدي لفرانس24: -لسنا امتدادا لحزب العمال الكردستاني وم
...
-
لبنان يسارع للكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسرا في سوريا
...
-
متضامنون مع «نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس» وحق الت
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|